قرأت في بريد السبت رسالتين متتاليتين عن شكوي بعض الرجال من زوجاتهم بأنهن لا يحسن التصرف في المجتمعات الراقية اللاتي انتقلن إليها بعد سنوات من المعيشة في بيئات بسيطة, وجذبوهن معهم إلي مستوي اجتماعي أفضل مما كن يعشن فيه. وتابعت ردود فعل القراء علي موقع الأهرام علي الإنترنت, وكان بعضها قاسيا للغاية خصوصا من بعض الرجال, واسمح لي بأن أعرض عليك قصتي, التي تختلف عن هاتين الرسالتين, فالضحية هذه المرة المرأة وليس الرجل. فأنا سيدة من عائلة معروفة في محافظة ساحلية, وأعمل معلمة بمدرسة خاصة يملكها عمي, وأسرتي كلها تعمل في حقل التدريس, وقد نشأت نشأة ريفية مغلقة لا تعرف الانفتاح علي الجنس الآخر, وفي أثناء فترة دراستي بالجامعة استمررت علي المنهج نفسه الذي تربيت عليه, ولم أستجب لكل من حاول التقرب لي, إلي أن تخرجت وعملت في مدرسة عمي, وفيها تعرفت علي مدرس شاب من إحدي محافظات الدلتا, ووجدتني أسيرة حبه, أسعد كلما نظرت إليه, وأتعجل مرور الوقت لكي ألقاه في الصباح, وتركت قلبي له مفتوحا, فاخترقه بكل يسر وسهولة, وأنا سعيدة وأتمني منه أي كلمة أو إشارة. وبصورة عفوية وجدتني أسأل عمي عنه في سياق حديثي معه, فأجابني بشكل تلقائي وهو لا يعلم هدفي من السؤال, فقال لي: إنه شاب مكافح حصل علي تقدير ممتاز من جامعة المحافظة التي يقيم فيها, ولأن مرتبات المدرسين هناك متواضعة, فقد عرضت عليه أن يعمل في مدرستنا بضعف ما كان يحصل عليه, عندما جاءني عارضا نفسه للعمل معي, فوجدتها فرصة للاستفادة منه. قال عمي لي ذلك, وأنا أستمع في دهشة لأن أمثال هذا المدرس المتميز كان ينبغي أن يحصل علي عشرة أضعاف المرتب, ولكنه أسلوب عمي التجاري الذي عرفناه به. ومع إدراكي الفارق الكبير بين المستوي المادي لأسرتينا, فإنني ازددت تمسكا به, ورحت أفتعل أي موقف لكي أتحدث معه, وشيئا فشيئا صارحني بحبه, فكدت أطير من الفرح, وعشنا قصة حب قصيرة, وطلبت منه أن يتقدم لخطبتي, وفاتحت عائلتي في الموضوع فثاروا في وجهي ثورة لم أتوقعها, وأولهم عمي الذي يتولي مسئوليتي بعد وفاة أبي, وكذلك شقيقي الوحيد, وكل شقيقاتي, ولم أجد من يقف بجانبي سوي والدتي. ولم يتوقف الأمر عند حد المعارضة, بل وصل إلي درجة التحذير, حيث هددني عمي بفصله من المدرسة.. والغريب أنه فسر ما قاله لي عنه تفسيرا عجيبا وهو: إننا إذا نعتبره نموذجا للكفاح, وتعجبنا خطواته الناجحة في الحياة, إلا أنه لايصلح أن يكون زوجا لك, لفارق المستوي المادي الذي سيظل موجودا مهما فعل!. سمعت كل أسباب من حولي لرفضه, لكنني تمسكت به أكثر, وأمام عنادي وإصراري وبمساعدة أمي انتزعت موافقة العائلة علي الزواج.. ولا أستطيع أن أصف لك حالتي صباح يوم الزفاف.. فلقد كان عيدا ولا كل الأعياد في حياتي, ورقص قلبي فرحا به.. وأنا أستعد للانتقال إلي شقة الزوجية, وهي شقة فاخرة استأجرها زوجي بمبلغ كبير, ولم أعر هذا الأمر أي اهتمام, فحبيبي هو كل ما يشغل تفكيري. وحجزت أسرتي قاعة للزفاف في فندق فخم, وذهبت إلي القاعة وسط موكب مهيب من أهلي الذين جاءوا من كل صوب, في تجمع غير مسبوق, وما إن دخلنا القاعة حتي فوجئنا بأهل زوجي في مظهر غير لائق بمكانتنا, وملابس لا تناسب الفندق الكبير, والتصرفات العشوائية.. وبدا الفارق واضحا بيننا. وبدلا من أن أعيش لحظات السعادة التي انتظرتها طويلا وجدتني أتابع نظرات عائلتي وشقيقاتي وهمهمات الأهل.. وكلها توحي بأننا وقعنا في مصيبة كبري!.. فاستجمعت قواي, وقررت أن أثبت لهم أنني اخترت الأفضل لي.. وانتهي الحفل, وانتقلنا إلي بيتنا, وحمدت الله أن الأمور سارت علي هذا النحو, ووجدتني أحنو علي زوجي, وأقول له إنه كل حياتي, وإنه أحسن من كل من عرفتهم, وإنني أتوقع له مستقبلا كبيرا.. وجعلته كل همي وشغلي الشاغل, فكان يستجيب لي تارة فيفعل ما أشير به عليه, وتارة أخري يركب دماغه.. وينفذ ما يراه هو, فيعرضني للإحراج الشديد وسط شقيقاتي!! وبرغم أن عمي رفع مرتبه عدة أضعاف, إلا أنه ظل علي موقفه الرافض لأي تغيير في سلوكه الاجتماعي, ورجوته أن يتغير من أجلي, ولو حتي أمام أهلي وفي التجمعات الأسرية التي تجمعنا سويا, إلا أن سلوكه يؤكد لي كل يوم أنه لن يتغير! فهل تري يا سيدي بادرة أمل في أن يتغير ذات يوم, وبالتالي أستكمل مسيرتي معه نحو الأفضل؟.. أم أنه من شب علي شيء شاب عليه.. ولا فائدة ترجي مما أفكر فيه وأتطلع إليه؟! * العقل يقول إن كل إنسان يتحمل تبعات اختياره, وأنت اخترت فتاك من منظور اخلاقه وكفاحه, ولم تتوقفي عند الفارق بين الوضع الاجتماعي لاسرتك وأسرته باعتبار أنه لايمثل شيئا أمام الحب الجارف الذي تسلل الي قلبك تجاهه. فما هو الجديد الذي اكتشفته ولم تكوني تدركينه؟.. بالطبع لاشئ.. كل ما في الأمر أنك تصورت أنه باستطاعتك تشكيل فتاك حسب مزاجك من منطلق أنه سوف ينبهر بك بمجرد موافقتك علي الزواج منه, وبالتالي سوف ينصاع لتعليماتك وينفذ أوامرك.. فلما وجدتيه يمارس حياته بالطريقة التي تعودها إذا بك تعيدين حساباتك وتجدين أنك كنت مخطئة عندما وافقت عليه.. هكذا تقول سطور رسالتك التي وضعتها في مقارنة مع رسالة فتاة الحي الشعبي التي روت الوضع المعكوس في رسالتك, حيث كان زوجها من طبقة اجتماعية راقية بينما من تزوجها وربطته علاقة حب بها فتاة من الحي الشعبي جذبته في البداية بجمالها وهدوئها. وغاب عنكما ان التكافؤ مطلوب بين الزوجين في كل النواحي بحيث يكونان متوافقين ماديا واجتماعيا وثقافيا. فإذا رجحت كفة احدهما في ناحية ما فإن علي الطرف الآخر أن يستوعب ذلك. ويحاول تضييق هذه الفجوة وهذا ما هو مطلوب منك ياسيدتي الآن. فعليك بالحوار المستمر مع زوجك والإلحاح عليه بأنه أحسن رجل في الدنيا وأنك تريدين أن تجديه في ابهي صورة أمام المعارف والأهل والاصدقاء وفي اللقاءات والمناسبات المختلفة, ويمكنك أن تشتري له الملابس علي سبيل الهدية, وأن تستخدما معا أدوات المائدة وفن الاتيكيت الذي تقولين أنه غائب عنه. إن تغيير عادات وتقاليد أي إنسان ليس بالأمر الهين, ولابد أن يتم ذلك بالتدريج بدلا من أن يشعر بأنك تملين عليه دروسك وقراراتك.. وبمرور الأيام سوف يتطبع كلاكما بطابع الآخر وسوف تصلان معا.. إلي حل وسط يتيح لكما التأقلم معا.. والظهور بمظهر واحد أمام الآخرين. وأحمدي الله علي زوجك المخلص لك الذي يحاول جاهدا أن يسترضيك ومازال يحتفظ بهدوئه وحبه لك, ولم يتغير معدنه كما يفعل الكثيرون.. وفقكما الله وسدد خطاكما وأدام عليكما الحب والسعادة.