محاولة فاشلة لشراء الأصوات.. ضبط متهم بتوزيع أموال على ناخبين بالخانكة    وكيل تعليم القاهرة في جولة ميدانية بمدرسة الشهيد طيار محمد جمال الدين    السعودية تلغي المدفوعات على العمالة الوافدة في المنشآت الصناعية    نتنياهو يعلن رسميًا المصادقة على اتفاق الغاز مع مصر بمبلغ فلكي    الرقابة المالية توافق على التأسيس والترخيص ل 6 شركات بأنشطة صندوق الاستثمار العقاري    «إسكان اجتماعي أخضر الدولة» تنفذ 68 ألف وحدة صديقة للبيئة بأسعار ملائمة    إقرار مشروع قانون أمريكي يتضمن إلغاء عقوبات «قيصر» المفروضة على سوريا    حكومة نتنياهو تجتمع غدا لمناقشة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة    تشكيل مانشستر سيتي أمام برينتفورد في كأس الرابطة الإنجليزية    أحمد عبد الرؤوف يجهز بدائل الزمالك لتعويض الغيابات أمام حرس الحدود    جنرال التعليق مدحت شلبي في مهمة نهائي كأس العرب بين الأردن والمغرب    ضبط شخص يوزع أموالا على الناخبين ببركة السبع    النصب باسم الرحلات الدينية| الداخلية تحمى البسطاء من شركات السياحة الوهمية    مصرع مسن في حادث دراجة نارية بالوادي الجديد    إصابة 3 طلاب بكفر شكر ألقي عليهم ماء نار أثناء استقلالهم توك توك    صدور رواية «ظل الإمام» للكاتبة نهلة النمر.. تشارك بمعرض الكتاب المقبل    رسالة مفاجئة من ياسر جلال لمصطفى أبو سريع بعد انفصاله عن زوجته    نجوم الفن فى عزاء إيمان إمام شقيقة الزعيم أرملة مصطفى متولى    رئيس إذاعه القرآن الكريم السابق: القرآن بأصوات المصريين هبة باقية ليوم الدين    ما حكم حلاقة القزع ولماذا ينهى عنها الشرع؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    محافظ الجيزة يفتتح مبنى علاج الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى أبوالنمرس المركزي    "جبران" يلتقي وزيرة العمل الإيطالية لتعزيز التعاون المشترك    يسري نصر الله: باسم سمرة فنان كبير رغم عدم امتلاكه لغات أجنبية    الحكومة تستهدف استراتيجية عمل متكامل لبناء الوعى    إصابة شخصين في حادث تصادم 3 سيارات أعلى الطريق الأوسطي    في قبضة أمن الإسماعيلية.. كلاكيت تاني مرة شراء أصوات بالقصاصين والقنطرة شرق وغرب ( صور )    خالد الجندي: من الشِرْك أن ترى نفسك ولا ترى ربك    إسرائيل تفرج عن 12 أسيرا من سكان قطاع غزة    بوتين: روسيا ستسعى لتوسيع مكاسبها في أوكرانيا حال فشل محادثات السلام    الداخلية تكشف حقيقة إجبار سيدة على ترك مسكنها بالبحر الأحمر    السيسي يرحب بتوقيع اتفاق الدوحة للسلام الشامل بين حكومة وتحالف نهر الكونغو الديمقراطية    محمود كارم: خطاب الكراهية أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة    جلسة صعود وهبوط: 6 قطاعات فى مكسب و10 قطاعات تتراجع    البنك الزراعي المصري يسهم في القضاء على قوائم الانتظار في عمليات زراعة القرنية    مستشار رئيس الجمهورية: مصر تمتلك كفاءات علمية وبحثية قادرة على قيادة البحث الطبى    أرفع أوسمة «الفاو» للرئيس السيسى    جامعة الدول العربية تطلق المنتدى العربي الأول للإنذار المبكر والاستعداد للكوارث    محافظ القاهرة يتفقد عددًا من اللجان الانتخابية للاطمئنان على سير العملية الانتخابية    التموين تنتهي من صرف مقررات ديسمبر بنسبة 73%    الصحة: إجراء جراحة ميكروسكوبية دقيقة لطفل 3 سنوات بمستشفى زايد التخصصى    جوائز مالية ضخمة للمنتخبات المشاركة في كأس العالم 2026    تأييد حبس الفنان محمد رمضان عامين بسبب أغنية رقم واحد يا أنصاص    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    مكتبة الإسكندرية تشارك في افتتاح الدورة العاشرة لملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي    محافظ القليوبية يكرم البطلة جنة صليح لحصولها على برونزية قذف القرص بدورة الألعاب الأفريقية    مفتي الجمهورية يلتقي نظيره الكازاخستاني على هامش الندوة الدولية الثانية للإفتاء    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    اليونيفيل: التنسيق مع الجيش اللبناني مستمر للحفاظ على الاستقرار على طول الخط الأزرق    المحمدي: ظُلمت في الزمالك.. ومباريات الدوري سنلعبها كالكؤوس    أوكرانيا تعلن استهداف مصفاة نفطية روسية ومنصة بحر القزوين    اتجاه في الزمالك لتسويق أحمد حمدي في يناير    المصرف المتحد يرعى المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها الثانية والثلاثين    إقبال على التصويت بجولة الإعادة في انتخابات مجلس النواب بالسويس    محافظ قنا يوجه بحملات مرورية مكثفة للحد من حوادث الطرق    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    أجواء شتوية وفرص لسقوط أمطار.. الأمطار تكشف تفاصيل حالة الطقس    النائب أيمن محسب: الخروقات الإسرائيلية تهدد الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاحتفال بالموت!!
نشر في الوطن يوم 13 - 02 - 2015

وبعد أن تمنت أمنيتها حول نافورة حديقة المشفى الذى يعالج فيه «عزيز» عادت إلى «عزيز» وحجرته، وهناك وجدت طبيباً وممرضة شابة ووجه «عزيز» مغطى بملاءة بيضاء.. ورحل العزيز.
ودُفن «عزيز» فى قونية اقتداء بمحبوبه «الرومى» كما تمنى. و«إيلا» التى تشربت عزيز وصوفيته وفلسفته واستقت من حياتها الشخصية المعانى والعبر استقبلت موته المنتظر بطريقتها الخاصه جداً، فقد قامت بجميع التحضيرات، واهتمت بدقائق الأمور وأكثرها تفصيلاً، وكانت ثقتها بالله كبيرة، وعلمت أنه سيساعدها كثيراً فيما سيصعب عليها، ففى البداية أعدت قطعة الأرض التى سوف يُدفن بها وكانت تحت شجرة مانوليا ضخمة فى مقبرة إسلامية قديمة.
وأحضرت عازفين صوفيين يعزفون خلال مراسم الدفن، وبعثت برسائل إلكترونية إلى أصدقاء «عزيز» فى كل مكان ووجهت إليهم الدعوة لحضور الجنازه كأنها تقيم له عرساً أو مظاهرة حب. كانت سعيدة مع الحزن لأن عدداً كبيراً من المدعوين قد حضر من أماكن بعيدة، من كيب تاون وسان بطرس برج وساو باولو، سواء كانوا علماء أو صحافيين أو كتُاب أو راقصين أو نحاتين، كذلك كان هناك رجال أعمال ومزارعون وربات بيوت والأطفال الذين تبناهم عزيز. قد كانت الدنيا مدعوة على رحيل «عزيز».
وبهذا كان المشهد حميماً دافئاً بحضور هذه الباقة المتنوعة من صنوف ومستويات البشر، كان الأطفال يلعبون حول القبر بسعادة، وعلى بعد خطوات أخرى كان هناك شاعر مكسيكى يوزع خبز الموتى، بينما كان أحد أصدقاء عزيز الأسكتلنديين ينثر زهوراً تزيد المشهد روعة وأملاً، إن «إيلا» جعلت من موت «عزيز» حياة عندما فهمت وحاولت بهذه التجهيزات إفهام الآخرين أن الموت شىء لا يجب أن نخشاه أو نكرهه.
رسالة: إن أفزعك الموت فتذكر أن ما يفزعك هو المجهول لا الموت، فقد كنت جنيناً فى مكان أضيق وأظلم من القبر فهل شعرت بخوف هناك؟! بل هل تذكر شيئاً أساساً من تلك التسعة أشهر؟! إذاً لا تخف، فالموت ميلاد جديد. وأذهل المشهد الجميع، حتى إن شيخاً عجوزاً من قونية قال إنه لم يسمع فى حياته عن جنازة كتلك إلا جنازة مولانا الرومى منذ قرون.
ومر يومان وعادت «إيلا» إلى وحدتها، وراحت تطوف فى أرجاء المدينة تراقب المارة والتجار والمحلات والباعة الجائلين، وكان الجميع يحدّق فى تلك المرأة الشقراء متورمة العينين من البكاء، وكانت غريبة تماماً وبدون «عزيز»، وبدون أحد ولكنها لم تكن فارغة، ف«إيلا» تبدلت وأصبحت «إيلا» أخرى لربما أصبحت بغير حاجه لأحد!!
عادت إلى الفندق، وقبل أن تسدد حسابها وتغادر إلى المطار بدلت ثيابها بلون مشمشى فاتح واتصلت ب«جانيت» ابنتها الكبرى، بينما أصر التوأمان «أورلى وآفى» على عدم التحدث إليها، فهما لم يسامحاها على ترك المنزل وطلب الطلاق من والديهما، وسألتها جانيت: كيف حالك؟! فأجابت «إيلا»: «لقد مات عزيز» وكأن كل أخبارها وحالها تتلخص فى هذه الجملة!! فأجابت «جانيت» بتعاطف كبير: «آه يا أمى، البقية فى حياتك» وحضر السكون الذى تحار من بعده ما الذى يجب أن يقال، ولكن «جانيت» وجدت ما يقال: «والآن، هل ستعودين إلى البيت!؟»، وبالطبع كان السؤال يعنى لها: هل سوف تعود إلى «ديفيد» وتوقف إجراءات الطلاق. وقد جلب السؤال المفاجئ إلى ذهن «إيلا» أسئلة أخرى هجمت على رأسها فوراً، ماذا ستفعل الآن وهى لا تملك نقوداً أو عملاً وأين ستقيم، وكيف ومتى وأين كثيرات كثيرات. وعلى الفور بات عقلها يجد الإجابات الآملة والواثقة، فبإمكانها أن تعطى دروساً خصوصية فى اللغة الإنجليزية، أو أن تعمل فى إحدى المحلات، أو من يعرف ربما تكون يوماً محررة جيدة لأعمال أدبية مهمة، أو تصير أديبة مشهورة، من يدرى؟! ربما!!!!
أغمضت «إيلا» عينيها للحظة وتنبأت لنفسها بثقة وسعادة ما ستحمله لها الأيام المقبلة. وبالرغم من أنها فى أشد مراحل حياتها وحدة، فإنها لم تشعر بالوحدة حقاً، وقطعت نافورة أحلامها بجملة إلى ابنتها: «لقد اشتقت إليك يا حبيبتى واشتقت إلى أخيك وأختك أيضاً، هل ستأتون لزيارتى؟!»، وأجابت جانيت: «طبعاً يا أمى سنأتى، لكن ماذا ستفعلين الآن، هل أنت متأكدة من أنك لن تعودى؟».
فقالت «إيلا»: سوف أذهب لأمستردام حيث توجد شقق صغيرة جميلة تطل على القنوات، ويمكننى أن أستاجر واحدة، يجب أن أتعلّم ركوب الدراجة الهوائية.. لا أدرى، لن أضع خططاً يا حبيبتى، سأحاول أن أعيش يوماً وسأرى ما سيقوله لى قلبى، فهذه قاعدة من القواعد.. أليس كذلك؟! وأجابت «جانيت» باستغراب: «أى القواعد يا أمى، عم تتحدثين؟».
اقتربت «إيلا» من النافذة ونظرت إلى السماء الزرقاء ودارت بسرعة من تلقاء نفسها، وذابت وتلاشت فى العدم وواجهت احتمالات كثيرة، مثل درويش يدور حول نفسه، وقالت ببطء كمن يستخلص من الكون عصير الحكمة والعقل: تقول القاعدة الأربعون: لا قيمة للحياة من دون عشق، لا تسل نفسك ما نوع العشق الذى تريده، روحى أم مادى، إلهى أم دنيوى، غربى أم شرقى، فالانقسامات لا تؤدى إلا إلى مزيد من الانقسامات، ليس للعشق تسميات ولا علامات ولا تعاريف، إنه كما هو نقى وبسيط، «العشق ماء الحياة والعشيق هو روح من نار»، يصبح الكون مختلفاً عندما تعشق النار الماء.
والآن تستطيع أن تقول وأنت مطمئن إن «إيلا» أصابها مَسُّ «عزيز»، وهو ذات المس التبريزى الذى أصاب الرومى، فكان امتداداً أعمق وأكبر وأعظم له، وهكذا «إيلا» تكمل ما بدأه «عزيز» فى رحلة البحث عن العشق وقواعده الأربعين، ترى كم فى الكون من «إيلا وعزيز»؟! وأين هم!! ربما كان جارك أو صديقتك أو قريبك أو زميلتك، وربما كان أنت أو كنت أنت!
الرساله الأخيرة: «اختر نوع العشق الذى يناسبك للآن، وبعد فترة اختر نوعاً آخر أو اختره ذاته، ولكن ابحث لك عن عشق ينير روحك ويضىء أيامك، فبدون العشق لا نكون بشراً».
إلى اللقاء مع حلقات «المنزل ذو رائحة التفاح»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.