جاء افتتاح متحف قرّاء القرآن الكريم، «الملحق بدار القرآن الكريم بمركز مصر الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإدارية الجديدة» ليؤكد اهتمام الدولة المصرية العميق بحماية تراثها الروحى والثقافي، وتخليد أعلام مدرسة التلاوة المصرية الذين شكّلوا وجدان العالم الإسلامى لعقود طويلة. ◄ 11 صوتًا خالدًا في صرح واحد بالعاصمة الإدارية افتتح المتحف د. أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، والدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، يرافقهما المهندس خالد عباس رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الجديدة. وتفقّد الوزيران أجنحة المتحف، الذى يضم مقتنيات خاصة ب11 من كبار قرّاء القرآن الكريم في مصر، وهم الشيخ محمد رفعت، الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي، الشيخ طه الفشني، الشيخ مصطفى إسماعيل، الشيخ محمود خليل الحصري، الشيخ محمد صديق المنشاوي، الشيخ أبو العينين شعيشع، الشيخ محمود على البنا، الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، الشيخ محمد محمود الطبلاوي، والشيخ أحمد الرزيقي، وذلك بحضور عدد من أفراد أسرهم. ◄ جولة «آخر ساعة» بالمتحف ما إن تطأ قدماك بوابة مركز مصر الثقافي الإسلامي في قلب العاصمة الإدارية الجديدة، حتى يبدأ شعور داخلي بأنك تدخل مكانًا لا يشبه أي مكان آخر؛ مزيج من هيبة العمارة وروحانية المكان يجعلك تشعر أنك تعبر من عالم إلى عالم، من ضجيج الدنيا إلى سكينة عليا. ومع كل خطوة نحو دار القرآن الكريم، تتبدل الإحساسات؛ الصوت يخفت، النفس يهدأ، والعيون تتسع لما هو قادم. تبدأ الرحلة داخل دار القرآن عبر ممرات طويلة، تصطف على جانبيها قاعات متتابعة، تحمل كل قاعة جزءًا من القرآن الكريم. الآيات محفورة على الجدران بحرفية مذهلة، تمتد كأنها أنهار ضوء، تضيء الممر وتمتد ببصرك إلى ما لا نهاية. تشعر للحظة أنك تمشى داخل سور من الجنة؛ الجدران تتوهج بحروف آيات الله، والنقوش تنبض بإيقاع روحانى يجعل القلب يسبق الجسد فى السير. ومع كل انتقال من قاعة إلى أخرى، تنتقل مشاعر الزائر بين رهبة وطمأنينة، وكأن المكان يعيدك إلى جذورك الأولى، إلى اللحظة التى تلامس فيها الكلمةُ القلبَ قبل الأذن. وفى نهاية مسار دار القرآن، تقف بلا حركة. أمامك المصحف العثماني عملاقًا بحجمه، مهيبًا بحضوره، محاطًا بإنارة خافتة تزيده وقارًا. فى تلك اللحظة، تشعر أن قلبك توقف لوهلة من شدة الخشوع؛ فهنا لا ينظر الإنسان بعينيه فقط، بل بروحه. ◄ اقرأ أيضًا | تعرف على متحف كبار القراء بدار القرآن الكريم بالعاصمة الجديدة ◄ حكاية الروّاد بعد هذه المحطة الروحانية يرتفع حاجز آخر وتدخل إلى جناح جديد يبدأ منه متحف قرّاء القرآن الكريم الملحق بدار القرآن. هنا تتحول الرحلة من نور الآيات إلى نور الأصوات، من نقش الكلمة إلى تاريخ من حملوا الكلمة وأوصلوها إلى وجدان العالم الإسلامي. يقع المتحف أسفل مسجد مصر، على مساحة تقارب 6730 مترًا مربعًا، ضمن مشروع معمارى ضخم يجمع بين الروحانية والتكنولوجيا الحديثة والتصميم المتحفى المتقدم. هذا المتحف، الأول من نوعه عالميًا، افتُتح ليؤكد اهتمام الدولة المصرية العميق بحماية تراث التلاوة، وتوثيق تاريخ أعلام المدرسة المصرية التى صاغت وجدان الشعوب الإسلامية لعقود طويلة. تصميم المتحف، الذى وضعه المهندس كريم الشابوري، يأخذك فى مسار منظم عبر أربع قاعات رئيسية. كل قاعة ليست مجرد مساحة عرض، بل مشهد حى من حياة القرّاء. وفى كل جناح، تشاهد عمائمهم، ومصاحفهم الخاصة، وأدوات التسجيل القديمة، وصورًا نادرة، وخطابات رسمية، وإجازات تلاوة، بل وأقلامًا ومكاتبات كُتبت بخط أيديهم. إنها التفاصيل الصغيرة التى تعيد الحياة لمن ظننا أن حياتهم توقفت عند التسجيلات. وقام المهندس كريم الشابوري بوضع سيناريو العرض المتحفي، فجاءت القاعات الأربع موزعة بطريقة تجعل الزائر ينتقل تدريجيًا من الجانب التاريخى إلى الروحاني، ثم إلى التفاعلي. هنا تُعرض المخطوطات الأصلية، وهناك تُخصص قاعات استماع رقمية تتيح لك اختيار القارئ والسورة والمقام، والاستماع إلى الصوت فى بيئة سمعية نقية. أما القاعات الجانبية فتقدم التسجيلات بلغات أجنبية، ما يجعل التجربة عالمية لا تخص العرب وحدهم. ◄ قاعات الاستماع أكثر اللحظات تأثيرًا فى المتحف هى لحظات الجلوس داخل القاعات الصوتية المغلقة؛ فبدلًا من سماع التلاوة عبر هاتف أو راديو، تستمع إليها كما لو كنت فى حضرة القارئ نفسه. الصوت يتسلل إلى داخلك، لا لأن التقنية متقدمة فحسب، بل لأن المكان مهيأ لأن تسمع بقلبك. وهذه القاعات الأربع تمثل رحلة متكاملة في حياة 11 من أعظم ما أنجبت مصر من القرّاء؛ متحف يضع الزائر أمام سؤال واحد: كيف صنعت مصر أجمل أصوات الدنيا؟ كل تفصيلة فى المتحف تقول إن هذا المشروع ليس مجرد عرض تاريخ، بل بعث روح؛ إنه المكان الذى يشرح لماذا ظلّت المدرسة المصرية في التلاوة هى المرجعية الأهم في العالم الإسلامي، ولماذا وصلت أصوات قرّائها إلى القلوب قبل الآذان، وإلى كل بيت عربى ومسلم عبر عقود طويلة. حين تخرج من المتحف، لن تخرج كما دخلت؛ بل تحمل معك شيئًا جديدًا: شعورًا بالفخر، وبالانتماء، وبأن مصر، رغم كل شيء، ما زالت قادرة على أن تُنجب صوتًا يملأ العالم نورًا. إنها رحلة لا تُنسى، رحلة تشعر فيها أنك لم تزر متحفًا فقط، بل زرت ذاكرة مصر نفسها.