وبعد تناول العشاء المميز والشهى ذهبنا لفتح أكياس وعلب الهدايا، وظل أبى ينظر إلينا كل حين وكأننا كنا دهراً عنه غائبين، وذهب الجميع إلى حجرة نومه وبقيت أنا فى حجرتى الجديدة، دخلتها خائفة وحيدة، ولكننى حاولت تذكر كلمات أبى الحماسية عن شجاعتى وإقدامى وخلعت خفى ورتبت أغراضى سريعاً وذهبت للقاء سريرى الجديد. أطفأت مصباح الغرفة معتمدة على ضوء الأباجورة لإزالة الظلام عن الحجرة والخوف من قلبى، إلا أن تلك الأباجورة قامت بشىء آخر، فلقد رمت بأشعتها على ستارتى الجميلة فبدت نقوشها كأنها أشباح تتحرك، وزاد المشهد حبكة همسة من هواء جهاز التكييف لتزداد سرعة الأشباح ويصبح خيالى أبرح ويصبح لحركة عفاريت الستارة قصة كاملة وسيناريو وحوار، وفى سرعة شديدة أخذت بطانيتى الجديدة الناعمة ووضعتها على وجهى وفتحت عيناً وأغمضت الأخرى، فكان المشهد المرعب التالى: لقد كانت بطانيتى حمراااااااء واستمرت تلك الأباجورة المسحورة فى توزيع أشعتها فى الأرجاء وأصبح المنظر تحت البطانية أكثر رعباً حتى إنى لم أستطع الصراخ ولم أستطع تجاهل الأمر. ووصل رعبى لذروته عند سماع تكات وأصوات وهمسات من كل محتويات الغرفة.. كانت سيمفونية رعب لا تنسى ولا أدرى كيف استطعت الوصول لحجرة أبى وأمى بسلام، فقد كنت طوال ذاك الطريق الطويل أتخيل أحد تلك الأشباح يتبعنى وأنه يتحين الفرصة للانقضاض على، وقطعت الوديان والصحارى القفار والجبال والهضاب والأنهار ومررت بذاك الحمام الهمام ذو البابين وطرقت باب أبى وأمى منهارة بين الصحو والإغماء وأكملت ليلتى بينهما. ومرت تلك الليلة وقد سجلت فى خيالى مدى الحياة، إنها ليلتى الأولى المفزعة، ومن يومها اتخذت قراراً بألا أنام بمفردى ثانية أبداً، وقد كان وحتى عندما أنجبت ابنتَى حرصت على إعفائهما من هذا الرعب وضربت بنظريات التربية الحديثة عرض الحائط. بل والحمد لله أن فى بيتى الآن لا توجد ستائر بها نقوش تتحول إلى أشباح ولا بطانيات حمراء!! وكان صباح اليوم التالى، شمس جديدة وبلاد جديدة وحياة جديدة.. وصحونا تباعاً فذهب أبى إلى عمله وأمى كانت ما زالت فى المنزل لم تعمل بعد وكنا بالطبع لم نسجل بالمدرسة كذلك ونزلنا إلى الطابق الأول لتفقد الأمور وتناول الفطور وكان الفطور على طاولة السفرة الصغيرة فى بهو المنزل ونحن منشغلون بالحديث أو بضرب أحدنا الآخر أو برفض أنواع الطعام وأمى مشتتة بين صراخ أربعة أطفال متقاربى الأعمار وبينما نحن فى منتصف وجبة الفطور إذ بعباءة سوداء يظهر منها وجه امرأة تظهر فجأة من خلف الباب الزجاجى الداخلى للمنزل.