تستمر «إيلا» فى كتابة رسالتها ل«عزيز» وتذكر نفسها وإياه أنهما لم يتقابلا بعد.. وكيف أن هذا التساؤل التعجبى يعيدها إلى واقع وحقيقة الأمر بينهما فتسأله من بعد ذلك ماذا عساها أن تفعل تجاهه وتجاه مشاعرها نحوه؟ فقد وصل الأمر إلى نقطة مفصلية، نقطة يجب تجاوزها إما سلباً أو إيجاباً، فقد تأكدت «إيلا» أنها تحب «عزيز» وهى نقطة تحول كبيرة، فلا هى تستطيع العودة، ولا هى يمكنها التوقف مكانها، كل ما يجب عليها فعله هو الانتقال للمربع اثنين للخطوة التالية، وهى إخبار الحبيب بحبها، فإن قبل كان الوصال، وإن لم يكن تجاوزت المربع اثنين وكل المربعات، وبهذا تسيطر على أمورها وشئونها، وهنا «إيلا» تتغير، أصبحت تنجز وتقتحم وتقرر ثم تنفذ وتنتظر النتائج، أصبحت «إيلا» فى موقع الحدث و«ديفيد» والعالم يراقبون وليس بوسعهم سوى مراقبة بطلة الأحداث البطلة «إيلا» تحرك الأحداث!!! أتصدقون؟! ورسالتى: فى العلاقات هناك نقاط وخطوات يجب إنجازها فى وقتها المناسب وإلا ضاع ذاك الوقت وللأبد. وما زالت «إيلا» تكمل رسالتها وتعترف ل«عزيز» وللمرة الأولى أنها كانت تكتب تقريراً عن روايته «الكفر الحلو»، وأنه لم يكن لائقاً أن تخبره بهذا السر المهنى من قبل إلا أنه وبكل الأحوال فإنها قد تأثرت كثيراً وأحبت تلك الرواية، ولكنها تؤكد أن مشاعرها نحوه ليست بسبب تعلقها بالرواية، ثم تعود وتقول بل ربما كان لها كل العلاقة بالرواية، وتشرح له أن الأمر بدأ معها بالتعلق بروايته وأفكاره ومخيلته وقصصه، ومع الوقت بدأت تتعلق بالكاتب شخصياً وتعاود السؤال: الآن ماذا يمكننى أن أفعل تجاهك؟!.. يجب أن أرسل إليك هذه الرسالة فوراً، وإن لم أفعل لربما مزقتها للأبد وبعد إرسالها سأتصرف مثلما كنت أتصرف دوماً فى حياتى وكأن شيئاً لم يكن، وسوف أتظاهر بأن كل شىء عادى!!.. تعلقت «إيلا» بحروف «عزيز» وأفكاره وبروايته الصوفية الإنسانية الثرية، ولما كان «عزيز» يظهر ويطل بروحه من خلف سطور روايته رأته «إيلا» وميزته على الفور، شعرته بقلبها لأنها ما كانت تقرأ إلا بوجدانها ولهذا استقبلت رسالات الكاتب بطريقة مختلفة ونفذ بصرها وبصيرتها إلى روح «عزيز» واخترقت قلبه وعن بعد وساعدها على هذا ذاك التواصل معه بالمراسلة، وتيقنت أنها تحب هذا المعنى وتلك الروح وذاك الوجدان الثرى، وبالرغم من أن «إيلا» نفسها احتارت فى سبب حبها ل«عزيز» عما إذا كان بسبب روايته الساحرة، التى هيمنت على روحها، أم أن شعورها نحوه نما بسبب تواصلهما عبر الرسائل الإلكترونية وتعاطيه مع همومها وما يشغل فكرها؟! أو كما أرى أنا أنه بسبب أن «عزيز»، وعبر الأمرين الرواية والتواصل الإلكترونى، كان النموذج الحلم والأنسب ل«إيلا»، خاصة فى ظروفها ووضعها إلا أن النتيجة واحدة، فقد قررت «إيلا» أنها تحب «عزيز»، وقررت إخباره وإخبار العالم بحبها. ورسالتى: كثيراً ما نقع فى غرام الكتاب والمنظرين فبعد عشقنا لما يكتبون من إبداع وأفكار نرى القلوب فى أيديهم تنصهر وتنهار، وهذا هو سحر الكلمة والفكرة ووقع تأثيرهم الجبار. ختمت «إيلا» رسالتها ل«عزيز» قائلة بأنها ستتصرف وكأن شيئاً لم يحدث، وسوف تواصل حياتها كالمعتاد، فهى طالما تظاهرت بأن كل الأمور على ما يرام متسائلة: إذا لم يكن هذا الألم الحلو بداخلها حباً إذن فماذا يكون؟! وبالفعل تصرفت «إيلا» بشكل عادى وكان يوماً كسابق الأيام، كان يوم أحد وكل أفراد أسرتها مجتمعين على مائدة طعامها، وكانت هناك على طرف المائدة رسالة نصية على هاتف «إيلا» المحمول تعلن عن وصولها بنغمة خافتة، ولم تلتفت «إيلا» للرسالة، معتقدة أنها من إحدى عضوات نادى الطهو، وقدمت لأسرتها بطتها المشوية مع العسل والبطاطس المقلية والبصل المقلى، وبوضع البطة على المائدة وضعت السعادة داخل قلوب الجميع، ابنتها الكبرى «جانيت»، التى كانت مكتئبة بسبب رؤية حبيبها السابق مع أخرى وتوأميها، حتى «ديفيد» بدا متحمساً وحدثها طويلاً عن تفاصيل طلائهم للشرفة. وبعدها أزالت بقايا المائدة وقدمت الحلو وهنا وحينما بالكاد بدأت تجلس قرأت الرسالة النصية التى أجلت قراءتها وكان فيها: مرحباً «إيلا»، جئت إلى بوسطن فى مهمة لمجلة «سميثونيان» لقد هبطت الطائرة للتو هل ترغبين فى أن نلتقى؟! لقد نزلت فى فندق «أونيكس»، وأحب أن أراك.. «عزيز». ولا تسل عن حال «إيلا» فقد تلاشت وتبعثرت وتناثرت كأشلاء بطتها الممدة على طاولتها!!