أنا سيدة من أسرة مرموقة, ويعمل كل أفراد عائلتى فى وظائف مهمة, وكانت تربيتى مغلقة، ولا تعرف الانفتاح على الجنس الآخر, وفى أثناء فترة دراستى بالجامعة استمررت على المنهج نفسه الذى تربيت عليه, ولم أستجب لكل من حاول التقرب لى, إلى أن تخرجت وعملت فى وظيفة كبرى, وتعرفت على زميل شاب من إحدى محافظات الدلتا, ووجدتنى أسيرة حبه, أسعد كلما نظرت إليه, وأتعجل مرور الوقت لكى ألقاه فى الصباح, وتركت قلبى له مفتوحا, فاخترقه بكل يسر وسهولة, وأنا سعيدة وأتمنى منه أى كلمة أو إشارة، وبصورة عفوية وجدتنى أسأل عمى عنه فى سياق حديثى معه لأنه يعمل فى نفس الهيئة, فأجابنى بشكل تلقائى وهو لا يعلم هدفى من السؤال, فقال لى: إنه شاب مكافح حصل على تقدير ممتاز، ونجح فى اختبار الوظيفة, وبرغم إدراكى الفارق الكبير بين المستوى المادى لأسرتينا, فإننى ازددت تمسكا به, ورحت أفتعل أى موقف لكى أتحدث معه, وشيئا فشيئا صارحنى بحبه, فكدت أطير من الفرح, وعشنا قصة حب قصيرة, وطلبت منه أن يتقدم لخطبتى, وفاتحت عائلتى فى الموضوع فثاروا فى وجهى ثورة لم أتوقعها, وأولهم عمى الذى يتولى مسئوليتى بعد وفاة أبى, وكذلك شقيقى الوحيد, وكل شقيقاتي, ولم أجد من يقف بجانبى سوى والدتى، ولم يتوقف الأمر عند حد المعارضة, بل وصل إلى درجة التحذير, والغريب أن عمى فسر ما قاله لى عنه تفسيرا عجيبا وهو: إننا إذ نعتبره نموذجا للكفاح, وتعجبنا خطواته الناجحة فى الحياة, إلا أنه لا يصلح أن يكون زوجا لك, لفارق المستوى المادى الذى سيظل موجودا مهما فعل! سمعت كل أسباب من حولى لرفضه, لكننى تمسكت به أكثر, وأمام عنادى وإصرارى وبمساعدة أمى انتزعت موافقة العائلة على الزواج، ولا أستطيع أن أصف لك حالتى صباح يوم الزفاف، فلقد كان عيدا ولا كل الأعياد فى حياتي, ورقص قلبى فرحا به، وأنا أستعد للانتقال إلى شقة الزوجية, وهى شقة فاخرة استأجرها زوجى بمبلغ كبير, ولم أعر هذا الأمر أى اهتمام, فحبيبى هو كل ما يشغل تفكيري. وحجزت أسرتى قاعة للزفاف، وذهبت إليها فى موكب مهيب من أهلى الذين جاءوا من كل صوب, فى تجمع غير مسبوق, وما إن دخلنا القاعة حتى فوجئنا بأهل زوجى فى مظهر غير لائق بمكانتنا, وملابس لا تناسب الفندق الكبير, والتصرفات العشوائية، وبدا الفارق واضحا بيننا. وبدلا من أن أعيش لحظات السعادة التى انتظرتها طويلا وجدتنى أتابع نظرات عائلتى وشقيقاتى و«همهمات» الأهل، وكلها توحى بأننا وقعنا فى مصيبة كبرى، فاستجمعت قواي, وقررت أن أثبت لهم أننى اخترت الأفضل لي، وانتهى الحفل، وانتقلنا إلى بيتنا, وحمدت الله أن الأمور سارت على هذا النحو, ووجدتنى أحنو على زوجي, وأقول له إنه كل حياتي, وإنه أحسن من كل من عرفتهم, وإننى أتوقع له مستقبلا كبيرا، وجعلته كل همى وشغلى الشاغل, فكان يستجيب لى تارة فيفعل ما أشير به عليه, وتارة أخرى يركب دماغه، وينفذ ما يراه هو، فيعرضنى للإحراج الشديد وسط شقيقاتي! وبرغم أن مرتبه ارتفع عدة أضعاف, فإنه ظل على موقفه الرافض لأى تغيير فى سلوكه الاجتماعى, ورجوته أن يتغير من أجلى, ولو حتى أمام أهلى وفى التجمعات الأسرية التى تجمعنا معا, إلا أن سلوكه يؤكد لى كل يوم أنه لن يتغير، فهل ترى بادرة أمل فى أن يتغير ذات يوم, وبالتالى أستكمل مسيرتى معه نحو الأفضل؟.. أم أن «من شبّ على شيء شاب عليه»، ولا فائدة ترجى مما أفكر فيه وأتطلع إليه؟!
ولكاتبة هذه الرسالة أقول: العقل يقول إن كل إنسان يتحمل تبعات اختياره, وأنت اخترت فتاك من منظور أخلاقه وكفاحه, ولم تتوقفى عند الفارق بين الوضع الاجتماعى لأسرتك وأسرته باعتبار أنه لا يمثل شيئا أمام الحب الجارف الذى تسلل إلى قلبك تجاهه، فما هو الجديد الذى اكتشفته ولم تكونى تدركينه؟.. بالطبع لا شئ.. كل ما فى الأمر أنك تصورت أنك باستطاعتك تشكيل فتاك حسب مزاجك من منطلق أنه سوف ينبهر بك بمجرد موافقتك على الزواج منه, وبالتالى سينصاع لتعليماتك وينفذ أوامرك، فلما وجدتيه يمارس حياته بالطريقة التى تعودها إذا بك تعيدين حساباتك وتجدين أنك كنت مخطئة عندما وافقت عليه، وغاب عنك أن التكافؤ مطلوب بين الزوجين فى كل النواحى بحيث يكونان متوافقين ماديا واجتماعيا وثقافيا، فإذا رجحت كفة أحدهما فى ناحية ما، فإن على الطرف الآخر أن يستوعب ذلك، ويحاول تضييق هذه الفجوة وهذا ما هو مطلوب منك الآن، فعليك بالحوار المستمر مع زوجك والإلحاح عليه بأنه أحسن رجل فى الدنيا، وأنك تريدين أن تجديه فى أبهى صورة أمام المعارف والأهل والأصدقاء، وفى اللقاءات والمناسبات المختلفة, ويمكنك أن تشترى له الملابس على سبيل الهدية. إن تغيير عادات وتقاليد أى إنسان ليس بالأمر الهين, ولابد أن يتم ذلك بالتدريج بدلا من أن يشعر بأنك تملين عليه دروسك وقراراتك.. وبمرور الأيام سوف يتطبع كلاكما بطابع الآخر وسوف تصلان معا إلى حل وسط يتيح لكما التأقلم معا، والظهور بمظهر واحد أمام الآخرين، واحمدى الله على زوجك المخلص لك الذى يحاول جاهدا أن يسترضيك ومازال يحتفظ بهدوئه وحبه لك, ولم يتغير معدنه كما يفعل الكثيرون.