في قلب العاصمة الإدارية الجديدة، وتحت الساحة المهيبة لمسجد مصر، يقف متحف المقرئين كأول صرح عالمى يحتفى بتاريخ التلاوة المصرية ويصون إرث روادها الذين صنعوا وجدان الأمة بأصواتهم الخالدة.. هنا داخل مركز مصر الثقافي الإسلامي لا يدخل الزائر إلى مجرد قاعات عرض، بل يدخل إلى ذاكرة صوتية وروحية تمتد لأكثر من قرن، حيث تتجاور مقتنيات كبار القرّاء مع المخطوطات النادرة والمقتنيات النبوية الشريفة، في تجربة ثقافية غير مسبوقة.. فى هذا المكان يُعاد تشكيل تاريخ التلاوة، وتُروى سيرة أمهر من منحوا القرآن جماله الصوتي، فى مشروع يُعد الأول من نوعه عالميًا، يجمع بين القدسية والتكنولوجيا والتوثيق العلمى الدقيق، ليقدّم صورة جديدة عن مصر باعتبارها القلب النابض لفنون القراءة وعلوم القرآن. لذلك كان الحوار مع الدكتور حمدي السطوحي، رئيس صندوق التنمية الثقافية، فماذا قال عن المتحف؟.. ◄ كيف وُلدت فكرة إنشاء متحف المقرئين؟ وهل جاءت استجابة لاحتياج ثقافي أم مبادرة شخصية؟ الفكرة كانت بتوجيه رئاسى عام 2022، وخرجت من مكتب رئيس الجمهورية مرورًا بمجلس الوزراء، وتم تكليف وزارتى الثقافة والأوقاف بإنشاء متحف توثيقى لكبار المقرئين فى مصر. وبعد ذلك بدأ التحرك، حيث قام صندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة بالتعاقد مع استشارى لتصميم المتحف، ووقع الاختيار على المهندس كريم الشابوري، وتولت الهيئة الهندسية تنفيذ المشروع، وذلك فى إطار تعاون مشترك بين وزارتي الثقافة والأوقاف. كما تم تشكيل لجنة لتحديد كبار المقرئين الذين سيضمهم المتحف، وكانت هذه هى البداية الفعلية للفكرة. ◄ اقرأ أيضًا | الدماطي: مصر غنية بمتاحفها وتمتلك كنوز أثرية لا تُقدر بثمن ◄ هل يعنى ذلك أن إنشاء المتحف تم على مراحل؟ المتحف مر بمراحل كثيرة ومختلفة. ففى عام 2022 كان تصميم المتحف على مساحة أكبر من مساحته الحالية، لكن بعد الانتهاء من التصميم تم التعديل وتقليص المساحة، وهو ما أثر بدوره على تقليص عدد المقتنيات المعروضة حاليًا، كان طموحنا مساحة أكبر، ولكن فى النهاية جرى حصر المقتنيات داخل مساحة محدودة تتكوّن من أربع قاعات فقط. ◄ ما الهدف الرئيسي الذي تسعون لتحقيقه من خلال هذا المتحف؟ حفظ التراث؟ التعليم؟ أم تقديم تجربة روحية؟ المتاحف بوجه عام ليست مجرد أماكن لعرض المقتنيات فقط، فهذا هدف محدود للغاية، وكأنها مجرد خزائن حفظ، لكن المتاحف لها رسالة ومهمة تبدأ بتوثيق التاريخ: كيف نعرف تاريخنا؟ وكيف نقرأه ونستمتع به ونتعلّم منه؟ وكيف ننتقل من المعرفة إلى مساحات أوسع من الوعي؟ التعليم عنصر أساسي، لأنه يعرّفنا برموز وطننا وقيمتهم وقدرتهم. فما بالك عندما نتحدث عن متحف لكبار المقرئين المصريين؟ هنا نحن أمام قيمة استثنائية بكل المقاييس. ◄ ما أبرز المقتنيات التي يضمها المتحف؟ وهل حصلتم عليها من عائلات القرّاء أم من مؤسسات الدولة؟ فى بداية العمل وكأى متحف يوثق شخصيات تاريخية واجهنا صعوبة كبيرة فى تجميع المقتنيات والتواصل مع أسر مشايخنا العظام، خاصة أننا نتعامل مع شخصيات تنتمى إلى أزمنة سابقة، ولها بعد تاريخى وزمني. ثم تأتي مرحلة اختيار المقتنيات المعروضة، لأننا نتعامل مع مقتنيات شخصية شديدة الأهمية. والهدف هنا ليس عرض المقتنيات لذاتها، بل تقديم لحظات زمنية من حياة هؤلاء المقرئين المبدعين. هى ومضة يعود فيها الزائر إلى الماضى ليعيش إبداعاتهم، ويرى بساطة حياتهم، بينما يدرك أن نتاجهم الفنى يمثل قيمة عظيمة، وهنا تتجلى فكرة التعلّم: كيف نستلهم من هؤلاء الرواد؟ ◄ كيف يتم توثيق الجانب الإنساني للقرّاء، مثل مراسلاتهم أو مذكراتهم أو مقتنياتهم الشخصية؟ ينقسم المتحف إلى مساحات، كل مساحة مخصصة لأحد المقرئين، ويتم توثيق عدد من العناصر داخلها، مثل الصور والمقتنيات الشخصية وبعض الخطابات، إلى جانب توثيق رقمى لتلاواتهم، بحيث يجتمع التوثيق المادي مع التوثيق الرقمي. ◄ هل المشروع حكومي بالكامل أم يعتمد على شراكات مع جهات أخرى؟ المشروع هو نتاج تعاون بين عدة جهات، فى مقدمتها وزارتى الثقافة والأوقاف، وشركة العاصمة الإدارية، والهيئة الهندسية، إلى جانب كيانات حكومية مصرية أخرى، فضلًا عن التعاون الوثيق مع أسر المقرئين أنفسهم. ◄ ما رؤيتكم للمتحف بعد خمس سنوات؟ وهل هناك خطط للتوسع مستقبلًا؟ هذا سؤال راودني كثيرًا. فالمتحف تم العمل عليه عبر سنوات، ومر عليه عدد من الوزراء ورؤساء صندوق التنمية الثقافية وجهات متعددة. ◄ هل يمكن أن يتوسع المتحف مستقبلًا؟ أنا أراه نواة لمشروع أكبر، ليس بالضرورة فى نفس المكان، بل ربما من خلال قاعات ملحقة أو مواقع أخرى مستقبلًا. افتتاح هذا المتحف هو بداية لامتداد أوسع، وهو تنبيه إلى إرث ثقافى بالغ الأهمية يجب الحفاظ عليه والاعتناء به. ◄ هل تسعون لتسجيل المتحف كأول أرشيف عالمي لتاريخ التلاوة المصرية؟ فكرة تسجيل المتحف كأول أرشيف للمقرئين أو للتلاوة المصرية فكرة جديرة بالاهتمام، ليس من أجل التسجيل فى حد ذاته، ولكن لإبراز قيمته الثقافية والتاريخية والتراثية. الأهم هو أن نغرس هذا الوعى فى وجدان الشعب المصري، وأن نحافظ على تاريخه. وأضيف هنا أننى استشارى معمارى متخصص فى تصميم المتاحف، وأؤمن بأن قيمة المتحف لا تقاس بحجمه. فقد يكون متحفاً صغيراً جدًا لكنه مؤثر للغاية، فالمعيار الحقيقى هو القيمة التى يحملها، وليس المساحة. ◄ ما الرسالة التي تتمنى أن يخرج بها الزائر بعد انتهاء جولته داخل المتحف؟ الرسالة الأساسية هى أننا نملك ثراءً هائلًا. نحن أغنياء بما لدينا من تراث ثقافى وطبيعي، وقد حبانا الله بإمكانات عظيمة، وترك لنا الأجداد إرثًا غنيًا. يجب أن يدرك الزائر أننا مسئولون عن هذا الإرث: أن نحافظ عليه، ونتعلم منه، ونستثمره بحكمة. منذ بداية فكرة هذا المتحف، شارك فيه كثيرون، سواء من صندوق التنمية الثقافية أو وزارة الثقافة أو جهات أخرى. نحن اليوم نحصد ما زرعه من سبقونا، والشكر موصول لكل من أسهم فى هذا العمل.