تتجه الأنظار داخل الولاياتالمتحدة وخارجها إلى أرقام سوق العمل الأمريكية، بعد أن كشفت بيانات رسمية، وُصفت بالملتبسة والمتأثرة بالإغلاق الحكومي، عن ارتفاع البطالة إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2019. وبين فقدان عشرات الآلاف من الوظائف في أكتوبر وتعافٍ محدود في نوفمبر، تتزايد المخاوف من أن يكون الاقتصاد الأمريكي أمام مرحلة تباطؤ حقيقي، لا مجرد اهتزاز عابر، في وقت يحذر فيه الاحتياطي الفيدرالي من الاعتماد الكامل على بيانات يرى أنها قد لا تعكس الواقع بدقة. وبينما أظهرت الأرقام تعافيًا جزئيًا في عدد الوظائف المضافة خلال نوفمبر، فإن الصورة العامة تعكس تباطؤًا واضحًا في سوق العمل، يضع صانعي السياسات النقدية أمام معادلة معقدة، ويثير تساؤلات حول قوة الاقتصاد الأمريكي وقدرته على امتصاص الصدمات في ظل سياسات هجرة مثيرة للجدل وضغوط سياسية متصاعدة على مؤسسات الإحصاء. أمريكا تسجل أعلى معدل بطالة منذ 2019 وفقًا لصحيفة «الجارديان» البريطانية، أظهرت بيانات رسمية أن الولاياتالمتحدة فقدت نحو 105 آلاف وظيفة خلال شهر أكتوبر، قبل أن تضيف 64 ألف وظيفة فقط في نوفمبر، في أرقام نُشرت متأخرة بسبب الإغلاق الطويل للحكومة الفيدرالية. وأشارت البيانات، إلى أن معدل البطالة الرئيسي واصل الارتفاع ليصل إلى 4.6% خلال نوفمبر، مسجلًا أعلى مستوى له منذ أربع سنوات، في مؤشر يعكس هشاشة التعافي الاقتصادي رغم تسجيل نمو وظيفي فاق التوقعات. أرقام متباينة ونمو أعلى من التوقعات في نوفمبر كشف تقرير الوظائف الصادر يوم الثلاثاء، أن أداء سوق العمل في نوفمبر جاء أفضل نسبيًا مما كان يتوقعه خبراء الاقتصاد، إذ كانت التقديرات تشير إلى إضافة نحو 40 ألف وظيفة فقط، بينما بلغ الرقم الفعلي 64 ألف وظيفة. لكن هذا التحسن المحدود لم يكن كافيًا لوقف صعود معدل البطالة، الذي استمر في الارتفاع وسط مخاوف متزايدة بشأن متانة الاقتصاد الأمريكي وقدرته على خلق فرص عمل مستدامة. ولم تقتصر الصورة القاتمة على أرقام أكتوبر ونوفمبر، إذ جرى أيضًا خفض التقديرات السابقة لنمو الوظائف في شهري أغسطس وسبتمبر. فقد تم تعديل بيانات أغسطس من انخفاض قدره 4 آلاف وظيفة إلى انخفاض أكبر بلغ 26 ألف وظيفة، بينما خُفّضت تقديرات سبتمبر من 119 ألف وظيفة إلى 108 آلاف فقط. وتعكس هذه المراجعات، بحسب محللين، اتجاهًا عامًا لتباطؤ سوق العمل، لا مجرد تقلبات شهرية عابرة. الإغلاق الحكومي يشوّه بيانات التوظيف تأخرت بيانات الوظائف، التي تُنشر عادة بشكل منتظم شهريًا، بسبب الإغلاق الحكومي الفيدرالي الذي استمر 43 يومًا، وخلال هذه الفترة، فقدت الحكومة الفيدرالية وحدها 162 ألف وظيفة في أكتوبر، تلاها فقدان 6 آلاف وظيفة إضافية في نوفمبر. وأعلن مكتب إحصاءات العمل الأمريكي (BLS) أنه لم يتمكن من نشر بيانات كاملة لشهر أكتوبر، كما تأخر إصدار أرقام نوفمبر، ما أثار تساؤلات واسعة حول دقة وشمولية الإحصاءات. تحذيرات من الاحتياطي الفيدرالي: «تعاملوا مع الأرقام بحذر» في هذا السياق، حذر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول من الاعتماد الكامل على بيانات التوظيف الأخيرة، داعيًا إلى التعامل معها "بعين متشككة"، في ظل استمرار تداعيات الإغلاق الحكومي على جمع البيانات. وأوضح باول، أن اضطراب عمليات المسح الإحصائي خلال أكتوبر وبداية نوفمبر قد أدى إلى تشويه الأرقام، مؤكدًا أن الصورة الحقيقية لسوق العمل قد تكون أضعف مما تعكسه التقارير الرسمية. مؤشرات إضافية على تباطؤ سوق العمل عززت بيانات القطاع الخاص هذه المخاوف، إذ أفادت شركة ADP بأن أصحاب العمل في القطاع الخاص الأمريكي فقدوا نحو 32 ألف وظيفة خلال نوفمبر، بعد إضافة 47 ألف وظيفة في أكتوبر، في إشارة إلى تراجع واضح في زخم التوظيف. كما أظهر تقرير سبتمبر، الذي نُشر متأخرًا، إضافة 119 ألف وظيفة مع ارتفاع البطالة من 4.3% إلى 4.4%، وهو أعلى مستوى منذ عام 2021 آنذاك. الهجرة والسياسة النقدية في قلب الجدل ربط باول، بين تراجع سوق العمل وسياسات الهجرة التي انتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، معتبرًا أنها أضرت بمعروض العمالة وأسهمت في تشويه أرقام التوظيف. وجاءت هذه التصريحات عقب قرار الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة، في خطوة وصفها بأنها تهدف إلى "إدارة المخاطر" المرتبطة بضعف سوق العمل. وقال باول، إن التقديرات الفعلية لخلق الوظائف قد تكون أقل بكثير من الأرقام المعلنة، مشيرًا إلى أن متوسط النمو الحقيقي قد لا يتجاوز 60 ألف وظيفة شهريًا. هل تؤثر الأرقام على قرار الفائدة القادم؟ رغم هذه المؤشرات السلبية، يرى اقتصاديون أن التقرير الأخير لن يكون كافيًا لدفع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية إلى خفض جديد لأسعار الفائدة في اجتماعها المقبل. وقال صموئيل تومبس، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في بانثيون ماكروإيكونوميكس، إن سوق العمل لا يزال ضعيفًا، لكن وتيرة التدهور قد تكون بطيئة للغاية لاتخاذ خطوة نقدية إضافية في يناير. ضغوط سياسية وأزمة داخل مكتب الإحصاء تزامنت هذه التطورات مع أزمة داخل مكتب إحصاءات العمل بأمريكا الذي تعرض لهجوم مباشر من إدارة ترامب. ففي أغسطس، أقال ترامب مفوضة المكتب إريكا ماكنتارفر بعد نشر تقرير وظائف يوليو، مدعيًا دون أدلة أن البيانات "مزوّرة"، كما سُحب ترشيح خلفها في سبتمبر بعد انتقادات حادة، فيما لا يزال المكتب بلا قيادة رسمية حتى الآن. تراجع الكوادر يزيد الشكوك يزداد القلق مع الانخفاض الحاد في عدد موظفي مكتب إحصاءات العمل خلال عهد ترامب، إذ فقدت الوكالة نحو 20% من قوتها العاملة في السنة المالية 2024، بما يعادل 2058 موظفًا، ليتراجع العدد الإجمالي إلى 1851 موظفًا بحلول السنة المالية 2026. ويرى مراقبون أن غياب القيادة وتراجع الكوادر يضاعفان الشكوك حول دقة البيانات الاقتصادية في مرحلة شديدة الحساسية للاقتصاد الأمريكي.