ترى ماذا حدث مع «أيلا»؟! أهى فعلاً تنتقم من خيانات «ديفيد» لها؟! ترى أتثأر لكرامتها ولقلبها؟! فى اعتقادى أنها فقط تذكرت، تذكرت لحظة كانت تحادثه ولا ينظر إليها، تذكرت حين كان يصحو وينام على جواله، منتظراً أى أحد إلاها، أظنها تذكرت حينما كانت تنظر إليه فلا يراها، حينما كانت تنتظره لساعات متأخرة بينما كان يلهو مع الأخريات، أظنها تذكرت حينما كان يمرض الأبناء ولا يكون بقربها، أظنها تذكرت حينما كانت تقوم بكل الأعباء وحيدة وهو لا يلحظ ولا يقدر ولا يكون شاكراً، أظنها تذكرت وتذكرت وتذكرت.. «أيلا» لا تنتقم بحبها ل«عزيز» من «ديفيد»، «أيلا» فقط تذكرت وقررت أن تكون كما ينبغى لها أن تكون. وفى نفس الجلسة بنفس المطعم، وبعد أن اعترفت ل«ديفيد» بحبها ل«عزيز» وبعد جملتها القوية بأنها «تحب عزيز» توقعت أن يضحك «ديفيد» عندما تحدثت عن الحب وعن نفسها؛ فهى لم تعتَد ولم تعوده على أن يكون لها مزاج وهوى وحياة بمعزل عنه وعن أسرتهما، لكنه لم يضحك! أما هى فاحتفظت بقوتها وثباتها وعزمها ونظرت فى عينيه فرأته لأول مرة مرتعباً.. لقد خاف «ديفيد» أخيراً وأحس بالخطر وبالضعف وبالاستغناء عنه فبدا متشبثاً ملهوفاً مترجياً مسحوقاً كقط تركة صاحبه فى مكان مهجور وحيداً وهو ما زال متمسحاً بقدميه عالقاً بساقه يموء ويموء استعطافاً واستجداءً.. وفى تلك الأثناء كانت «أيلا» تسترجع شريط ذكرياتها وموقفها القديم من الحب والمشاعر وكيف كانت تنصح ابنتها بإخضاع أمور القلوب للعقل والمنطق!! وكيف أنها الآن تُسكت العقل وتغتال المنطق. ورسالتى: تتغير مواقفنا بتغير ظروفنا وقناعاتنا، فما رفضناه بالأمس ربما نحبه ونسعى إليه غداً، بل ونبيع الدنيا من أجل الحصول عليه. ورسالة أخرى: لا تنظروا ولا تنصحوا غيركم بما تجهلونه أنتم، كونوا فى أماكنهم أولا، ثم أخبرونا ماذا ستفعلون، فلا تلُم على الغريق أنه يضرب الماء بعشوائية وأنت تجلس على الشاطئ مسترخياً، كن مكانه أولاً وأرِنا بطولتك. وبصوت مرتعش قال «ديفيد»: «أيلا».. إن لدينا ثلاثة أطفال. فردت «أيلا» وهى تهز كتفيها والثقة تدعم صوتها وتقوى نبرته: «نعم وأنا أحبهم كثيراً». وقبل أن تعود عضلات وجه «ديفيد» للارتياح بعد تشنجها تردف قائلة: «لكنى أحب عزيز أيضاً». هى لكمات متتالية تسددها لوجه «ديفيد» دون أن يأخذ أنفاسه ودون أن تقصد إيذاءه؛ ف«أيلا» لا تعرف قصداً غير الصدق، أحبت فقالت وصارحت واعترفت. ورسالتى: الحب جريمة حلوة، الأحرى بها ألا تخبأ أبداً، الحب اعتراف وإفشاء وإعلان. الحب هو الفضيحة الأجمل على الإطلاق. وكان رد «ديفيد» عليها يلخص مواقف وقناعات تبريرات كثير من رجال العالم؛ فقد قال وهو يتجرع كأس نبيذه فى توتر: «لقد ارتكبت أخطاء كثيرة، لكنى لم أكف عن حبك يا أيلا.. لم أحب أحداً غيرك.. نستطيع أن نتعلم، كلانا، من أخطائنا، من حياتنا.. ومن ناحيتى أعدك بأن هذا الأمر لن يتكرر، فلست بحاجة للخروج والبحث عن الحب بعد الآن». وكان جواب «أيلا»: «أنا لم أخرج للبحث عن الحب».. وتكمل وهى شاردة وصوتها منخفض جداً كأنها تتمتم بتعاويذ خاصة أو كأنها تقرأ من كتاب أمامها: «يقول الرومى: إننا لسنا بحاجة للبحث عن الحب خارج أنفسنا، بل كل ما علينا عمله هو أن نتمكن من إزالة العقبات التى تبعدنا عن الحب فى داخلنا». رسالة: الحب لا يقبع فى جيب المحبوب أو الشريك أو الآخر، بل مكانه قلبك أنت، فأنت مَصْدره وأنت مُصدِّره، فابحث عن الحب بداخل روحك فإن وجدته فقد وجدته! وقال «ديفيد» مترجياً: «ماذا دهاك؟ هذا ليس أنتِ! عودى إلى نفسك القديمة أرجوكِ». رسالة: لا تطمع كثيراً فى صبر الآخر عليك ولا تطمئن كثيراً إلى أنه سوف يتحمل قسوتك عليه مستغلاً حبه وقوة احتماله، فللصبر حدود فاتقِ شر الحليم إذا غضب. وكان رد «أيلا»: «هل يمكننا الذهاب الآن من فضلك؟ فأنا لست جائعة». وفى تلك الليلة ناما فى سريرين منفصلين، وفى الصباح الباكر كان أول شىء فعلته «أيلا» هو أنها كتبت رسالة إلى «عزيز»! تقول فيها: ...!!!