تمر أشهر قليلة على عودتى للوطن، أفوز خلالها بالمركز الأول بالتمثيل على المسرح الجامعى وأكوّن الكثير من الصداقات الطيبة، بعدها تأتى عطلة الصيف لأستقبل أسرتى حيث كان التوأم أسامة وأحمد يستعدان لدخول الجامعة، وفى المطار أهدانى أبى هدايا ثمينة مبالغاً (...)
كنا نكبر فى المنزل ذى رائحة التفاح والأيام تمضى سريعاً، وتتحول الجراء الصغيرة أشبالاً يافعة، نتقن أنا وإخوتى اللهجة البحرينية كسكان البلاد الأصليين، ونتقن كل تفاصيل الحياة هناك ودقائقها، بل ونهواها، اختلفنا كثيراً عن أقراننا من أبناء العائلات (...)
مرت الأيام فى المنزل ذى رائحة التفاح حميمة، هادئة وعطوفة كأجواء وعبير تلك البلاد الخليجية الطيبة (البحرين)، وقتها كان كل شىء يسير على ما يرام، وبهدوء وجمال فائق، هكذا بدا الأمر وفجأة دون سابق إنذار تقوم حرب الخليج، لقد كان العام 91، كنت وقتها فى (...)
يوم العيد فى المنزل ذى رائحة التفاح كان يختلف بعض الشىء عن المنازل التى حوله كبيت لوافدين مصريين وسط بيوت المواطنين البحرينيين.
ففى الثمانينات والتسعينات كنا نحمل الوطن الأم معنا بصور كثيرة ونتفنن فى جلب كل ما يذكرنا بالغالية مصر، وكان من هذه (...)
وقبل منتصف الليل من كل يوم وبعد صلاة التراويح يأتى موعد (الغبقة) وهى وجبة بين الفطور والسحور، تعد لها الولائم والعزائم فهى تقريباً الأكلة الرئيسة، حيث إن الفطور يكون سريعاً وعلى عجل للحاق بموعد صلاة العشاء والتراويح، ويكون طعام الغبقة غالباً (...)
تمر أيام قليلة ونسجل فى المدارس البحرينية أنا وإخوتى، ودخلت الصف الأول الابتدائى، مرتدية «المريول» وذهبت لمدرستى الحبيبة، كان يومى الدراسى الأول، الذى كان بعد بدء الدراسة بأشهر قليلة، ميّزت أذنى أطفالاً ومدرسين يتحدثون بلهجة لا أفهمها، أخذت أراقب كل (...)
كانت جارتنا وعباءتها السوداء وصينية حلواها اللذيذة بداية كسر الحاجز بيننا وبين محيطنا الجديد وجيراننا الأعزاء، وبالطبع رددنا صينية الحلوى بأكل مصرى يعشقونه. وظلت أطباق الطعام تُتبادل بيننا وبين أبناء الحى الحميم على مدار اثنى عشر عاماً ولا تعود (...)
وبما أن المنزل ذا رائحة التفاح كانت بلاده مملكة البحرين، إذن حان وقت معرفتها عن قرب.
إن البحرين (أرخبيل)، أى مجموعة جزر عددها 33 جزيرة، وقد كانت 32 وبعد سنوات من الخلاف مع قطر حول الجزيرة ال33 أخذتها البحرين باللجوء للتحكيم الدولى.
والبحرين اسم (...)
وبينما نحن فى منتصف وجبة الفطور إذ بعباءة سوداء يظهر منها وجه امرأة تظهر فجأة من خلف الباب الزجاجى الداخلى للمنزل. استغربنا، بل بُهتنا، ووقفت لقيمات الطعام فى حناجرنا رعباً من هذه المرأة، ماذا تريد، بل وكيف دخلت المنزل أساساً؟!
ما زالت المرأة تنظر (...)
وبعد تناول العشاء المميز والشهى ذهبنا لفتح أكياس وعلب الهدايا، وظل أبى ينظر إلينا كل حين وكأننا كنا دهراً عنه غائبين، وذهب الجميع إلى حجرة نومه وبقيت أنا فى حجرتى الجديدة، دخلتها خائفة وحيدة، ولكننى حاولت تذكر كلمات أبى الحماسية عن شجاعتى وإقدامى (...)
الجولة الأولى بالمنزل
تخففنا أنا وإخوتى من معاطفنا ومن خجلنا وانطلقنا مع أبى إلى حجرات المنزل يقدمنا إليها وعليها يعرفنا.
كان الطابق الأرضى أو الأول به بهو متوسط الحجم يحوى طاولة سفرة صغيرة وحولها طاقم من الكنبات المريحة كحجرة للجلوس، وكان لهذا (...)
الوصول الهادئ
ووصلت الطائرة بسلام، ونزلنا ذاك المطار الحميم وتلك البلاد الرائعة، وكان الحب ينتظرنا بالمطار..
نعم، الحب والدفء والأمان. كانت أحضان أبى بها هذه المعانى جميعاً، وضمنا إلى صدره بادئاً بأمى ثم بفراخه الصغار، فقد كان أبى دائماً معنياً (...)
نورا
توقفت الطائرة التى هى للقارات عابرة فى تلك الرحلة الأولى الآسرة (ترانزيت) لتقل ركاباً آخرين ونحن ما زلنا نراقب ونتابع ونواكب، وصعد الركاب الجدد وكان بينهم مجموعة مميزة يبحثون عن مقاعدهم ويبحث الجمهور عن فرصة للحديث معهم؛ فهم وجوه معروفة بل (...)
كان العام 82 حيث انتقلنا للعيش بدولة البحرين الحبيبة لظروف عمل أبى هناك الذى سبقنا بأشهر قليلة إلى تلك الأرض الطيبة، وخلال تلك الأشهر كان أبى قد خط عشرات الخطابات التى بث بها شجونه ولواعج وحدته ومرارة اغترابه من دوننا، فقد كان قلبه دائم التعلق بنا (...)
وبعد أن تمنت أمنيتها حول نافورة حديقة المشفى الذى يعالج فيه «عزيز» عادت إلى «عزيز» وحجرته، وهناك وجدت طبيباً وممرضة شابة ووجه «عزيز» مغطى بملاءة بيضاء.. ورحل العزيز.
ودُفن «عزيز» فى قونية اقتداء بمحبوبه «الرومى» كما تمنى. و«إيلا» التى تشربت عزيز (...)
ويمر عام.. وفى مدينة قونية بتركيا صحت «إيلا» من نومها على كرسى بلاستيكى بقرب سرير «عزيز»، وفتحت عينيها فجأة على صوت أذان الفجر، واستغرقت دقائق حتى تدرك أنها فى غرفة المشفى الذى دخله عزيز عقب وصولهم قونية بأربعة أيام لتدهور صحته وتعرضه للإغماء (...)
وفى حوارهما عن مرض عزيز وانتظاره الموت خلال أشهر، قالت إيلا فى أمل يائس «سيكون أمامنا وقت»، فأجابها عزيز «إن الأطباء قالوا إنه بقى لى من الوقت ستة أشهر فقط.. ربما أصابوا وربما لا». وأكمل «وأنا كما ترين لا أملك لك غداً ولكن فقط اللحظة الراهنة، فى (...)
ومضت خمسة أيام لعزيز فى بوسطن، ورأت إيلا نفس المدينة التى اعتادت زيارتها بشكل مختلف، فقد بدت ملوّنة، رائعة تعجّ بالحيوية، وتساءلت: أكانت عمياء من قبل فلم تر كل هذا الجمال؟!
رسالة: إنك قد ترى نفس الأماكن كل مرة بشكل مختلف، فالأمر يتوقف على صحبتك (...)
وبعد أن وقع نظرها على عزيز واحتست معه فناجين القهوة واحداً بعد الآخر انسحبت فى دوامة لم تعرف كيف ولا متى بدأت، فى الحقيقة هى لم ترغب فى منع نفسها من ذاك (الضياع الحلو) ولهذا لم تعرف كيف تحول الحوار بينهما آخذاً نبرة حميمية وبهذه السرعة، حتى إنها لم (...)
وبعد أن قرأت إيلا رسالة الهاتف النقال التى قال فيها عزيز إنه وصل بوسطن ويريد رؤيتها وبعد أن ارتبكت وأربكت، ألقت الهاتف جانباً ملقية معه صدمتها الحلوة وأكملت الجلسة مع أسرتها مشرعة فى تناول الحلو ولكن رأسها كان ما زال يدور، وكان ديفيد المتربص منتبهاً (...)
تستمر «إيلا» فى كتابة رسالتها ل«عزيز» وتذكر نفسها وإياه أنهما لم يتقابلا بعد.. وكيف أن هذا التساؤل التعجبى يعيدها إلى واقع وحقيقة الأمر بينهما فتسأله من بعد ذلك ماذا عساها أن تفعل تجاهه وتجاه مشاعرها نحوه؟ فقد وصل الأمر إلى نقطة مفصلية، نقطة يجب (...)
وبعد القنبلة التى فجرتها إيلا بوجه ديفيد ذهبت من فورها لكتابة رسالة لعزيز فقد أرادت أن تبلغه قرارها بأنها تحبه!! وكتبت إيلا لعزيز رسالتها القاطعة التى تقطع بها على نفسها وعلى العالم أى سبيل للرجوع والتقهقر وقالت: «لقد قررت أن أخط إليك رسالة فى هذا (...)
ترى ماذا حدث مع «أيلا»؟! أهى فعلاً تنتقم من خيانات «ديفيد» لها؟! ترى أتثأر لكرامتها ولقلبها؟! فى اعتقادى أنها فقط تذكرت، تذكرت لحظة كانت تحادثه ولا ينظر إليها، تذكرت حين كان يصحو وينام على جواله، منتظراً أى أحد إلاها، أظنها تذكرت حينما كانت تنظر (...)
وبدافع من الملل والضجر أثناء انتظار عزيز مساعدة الصوفيين له للسفر لمكة والمدينة، وفى تلك التكية المنعدمة من مظاهر الحياة الحديثة بل مظاهر الحياة عموماً بدأ عزيز يقرأ فى الفلسفة الصوفية وأشعارها، ومن ثم بدأ يهتم ويصيبه الفضول والانجذاب وبدأ يتوق (...)
كتب «عزيز» ل«آيلا» بأنه سعيد لأنها أحبت روايته، كما ذكر لها أيضاً أنه لم يعتد الحديث عن الماضى، إلا أنه شعر بالارتياح عندما حكى لها ذاك الماضى، وكيف كانت خطوات تحوله إلى الإسلام ثم الصوفية (أو بالأحرى الصوفية ثم الإسلام)، وأكمل لها فى رسالته أنه (...)