نورا توقفت الطائرة التى هى للقارات عابرة فى تلك الرحلة الأولى الآسرة (ترانزيت) لتقل ركاباً آخرين ونحن ما زلنا نراقب ونتابع ونواكب، وصعد الركاب الجدد وكان بينهم مجموعة مميزة يبحثون عن مقاعدهم ويبحث الجمهور عن فرصة للحديث معهم؛ فهم وجوه معروفة بل نجوم، ومن بينهم نجمة نعرفها أنا وإخوتى وهمسنا لبعضنا البعض بصوت عالٍ جداً!! (هكذا هو همس الأطفال). وكانت أمى لحظتها منشغلة بتنظيف معطفها من أثر كأس من عصير برتقال أسقطته عليها ابنتها المدللة نورهان لالتصاقها بها دائماً ولفرط تدليلها إياها.. بالمناسبة ما زالتا هما الاثنتان بنفس الالتصاق تقريباً واستمرت ملاحظتى بشأنهما دائماً لا تتغير ولا هما تتغيران!! غريبة هى تلك البشر الملتصقة!! فأنا دائماً أتوق للخلاص من جاذبية كوكب الأرض أساساً.. منتهى الاختلاف!! لندع الأم وابنتها وكأس البرتقال ونذهب للثلاثى الآخر أنا وأخواى التوأم، فقد كنا وما زلنا أصدقاء مقربين جداً وتجلت الصداقة فى أبرع وأبدع صورها فى ذاك المشهد حينما أراد أسامة لفت انتباه النجمة وإعلامها أنه رآها (بعدما هتفنا باسمها عالياً كسر خطير) وسحبها من فستانها وفوراً اختبأ أحمد خلفه كأنه هو الفاعل!! أما أنا فكنت أدعوهم للجلوس فى أماكنهم (دائماً ما تلبستنى روح الحكمة والوعظ) والتفتت النجمة ولم ترَ أحداً!! وعاودت سيرها مواصلة طريقها فى ذاك الممر الضيق ومواصلة أسر العيون الفضولية المعجبة بالنجمة الذهبية، وعاود أخى الرائع جذب فستانها فانتبهت أخيراً إلى الأرض لتجد ثلاثة أطفال يبتسمون لها بإعجاب كبير فابتسمت وانطلقت فى اتجاه مقعدها.. أما أنا فكانت عيناى معلقتين بفستانها الجميل، ما زلت أذكره تماماً (كان أسودَ به ورود حمراء كبيرة) بل إن هذا التصميم القديم المتجدد دائماً من الأشكال المفضلة جداً لدىّ وما زلت أذكره بها وأذكرها به، تحية نورا! ومرت سنوات طوال وقابلت نورا الفنانة منذ خمس سنوات فى إفطار لدى إحدى صديقاتى وما زلنا نتقابل على فترات متقطعة.. سيدة لطيفة جداً وحلوة الحديث وجمعنا حديث جانبى يتعلق بالحاضر طبعاً وبأحوال البلاد والعباد بعد «25 يناير» كوننا زوجتين لرجلين تأثرا بالأحداث مع الفارق. وفى أثناء الحديث كنت أتأمل ما تركته أنامل الدهر عليها متناسية عن قصد أن الطفلة ذات السنوات الست وهى أنا لم تُستثنَ من هذه التغيرات أبداً وتوقفت عن الحديث فجأة واعتدلت فى جلستى عازمة على مفاجأتها وإبهارها قائلة: «سنة 82 كنت رايحة البحرين بفستان أسود فلوريه أحمر صح؟!». ألقيت بمفاجأتى القنبلة تلك وتوقعتها سوف تسكت برهة وتحاول التذكر ثم تنبهر من ذاكرتى الفولاذية وذكائى الحاد لكن نورا بهدوئها وسكينتها قد أفسدت اللحظة علىّ وتذكرت بمنتهى السهولة حتى فستانها ذو الورود.. وأكملت لى باقى الصورة وقصة رحلتها تلك إلى الخليج العربى بسبب جائزة كانت ذاهبة لتسلّمها عن فيلم العار هى وفريق العمل.. ووصلت الطائرة بسلام ونزلنا ذاك المطار الحميم وتلك البلاد الرائعة وكان الحب ينتظرنا بالمطار..