فى لحظة استرخاء غير مبالٍ يمزج بين الياس والاستسلام وبعد أن أجهدت آيلا نفسياً وذهنياً أثناء اعترافها لأول مرة بأنها امرأة تعيسة جلست فى هدوء وانسلت يدها نحو البريد الإلكترونى تكتب رسالة إلى (عزيز زاهارا) ذاك الكاتب المجهول تناقشه فى نقطة خلافية بينهما، وعرفت نفسها أولاً بأنها من دار النشر المنوطة بإخراج روايته وبأنها أعجبت بالرواية، ولكن لا دخل لهذا الإعجاب بالنشر (فآيلا سيدة المبادئ والأخلاق بلا منازع) وتضمنت رسالتها له: اختلافها معه بأن الحب هو جوهر الحياة وأن لا شىء آخر يهم فهى لا ترى الأمر كذلك، ولهذا لديها مشاكل مع ابنتها، بل لربما كرهتها ابنتها لهذا الاختلاف ثم تسأله عن أحواله وترحاله فى أرجاء الأرض وعن مدى إثارة هذا الأمر وكأنها أرادت أن تسمع وترى ذاك الجزء الآخر من العالم، ولو كان بعين عزيز ما دامت عيناها لا تريان غير الضجر والزيف، وتختم رسالتها بدعوته على فنجان قهوة إن هو زار بوسطن، المدينة التى بها مقر وكالة النشر يوماً! أحقاً فعلت آيلا هذا! شكت لكاتب مجهول ورجل غريب عن مشكلة شخصية!! بل وتدعوه لفنجان قهوة. ما بها آيلا! ماذا دهاها! ماذا يحدث معها! أناداها شىء ما فى مكان ما بطريقة ما؟! وفى وسط أحزان آيلا ومخاوفها من عدم رجوع زوجها وابنتها، وفى خضم كوابيسها تلقت رداً من (عزيز زاهارا) بادئاً إياها بالعزيزة آيلا (إن كان يحق لى أن أقول ذلك) ولك أن تتخيل وقتها كيف وقعت هذه الكلمة على قلبها الفزع الفارغ والمثقل بهموم الكون.. وأكمل عزيز رسالته واصفاً لها المدينة التى يرتحل بها وكيف أنه توجد هناك شجرة أمنيات وأنه علق هناك على تلك الشجرة قصاصة قماش ملونة لها (معتذراً عن هذا التجاوز) كى تتحسن العلاقات مع ابنتها وهنا زاد عبارة: «فحتى ذرة من الحب يجب أن تحظى بالتقدير؛ لأن الحب كما قال الرومى هو ماء الحياة» وما زال عزيز يوصيها بالحب لأنه ماء الحياة وهى رسالتى أيضاً: بالحب يحيا العالم، صنعنا الله بالحب فنفخ فينا روحه العظمى وأمرنا بالحب وعرفناه بالحب وعبدناه بالحب ونحيا الدنيا بالحب، فإن غاب الحب غابت الدنيا وفنيت الحياة، ترى ما شكلها تلك القلوب التى لم تعرف الحب يوماً.. ما شكلها تلك القلوب التى تطلق على أنواع من العلاقات ومحرمات أنها حباً؟ أى الأحباء المزيفون هؤلاء، الحب نقاء وطهر وإخلاص، الحب حب وهو ماء الحياة وماء العين هو مداد البحار والأنهر، هو إكسير الحياة وترياق السموم. وأكمل عزيز رسالته الإلكترونية بأنه شخصياً عندما كان يحبط من تصرفات من حوله ولكى يمنع نفسه من التدخل فى شئونهم فإنه يذعن للاختلاف، يذعن ولا يستسلم ويعلل ذلك بأنه قبول سلمى بشروط الكون ومنها الأمور التى لا يستطيع تغييرها أو فهمها حالياً، وتلك رسالة ولا أعمق ونصيحة ولا أخلص. وأنهى الرسالة «أرجو أن يجدك الحب عندما لا تتوقعينه.. المخلص عزيز». يا الله أى الرسالات تلك؟!! أيمكن أن يبحث عنا الحب!! بل ويجدنا!! بل ما أجمل أن يأتى دون توقع يا لها من أمنية رائعة ومعنى راق ورسالة عميقة. تخيلوا معى الحب وهو يتربص بنا باحثاً عنا ليخترق قلوبنا فينيرها نوراً وناراً وعشقاً. وشتان شعور آيلا قبل فتح إيميل عزيز وبعد فتحه، فشعورها بأن هناك فى الجزء الآخر من العالم شخص يدعو ويصلى لتحل سعادتها أعطاها إحساساً رائعاً وخرجت إلى فناء منزلها مع كلبها يستنشقان هواء عليلاً برائحة اهتمام عزيز، ومشاعره النقية القوية وألفاظه المهذبة العذبة، وطاقته الجبارة المنبعثة من قلبه البعيد هناك على طرف العالم. وظلت آيلا تنتظر المزيد من هذا المدد مشرعة بابها وباب قلبها للحياة وللحب أو لحب الحياة.