أعلنت الحكومة البريطانية إطلاق تحقيق مستقل واسع النطاق في مزاعم التدخل المالي الأجنبي في السياسة الداخلية، وسط تحذيرات متزايدة من محاولات قوى خارجية التأثير على مسار الديمقراطية البريطانية. ويأتي هذا التحرك الرسمي بعد واحدة من أخطر قضايا الفساد السياسي في السنوات الأخيرة، تمثلت في إدانة وسجن سياسي بارز سابق بتهمة تلقي رشاوى مرتبطة بدولة أجنبية، ما أعاد فتح ملف تمويل الأحزاب، والرقابة على التبرعات، وحدود الاختراق الخارجي للنظام السياسي في مرحلة ما بعد "بريكست". بريطانيا تطلق مراجعة مستقلة للتدخل المالي الأجنبي أعلنت المملكة المتحدة بدء مراجعة مستقلة للتحقيق في حجم وتأثير النفوذ المالي الأجنبي داخل الحياة السياسية البريطانية، وذلك في أعقاب سجن ناثان جيل، العضو السابق في البرلمان الأوروبي عن حزب الإصلاح البريطاني، بعد إدانته بتلقي رشاوى من شخص مرتبط بالكرملين الروسي. ووفقًا لما أوردته صحيفة «الجارديان» البريطانية، تستهدف المراجعة تقييم فعالية قوانين التمويل السياسي الحالية، ومدى قدرتها على التصدي لمحاولات التدخل الأجنبي، لا سيما من دول تصنفها لندن على أنها "معادية"، وعلى رأسها روسيا والصين. قضية ناثان جيل تشعل جرس الإنذار جاء الإعلان عن التحقيق بعد الحكم على ناثان جيل بالسجن لمدة 10 سنوات، عقب ثبوت تورطه في تلقي أموال مقابل العمل لصالح المصالح الروسية داخل المؤسسات الأوروبية. وتُعد القضية واحدة من أخطر الوقائع التي كشفت عن ثغرات محتملة في منظومة الرقابة على التمويل السياسي داخل بريطانيا. كما أعادت هذه القضية إلى الواجهة ملف كريستين لي، المحامية المقيمة في المملكة المتحدة، التي كشفت التحقيقات الأمنية أنها كانت تعمل سرًا لصالح الحزب الشيوعي الصيني، في واقعة أثارت جدلاً واسعًا داخل البرلمان البريطاني. ماذا يشمل التحقيق الحكومي؟ التحقيق الذي كلفت به الحكومة البريطانية سيركز على عدة محاور رئيسية، من بينها: مدى قدرة القوانين الحالية على رصد التمويل الأجنبي غير المشروع، وفعالية الضمانات المفروضة على التبرعات السياسية، ومخاطر استخدام العملات المشفرة في تمويل الأحزاب، وصلاحيات لجنة الانتخابات البريطانية في إنفاذ القانون، والقواعد المنظمة لتمويل جميع الأحزاب دون استثناء. ويهدف التحقيق إلى سد أي ثغرات قد تسمح بتسلل أموال أجنبية إلى العملية السياسية. وخلال جلسة برلمانية، قال وزير المجتمعات البريطاني ستيف ريد إن ما جرى يمثل "وصمة عار على الديمقراطية البريطانية"، مضيفًا أن سياسيًا بريطانيًا تلقى رشاوى لخدمة نظام أجنبي متورط في انتهاكات جسيمة، من بينها ترحيل أطفال أوكرانيين واستخدام غاز الأعصاب على الأراضي البريطانية. وأكد ريد، أن المراجعة المستقلة تهدف إلى تعزيز نزاهة النظام الديمقراطي ومنع تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً. قيادة التحقيق وجدوله الزمني سيتولى قيادة التحقيق فيليب رايكروفت، السكرتير الدائم السابق لوزارة الخروج من الاتحاد الأوروبي، على أن تنتهي أعمال المراجعة بحلول نهاية مارس 2026. ومن المقرر أن تُستخدم نتائج التحقيق في صياغة مشروع قانون الانتخابات والديمقراطية المزمع تقديمه العام المقبل. وأوضح مسؤولون أن التحقيق سيركز على مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولن يتطرق إلى مزاعم التدخل الروسي في استفتاء عام 2016، وهو ما أثار خيبة أمل لدى بعض الداعين لإعادة فتح هذا الملف. فاراج يرحب.. وضغوط سياسية متبادلة من جانبه، رحّب زعيم حزب الإصلاح البريطاني نايجل فاراج بالتحقيق، واصفًا ناثان جيل ب"التفاحة الفاسدة"، ومؤكدًا أن ما قام به "خيانة لا تُغتفر". في المقابل، واجه فاراج دعوات لإجراء تحقيق داخلي داخل حزبه بشأن أي صلات محتملة بروسيا، وهي دعوات رفضها حتى الآن. بدوره، قال زعيم حزب العمال البريطاني، كير ستارمر إن على فاراج تقديم إجابات واضحة بشأن كيفية حدوث هذا الاختراق. خطة أوسع لمواجهة التدخل والتجسس في السياق ذاته، أعلن وزير الأمن البريطاني، دان جارفيس، أن التحقيق يأتي ضمن خطة أوسع لمكافحة التدخل السياسي والتجسس الأجنبي، تشمل: إحاطات أمنية دورية للأحزاب السياسية، وإرشادات للمرشحين بشأن الأنشطة المشبوهة، والتعاون مع منصات مهنية للحد من نشاط الجواسيس. وأكد جارفيس أن "حماية الأمن القومي هي الواجب الأول للحكومة"، مشددًا على عدم التسامح مع أي محاولات للمساس بالمصالح الوطنية. جدل مستمر وأسئلة مفتوحة ورغم الترحيب الرسمي بالمراجعة، أثار نائب زعيم حزب الإصلاح البريطاني، ريتشارد تايس تساؤلات داخل البرلمان، منتقدًا الحكومة البريطانية ومطالبًا بتوسيع نطاق التحقيق ليشمل أي تأثير أجنبي محتمل على جميع الأحزاب، بما فيها حزب العمال، في إشارة إلى مزاعم سابقة بشأن تبرعات مرتبطة بشخصيات صينية. وأكدت الحكومة البريطانية، أن المراجعة ستغطي جميع أشكال التأثير الأجنبي دون استثناء.