مع إسدال الستار على جولة الإعادة لانتخابات مجلس النواب 2025، دخلت السياسة المصرية طورًا جديدًا من الترقب، حيث تحول الزخم الشعبي والسياسي من "حمى الصناديق" وصراع الفوز بالمقاعد إلى تساؤلات جوهرية حول أجندة "برلمان 2026". هذا المجلس، الذي يتشكل في ظل ظروف استثنائية محليًا وإقليميًا، لن يكون مجرد ساحة للتشريع الروتيني، بل يُنظر إليه كحجر زاوية في صياغة المرحلة الانتقالية المقبلة، حيث يواجه النواب الجدد اختبارًا عسيرًا لموازنة الطموحات السياسية مع ضغوط الشارع المطالب بحلول اقتصادية وحقوقية ملموسة. وتبرز اليوم مجموعة من الملفات "فائقة الحساسية" التي تفرض نفسها كأولوية قصوى على طاولة النقاش، بدءًا من إعادة صياغة التحالفات تحت القبة وترسيخ دور الأغلبية والمعارضة، وصولًا إلى قضايا الأمن القومي المائي والسيادة الاقتصادية. وبينما يترقب المتابعون حسم هوية رئاسة المجلس واللجان النوعية، تظل قضايا الإصلاح التشريعي في قوانين الإجراءات الجنائية والإيجار القديم هي المحك الحقيقي الذي سيحدد طبيعة العلاقة بين هذا البرلمان وبين المواطن المصري في مطلع ولايته الجديدة.
تشكيل الأغلبية والتحالفات (برلمان 2026) يتصدر حزب مستقبل وطن المشهد البرلماني لعام 2026 كقوة مهيمنة بعد استحواذه على "حصة الأسد" بنحو 120 مقعدًا في نظام القوائم وحده، بالإضافة إلى نجاحات واسعة في المقاعد الفردية، مما يمنحه القدرة على توجيه القرارات التشريعية الكبرى. ومع ذلك، لا يعمل الحزب بمفرده، إذ برزت تحالفات استراتيجية مع قوى صاعدة مثل حزب حماة الوطن (54 مقعدًا) وحزب الجبهة الوطنية (44 مقعدًا)، مما يشكل كتلة تصويتية صلبة تمثل "ظهيرًا سياسيًا" للدولة، يضمن تمرير القوانين الحيوية والملفات القومية بسلاسة تقضي على احتمالات الصدام التشريعي. وفيما يتعلق برئاسة المجلس، تشير أغلب التكهنات السياسية إلى استمرار المستشار الدكتور حنفي جبالي في منصبه لدورة ثانية، مدعومًا بخلفيته القضائية الرفيعة كرئيس سابق للمحكمة الدستورية العليا، وهي سمة باتت تقليدًا لضمان "الضبط الدستوري" للتشريعات. ومع ذلك، تتردد أسماء أخرى خلف الكواليس كبدائل قانونية قوية، لكن الرغبة في الحفاظ على استقرار إدارة الجلسات في ظل ملفات شائكة مثل "الإيجار القديم" تجعل من جبالي الخيار الأكثر ترجيحًا لقيادة البرلمان عند انطلاقه في يناير 2026. أما عن المعارضة المصرية، فبالرغم من محدودية عدد مقاعدها التي حصدتها أحزاب مثل المصري الديمقراطي، والوفد، والعدل، إلا أن الرهان الحالي لا يتوقف على "العدد" بل على "النوعية". وتدور النقاشات حول قدرة هذه الأحزاب على تشكيل جبهة برلمانية موحدة (تكتل معارض) لتعظيم تأثيرها داخل اللجان النوعية، حيث تسعى هذه الوجوه (مثل عبد المنعم إمام وضياء الدين داود) إلى لعب دور "ترمومتر الشارع" عبر تقديم استجوابات قوية وبدائل تشريعية ملموسة، لتجنب التحول إلى مجرد "ديكور سياسي" أمام أغلبية كاسحة. وأخيرًا، يواجه هذا التشكيل البرلماني الجديد اختبارًا حقيقيًا في شهوره الأولى، حيث يقع على عاتقه حسم قضايا تمس عصب الحياة اليومية للمصريين، وعلى رأسها قانون الإيجار القديم وتعديلات الحبس الاحتياطي. وسيكون البرلمان مطالبًا بإثبات قدرته على التوازن بين الدعم السياسي للحكومة وبين الدور الرقابي، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، مما يجعل أداء "الأغلبية" ومستوى "المعارضة" تحت مجهر الرأي العام الذي ينتظر تشريعات توازن بين حقوق الملاك واستقرار الأسر المصرية.
التعديلات الدستورية وقضية 2030 تُعد قضية "ما بعد عام 2030" المحور الأكثر تعقيدًا وحساسية في كواليس السياسة المصرية، حيث يُنظر إلى برلمان 2026 باعتباره المؤسسة التشريعية المنوط بها رسم ملامح المرحلة الانتقالية القادمة. ومع اقتراب نهاية الفترة الرئاسية الحالية للرئيس عبد الفتاح السيسي في عام 2030 وفقًا للدستور الحالي، بدأ المحللون يطلقون على هذا الملف وصف "الفيل في الغرفة"؛ كونه الموضوع الأهم الذي يدركه الجميع ولكن نادرًا ما يتم تداوله بشكل علني ومفصل، بانتظار إشارة البدء لفتح هذا الملف الشائك تحت قبة البرلمان. وتتمحور النقاشات الدستورية المتوقعة حول سيناريوهين رئيسيين؛ الأول يتعلق بإمكانية طرح تعديلات دستورية جديدة قد تتناول "مدد الرئاسة" أو صياغة مواد تسمح باستمرارية المشروع التنموي الحالي تحت مظلة قانونية محدثة. أما السيناريو الثاني، فيركز على ترتيبات "انتقال السلطة" أو "توزيع الصلاحيات" بين مؤسسات الدولة المختلفة (مثل مجلس الشيوخ، أو استحداث منصب نائب الرئيس بشكل أكثر فاعلية)، لضمان استقرار الدولة المصرية وتجنب أي هزات سياسية مع اقتراب الموعد النهائي للاستحقاق الرئاسي في 2030. وفي هذا السياق، يقع على عاتق نواب البرلمان الجديد مهمة تاريخية تتمثل في إدارة "حوار وطني" حقيقي حول هذه الترتيبات، لضمان صياغة مستقبل سياسي يحظى بتوافق شعبي ومؤسسي. فالهدف ليس فقط حسم الجدل حول مدد الرئاسة، بل وضع "خارطة طريق" تشريعية تضمن انتقالًا آمنًا ومستقرًا للحكم، أو صياغة عقد اجتماعي وسياسي جديد يتماشى مع طموحات "الجمهورية الجديدة"، وهو ما يجعل من برلمان 2026 البرلمان الأهم في تاريخ مصر الحديث من حيث التأثير على هيكل نظام الحكم مستقبلًا.
قانون الإجراءات الجنائية (قضية الحبس الاحتياطي) يمثل مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد أحد أكثر الملفات إثارة للجدل تحت قبة البرلمان، حيث يُنظر إليه بوصفه "الدستور الثاني" للبلاد كونه ينظم العلاقة بين حرية المواطن وسلطة الدولة في التحقيق والتقاضي. ورغم الموافقة المبدئية عليه، إلا أن الجدل لا يزال محتدمًا حول فعالية المواد المتعلقة بالحبس الاحتياطي، وسط مطالبات بضرورة وضع حد أقصى غير قابل للتمديد لمدد الحبس، لضمان ألا يتحول الإجراء الاحترازي إلى "عقوبة مسبقة" تقضي على مستقبل المتهمين قبل صدور أحكام قضائية نهائية بحقهم. وفي خطوة أثارت تساؤلات قانونية واسعة، تقرر إرجاء التطبيق الكامل للقانون حتى أكتوبر 2026، وهي مهلة مُنحت لمؤسسات العدالة (الشرطة، والنيابة، والمحاكم) لتهيئة البنية التحتية والتقنية اللازمة لتفعيل "بدائل الحبس الاحتياطي" مثل المراقبة الإلكترونية أو الإقامة الجبرية. هذا الإرجاء خلق حالة من القلق لدى الحقوقيين وأهالي الموقوفين حاليًا، الذين كانوا يأملون في استفادة ذويهم من المزايا القانونية الجديدة فورًا، مما يطرح تساؤلًا جوهريًا حول المسار القانوني الذي سيُطبق على المحبوسين خلال هذه "الفترة الانتقالية" الممتدة لعام تقريبًا. على جانب آخر، يبرز صراع "التوازن الأمني-الحقوقي" كعنوان رئيسي للاعتراضات التي تقودها نقابتا المحامين والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني. يرى المعارضون أن بعض المواد الجديدة تمنح مأموري الضبط القضائي صلاحيات واسعة قد تفتئت على حق الدفاع، خاصة في قضايا الرأي والقضايا السياسية، ويطالبون بمراجعة دقيقة للنصوص التي تمنح النيابة سلطات استثنائية في تقييد حركة المتهمين أو منعهم من السفر، معتبرين أن فلسفة القانون يجب أن تنحاز لصالح الحريات العامة كما نص الدستور. أخيرًا، يتوقع أن يشهد مطلع عام 2026 جولات جديدة من النقاش داخل اللجنة التشريعية بالبرلمان، حيث يسعى النواب المعارضون وبعض المستقلين لتقديم تعديلات "اللحظة الأخيرة" على مواد الحبس الاحتياطي والمنع من السفر قبل دخول القانون حيز التنفيذ الفعلي. الهدف المنشود هو الوصول إلى صياغة قانونية متوازنة تضمن للدولة قدرتها على مكافحة الجريمة والإرهاب، دون المساس بقدسية "الحرية الشخصية" وحق المتهم في محاكمة عادلة وناجزة تليق بمعايير حقوق الإنسان الدولية.
الملف الاقتصادي والرقابة على الحكومة يمثل الملف الاقتصادي التحدي الأكبر والرهان الحقيقي لنواب برلمان 2026، حيث يجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع ضغوط شعبية متزايدة ناتجة عن ارتفاع تكاليف المعيشة ومعدلات التضخم. هذا الوضع يضع النواب الجدد أمام "اختبار المصداقية"؛ إذ لم يعد المواطن ينتظر وعودًا عامة، بل يترقب سياسات ملموسة تحد من غلاء الأسعار وتحسن جودة الخدمات الأساسية، مما يفرض على البرلمان ممارسة دور رقابي أكثر صرامة على سياسات الحكومة الاقتصادية، وعدم الاكتفاء بدور "الموافق" على حزم الإجراءات التقشفية. وفي مقدمة هذه المهام، يأتي قانون المالية لعام 2026 الذي سيُطرح على طاولة النقاش فور انعقاد المجلس، حيث يتطلع الخبراء إلى كيفية تعامل النواب مع خطط خفض المديونية العامة وتقليص عجز الموازنة. سيتعين على البرلمان موازنة المعادلات الصعبة بين ضرورة خفض الإنفاق الحكومي من جهة، والحفاظ على مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية للطبقات الأكثر احتياجًا من جهة أخرى، وهو ما يتطلب "مشرطًا جراحيًا" تشريعيًا يضمن استدامة النمو دون المساس بالأمان المعيشي للمواطنين. على صعيد آخر، تبرز قضية مراجعة برنامج صندوق النقد الدولي والاتفاقيات الدولية كأولوية قصوى على الأجندة البرلمانية، حيث تتصاعد المطالب الشعبية والسياسية بضرورة إخضاع القروض الخارجية لرقابة مسبقة ولاحقة أكثر شفافية. ويتوقع أن يشهد البرلمان الجديد نقاشات حادة حول مدى جدوى القروض الجديدة وتأثيراتها بعيدة المدى على السيادة الاقتصادية، مع محاولات لفرض "سقف للدين العام" لا يجوز للحكومة تجاوزه إلا بموافقة برلمانية مشروطة بخطط سداد واضحة ومشروعات إنتاجية ذات عوائد سريعة. أخيرًا، لن تقتصر الرقابة على التشريع فحسب، بل ستمتد لتفعيل "الأدوات الرقابية" من طلبات إحاطة واستجوابات للوزراء حول أداء الصناديق السيادية وملف الاستثمارات الأجنبية. البرلمان مطالب في دورته القادمة بأن يكون حائط الصد الأول ضد القرارات الاقتصادية التي قد تزيد من الأعباء المعيشية، من خلال تقديم بدائل اقتصادية تعتمد على تحفيز الإنتاج المحلي ودعم القطاع الخاص، مما يعزز من قيمة العملة الوطنية ويقلل من فاتورة الاستيراد التي تنهك الموازنة العامة للدولة.
ملف مياه النيل والأمن القومي يأتي ملف الأمن المائي وقضية سد النهضة على رأس أولويات برلمان 2026، حيث يظل هذا الملف شاغلًا أساسيًا للرأي العام المصري الذي يرى في مياه النيل مسألة "حياة أو موت". وينتظر الشارع من النواب الجدد تقديم دعم سياسي وتشريعي كامل لتحركات الدولة المصرية في هذا الصدد، مع تفعيل الدبلوماسية البرلمانية عبر التواصل مع البرلمانات الإفريقية والدولية لشرح عدالة الموقف المصري، والتأكيد على ضرورة الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم ملء وتشغيل السد بما لا يضر بمصالح دول المصب. أما على الصعيد الإقليمي، فإن البرلمان الجديد ينعقد في ظل محيط مضطرب يفرض تحديات جسيمة على الأمن القومي المصري، لا سيما في ظل استمرار الأزمات في غزة وليبيا والسودان. ويتوقع أن يلعب البرلمان دورًا محوريًا في المصادقة على الاتفاقيات الأمنية ودعم المبادرات السياسية التي تتبناها الدولة لإحلال السلام في هذه المناطق، مع ضمان تأمين الحدود الاستراتيجية ومنع تسلل التهديدات العابرة للحدود، وهو ما يتطلب تنسيقًا رفيع المستوى بين اللجنة التشريعية ولجنة الدفاع والأمن القومي بالمجلس. وفيما يخص القضية الفلسطينية وما يحدث في غزة، يقع على عاتق البرلمان مسؤولية صياغة مواقف سياسية قوية تعكس نبض الشارع المصري الرافض لسياسات التهجير أو تصفية القضية، مع توفير غطاء تشريعي للجهود الإغاثية والإنسانية التي تقودها مصر. هذا الدور يتجاوز مجرد إصدار بيانات الإدانة، ليصل إلى صياغة تحركات برلمانية دولية تضغط من أجل وقف التصعيد وضمان حقوق الشعب الفلسطيني، مما يعزز من دور مصر كركيزة أساسية للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. أخيرًا، يتطلع المواطن المصري إلى أن يكون البرلمان بمثابة "حصن الدفاع الأول" الذي يمنح الحكومة والقيادة السياسية التفويض اللازم لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية مقدرات الوطن. وسيكون على النواب الموازنة بين دعم الانفاق العسكري الضروري لتحديث القوات المسلحة وحماية الحدود، وبين مقتضيات التنمية الاقتصادية، لضمان بقاء الدولة المصرية قوية وقادرة على مواجهة كافة السيناريوهات المحتملة في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة التي تشهدها المنطقة.