أنا فتاة عمري ثلاثون عاما, تخرجت في كلية التجارة, وظللت أربع سنوات أبحث عن عمل مناسب حتي وفقني الله الي وظيفة وجدت فيها ضالتي وشيئا فشيئا أثبت فيها تفوقا ملحوظا يشهد به زملائي ورؤسائي ويتوقعون لي مستقبلا مشرفا. وقد بشرني الكثيرون منهم بأنني سأكون ذات يوم صاحبة مشروع كبير, ومع إنخراطي في العمل لم ألتفت الي الجانب العاطفي, ولم ألق بالا لكل من حاول التقرب مني سواء ممن يعملون معي أو شباب المنطقة التي أقطن فيها, ومنذ عام تقدم لي شاب يعمل في إحدي الشركات طالبا يدي, ووجدت اختلافات كثيرة بيننا, وأول ما لاحظته أنه يصغرني بثلاث سنوات ونصف السنة لكن أهلي لم يتوقفوا عند هذه النقطة بعد أن قال لهم أن هذا الفارق البسيط في السن لا يمثل عائقا بالنسبة له, ولم يهتم أحد منهم بالسؤال عنه, حيث إنه يعيش في إحدي المحافظات الساحلية ومستوي عائلته يقل عن مستوانا كثيرا, ووافقوا عليه خوفا من أن أصبح عانسا, واقنعوني بأن الأيام كفيلة بتقريب المسافات بيننا. وقرأنا الفاتحة ولم يمر اسبوعان حتي تكشفت لي أطماعه المادية, سواء في الشقة التي ورثتها عن والدي أو الذهب الذي أملكه بالاضافة الي دخلي من عملي.. عندما حاول تأجيل موعد الشبكة الذي اتفقنا عليه. لكني أصررت علي إتمامها في الموعد المحدد حسب اتفاقنا معه, وهنا فاجأني بطلب مبلغ خمسة آلاف جنيه قيمة الشبكة علي أن يسدده لي فيما بعد لأنه ليس معه أي مدخرات!! فأصبت بصدمة شديدة, وصدق ماتوقعته فيه منذ البداية.. وسألت نفسي: لو أنني أعطيته المبلغ ثم اختفي ماذا أفعل ؟ وهل يليق تصرفه هذا بشاب ينوي فتح بيت ويسعي لتكوين أسرة مستقرة وحزمت أمري وقلت له: ان كل مامعي وضعته في جهازي, فصمت ثم انصرف, وانتظرت ماذا سيفعل فإذا به يحضر الشبكة, ونحن من جانبنا تحملنا كل تكاليف حفل الخطبة بالكامل, ولم يسهم فيه بمليم واحد. وبعد اسبوع وفي أول زيارة لنا تحدث معي عن حياتنا بعد الزواج. وطلب مني أن أتولي مسئولية البيت بكل متطلباته, وأنه سوف يدفع إيجار الشقة ويدخل بباقي مرتبه جمعية لتسديد ماعليه من ديون! وناقشته طويلا فيما قاله, ثم رفضته جملة وتفصيلا, وانتهي اللقاء إلي لا شيء, وحدثت أسرتي فيما حدث وابلغتهم أنني سأرد إليه شبكته وأفسخ الخطبة لأنني لن أستطيع أن أحيا مع رجل بخيل وطماع, فقابلوني بموجة من السخط الشديد والهجوم الضاري, واتهموني بأنني أتدلل في الوقت الذي أصبحت فيه في سن كبيرة وأنني إذا فسخت الخطبة فلن يطرق بابي أحد بعد ذلك, وكل العروض التي سأتلقاها من متزوجين وأرامل. إنني لم أعش معه يوما واحدا جميلا منذ خطبتنا, فحتي اللمسات البسيطة بين المخطوبين افتقدتها معه, ولا أذكر في فترة الخطبة ان اشتري لي أي هدية, إلا في يوم عيد ميلادي دخل علي بكيس فاكهة.. أما في عيد الحب فقد بعث لي برسالة قال فيها إن هذه الأعياد بدعة حتي لا يتحمل ثمن هدية! والمرة الوحيدة التي خرجنا فيها معا طلب مني فيها خمسة جنيهات فكة لكي يدفع أجرة سيارة الميكروباص التي ركبناها بدلا من التاكسي.. وفي يوم آخر طلب مني أن أدفع له ايجار الشقة! وعندما كنا نتحدث عن فستان الفرح والكوافير, أشار علي بأن استأجر أي فستان بسيط ولا داعي للكوافير من أصله! وجاءت أم المشاكل حينما رفض التوقيع علي قائمة المنقولات التي يوقعها أي زوج لزوجته بعد أن قمنا بشراء كل شيء من أثاث ومفروشات, وكان يعتقد أنه يلوي ذراعنا وأننا سنوافق علي مايريد.. وإزاء هذا التعنت الشديد, فسخت الخطبة, وقلت له ليذهب كل منا الي حاله, وذكرته بكل مافعله, فحاول أن يكتب قائمة منقولات علي مزاجه, فرفضت وعندئذ طلب الشبكة فرددت عليه بأنني خسرت بسببه الكثير, وان الشبكة هي خسارته التي سوف يكتوي بها, وأنني سوف اتبرع بها الي أي فتاة بسيطة في حاجة إليها فأنا لا تعنيني الشبكة ولدي أضعاف أضعافها.. لقد طويت هذه الصفحة من حياتي, ولكني أكتب إليك بحكايتي لتكون صيحة تحذير لكل الناس بعدم الضغط علي بناتهم للزواج رغما عنهن خوفا من العنوسة.. وتكفي تجربتي المؤلمة التي تركت جرحا غائرا في نفسي للدلالة علي خطأ تقدير أهلي.. فمن يجبرها أهلها علي الزواج ممن لا ترتاح إليه أو تجد فيه عيوبا يصعب علاجها, سوف تعود إليهم مطلقة بعد أيام أو شهور وهي تجر أذيال الخيبة والندم.. أليس كذلك ؟ ولكاتبة هذه الرسالة أقول: إنني أتعجب ممن يركز اهتمامه في البحث عن زوجة غنية دون أن يفكر فيما إذا كانت هناك مساحة مشتركة بينهما من العاطفة والشعور بالراحة, لأنه بهذا التفكير القاصر يجر علي نفسه المتاعب إن عاجلا أو آجلا سواء بتراجعها عن الارتباط به عندما تتأكد أنه لا يريدها لشخصها, بل لما تملكه من أموال وعقارات, أو بالزواج منه ثم تجاهل ما يطلبه منها, فيجد نفسه أسيرا لأوهامه وأطماعه.. ومثل هذا الشخص ينسي أن السعادة ليست في الغني, وأن الرضا بما قسمه الله هو السبيل الي شعوره بأنه يملك الدنيا وما فيها, وأتذكر هنا قول الامام الشافعي: ورزقك ليس ينقصه التأني وليس يزيده منك العناء إذا ما كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء والزواج الناجح يقوم علي المودة والسكن والرحمة وتآلف القلوب وتكامل العقول, وهذه هي المقومات التي يجب أن تتوافر في أي اثنين يسعيان إلي إقامة حياة زوجية مستقرة, والحقيقة أن هناك خيطا رفيعا بين الإضطراب والإستقرار لم يرعه فتاك برعونته وتركيزه علي المسائل المادية منذ اللحظة الأولي, وجعلها العامل الحاسم في مناقشته الأمور المرتبطة بكما ولو أنه تعامل معها بشكل عادي لما انتهت علاقتكما بالفشل وفسخ الخطبة. ولقد كان بإمكانه لو أحسن تقدير الأمور ولم يتعجل مساهمتك في متطلبات المنزل بالشرط الذي أراد أن ينتزعه منك وأنتما في مرحلة التعارف والخطبة ضمانا لأن يحصل علي ما بحوزتك من مال ومدخرات, فمن الأمور البديهية في معظم البيوت المصرية أن المرأة تسهم بمرتبها في المعيشة عن طيب خاطر, وبلا شروط ولا إملاءات, وهناك من الزوجات من تتولي مسئولية تدبير أمور المنزل كاملة في حالة غياب الزوج أو عجزه. وعلي حد تعبير فولتير فإننا بحسن التقدير نجعل الآخرين من ممتلكاتنا الخاصة, بمعني أن المرء ينال ثقة من حوله بتصرفاته العاقلة, فما باله بمن يرتبط بها وتعد نصفه الآخر,.. بالتأكيد لن تتواني أبدا عن تقديم كل ما بوسعها من أجل إسعاده وإرضائه. والشاب العاقل المتزن يبحث دائما عمن يرتاح إليها ويشعر معها بالألفة والمودة, وكذلك الفتاة تترقب من يريدها لذاتها وليس لما تملكه, فإذا افتقدت ذلك فيمن جاءها راغبا في الزواج منها, فعليها أن تتريث وأن تعيد التفكير أكثر من مرة قبل الموافقة عليه, ولا يعني تقدمها في السن أن توافق علي أي شاب بلا قيد ولا شرط, وعلي أهلها ألا يرغموها علي زيجة محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ بدعوي الخوف من أن يفوتها قطار الزواج, فإحساس النقص يولد لديها شعورا بالعجز في مواجهة العريس المنتظر فتتعجل الارتباط, وتذعن لكل ما يمليه عليها وبالتالي يواصل ضغطه عليها من أجل أن ينال ما يريد, في حين يتغاضي أهلها عن أساسيات لا يصح التنازل عنها في كل الظروف والأحوال. ولقد كان القدر رحيما بك عندما ادركت ما يرمي إليه فتاك قبل إتمام الزواج, وعليك أن تسقطي تجربتك معه من حياتك, وأري أن تعيدي إليه الشبكة, وأن تترفعي عن الروح الانتقامية التي قد تأخذ الكثير من رصيدك لدي الآخرين, فلقد فسخت الخطبة بإرادتك, ويكفيك أن الله نجاك من الوقوع في براثن هذه الزيجة التي فشلت قبل أن تبدأ, وأرجو أن يتوخي الآباء والأمهات الحذر وهم يدفعون بناتهم إلي زواج غير محسوب العواقب, والله المستعان.