يوم العيد فى المنزل ذى رائحة التفاح كان يختلف بعض الشىء عن المنازل التى حوله كبيت لوافدين مصريين وسط بيوت المواطنين البحرينيين. ففى الثمانينات والتسعينات كنا نحمل الوطن الأم معنا بصور كثيرة ونتفنن فى جلب كل ما يذكرنا بالغالية مصر، وكان من هذه التذكارات (منقاش كعك العيد وقوالب الكعك) بالطبع كان هناك أدوات لنقش الكعك ولكننا كنا نحرص على حمل منقاشنا المصرى التراثى حنيناً للوطن وللأيام الخوالى. وفى الليالى الأخيرة من رمضان المبارك نبدأ فى التجمع نحن وأصدقاؤنا من الأسر المصرية، ويمتلئ المنزل ذو رائحة التفاح بأوانى الدقيق وتملأ الأجواء رائحة الفانيليا والعجمية والتمر، ونتشارك نحن الأطفال الصغار فى هذا المهرجان الحميم وعلى بعد خطوات فى جهاز التليفزيون تصدح نيللى ومن بعدها شريهان بالفوازير وعلى أنغام تتر «ليالى الحلمية» نستمر فى اللهو بقطع العجين صانعين به كعكنا المنزلى الخاص، وتبدأ أولى الصينيات بالخروج من الفرن وسط صيحات عالية وبهجة أعلى، ويأتى دور رش ذرات السكر المطحون فيكون ما يعلق منه على ثيابنا ووجوهنا أكثر ما يستقر على قطع الكعك نفسها فى هستيريا ضحك متواصل يتخللها صراخ الأمهات غضباً من كم الدمار الذى يلحق بالمكان ولا يسكتهن إلا تذوق الجميع باكورة الإنتاج بسعادة وفرح كبيرين. ومن بعدها نذهب أنا وإخوتى وضيوفنا المصريون للعب بالحى مع أهل الحى الألعاب البحرينية التراثية منها الخشيشة (الاستغماية) والسكينة (الأولى) ولعبتنا المصرية الشهيرة (الكلب الحيران) نلهو داخل المنزل بالمصرى وندلف خارجه نصدح ونلهو بلهجة أخرى، وبطريقة أخرى، إنه الامتزاج فى ثقافة الآخر والذوبان بها. ونحرص نحن بنات الحى والبلاد جميعها على الحصول على نقوش الحناء الجميلة، التى كانت ترسمها لنا عادة جارتنا الحبيبة أو عاملة هندية فى منزلنا، المهم أن تكون النقوش فى غاية الروعة والفن. وينتهى الجهاد الكبير فى أواخر أيام رمضان بين إقامة التراويح فى المسجد وبين تفقد المحلات لاختيار ثياب العيد السعيد، الذى نصحو به باكراً نحن الأسرة المصرية الوافدة لتلك البلاد الواعدة، ليبدأ احتفال آخر حيث تكون تلك الملابس الجديدة فى الانتظار تتحين لحظة اللقاء معنا تاركة خزانة الملابس لتعانق أجسادنا الصغيرة الفرحة بها. يذهب أبى وأخواى التوأمان لصلاة العيد ثم يعودون للمنزل ونتناول أطايب حلويات العيد والكعك والترمس وتكون الحلوى البحرينية اللذيذة بالقرب دوماً و(دلة القهوة العربية الطازجة صنع جارتنا الغالية) وبالطبع أحد صحون كعكنا يكون قابعاً متربعاً فى منزلها. وتبدأ المكالمات الهاتفية الأرضيّة بالطبع، إذ إن ذاك الاختراع الخلوى لم يكن قد ظهر بعد، ونعايد الأهل فى مصر الحبيبة بين ضحكات ودمعات، بين مشادات ونكات، وبينما يستعد أبى وزملاؤه من أساتذة الجامعة المصريين لتلبية دعوة غداء فى سفارتنا هناك نكون نحن فى ترقب لعودته، جاهزين بأبهى زينة للانطلاق والتنزه والذهاب لمقابلة العيد شخصياً، ويكون ذلك بالمرور على باقى الأصدقاء ومعايدتهم والسمر والسهر وتبادل العيديات الرائعة التى كانت تجلب الكثير من الأمور الثمينة وقتها. وينتهى يوم العيد وقد استمتعنا به على الطريقتين البحرينية الخليجية والمصرية وتقترب أكثر المسافات ويترسخ عشق البلاد الجديدة ويوماً بعد يوم نبدأ فى حفر تاريخ لنا بها، ذكريات وأماكن وشخوص ما زالوا إلى اليوم أحباباً وأصحاباً، ويعلو الشوق لأم الدنيا ليخترق كل الحواجز ولا يعترف بالحدود ولا المسافات، وعند العودة فى آخر أول أيام العيد نكون متعبين مرهقين وبالداخل فى منزلنا ذى رائحة التفاح كانت تنتظرنا كل روائح العيد مختلطة، وهنا تخفت رائحة التفاح احتراماً لمراسم العيد السعيد.. وإلى اللقاء الأسبوع المقبل.