منذ عام تقريباً دعتنى صديقة لقراءة كتاب (قواعد العشق الأربعون) ولكنى لم أقرأ، ثم دعيت مرة أخرى منذ أيام وأيضاً لم أقرأ إلى أن أصر القدر واشترته لى صديقتى حنان ووضعته بين يدى رغماً عنى، وبما أنه لا توجد صدفة فى هذا الكون فقد اعتبرتها رسالة لإعادة صياغة النفس والعقل والوجدان، ذلك أن تلك الرواية بها من الثراء والإبداع والغنى الإنسانى الكثير والعظيم، بين السطور وطيات الكتاب، فى الثنايا والزوايا أفكار ومشاعر وعبر ودروس، هى سباحة فى الوجود والكون فى خلق الله وشئونهم، فى ذات الله ومعجزاته، هى الجزء غير المرئى من العالم، هى الصورة الضبابية لأشياء حقيقية تشعر وتحس ولا تحكى وإن حكيت لن يشعرها الجميع، لأنها تحتاج جمهوراً من نوع خاص ومزاج خاص ومستقبلات خاصة، تحتاج إلى ذاك النوع. الذى أسميه أنا (مستقبلى ومرسلى الرسائل الخاصة وغير المرئية). لن أعلق هنا على القواعد الأربعين فقط بل على جميع القواعد أو الرسائل التى وصلتتى عبر الرواية وكاتبتها، من خلال تناول شخوص الرواية وذكر الرسائل والعبر المستنبطة من قصصهم وتصرفاتهم وتصرف القدر معهم. والرواية لمن لم يقرأها للكاتبة التركية أليف شافاك، التى تقص فيها علاقة جلال الدين الرومى بشمس التبريزى وعالم الصوفية والدراويش وقواعدهما الأربعون للعشق، وتسير قصتهما بالتوازى مع قصة أخرى لسيدة تدعى إيلا. وشخصية إيلا هى بداية ونهاية الرواية، تلك السيدة التى من خلال قراءتها لرواية (الكفر الحلو) تتحول حياتها من النقيض للنقيض، وفى ذاك التبدل العديد من الرسائل والمعانى، التى فى رأيى تعكس وتفوق القواعد الأربعون بأربعين ضعفاً، لأنها تطبيق عملى لها. الرسائل التى وصلتنى من خلال قصة إيلا: إيلا هى صورة لكثير من نساء العالم الآن، حياتها كانت كالباقيات ولكن ما حدث لها من تحول لم يحدث إلا مع المحظوظات فقط، وهو التحول الناتج عن حسن استقبال رسالات ورسل الكون. إيلا سيدة فى أواخر الثلاثينات، أم وربة منزل متعلمة ومثقفة فقد درست الأدب الإنجليزى، وكانت تكتب على فترات متباعدة مقالات لصحف محلية، كان حلمها أن تصبح ناقدة مشهورة ولكنها قبلت الواقع بأن أصبحت ربة منزل متفانية ومخلصة وأماً جيدة لثلاثة أطفال، ولم تكن تتذمر مهما بلغ بها التعب والضجر، كانت تتصرف وتفكر وتخطط لحياتها عبر عدسة زوجها وبيتها، كانت المودة والرحمة فى حياتها الزوجية تغنيانها عن العشق والغرام، فالرومانسية والخيال مكانهما دور السينما (هكذا كانت تفكر) بذلت جهداً كبيراً هى وزوجها الطبيب المهم فى تأمين بيت كبير وأثاث فخم وأطفال وسعادة ظاهرية ولا أروع، ولما كانت إيلا تدفع دفعاً إلى مقصلة سن الأربعين وكان أبناؤها قد كبروا حدث أن ضجرت وصار لديها وقت فراغ ممل، وذات يوم اقترح عليها زوجها العمل فى إحدى وكالات النشر وقد استقر فى وجدان إيلا أنه أتى لها بهذا العمل إما لشعوره بالذنب لخياناته المتكررة لها مع مساعداته الشابات أو المتدربات تحت يديه، أو ليشغلها عن مراقبته، بل وامتد شكها إلى أنه لربما جاءت تلك الوظيفة عن طريق إحدى عشيقاته، على أى حال فقد قبلت الوظيفة بامتعاض واستلمت عملها الجديد وسط إحباطاتها الأسرية، من حياة زوجية متبلدة رتيبة تدخل حيز الشلل إلى مشاكل الأبناء، التى كان أبرزها اعتزام ابنتها الكبرى ذات السن الصغيرة الزواج دون رغبتها، واستلمت عملها ومعه رواية لم تحبها أبداً، لذلك أجلت العمل بها أياماً، نحتها جانباً وأبعدتها ثم تناولتها وقرأت جزءاً منها وعادت وضجرت وألقتها ثم رجعت وأمسكت بتلابيبها وبتلابيب كاتبها ولم تتركها إلا وقد تغيرت حياتها بشكل مذهل، وقد عللت عدم رغبتها بالرواية فى البداية إلى أن موضوعها غير مرتبط بها، وحينها لقنتها مسئولة دار النشر درساً اعتبرته أنا رسالة مهمة: (إنه فى معظم الأحيان يتعين علينا أن نقرأ كتباً لا علاقة لها بحياتنا) بل إنه يتحتم علينا ذلك. كانت الرواية لكاتب مغمور وكانت أول وآخر رواياته (الكفر الحلو) كيف يكون الكفر حلواً!! جذبت إيلا سريعاً للرواية خاصة عندما قرأت سطراً بها شعرت أنه موجه لها، بل إنه كتب خصيصاً من أجلها، وكانت رسالة جديدة: «أن العشق ليس مجرد شعور حلو مقدر له أن يأتى ويذهب بسرعة»، وهنا بهتت وشعرت أن الكاتب يتجسس عليها، فقد كانت للتو تؤنب ابنتها وتقنعها بعكس ذاك المعنى. وقرأت أيضاً «لما كان العشق جوهر الحياة وهدفها السامى كما يذكرنا الرومى فإنه يقرع أبواب الجميع بمن فيهم الذين يتحاشون الحب حتى الذين يستخدمون كلمة رومانسية فى وصفه كإشارة إلى الرفض والاستهجان»، وهنا تلقت إيلا رسالة أو معنى آخر، إذ إنها للتو استخدمت نفس الكلمة مع ابنتها مستهجنة حبها ومشاعرها! إذن ماذا يحدث معها؟ ومن هذا الكاتب؟ وماذا يقصد؟ وراحت تبحث عن معلومات عنه فقد أخافتها تلك الصدف وأثارت فضولها!!... يتبع