من الحياة كيد امرأة..والصفح الجميل!! يكتبها: سيد الهادي وشاء حظي وحظكم معي.. ان نلتقي اليوم علي هذه الصفحات التي نستكشف منها صور الحياة وحكاياتها مع عودة حجيج بيت الله.. ضيوف الرحمن.. بعد ادائهم مناسك وشعائر فريضة الحج التي أدعو الله أن يقدر لنا جميعا القدرة علي أدائها.. آمين.. وبعد احتفالاتنا بعيد الأضحي المبارك.. آثرت ان أختار لكم هذه الحكاية التي ترمز لمعاني العفو والتسامح وهي سمات نفحات الأيام المباركة حكاية الحياة هذه المرة.. ليست من هنا ولكنها من بعيد.. من الجنوب..من السودان الشقيق.. بعثت بها صاحبتها في رسالة الكترونية علي بريدي..الي "من الحياة"..في العدد الاسبوعي لأخبار المسائية.. ترجو أن افتحها لكم.. تدعوكم معها إلي جولة في مجاهل النفس البشرية بما فيها من تناقض بين الخير والشر.. والحب والبغضاء.. والقناعة والطمع.. وتنتهي إلي حقيقة، أن الشر مهما تأصل في النفوس فإن كلمة الحب هي المعول الذي يحطمه، وأن الظلم مثل الليل، لابد أن ينجلي، وتشرق في سماء النفس شمس المحبة، والود، والتسامح.. وقبل كل شيء تذكرنا بأن الله يمهل ولا يهمل.. كلمات صاحبة الحكاية الصابرة المحتسبة أجرها عند الله..نقلتني في الايام المباركة التي نحتفل فيها بالعيد الكبير.... إلي العيش في ظل حديث سيدنا ونبينا محمد عليه افضل الصلوات والسلام: .لا يؤمن احدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه... وقوله صلي الله عليه وسلم فيما روي عنه في حديث معناه: .من لا يرحم الناس، لا يرحمه الله... تقول صاحبة الحكاية..التي تعمل أستاذة للطب النفسي بكلية الطب بجامعة الخرطوم.. والتي اتركها تقص عليكم حكايتها التي صاغتها بصدق أحاسيسها.. دون تدخل مني إلا بالقدر الذي يمليه علي الشكل الذي عودتكم عليه: رحمة الله عليه- كان يعلم بالحلم الذي اتمناه.. ان اصبح طبيبة.. فاشترط علي خطيبي ان اكمل تعليمي.. فوافق بلا تردد.. وتم عقد القران وسط فرحة الأهل.. ومسحة الذهول التي اصابتني.. ولكن تم الاتفاق ان يكون الزفاف بعد عامين.. وسر ذلك ان خطيبي كان يشغل منصبا دبلوماسيا في سفارة بلادنا في العراق.. وينتهي عمله هناك بعد هذه الفترة.. حتي هذا الوقت وبصغر سني.. وبراءتي.. لم اعرف غيرة النساء أو كيدهن.. براءة الطفولة كانت تلازمني اكثر من مشاعر الأنثي المقبلة علي الزواج.. وتناثرت إلي سمعي حينذاك شائعات واقاويل تتحدث عن ابنة عم لزوجي تكبرني بسنوات أمنيتها ان يكون ابن عمها .زوجي. من نصيبها.. فقد كانت تحبه من كل قلبها دون ان يحبها.. وعندما علمت بزواجه مني.. ثارت ثائرتها.. وحقدت علي من كل قلبها دون أن تراني أو تعرفني.. فقد كنت أنا الفتاة التي خطفت قلب حبيبها وتربعت فيه دونها.. ووصلني منها وعنها الكثير دون ان اراها أو تراني. حتي كان يوما.. قبل ان يسافر زوجي.. ذهبت معه بصحبة اخي إلي حفل زواج ابنة عمته.. وجلست مع اخته واخويه وسط اصدقائهم.. ووسط الفرحة انتشت قلوبنا فضحكت معهم بكل براءة.. وفجأة وجدت ابنة عمه التي كانت تتمناه زوجا.. تجيء الينا وتهينني وسط الجالسين، وتتهمني بأن ضحكي بصوت مرتفع فيه اهانة لكرامة ابن عمها.. وان هذا دليل علي قلة ادبي.. ولم ادر بنفسي إلا وانا اصفعها علي وجهها بكل قسوة..وثارت ضجة.. وجاء زوجي الذي لم يصبح بعد زوجي.. وزجرني وتأسف لابنة عمه.. فما كان مني إلا أن تركت العرس وخرجت مع اخي.. وفي اليوم التالي جاء زوجي إلي منزلنا ومعه والده وعمه والد الفتاة.. واعتذروا واصَّرّوا علي أن يتم الزواج قبل سفره.. وأكدوا علي ان اواصل تعليمي في بلاد الغربة...وبالفعل تم كل شيء بعد موافقة والدي.. وبعد أسبوع واحد ودعت عالم البنات واصبحت زوجة حقيقية.. وسافرت بعدها إلي العراق مع زوجي.. وكانت وقتها تملك سيادتها تحت حكم صدام حسين..ولم تكن دنستها قوات الإحتلال.. وهناك تذوقت معني السعادة.. وعرفت معني الحب مع الرجل الذي لم يبخل علي بشيء.. وواصلت تعليمي في مدرسة خاصة.. ولكن بعد شهور ثلاثة.. اصبت بحالة من الإعياء والغثيان.. وحملني زوجي إلي الطبيب الذي زف الينا اجمل خبر في الوجود.. انني حامل.. وفرح زوجي كثيرا وفرحت معه.. وتمني زوجي أن يكون باكورة اولاده ولدا.. ولكن ارادة الله كانت فوق رغبته.. فقد جاء المولود انثي.. ولكن الغريب انني وضعت في يوم عيد ميلادي الثاني عشر.. اتصدقون.. هكذا كانت مشيئة الله.. وبعد شهر من الوضع.. جاءت رسالة إلي زوجي من عمه يخبره فيها ان ابنته ستحضر إلي العراق لمواصلة تعليمها في جامعة الموصل بعد حصولها علي منحة من الجامعة..وارسل له زوجي يرحب بابنة عمه لتعيش معنا.. برغم اننا كنا نعيش في بغداد.. وجاءت.. لتسقيني كئوس السم في كل لحظة.. فما كانت لتراني وزوجي جالسين نضحك حتي تثير المشاكل.. وتتندر بأن من يكون أول أولاده بنتا فلابد أن يكملهن اربع بنات.. مشيرة إلي اختي التي تكبرني والتي كان نصيبها ثلاث بنات.. وإلي امي التي انجبت ولدا بعد خمس بنات.. وعند حديثها في ذلك كنت المح ظلال ألم علي وجه زوجي.. حتي بات يلازمني شعور بأنها ستتمكن من التفريق بيني وبين زوجي.. وشاءت ارادة الله سبحانه وتعالي بعد عشرة شهور من ولادة ابنتي الأولي أن احمل مرة اخري.. وكنت سعيدة جدا.. وبقدر سعادتي كان الحقد الاسود يمزق قلب ابنة عم زوجي.. حتي حدثت الحادثة ووقعت الكارثة بعد سبعة شهور من حملي.. كنت انزل من غرفتي في الدور العلوي.. وكنت متعبة.. فسقطت من علي السلم متزحلقة.. وكانت ابنة عمه اسفل السلم فأسرعت بإحضار كرسي وضعته اسفل درجات السلم قبل وصولي إليها.. وضحكت ضحكة مجلجلة وهرولت للخارج في اللحظة التي اصطدمت فيها بالكرسي.. والذي شاء حظي أن يضربني في بطني.. وجاءت الشغالة التي تعمل في منزلي علي اثر صرختي ونقلتني إلي المستشفي واتصلت بزوجي ليلحقني هناك.. ليسجل موافقته علي اجراء جراحة لاستخراج الجنين الذي فارق الحياة علي اثر الضربة والاصطدام العنيف بالمقعد.. واجريت الجراحة واستخرج الجنين الذي شاءت ارادة الله ان يكون ذكرا ولكنه لم ير النور ولا الحياة ابدا.. ومعه تم استئصال الرحم الذي تمزق.. وكان معني هذا ألا انجب مرة اخري.. وعاد زوجي إلي البيت وتركني في المستشفي.. وفي المنزل اخبرته الشغالة بما حدث من بنت عمه.. فأجبرها ان تغادر المنزل والبلاد كلها علي أول طائرة عائدة إلي السودان.. وارسل خطابا إلي عمه بعدها يخبره ان ابنته غير قادرة علي مواصلة الدراسة بالجامعة ولم يخبره بما حدث.. وجاءتنا الاخبار بعدها ان والدها زوجها لأول طارق للباب يطلب يدها ودون موافقتها. ومرت الأيام.. وشاءت الاقدار ان تحرم ابنة عم زوجي من الانجاب عشر سنوات.. حتي يئس زوجها منها وكره العيش معها بطباعها السيئة التي لمسها فيها.. فطلقها. وكان أول ما فعلته بعد طلاقها.. وكنا قد عدنا للسودان.. وواصلت دراستي وحققت حلمي في دخول كلية الطب.. وكانت ابنتي قد بلغت الحادية عشرة من عمرها.. وما احلاها.. كانت مثل زهرة متفتحة تمتاز بجمال فريد وانوثة تسبق عمرها بسنوات.. تبدو ناضجة أكبر من عمرها.. ولم يكن غريبا ان يدق الخطاب الباب طلبا ليدها.. ودائما ما كنا نرفض.. ولكن اهل زوجي الحّوا عليه في قبول عريس قريب لهم ليزوجوه لابنتنا.. وامام إلحاحهم احرج..ووافق رغم معارضتي.. ولكن كانت مشيئة الله.. وتم زواج ابنتي، وهي مازالت صغيرة.. تماماًَ مثل ما حدث لي ولأمي من قبلي.. وشاءت الاقدار ان يكون نصيبها مثل نصيبي مع اختلاف كبير.. ففي عيد ميلادها الثاني عشر.. ويوم ميلادي انا الاخري.. شاء حظي المنكود أن استقبل منها مولودة في غاية الجمال لأصبح جدة وانا مازلت في الرابعة والعشرين من عمري فقط.. ولكن.. في نفس اليوم..وبعد عام..أشيعها إلي القبر.. راحت ابنتي وتركت لي الذكري الباقية منها.. ابنتها.. حفيدتي.. والسبب وراء موت ابنتي.. كانت ابنة عم زوجي.. سامحها الله.. المرأة التي كانت وراء حرماني من الانجاب.. في صبيحة ذلك اليوم.. يوم ميلاد حفيدتي واحتفال ابنتي به.. اغرتها ان تركب ارجوحة في الحديقة.. ودفعتها بكل قوتها فسقطت ابنتي علي الارض ليرتطم رأسها بحجر وتنقل إلي المستشفي لتفرغ حملها وتنتقل روحها الطاهرة إلي بارئها. شعرت ولأول مرة بالكره لابنة عم زوجي.. ولكني صبرت واحتسبت امرها الي الله سبحانه وتعالي.. واخذت حفيدتي لأربيها.. وتواصل صاحبة الحكاية حكايتها: في هذه الاثناء كنت قد وصلت إلي السنة الرابعة في كلية الطب.. وكنت آخذ حفيدتي معي إلي الجامعة وكنت ابتسم لتساؤلات زميلاتي وهن يوجهن الاسئلة لي عن سبب زواجي مبكرا وقبل ان اتخرج؟ كان ظنهن جميعا ان الطفلة التي بين يدي هي ابنتي..مستنكرات علي ذلك.. تري ماذا كن سيفعلن لو كن يعلمن انها حفيدتي من ابنتي الراحلة.. رحمها الله؟ المهم.. انه بعد عامين تخرجت.. وشاءت ارادة المولي سبحانه وتعالي أن يكون أول انسان اعالجه في أول مرة امارس فيها عملي كطبيبة امتياز في المستشفي بقسم الحوادث.. اتدرون من؟ انها ابنة عم زوجي! لقد وقع لها حادث عندما كانت تقود سيارتها بسرعة جنونية فتحطم عمودها الفقري وأصيبت بالشلل.. وكم كانت دهشة زوجي بالغة عندما علم انني انا التي تشارك في علاجها.. ومرت الأيام وهي مازالت ترقد تحت رعايتي في المستشفي.. عندما كنت اغيب ما كانت ترضي ان يعطيها احد الدواء.. كانت تنتظرني لأعطيها الدواء بنفسي.. احيانا كثيرة كنت اصحب حفيدتي معي لزيارتها.. اصدقكم القول.. كنت افعل ذلك متعمدة.. لغرض في نفس يعقوب.. لأذكر ابنة عم زوجي بما جنته علي الصغيرة وعلي.. وبما فعلته الأيام بي وبها.. وشهادة للحق.. كانت ابنة العم.. سامحها الله وشفاها..وقد سامحتها من قلبي بعد رؤية ما أصابها.. تبتسم كلما رأت الصغيرة.. وما كنت لأراها ابدا تبتسم.. كانت دائما مكفهرة الوجه.. ولكنها مع ابنتي.. أقصد حفيدتي ابنة ابنتي..كانت تشرق الابتسامة علي شفتيها، ويتالق النور في وجهها.. ومرت الأيام، وخرجت ابنة عم زوجي من المستشفي قعيدة.. لا تملك ان تتحرك.. وكبرت حفيدتي وكبرت انا الاخري.. وعينت بكلية الطب..واخترت فرع الطب النفسي.. وحصلت علي الدكتوراه.. وأشهد ان لابنة عم زوجي دورا كبيرا في اختياري للطب النفسي مجالا لتخصصي.. كنت اتشوق لمعرفة خفايا النفس البشرية..ورغم الدكتوراه.. والدراسات والمؤتمرات.. اشهد ان النفس البشرية لغز.. لا يعرف مفاتيح سره الا من خلقها سبحانه وتعالي. وبلغت حفيدتي الخامسة عشرة من عمرها.. وجاء من يطلب يدها.. ولكني ووالدها وزوجي رفضنا.. ورفض معنا شخص آخر مبدأ ان نزوجها مبكراً.. كان هذا الشخص هو ابنة عم زوجي.. ولكن المفاجأة.. أن ابنتنا اصرت علي الزواج وسط دهشة الجميع وازاء اصرارها ضعفنا.. ووافقنا.. وتم الزواج بمن تحبه وارتضته لها زوجا.. وكانت ارادة الله اكبر من كل شيء.. فقد حققت لنا ما لم نقدر ان نحققه انا أو ابنتي.. امها أو امي واخوتي.. حتي ابنة عمي.. فقد انجبت ولدا.. وكان فرح زوجي به كبيرا.. فهو أول ذكر في العائلة.. وللدكتورة.. استاذة الطب النفسي.. الملاك الذي يواسي ويجبر النفوس المعذبة.. اقول: لقد جازاك الله كل خير.. وجبر نفسك لتسامحك النبيل.. ولتدركي ان قدرة الله فوق كل قدرة.. وانه يمهل ولا يهمل.. سبحانه وتعالي..