ايام زمان- عندما كنا نحكي - كنا دائما نقول: «بلاد الله لخلق الله»- وكان هذا تعبيرا بسيطا علي اننا فعلا نمشي في بلاد الله- مسافات طويلة.. هذه الجملة دائما اتذكرها عندما اريد ان اتكلم عن كندا- ليس عن كندا الشرق، وانما: كندا الغرب.. ببساطة لان كندا الغرب تبتعد عن كندا الشرق بمسافة سبعة آلاف ميل.. يعني ببساطة اكثر من عشرة آلاف كيلو متر.. نستطيع ان نتصور هذا البعد عندما نقول ان اسوان تبعد عن القاهرة بثمانمائة كيلو متر او اكثر قليلا.. وفي سنة 1989- عندما زرت كندا لأول مرة بدعوة من وزارة الخارجية الكندية- وأمضيت فيها قرابة العشرين يوما اتجول ما بين مونتريال- في الشرق- وليس اقصي الشرق، واوتاوا العاصمة وتورونتو- تعد ايضا من الجزء الشرقي في كندا وهي عاصمة «هيئة الطيران الدولية» وواحدة من اهم المدن هنا. اهم من العاصمة- وأردت العودة- قالوا لي «ألن تزور فانكوفر- وفانكوفر هذه هي المدينة في اقصي الغرب وواحدة من اهم مدن الدنيا- بل هي رقم واحد علي مدن العالم جميعا- يقولون- أمنا- وجمالا- ومجتمعا وأشياء اخري كثيرة- وعرفت كم تبعد عن شرق كندا.. اعتذرت وقلت: آتي مرة اخري بإذن الله.. والحقيقة ان كندا، ثانية دول العالم من حيث المساحة بعد روسيا الاتحادية- بحيث تزيد مساحتها علي عشرة ملايين ونصف المليون كيلو متر مربع.. تقبع فوق الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكنها تزداد اتساعا من ناحية الشرق - وكذلك من ناحية الغرب، بحيث تمتد شرقا - تكاد تصل إلي حدود أكبر جزر المحيط الأطلنطي - جزيرة جرينلاند (الًأرض الخضراء - وما هي بخضراء أبدا انما يمتد الجليد علي أرضها طوال السنة ليغطيها كلها فيما عدا نصف في المائة من مساحتها - جزء بسيط ناحية الجنوب الشرقي).. كما أنها - أي كندا تذهب إلي أبعد الحدود الغربية للقارة الأمريكية - عند فانكوفر - والتي تعلو فوق ولاية واشنطنالأمريكية وعاصمتها سياتل - تذهب لتدخل في أنحاء المحيط الهادي متميزة عن كل القارة بما لها وفيها من جمال لا يضاهيه جمال آخر في هذه النواحي من الكرة الأرضية). وتبعد هذه المدينة عن شرق كندا بمسافة تصل إلي عشرة آلاف وخمسمائة كيلو متر.. لا يربطها بالشرق إلا الطيران - وقطار بسيط يكاد يكون بدائيا.. وطريق آخر بري يحمل رقم واحد - يمر بكل ربوع كندا من الغرب إلي الشرق - أو العكس! والعالم الذي يفصل ما بين الشرق والغرب - أو الغرب والشرق - عالم كبير وواسع تتميز كل ولاية فيه - أو جزء من هذا التكوين الكندي الغريب فلا الشرق يشبه الغرب - ولا الوسط يشبه هذا أو ذاك ويتمتع كل جزء فيه - بأراض - وأشكال وطبيعة غريبة تفصل كل واحدة عن الأخري.. لكل جزء من هذه الأرض الكندية طبيعة مختلفة - تماما - واقتصاد مختلف وحتي طباع مختلفة عن الناس والجبال وألوان البشر أيضا.. لا أريد أن يبعدنا كل هذا عن موضوع هذه السطور كالجاري والعودة إلي كالجاري.. فقد كانت زيارتي الأولي إلي كندا - الشرق - سنة 1989 وزيارتي الثانية أيضا إلي ولاية أونتاريو - قريبا من الشرق أيضا والتي جاء من بين مدنها مدينة تورنتو أشهر وأكبر مدن الشرق والتي تمثل عاصمة لكل شيء - قريبة من العاصمة الحقيقية.. اوتاوا.. ولكنها اكبر منها وأهم منها في اشياء كثيرة جدا.. مدينة البترول!.. اما الزيارة الثالثة فكانت للمدينة التي اجتذبت انظار الدنيا كلها- مدينة البترول التي اعلنت عن احتياطيات هائلة من البترول- جعلت منها ليست فقط جاذبة لأنظار العالم جميعا- وانما انظار مهندسي البترول في انحاء الدنيا.. «كالجاري» وقد سألت الكثير من ابناء المدينة عن ماهية هذا الاسم- فلم يعرفوا له معني - ورجحت شخصيا ان يكون هذا الاسم جاء من الاسماء الهندية القديمة علي هذه الارض- او من السكان الاصليين الذين يعرف الكثير منهم باسم «الاوناويت»- فقد جئت إلي هنا ومشيت علي ارض هذه المدينة منذ ثلاث سنوات- شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ورأيت كم يطلقون علي احيائها من مثل هذه الاسماء: شاجانابي - ووهوك وود، وديرفوت Dear foot - وغيرها- وكل الاسماء تركت كما هي - حتي تبقي بمسمياتها الاصلية- فلا تتغير الهويات كثيرا.. عكس ما حدث في ارض ما يعرف الآن بالولاياتالمتحدةالامريكية.. البترول الرملي المهم ان ما لفت ابناء هذه الدنيا إلي مدينة كالجاري هو هذا البترول الذي اعلن عن نفسه قريبا من سنة 2012- السنة التي جئت فيها مباشرة إلي هذه المدينة- قاطعا بالطائرة مسافات طويلة من العاصمة البريطانية لندن إلي ارض كالجاري.. وحكاية البترول هنا انه تم اكتشافه منذ فترة طويلة ولكنهم ابقوا عليه لان استخراجه يتكلف الكثير- ولكن عندما وصل سعر البرميل من البترول في العالم إلي ما يجاوز المائة والعشرين دولارا- اصبح من الممكن استخراجه باسلوب تجاري لان سعر استخراجه من هنا قد يجاوز فعلا السبعين دولارا.. ومعني البترول الرملي ان البترول الرملي - بترول يختلط برمال ما تحت الارض. والعملية هنا تعد معقدة بعض الشيء لانهم عندما يصلون اليه يكون من الضروري دفع مواسير تحمل الهواء الساخن اليه- ليتم الفصل ما بينه وبين الرمل قبل ان يبدأوا في شفطه إلي اعلي.. ومن هنا بدأ الكنديون في انشاء العاصمة الجديدة للنفط مدينة كالجاري.. وراح مهندسو العالم المعماريون يخططون لرسم هذه المدينة الجديدة. وسط المدينة- ربما تكون اشبه بكل المدن الامريكية- وسط البلد- عبارة عن مجموعة لا اقول من ناطحات السحاب ولكنها من المباني الامريكية الحديثة ليتشكل منها وسط البلد- هذه المباني منها مبان تمثل الادارات المختلفة «الحكومية» داخل المدينة ومجموعة الشركات الكبيرة تحمل اسماء شركات البترول العملاقة- ومجموعة الشركات التي فرضت نفسها في عالم الاتصالات.. وغيرها قليل. ثم نخرج من وسط المدينة مباشرة لندخل إلي عالم «المنتجعات»- البلد كلها منتجعات لها اسماء غالبا ما تكون قديمة ايضا.. لكنها ليست ككل المنتجعات التي يتم انشاؤها في مدن قديمة مثل القاهرة او الاسكندرية وغيرها- لان البلد هنا كلها منتجعات جديدة- ولا تكون مدينة قديمة هنا. شيء آخر ان ارض كالجاري اراض جبلية يعني مرتفعات ومنخفضات- يعني جبالا وسهولا.. كلها خضراء- لا توجد علي امتداد المدينة كلها سهول منبسطة وانما هي جبال ووديان. كلها كذلك- ولا تتغير هذه الطبيعة الا عندما تخرج من حدود كالجاري لتصل إلي الشمال مثلا- في منطقة العاصمة «عاصمة ولاية ألبرتا التي فيها كالجاري» والعاصمة هي ادمنتون.. يعني ببساطة- هذه الارض- ارض كالجاري مختلفة عن غيرها من الاراضي في كندا- وعندما تحاول الخروج منها إلي الاراضي الاقرب- وهي ارض الولاية المجاورة والتي تفصل بينها وبين المحيط الهادي - ارض بريتش كولومبيا، فإن هناك ما يوصلك اليها- سلسلة الجبال الصخرية Rockey Mountains- 1200 كيلو متر- تربط بين الولايتين- وهي الجبال الشهيرة والتي تجيء اساسا من الولاياتالامريكية- تبدأ عند كولورادو وتظهر عندما تبدأ انت الطريق إلي كولومبيا الانجليزية- وعاصمتها «فانكوفر» علي المحيط الهادئ شِمالا بكسر الشين.. وللحديث بقية