وبينما كانت إيلا روبنشتاين تجالس تساؤلاتها حول رواية الكفر الحلو وكاتبها كان هو هناك فى قارة أخرى يهيم فى دنياه يمتطى خيال عشقه الجامح يدور بين البلدان والمدن يراقب ويصور ويساعد ويقرأ. (عزيز إزارا) ذلك الرجل الأوروبى المتحول إلى الإسلام والصوفية منذ فترة ليست بالبعيدة يربى القطط والسلاحف وكذلك يربى ويهذب نفسه ويطوعها على مبادئ وتعاليم (قواعد العشق الأربعون) ووصلت إيلا أخيراً إلى من سوف يخبرها عنه، نعم.. إنها مدونته، كانت مدونة غير عادية بألوان أرجوانية وزرقاء وبها صور وعبارات تثير المزيد من الفضول والتفكير والشعور وأخيراً رأت صورته ورأيتها أنا تبتسم لوجهه وتمر على ملامحه بسبابتها وكأنها تذاكر وتتذكر شيئاً ما، نعم فقد رأته قبلاً! لكن أين؟ إنه هو.. (شمس التبريزى) بطل رواية (الكفر الحلو) والدرويش السابح السائح فى الدنيا، ذاك الطول الرشيق والأنف الحاد والعينان الغائرتان والشعر الأسود المنسدل على الأكتاف، وتذكرت كيف جمح وجنح بها خيالها وهى تقرأ الرواية التاريخية عن ذاك الدرويش وصاحبه، فتصورته رجلاً معاصراً يركب دراجة نارية يجوب العالم شرقاً وغرباً بل وتمنت أن تركب خلفه تلك الدراجة النارية، قائلة لنفسها «ما أجمل أن يكون شخص مثله هنا» مؤكدة أنه لكان أضفى نكهة حلوة على هذه الحياة المملة لكنها عادت تسأل: ما هذا الشبه بينهما وزادت فى قلبها مساحات الغموض والقلق الحلو!! ترى أو كتب عزيز أوصاف بطل روايته على شاكلته أم أن شمساً بعث من جديد فى جسد عزيز!! وهنا رسالة التقطها منها: أن هناك فى هذا الكون تلاقياً روحياً ووجدانياً بين البشر وعلى البعد تتلاشى معه قوانين المسافة والزمن ولا يعمل وقتها سوى قانون العشق وهو سيد القوانين. واستيقظت إيلا من أحلام يقظتها ونزلت من على دراجة خيالها النارية مبعثرة على الأرض أو فوق السحاب لا فرق، لكنها بعثرت على كل حال وعادت إلى مائدة طعام قد أعدتها لأسرتها كالعادة بمنتهى الحب والتفانى وكانت قد أكثرت من الأصناف معتذرة بذلك ضمنياً لأسرتها عن أنها طلبت من حبيب ابنتها الابتعاد عن المشهد، إذ إنهم حينها غضبوا عليها جميعاً وتركوا المنزل ولكنهم عادوا كعادتهم الروتينية على مائدة طعامهم المزينة بسنوات إيلا الأربعين والشهية بحبها وعطائها المغدق والمرهق لهم الذى لم يطلبوه بهذا الكم يوماً! لكنها طبيعة إيلا المعطاءة وهنا رسالة أخرى وصلتنى: إغداق الحب سلاح ذو حدين فلتحذروا فوران المشاعر وفيضها غير الموظف بالعقل لأنه يرهق المحبوب بقدر ما يرهق المحب بل وربما كان سبباً فى هروبه. وغاب ديفيد زوج إيلا عن المنزل للمرة الأولى فهذا الديفيد برغم أنه كان يقضى معظم وقته بين عمله والعشيقات فإنه كان دائماً وفى أعنف لحظات الخصام مع إيلا يعود إلى البيت فهو وإن غازل الأخريات يستحم فى حمام بيته يجلس على مائدة أعدتها زوجته ويلتهم جميع الأصناف والكميات التى وضعت فى صحنه ثم يشكرها بصدق وامتنان، وكانت هى تعتبر هذا التصرف اعتذاراً آخر عن خياناته لها، وكانت دائمة الغفران بل إنه فى تلك الليلة التى غاب فيها عن البيت هو وابنته لامت إيلا نفسها كثيراً باعتبارها السبب، فبطلتنا دائمة القلق والخوف وتأنيب الضمير وهنا رسالتى الجديدة: أن النفس اللوامة شىء ولا أروع ولكن للعشق قواعد وأصول، لُم نفسك فى مواضع استحقاق اللوم ولا تستخدم اللوم فى غير محله ومع من لا يستحق فيطمع من كان فى قلبه مرض.