أنا فتاة في الرابعة والعشرين من عمري, التحقت بكلية الطب تلبية لرغبة والدي فهو طبيب وأمي صيدلانية, وبرغم انني كرهت الدراسة بها لأنها لا تتناسب مع ميولي إلا أنني تفوقت فيها وحصلت علي تقدير جيد جدا. وأصبحت طبيبة في اسرة علمية, ولا استطيع ان أصف لك سعادتهما بي, لكنني لست راضية بعملي وأري أن هذا قدري! وليست هذه هي المشكلة التي اكتب اليك بشأنها, اذ أريد أن أستشيرك في مسألة تتعلق بمستقبلي الأسري وحياتي كفتاة تسعي إلي أن تكون زوجة وأما, فلقد دق قلبي وأنا في السنة الثانية بالكلية لشاب في مثل عمري, وكانت المرة الأولي التي أتطلع فيها الي شاب, فأسرتي محافظة ومتدينة ولا تقبل بأي علاقات من هذا النوع تحت أي مسمي, وكنت أهزأ دائما بهذه العلاقات وأستغرب موقف زميلاتي وانخراطهن في مسألة الحب, فعندما دق قلبي لهذا الشاب نسيت نفسي ووجدتني أبادله الحب ورحت أراقبه من بعيد, فهو صديق أخي وكثيرا ما رأيت أمي تتحدث معه هاتفيا لتعرف أخبار أخي, وكانت تعتبره ابنها الثاني, وقد بعث هذا الشعور تجاهه الطمأنينة في نفسي, وكلما اتصل بنا وسمعت صوته أتهلل فرحا به وأبدو متماسكة أمامه حتي لاتفضحني مشاعري! وذات يوم اتصل بنا ولم يكن احد موجودا بالمنزل فدار بيننا حديث طويل حكيت له فيه عن مشكلة بسيطة وقعت مع زميلة لي, فوجهني الي كيفية التعامل معها وظل لفترة يسألني عن أحوالي وما اذا كانت هناك مشكلات تواجهني ثم فاجأني في احدي مكالماته بأنه معجب بي, فلم ارد عليه وأحمر وجهي من الخجل. وراح يتابعني باستمرار ويبثني مشاعره, ومضي مشوار حبنا الطاهر, ولاحظت انه يحس بالذنب تجاه أبي وأمي لانه لا يستطيع أن يطلبني منهما وهو مازال طالبا.. أما انا فكنت ابكي بشدة كلما تذكرت ان علاقتي بفتاي في السر ولا يعلم عنها أبواي شيئا بل انني اعتبرت ما فعلته خيانة لثقتهما في. وتمسكت بأخلاقي ولم افرط في أي شيء وكان فتاي عند ثقتي فيه, فلقد احتواني ولم يترك مناسبة إلا وحاول فيها ان يعبر عن حبه لي ولو بوردة حمراء, وحاولت التقرب الي اهله وحرص علي الاتصال بوالدتي في الاعياد والمناسبات ليقدم لها التهنئة باعتبارها مثل والدته. ولاحظ اخي علاقتنا وعرف الحقيقة فقاطعه وقال له انه لم يصن العشرة, فأقسم بانه يحبني ولا يلعب بي, وانه سيتقدم لخطبتي وبالفعل طرق باب اسرتي طالبا يدي فردت عليه امي بأنه كان يتقرب منها من أجلي, فحاول ان يشرح لها حبه لنا وارتباطه بي, فقالت له, عندما تجد عملا.. ربنا يحلها وشاء القدر أن يلتحق بعمل مناسب ففاتح ابي في خطبتي فرد عليه بالرفض لفارق المستوي التعليمي. وهكذا تعقدت الأمور لان فتاي خريج كلية الخدمة الاجتماعية تصور!!.. فهذا منطق غير صحيح, لأن النجاح في الحياة شيء آخر فلقد تخرجت في كلية الطب وأكره عملي, وتخرج هو في كليته ويحب عمله, ومرت أربع سنوات كاملة علي علاقتنا لم أشعر فيها بأي فرق بيننا, فلقد جمعنا الحب والتفاهم والرحمة والعطاء, ولم يدخر جهدا في اقناع اسرتي ولكن دون جدوي. لقد حاولت ان افهم موقف أبي وأمي وأخي فلم استطع, ففتاي محاسب بإحدي شركات القطاع الخاص ومستوانا المادي والثقافي والاجتماعي متماثل وتدخل عمي لاقناعهم بلا فائدة.. فساءت حالتي النفسية, ومهما وصفت لك محاولاته مع اسرتي وعن موقفه وحبه لي لن أستطيع ولكن انتهت العلاقة الجميلة بمشاجرة مع أخي. ووجهت وجهي الي الله سبحانه وتعالي وسألته ان يلهمني الصبر, ولكي لا أغضب أبوي وافقت علي الخطبة لمهندس شاب جاءني عن طريقهما لكن الخطبة لم تدم سوي بضعة اسابيع. والآن, اكتب اليك رسالتي ليس من أجلي ولكن من أجل حبيبي الذي انقطع عن عمله وأصابه الاكتئاب, عسي أن يواصل رحلة كفاحه في الحياة وبناء مستقبله ليكون ذا شأن ذات يوم وسوف يري كل من استهزأ به المكانة التي وصل إليها, فنحن لا نعرف ماذا يخبئ لنا القدر؟ وأرجوك أن توجه نداء الي الآباء بأن يحنوا علي أبنائهم ويتركوا لهم حرية الاختيار اذا تمسكوا بمن يرون فيهم النصف الآخر.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول: أساس الزواج السعيد هو أن تتزوج المرأة من تحب.. فتكتمل عناصر النجاح لحياة مستقرة تصمد أمام المشكلات اليومية, لكن كثيرين من الآباء والأمهات لا يرون في التوافق النفسي بين ابنتهم والعريس الذي يتقدم إليهم طالبا يدها, ضرورة من منطلق أن الحب يأتي بعد الزواج, ويفضلون عليه الثراء المادي والمؤهل البراق دون النظر لأي اعتبارات أخري كالأخلاق والدين, وقوة تحمل المسئولية, وهذا هو السبب في فشل كثير من الزيجات في السنوات الأولي للزواج, لدرجة أنه أصبح لدينا الآن في مصر ثمانية ملايين حالة طلاق. وإني أسأل أباك: هل المنطق الذي تحدث به معك يمكن أن تستقيم معه الحياة إذا كنت لا ترين في الطبيب الذي يريدك زوجة له ما يؤهل زواجكما للاستقرار والنجاح؟.. وما العيب في شاب حاصل علي مؤهل عال مثلك ويعمل في وظيفة يحبها ويجد نفسه فيها ومازال أمامه مستقبل كبير ينتظره؟! ربما أؤيد والدك في رفضه فتاك لو لم يكن هناك توافق مادي وثقافي واجتماعي, إذ لابد أن تكون المستويات بين الطرفين متقاربة حتي لا يحدث بمرور الأيام خلل يرجح كفة أحدهما علي الآخر.. لكن الواضح أن فتاك من المستوي نفسه, بدليل علاقته بأسرتك وزمالته لأخيك. ثم ألا تعلم أمك من خبرة السنين أن التوافق الزوجي يساعد علي تحمل الآلام ويكبح جماح النفس, وأن الأساس المتين للزواج هو رغبة كل من الشاب والفتاة في الفوز بالآخر, وأنه لا توجد ثروة في الدنيا تعادل الحب, وأن الحب الذي هو للمرأة كل حياتها. إن فشل خطبتك للمهندس الذي خطبت له بعد رفضهم فتاك, أكبر دليل علي ذلك.. ويجب علي أسرتك أن تعيد النظر في فلسفتها في الحياة, وأن تعرف أنك فتاة نقية تخشين الله في تصرفاتك.. فلم تفعلي الخطأ, ولم تحاولي الاتصال بفتاك, ولم يحاول هو أيضا أن يستعديك علي أسرتك.. ويكفيك أن روحك تشبه صفحة الماء الصافي الرقراق تجري أمواجها مع أقل حركة, وترسل حلقاتها إلي أبعد الحدود.. فكوني دائما عند حسن ظن أهلك بك.. وسوف تنقشع سحابة الدخان التي ظللت سماء حياتك, فاستعيني بالصبر والصلاة.. إن الله مع الصابرين.