الفتوة فى أعمال نجيب محفوظ يُعبر عن حالين: القهر، وهذا شأن معظم فتوات محفوظ، والعدل، والذين تنادوا به أو عملوا به من الفتوات نادرون ومنهم عاشور الناجى فى رواية «الحرافيش» كما يرى عديد من النقاد.. فهل شهدت بواكير قصص نجيب محفوظ المجهولة ظهور الفتوة كأحد جزئيات العالم الروائى لديه؟ • قصتان لهما دلالة مهمة من الممتع أن نكتشف ذلك من خلال قصتين نشرتا فى مجلتين أدبيتين، واحدة فى ثلاثينيات القرن الماضى، والثانية فى الأربعينيات والقصة الأولى بعنوان «ملوك جوف الأرض» ونشرت فى مجلة المجلة الجديدة الأسبوعية بتاريخ 2 نوفمبر 1934، وقصة «قتيل برىء» ونشرت فى مجلة «كليوباترا» بتاريخ 9 سبتمبر 1946، وجمعهما محمود على فى كتابه الصادر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان «قصص نجيب محفوظ التى لم تنشر». • من الواقعى إلى المعانى الإنسانية الكبيرة وكاتبنا يتخذ من شخصية الفتوة فى أدبه رمزًا للسلطة فى كل وجوهها بين العدل والظلم، والسماحة وضيق الأفق، والعنف والاعتدال، والشهامة أحيانًا، وكسر رقاب الناس أحيانًا أخرى!، ولم يتوقف عند الرؤية الخارجية للحارة والفتوات والأحياء الشعبية بل كان على الدوام يخرج من الإطار الواقعى إلى المعانى الإنسانية الكبيرة». وإذا كانت رواية «الحرافيش» لكاتبنا هى أكثر رواياته تركيزًا على صورة الحارة والفتوات فقد عدها رجاء النقاش عملاً شعريًا بقدر ما هى عمل روائى، ويصفها بأنها أغنية بديعة تتحدث عن مشكلة الإنسان فى بحثه الدائب عن العدل والسعادة والخلاص. (يوسف الشارونى: 2010 رحلة عمر مع نجيب محفوظ، المجلس الأعلى للثقافة ص200، ص208). • العفريت! وإذا كانت قصص نجيب محفوظ المجهولة قد أخذها عن رواياته، وبالتالى فاستنتاج صحيح أن شخصيات هذه القصص قد أخذها من رواياته أيضًا فإذا تأملنا قصته «ملوك جوف الأرض» نجد شخصية «العفريت» وهو أحد رجال الفتوة- كما نجد الفتوة نفسه- يبدو مرهوبًا شديد اليأس مما جعل ابنته تهدد باسمه كل من يعترضها، ويرسم كاتبنا مجتمع الحكاية الذى يشبه مجتمع الحارة الفقيرة الكادحة فيقول فى السطور الأولى لقصته: «إذا أتى الصيف واشتدت الحرارة، وزهقت النفوس خرج هؤلاء القوم من أكواخهم المتهدمة المبنية من الصفائح إلى العراء، يبيتون على أديم الغبراء غائبة الأطراف فى الأفق، وكانت ليلة قمراء اجتمع فيها الصبيان والفتيات بأسمالهم البالية، ووجوههم المغبرة وخُمُرهن الممزقة الباهتة، وقد وضع كل منهم حقه الذى يجمع فيه أعقاب لفافات التبغ من على الأرض، وتمدد تحت ضوء القمر ينشد الراحة بعد تجوال مرهق سحابة النهار ونصف الليل». • رجال الفتوة ويصف كاتبنا ما يتهدد المكان والناس من شرور «ملوك جوف الأرض»! من خلال رصد انطباعات ومخاوف فتاة فى السادسة عشرة قامت بينها وبين جماعة الشباب معركة عنيفة خرجت منها محطمة الجسد والنفس لأنها أهانت «العفريت» الذى توعد الجماعة كلها، وهو رجل متقدم فى السن، هائل البنيان، ممزق الثياب، كثيف شعر الرأس جدًا كأنه يرفع رأسًا فوق رأسه، ويرسل لحية طويلة قذرة، سالمته جماعة من الصبيان لأن طريقه وطريقهم واحد فكانت المسالمة واجبة حتى يأمنوا شره فلما اعتدت عليه الفتاة غضب عليهم جميعًا. • لحظة التحدى حاول جماعة الصبيان الصلح لكن الفتاة تمردت ورفضت، وهددتهم بأبيها، وكان أبوها هو كل ما بقى لها، وكانت لا تعلم عن حياته شيئًا فهو يغيب ردحا من الزمن ثم يظهر أمامها فجأة فلا تدرك من أين أتى؟ ولا ماذا يصنع؟ ولا كيف يعيش؟ ولم تجرؤ على أن تُلح عليه فى السؤال عن شأنه لأنه كان يصرفها عن ذلك بخشونة، وكانت تُسر بمقدمه لأنه يحمل لها طعامًا وربما ثيابًا». وتدور أحداث القصة بعد رسم المشهد فى ماسورة ضخمة يعيش فيها ملوك جوف الأرض! وتمثل هذه الماسورة عالما مخيفا خاصًا ممنوعًا له رهبة وسطوة ويثير الخوف لأنه لا يظهر للعيان، مختفٍ، ضيق له سماته الخاصة الغامضة والمخيفة وهو منغلق على ذاته تخشاه الجماعة، والفقراء الذين يسكنون عشش الصفيح مما يجعل ساكنى «الماسورة» بحق ملوكًا لجوف الأرض! بل مجتمعا مناسبًا للفتونة بكل ما لها من قدرة، واقتدار، وسطوة وقهر، وفى مجتمع الفتونة يُرتكب كل شىء، المخالفات، المقامرات، ارتكاب المنكرات، ويرسم كاتبنا صورة لذلك عن طريق الحوار بين رجال أو ملوك جوف الأرض!: • «ولكن كيف لنا بالحياة من غيره «السلطان»؟ كيف ننتظر أيامًا ونحن لا نقدر على سلواه ساعة!!». - «ولكنهم يضيقون عليّ الخناق وقد أخبرنى أبو حجاج بأنه ما عاد يستطيع أن يوصل إليَّ الصنف!.. اليوم، أرسل لى مصباحًا مع غلام لألحمه فى الظاهر فوضعته بين المصابيح والصفائح، وأخذت أقوم بعملى سحابة النهار حتى آذن وقت الانصراف ففتحت المصباح وأخذت القطعة!». ويرسم كاتبنا صورة هذا العالم الخفى: «وعلا صوت الملك وهو يهدد وزيريه! «نريد نساء.. ما رأيكما؟.. تردد وزيره قائلاً: إنه مما يؤسف له حقًا ألا يكون فى مملكتنا نساء يا مولاى، وهنا غاص قلب الفتاة فى صدرها وارتجفت أعضاؤها وكادت تجن عندما شاهدت «العفريت» يقوم ويتجه ناحيتها، «يا الله ما الذى يريد؟» هل يمكن أن يكون قد أحس بها؟» واستمر القوم، البعض فى ضجيجه وتنكيته والبعض فى عد أمواله والآخرون فى تنظيم شئون مملكتهم حتى قال الأفندى «نريد غناء غَنِ يا أبا عبده!». ثم ينتبهون إلى آهة خفيفة صدرت عن الفتاة وقبض العفريت على قطعة من الحديد، وتقدم بخطا ثابتة ناحية الفتاة. وهنا تكون صورة القوة البدنية مرادفة لعالم الفتونة وهى هنا قوة غاشمة مهابة مخوِّفة وباطشة. وعندما دارت عينا الفتاة الزائغتان فى وجوه القوم حتى استقرتا على واحد بينهم بدا عليه أنه يحاول أن يتذكرها بعينيه الذاهلتين الحالمتين أما هى فقد تأملته طويلاً على ضوء المصباح حتى خارت قواها، ووقعت مغمى عليها وهى تهتف بصوت خافت «أبى.. أبى». وهنا كشف السرد عن مفاجأته عن هذا الرجل المرهوب الجانب، شديد البأس، الذى كانت تهدد به الناس، والغموض يحيط بمقدمه ورواحه، وحياته ومعيشته، وكونه الحافل بالأسرار ليكشف السرد عن هشاشة هذا العالم رغم مظاهر القوة والبطش فأقوى رجاله مُخَدَّر ذاهل لا يكاد يتعرف على ابنته! وأراه حسب تفسيرى «الفتوة» الذى استقوى بمن حوله «بالعفريت» ورفاقه، واستخفى بماله من مقدرات فى عالم ضيق محدود «الماسورة»، يلجأ أصحابه للعنف والاعتداء، فيهددون من حولهم، وهى الصفات التى تميز عالم الفتونة كما استوى بين يديّ كاتبنا فى روايته «الحرافيش» لكن «الفتونة» فى «الحرافيش» ليست القوة فقط بل المواقف القوية أيضًا وفى قصة «ملوك جوف الأرض» الفتونة هى عالم البطش مع غياب ما هو إنسانى والذى بدا فى الفتوة الذاهل الذى غيبَّه المخدر فلم يعرف ابنته! وقد خرج بنا محفوظ فى هذه القصة من عالم ضيق مخيف تدور أحداثه فى «ماسورة» إلى لقطة إنسانية ذات معنى ومغزى فإذا قال العامة عن أحدهم عبارة «مايعرفش أبوه» فإن ذلك يعطى دلالة واضحة عن شدة ظلمه لكن كاتبنا- ومن هذا المنطلق نفسه- يعطينا دلالة بينة على أن هذا الفتوة قد فقد بداخله كل معنى إنسانى عندما يصوِّره، وقد غيبَّه المُخدر فلم يعرف حتى ملامح ابنته، وهى تناديه فى وجوده وحضوره المُغيب «أبى.. أبى»!. • قتيل برىء! وإذا كان محفوظ قد صوَّر عالم الفتوة كاملاً بكل معانيه فى ملحمة «الحرافيش» فإنه قد مَسَّ بقلمه مفارقات وتناقضات تمتزج معًا فى هذا العالم فى قصته الباكرة المجهولة (قتيل برىء)، ويعد هذا إضاءة مبكرة لاجتلاء هذا العالم منذ بدايات كتاباته ليكتمل فى رواية (الحرافيش)، التى صوّر فيها عالما من القسوة والبطش وعلى سبيل المثال فإن (حميدة) وثب فبطش ب (دنقل) واستأثر لنفسه بالمركز الأول فى عالم العصابة وأعلن نفسه فتوة على الحارة وقد جرى قانون الفتونة الداخلى على كل من يَهُنْ أو تتزعزع قوته يُقتل إن تخلى عن الفتونة وكأن هذا القانون إجباريا لا استثناء فيه !، وفى رواية (الحرافيش) تعطينا دلالة الحوار هذا المعنى عندما زار (دنقل) و(حميدة) المتنافسان على المركز الأول فى الفتونة (فتح الباب) الذى أجرى العدل فى الحارة وفتح مخازن الطعام والغلال ليطعم فقراءها بدون علم أخيه (سماحة) الفتوة، فتنادى الناس بعدله، وأعلنوه فتوة رغم أنه لم يقبض يوما فى حياته على نبوت !، وجسمه الهش لا يصمد لضربة يد ! ومن هنا يشير كاتبنا أن الفتونة فى عالم الحارة القديم لم تقتصر على القوة الغاشمة، لكن كان بعض رجالها يتوخون العدل مثل (فتح الباب)، و(عاشور الناجى) فى (الحرافيش)، وهذه النوعية من الشخصيات كانت مهددة بالعزل وبالقتل، ويكشف الحوار التالى من هذه الرواية عن هذا المعنى: و(زار دنقل وحميدة فتح الباب فى مسكنه المتواضع، انفردا به وقال له دنقل: نحن نبذل الجهد، ولكننا نلقى عقبات كالجبال ورجال العصابة غاضبون يتوعدون بالشر والدم. فتمتم (فتح الباب) بذهول: -ولكنكما أقوى الرجال ! -هم الكثرة وهم الغدر فقال بإصرار : -سأتخلى عن الفتونة! فقال حميدة: -لا نضمن لك الحياة إن فعلت! وقال دنقل: لا تغادر مسكنك أبدا، ستلقى لدى أول خطوة خارجه مصرعك! نجيب محفوظ : ملحمة الحرافيش، الأعمال الكاملة، الجزء التاسع، المكتبة العلمية الجديدة، بيروت، ص 534. فإذا انتقلنا إلى قصته الباكرة (قتيل برىء) نجد الظلال الأولى لهذا العالم فى شخصية (الشيخ صميدة) ! فهو مسن لكنه قاتل محترف، يؤجر من قِبَل المنتقمين والموتورين وأصحاب الثأر، وهو بهذا المعنى (فتوة) أو كما أوضحت القصة على لسان أحدهم : (كيف سوّلت لكم أنفسكم الهزء بالشيخ (صميدة) ؟ ألم تعلموا أنه كبير سفاحى هذه الناحية، وأنه لو تجمع من الزمن لشق الأرض شقا)! ويبدو أن (الفتوة) أو كبير سفاحى الناحية كحقيقة لم يخطر على بال بعض شخصيات القصة بأنه موجود فيقول السارد (وكنا جميعا من أبناء الفلاحين الذين ترعرعوا فى بطون القرى فلم يقع كلامه منا موقع الغرابة إلا واحدا من أبناء القاهرة لا يكاد يلم بالريف إلا لفلتة فنظر إلى صاحبنا بين مكذب ومصدق وتساءل : كيف يمرح مطلق السراح؟! انقضت حبال المشانق أم باتت السجون تشترط لقبول الوافدين شروطا عسيرة أسوة بكليات الجامعة؟! وتؤكد القصة استمرار هذه النوعية من الفتونة الغاشمة فى المجتمع بحيث يعد من لا يعترف بها ساذجا : (ابتدرنا نقص عليه ما أسعفتنا به الذاكرة من سير المجرمين بالقرى، وما يتمتعون به من منزلة اجتماعية محلية معترف بها، وكيف أن أهل القرى حتى المثقفين منهم فى كثير من الأحايين يقصدونهم فى الشدائد، ويستعينون بهم فى مكائدهم الانتقامية ! • قانون الفتونة! فإذا عدنا لوجه الشبه بين فتوات رواية (الحرافيش)، وفتوات قصة (قتيل برىء)، نجد أن الفتوة الجديد ابن الشيخ (صميدة) يخشى أكثر ما يخشى لحظة ضعف تقصيه عن عالم الفتونة الذى يدرك قوانينه، والذى تمرد عليها من قبل (فتح الباب)، و(عاشور الناجى) فى رواية (الحرافيش) فقد تمردا على فكرة القوة الغاشمة، وتحمسا لفكرة إقامة العدل، والعودة بمفهوم الفتونة إلى معناها القديم حين كانت عدالة ونقاء (تؤثر الفقراء والبطولة وتشكم السادة والوجهاء)، (نجيب محفوظ : (ملحمة الحرافيش) : الأعمال الكاملة ص518) أما فى قصة (القتيل البرىء) فإن ابن الشيخ صميدة يحسم أمره إلى اتباع قانون الفتونة الجديد (القوة الغاشمة) خوفا من أن يخرج من هذا العالم، ورعبا من أن يتم البطش به، وتصف القصة الفتوة الجديد الذى خجل من أن يطلب إلى والده أن يرافقه فى القتل ولو بحجة أنه كان يقتحم أول مغامرة له فحمل البندقية على كتفه، ومرق إلى الدهليز محاذرا فى ظلام دامس وتذكر فى هذه اللحظة الرهيبة كيف قال له أبوه المجرم المحنك : (سدد واضرب بلا تردد ولا خوف، ولا تأبه للرجال المحدقين بك). فالمفاجأة تشل الرجال، وستعود إليّ قبل أن يفيقوا منها أو يحركوا ساكنا، ذكر ذلك وقلبه يخفق، وربما لو لم يكن أبوه يرصده فى الحارة لفرَّ بنفسه ! فسدد ضربته، وصرع الرجل ببندقيته، لكن الفتوة الجديد سقط مغشيا عليه ! ولما أفاق وجد نفسه محمولا على كتف أبيه والرجل يشق به الظلام فى طريق العودة، أى أن ابن الشيخ صميدة لم يكن يستطيع للحظة أن يحيد عن قانون الفتونة الغاشم فتحول فى لحظة إلى قاتل أصبح وإلا أصبح مقتولا فتجنب مصيره المحتوم حال تراجعه • عالم بلا قلب ومن الغريب أن الفتونة فى هذه القصة تثير مزيدا من الأسئلة حول الخيال الذى هيأه الحس الساخر لكاتبنا وهو يصوَّر عالم هذا السفاح وهو عالم بلا قلب ولا ضمير، فالفتوة يمارس القتل ولا يحنث بوعده أبدا حتى ولو قضى صاحب العرض أو الاتفاق نحبه، ويسوق لذلك حكاية من حكايات الفتوة صميدة فقد (جاءه رجل يدعى جابر أبو طاقية واتفق معه على قتل غريم له يدعى الشيخ سرحان ونقده أتعابه، وفى مساء اليوم التالى زاره الشيخ سرحان نفسه وهو لا يدرى ما بيته غريمه وطلب إليه أن يقتل جابر أبوطاقية ولم يبد المجرم اعتراضا ونفذ القتل فى الغريمين، ولما سُئل : (ما كان ضرك لو عفوت عن الشيخ سرحان وقد قتلت الآخر ولم يعد بوسعه مطالبتك بإنجاز ما تم الاتفاق عليه ؟ فأجاب ببساطة: لم أعتد نكث العهود !! • الجزاء من جنس العمل وترصد القصة نهاية حياة الفتوة (صميدة) والذى مات مقتولا أيضا بغير اتفاق، ولا صدام ولا عراك، فى حادث مأساوى، فقد قتله خفيران لأنهما كانا حارسين على جثة ، وسرقت الجثة واختفت، فقتلاه ليحصلا على أية جثة فقتلوه أثناء مروره بالشارع ليصبح الفتوة هنا هو القتيل البرىء فى هذه الحادثة.. .. ومن هنا قدمت القصة عالما دمويا اتسمت به الفتونة فى هذه القرية البعيدة، وصورت البطش الذى يطال الجميع، والنهاية القدرية التى قضت على حياة الفتوة • الفتونة بين العدل والقهر ! فهل انتهى عالم الفتونة ؟!، تؤكد القصة فى نهايتها أنه لم ينته، فقد ارتكب الخفيران المنوط بهما حماية الأرواح، والالتزام بالقانون جريمة القتل لإخفاء إهمالهما ! ومن هنا يريد كاتبنا أن يعطى مفهوما جديدا للفتونة الغاشمة القاتلة فهى لا تقع فقط من الخارجين على القانون بل إنها يمكن أن تقع أيضا من المسئولين عن تنفيذ القانون، وهو فى كلتا الحالتين يدينها لأنها ترتكب من الخارج عن القانون، وحاميه! فالصورة التى قدمتها القصتان: (ملوك جوف الأرض) و(القتيل البرىء) هى الصورة السلبية للفتوة، الصورة التى اتسمت بالقهر وارتكاب الجرائم. بينما ظهر عالم الفتوات فى روايته (الحرافيش) بكل جوانبه، الغاشمة والعادلة حتى أن عاشور الناجى هو الفتوة الذى يقود الحرافيش - أبناء الشعب- إلى الثورة على الظلم والطغيان، لكن البواكير الأولى لقصص محفوظ يبقى لها أنها تمكننا من وضع هذه البدايات القصصية فى موضعها المهم من مسيرة كاتبنا الإبداعية. وفى الصفحات القادمة قصة (ملوك جوف الأرض) بقلم نجيب محفوظ •