أعاد مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي فتح ملف الأوضاع المعيشية المتدهورة في مصر، بعدما ظهرت سيدة تُدعى أميرة حسين تعلن عجزها الكامل عن إعالة أطفالها الأربعة، وتطلب التنازل عنهم بعدما سُدت في وجهها كل سبل الحياة الكريمة، في مشهد صادم يلخص إلى أي مدى دفعت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بعض المصريين إلى حافة اليأس. السيدة، التي تحدثت بنبرة مكسورة، أكدت أنها لم تعد تجد قوت يومها أو مأوى يؤوي أبناءها، بعدما تخلى عنها طليقها منذ أكثر من عشر سنوات دون نفقة أو مسؤولية، لتتحمل وحدها عبء إعالة الأطفال وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وتراجع فرص العمل، وتعقيدات قانونية مثل أزمة "الإيجار القديم" التي انتهت بطردها من مسكنها لعجزها عن سداد الإيجار. وقالت أميرة إنها صمدت وكافحت لمدة ست سنوات كاملة، حاولت خلالها العمل في أكثر من مجال، لكنها اصطدمت بواقع اقتصادي قاسٍ لم يترك لها خيارًا سوى هذا النداء المؤلم، في محاولة أخيرة لإنقاذ أطفالها من التشرد أو الجوع. واقع اقتصادي ضاغط وتأتي هذه الواقعة في وقت تشير فيه بيانات رسمية وغير رسمية إلى اتساع رقعة الفقر في مصر منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013، إذ ارتفعت نسبة الفقراء – وفق آخر إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – إلى ما يقارب ثلث السكان، بينما تؤكد تقديرات غير رسمية أن النسبة الفعلية تجاوزت ذلك بكثير مع موجات التعويم المتتالية وارتفاع الأسعار الجنوني. وخلال السنوات الأخيرة، شهدت مصر قفزات حادة في أسعار السلع الأساسية، حيث تضاعفت أسعار الغذاء، وارتفعت تكاليف السكن والطاقة والمواصلات، في مقابل تآكل الأجور وثبات الدخول، ما دفع ملايين الأسر إلى ما دون خط الفقر، وأفقد الطبقة الوسطى قدرتها على الصمود. خبراء: النتيجة الطبيعية لسياسات الإفقار ويرى خبراء اقتصاديون أن ما حدث مع أميرة حسين ليس "حالة فردية" بقدر ما هو انعكاس مباشر لسياسات اقتصادية قائمة على تحميل الفئات الأضعف كلفة الفشل المالي، عبر رفع الدعم، وفرض الضرائب غير المباشرة، وتوسيع الاقتراض الخارجي دون عائد اجتماعي ملموس. ويؤكد الخبراء أن تفكك منظومة الحماية الاجتماعية، وتراجع الإنفاق على الصحة والتعليم، وغياب سياسات تشغيل حقيقية، كلها عوامل ساهمت في تفشي ظواهر خطيرة، من بينها اضطرار أسر للتخلي عن أطفالها، أو تشغيلهم، أو الزج بهم في الشارع. تحرك رسمي بعد الغضب وعقب انتشار الفيديو وما أثاره من غضب واسع، أعلنت وزارة العمل تحركها للتواصل مع السيدة، حيث أكد الوزير محمد جبران إدراج حالتها ضمن برامج الدعم، وتوفير إعانة عاجلة وفرصة عمل مستقرة لها، بما يضمن دخلاً ثابتًا يعينها على إعالة أطفالها. كما أعلنت الرئيسة التنفيذية لصندوق الإسكان الاجتماعي، مي عبد الحميد، متابعة الحالة بشكل شخصي، والتنسيق مع وزارة التضامن الاجتماعي لدراسة حلول دائمة، تشمل توفير سكن مناسب أو إدراج الأسرة ضمن برامج الإيجار المدعوم. ورغم الترحيب بأي تحرك إنساني، يرى مراقبون أن مثل هذه التدخلات تظل "مسكنات إعلامية" لا تعالج جذور الأزمة، في ظل استمرار السياسات ذاتها التي دفعت أمًا مصرية إلى عرض فلذات كبدها، ليس قسوةً، بل عجزًا عن البقاء. سؤال مفتوح ويبقى السؤال الذي يطرحه كثيرون: كم "أميرة حسين" أخرى تعيش في الظل، لم تصل قصتها إلى كاميرا هاتف؟ وإلى متى يستمر هذا الواقع الذي يدفع المصريين إلى خيارات لم تكن تُتصور يومًا، في بلد يملك من الثروات ما يكفي ليحيا شعبه بكرامة؟