شأنها شأن كثير من نساء الكرة الأرضية كانت إيلا ترى أن وجبة الإفطار لها من الفضائل الجم الكثير، أقلها إفادة الجسم والذهن، وأعظمها التفاف العائلة والتجمع حولها مهما أرهقها هذا الأمر، فقد كانت أمزجة أفراد أسرتها متضاربة، كل بمزاج وذوق مختلف، بين بيض ديفيد المقلى ومربى مع توست محمص لجانيت، وحبوب ذرة لأحد أبنائها التوأم وجبن للآخر، لكن ذاك الصباح كان مختلفاً فبدلاً من فتحها الثلاجة فتحت حاسوبها النقال وبدلاً من عصر العصير وتحضير المخبوزات تصفحت بريدها الإلكترونى للتأكد من وصول رسائل عزيز زاهارا وياللفرحة والأمل والبهجة، ما هذا النهار العذب فقد بدأت الشمس تشرق للتو، نعم بدأ الصباح حين قال عزيز: «العزيزة إيلا.. »، لم تمر الكلمة عليها بشكل عادى إنها عزيزة!! أخيراً هى عزيزة ومميزه!! يكمل «غمرتنى السعادة لأن الأمور تحسنت بينك وبين ابنتك أما أنا.. »، ويحكى لها عن مغادرته للقرية الأفريقية النائية التى كان يزورها واصفاً لها شعوره بالضيق عند مغادرة تلك البلدة، قائلاً تعليلاً أو حكمة أو رسالة بالغة الثراء: «كلما ودعت مكاناً أحبه أحس بأنى أترك فيه جزءاً منى ويخيل إلىَّ أننا سواء اخترنا الترحال مثلما فعل مارك بولو أو ظللنا فى البقعة ذاتها من المهد إلى اللحد فإن الحياة عبارة عن سلسلة من الولادات والوفيات، إذ تولد لحظات وتموت أخرى ولكى تبرز التجارب الجديدة تذوب التجارب القديمة ألا تظنين ذلك!! وماذا تظنون أنتم!؟ عن ذوبان التجارب القديمة بالجديدة أتذوب حقاً!؟ أم تذيبنا نحن وتصهرنا وتجعل منا أناساً آخرين نشبه ما كنا عليه ولكننا لسنا ولن نعود إلى ما كنا عليه، إنه سحر التجربة والتجارب، وأنهى عزيز رسالته بالحديث عن إحساسه بشخص وروح إيلا ومحاولة رؤيتها من الداخل، من روحها وقراءة بصمات وجدانها، فوجدانات البشر ووجدهم لا تتشابه، لكل منا بصمته، وقد كان يتحدث عن تخمينه للون هالتها (مفهوم صوفى) وتخيلها بألوان ثلاثة، الأصفر الدافئ والبرتقالى الخجول والأرجوانى، نعم فقد وصفها بالدفء والخجل هكذا رآها عزيز، هكذا وصلته روحها وقرأها وعاد لرسالته بأنه استغرب أمراً، فأثناء محاولته شراء سجادة كتذكار لإيلا من رحلته طلب من البائعة أن تختار لها واحدة على ذوقها، وهنا بهت عزيز عندما أخرجت السيدة، من بين خمسين قطعة، قطعة واحدة تحمل الألوان الثلاثة، وقال حرفياً: أظن أنك ترغبين فى معرفة هذه الصدفة إن كان من شىء كهذا فى كون الله، هل خطر فى بالك أن تبادلنا الرسائل قد لا يكون ناجماً عن الصدفة مع أحر التمنيات»، وأنهى الرسالة وهنا أتخيل إيلا تنظر إلى رسالة أولها اسمها وفى آخرها اسمه، هو يحدثها فيها عن نفسه وعن الترحال والبدايات الجديدة وعن تصوره لصفاتها وطباعها، وأخيراً يقذف فى قلبها سؤالاً عن الصدف ووجودها فى الكون، وكون تراسلهما إلكترونياً صدفة أم لا!؟ أراها ذهبت فى عالم آخر، عالم عزيز وأسفاره وأخباره وأفكاره العذبة عنها، ولكنها سرعان ما أفاقت على نظرات أسرتها لها، تكاد تلتهمها هى وحاسوبها المحمول بدلاً من طاولة السفرة الفارغة الخاوية من أى فطور واستغربت معهم كيف نسيت إعداد طعام الفطور!! فزعت إيلا من مباغتتهم لها وفزعت من نفسها، كيف يتغير حالها هكذا سريعاً؟ وكيف تتبدل طقوسها الثابتة؟ وما هذا الذوبان الحلو فى الطريق الحلو وذاك الأمل الحلو، الذى يجعل الوجود والحياة حلوة بطعم الحلا؟ وهنا انتبهت لنظرات ديفيد التى لاحقت حركة يديها السريعة بإغلاق جهاز الحاسوب المحمول وبسرعة مضطربة قالت إنها كانت تراجع أعمال دار النشر، ولكن ديفيد خبير بالكذب وعلم الكثير من هذه اللقطة، نعم فحتى الكذب لا تجيده إيلا.