الجولة الأولى بالمنزل تخففنا أنا وإخوتى من معاطفنا ومن خجلنا وانطلقنا مع أبى إلى حجرات المنزل يقدمنا إليها وعليها يعرفنا. كان الطابق الأرضى أو الأول به بهو متوسط الحجم يحوى طاولة سفرة صغيرة وحولها طاقم من الكنبات المريحة كحجرة للجلوس، وكان لهذا البهو باب داخلى يفصل جراج المنزل ومدخله عن حرم المنزل وحمداً لله على وجود هذا الباب، ولسوف أحكى لكم فيما بعد لماذا!!! ويطل هذا البهو أيضاً على حمام الطابق الأرضى والمطبخ وحجرة الطعام ذات السفرة الكبيرة، وأخيراً كانت الحجرة الأكبر فى الطابق الأرضى وهى حجرة استقبال الضيوف ذات البابين واللذين يطل أحدهما على حديقة المنزل، ثم يأتى الدرج الموصل للطابق الثانى. وكان الطابق الثانى عجيب البناء والتقسيم، كانت حجرات النوم تطل على ساحة المنزل من فوق يربطها درابزين ألومنيوم، حيث كان باب حجرتى أنا ونورهان يبعد بحوالى عشرة أمتار عن باب حجرة أسامة وأحمد، وكان يفصل بينهما منور ذو باب كباب الحجرات تماماً، لكن بابه كان يوصلك للهواء الطلق وكان كبيراً باتساع حجرات النوم، (فى الطفولة كانت كل الأشياء تبدو كبيرة)!! وكان يستخدم كمكان إضافى للعب ونشر الغسيل، وكان له نافذتان من الألومنيوم، واحدة تطل على حجرة البنات والأخرى على حجرة البنين. وبجانب حجرة البنات كان حمام الطابق الثانى وكان كبيراً جداً أيضاً، لم أر فى حياتى حماماً بحجمه، من العجب أنه كان للحمام بابان، آه والله بابان ونافذة تطل على ساحة المنزل والدرابزين، ترى من صمم هذا المنزل بتلك الطريقة؟! وكيف دار فى ذهنه هذا التصميم وماذا قصد به؟! ما زلت لا أعلم!! ولا أفهم، لهذا تحملوا معى إعادة بعض الجمل لأن الموضوع معقد وعجيب. أحد بابى حمام الطابق العلوى كان يطل على ذاك الدرابزين الرابط بين حجرات النوم، والباب الآخر كان يوصلك إلى جناح أمى وأبى، وكان جناحاً هادئاً، حجرة كبيرة جداً بها مكتب أبى ومكتبة مبنية فى الحائط من السقف إلى الأرض وبعرض تلك الحجرة الضخمة ولهذه المكتبة ولأبى بعد الله أفضال كثيرة جداً علىّ، وكان لهذه الحجرة باب يوصلك لنهاية ذاك الدرابزين وباب آخر على الباش حمام إياه، بل وباب ثالث يوصلك لحجرة نوم الفرعون صاحب هذا المنزل!!! أما زلتم معى؟!! أما بخصوص السلم الرابط بين الطابقين فقد كان له سلم إضافى يوصلك للطابق الثالث، ولكنه كان سطح المنزل، المنزل ذو رائحة التفاح!!!! دخلت حجرتى الجميلة الأنيقة وكانت لها رائحة خاصة جداً، فقد وضع بها أبى معطراً ما زلت أشتريه إلى اليوم، وإن أردت تذكر طفولتى العذبة أغمضت عينى واشتممته بعمق فيعاد الماضى فى لحظة شخوصه وذكرياته ورائحته. وفى أولى الليالى بمنزلنا الجديد فاجأنى أبى بقرار قاس جداً، بأنه علىّ أن أنام هنا وحدى لأن عمرى الآن ست سنوات وأخواى التوأم يذهبان لحجرتهما ليؤنسا بعضهما والمدللة نورهان تنعم بأحضان أبى وأمى، وأذعنت للأمر، وبات أبى يقنعنى أنى الأشجع والأقوى والأذكى، لذا إنه باستطاعتى تجاوز هذه المحنة، وبكل هدوء وأناقة قبلت الفكرة وقبلته هو وأمى! وانصرفوا جميعاً وبقيت أنا وحجرتى، وكانت ليلة لا تنسى مع الحجرة التى كان كل شىء بها يتحرك ويتكلم ويطيييير.