أنا فتاة في أواخر العشرينيات من عمري, جمعني القدر بتوأم روحي..شاب في الثلاثينيات من عمره, أصفه بأنه رجل بالمعني الحقيقي لهذه الكلمة, فلقد تحمل مسئولية عائلته منذ صغره ولم ينس أن يكافح من أجل الارتقاء بنفسه أيضا وملأ روحي وكياني باحترامه وحبه الشديدين, فوجدتني أجله وأبادله كل ما أوتيت من مشاعر صادقة مهذبة, ودخل البيت من بابه وتقدم لخطبتي ووافق أهلي عليه علي مضض واكتفوا بقراءة الفاتحة إلي أن يتيسر حل مشكلة المشاكل الأبدية في عصرنا الحالي ألا وهي الشقة وزحفت المسائل المادية شيئا فشيئا إلي المناقشات بين أهلي وخطيبي, حتي جاء يوم صرخت فيه أمي في وجهي, وأخذت الدبلة من أصبعي بمنتهي القوة والقسوة, وأنا أبكي وأصرخ واستجديها تارة وأهدد بالانتحار تارة أخري, ودب الحزن واليأس في جسدي النحيل وأصبحت لا أشعر بطعم أي شئ وصرت وحيدة وسط الناس وكئيبة طوال الوقت, ووجدتني في يوم وليلة بعد أن كنت أعد نفسي لأكون عروسا للشاب الوحيد الذي احببته واطمأن إليه قلبي أمام حائط خرساني من العائلة أصم وأبكم ولا يعقل شيئا سوي الأفكار الهشة. ووجدت أمواجي الحائرة من الاستجداء والتوسلات تتكسر علي شطآن القلوب المغلقة فهم يقارنون بين المدارس الأجنبية التي تعلمت فيها والحياة التي تربيت عليها وظروفه الصعبة التي لا يد له فيها والتي اتخذوها ذريعة للتشكيك فيه ولن أتكلم عما فعلوه به في بيته وعمله ولن اسرد قصة صبره مع أهلي وشراسة أمي في محو اسمه من ذاكرتي. لقد قاومت وغضبت وامتنعت عن الطعام وتوسلت وفعلت كل شئ حتي كدت أن أنهي حياتي بيدي, وهم يتطلعون بأعينهم في استنكار: لماذا كل هذا العناد ونحن أعلم بمصلحتك؟!! وما أصعب أن أري سعادتي ملء عيني, ولكن محرم علي الشعور بها والحصول عليها فبت أذبل يوما بعد يوم ولم يستثر شفقتهم ما صرت إليه وما حل بي, ويشهد الله أني لم أطلب في صلاتي رجلا غنيا أو وسيما أو ذا سلطان, وما سألت ربي غير من يطمئن إليه قلبي واسكن إليه ومن يعينني علي طاعته ومن أطيعه فيرضي سبحانه وتعالي عني, أرجوك أن توجه رسالة إلي الآباء والأمهات بأن الحب ليس طوقا يضعون أبناءهم في وسطه فيحرمونهم من حريتهم ومن حق الاختيار وتكفيهم تربية سليمة وسوية يغرسونها فيهم فتعينهم علي مواجهة الحياة, فكم من زيجات تنتهي علي أعتاب الماديات التافهة التي تشغل حيز عقولنا مثل: الشقة ليست مناسبة أو الشبكة لا تناسب المقام! إنني مازلت أحب خطيبي, ولا أريد سواه مهما يطل العمر بي, فمن أخلص في حبه واطمأن لقراره يصعب عليه أن يخوض تجربة لا ملامح لها يبحث فيها عن روحه فلا يجدها!!..فهل تؤيدني فيما ذهبت إليه؟. .. وأقول لكاتبة الرسالة: في اختيار الزوج قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. ذلك لأن الدين هو أساس الحياة, فإذا كان الرجل يملك المقومات الدينية والخلقية والسلوكية القويمة صار هو الأنسب والأفضل لإقامة أسرة متماسكة يظللها الحب وتسودها روح المودة حتي وإن لم يكن يملك المال والجاه والسلطان, فهي كلها عوارض تزول بعد حين ويبقي الدين والخلق. والواضح أن هذا الشاب الذي جاء إليكم طالبا يدك. من الصنف الأول الذي يعرف ربه ويخشاه, ولذلك ينبغي علي أسرتك ألا تتردد في قبوله من حيث المبدأ, ثم تناقش معه المسائل الأخري كالشقة وغيرها من مستلزمات الزواج بشرط ألا تغالي فيها, وأن تقبل بالحد المعقول الذي يمكن به أن تنشأ حياة مستقرة بين شاب وفتاة ربط بينهما الحب, ورأت فيه الفتاة أن سعادتها سوف تكون مع من ارتاح إليه قلبها. ولا أدري لماذا يصر الأب والأم دائما علي أن يكون العريس جاهزا من كل شيء, وإلا فلا زواج! ألا يدري من يفكرون بهذه الطريقة انهم يسدون الطريق علي بناتهم للزواج في سن مناسبة, ومن شباب في مثل أعمارهن؟ لقد اثبتت التجارب الحياتية أن الزواج القائم علي الطمع المادي مصيره الفشل, ففي مثل هذه الزيجات يكون هناك دائما فارق كبير بين عمري الزوج والزوجة, وبمجرد ارتباطه بها يعاملها بطريقة التملك وكأنها قطعة أثاث في البيت, ولذلك يجب أن يكون التفاهم والود هو العامل الذي يجمع الشاب والفتاة وهما يرسمان طريقهما إلي الزواج والاستقرار, فاعظم دواء شاف للقلق والحيرة والاضطراب هو الحب. ومن هنا أقول لأهلك: لا تزرعوا الشوك في طريق ابنتكما لأنها لن تجني منه سوي الجراح, واعلموا أن الحب المتبادل بين الرجل والمرأة يحدد مجال الحياة المشتركة بينهما. ودعوني أردد مع الشاعر الهولندي جاكوب كالتس قوله: أحسن حظ للبنت الزوج الطيب فهو لؤلؤة. سأضحي بحياتي لو ثبت أن هذا الزواج ليس فردوسا. فراجعوا حساباتكم, وحاولوا رأب الصدع الذي أصاب علاقتكم بخطيب ابنتكم, وعليكم أن تنيروا لها طريقها دون ضغوط غير منطقية, واستفيدوا من تجارب الآخرين التي أثبتت أن الزواج القائم علي التفاهم والأخلاق والدين هو الذي يدوم ويصمد أمام عواصف الحياة, أما الزواج المادي فسرعان ما تذروه الرياح ولا تحصد منه الزوجة سوي الندم بعد فوات الأوان.