خلال هذا الأسبوع (5 12 ) نوفمبر 2022م أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي، بيانات وتقارير متضاربة في أرقامها، متناقضة في محتواها ومضامينها ونتائجها؛ ولكي نبرهن على ذلك فقد أصدر الجهاز تقريرا حول معدلات التضخم في أكتوبر الماضي (2022)؛ حيث ارتفعت معدلات التضخم على أساس سنوي إلى أعلى معدل على الإطلاق منذ أربع سنوات ليسجل (16.3%) مقارنة بنسبة التضخم في أكتوبر من العام السابق (2021)؛ فيما ارتفع التضخم الشهري 2.5% مقارنة بسبتمبر الماضي حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (الحكومي). وحسب البيان فقد سجلت مجموعات الطعام ارتفاعات عنيفة وصلت إلى 50% في الخبز والحبوب، تلتها الأسماك والألبان والجبن والبيض عند مستوى 35%، والسكر بنحو 28%، والبن والشاي 21%، واللحوم والدواجن 18%. كما سجل قسم الرعاية الصحية ارتفاعًا 10%، وارتفعت مجموعة النقل والمواصلات 16%، والملابس والأحذية 15%. وعلى المستوى الشهري، قادت مجموعة الطعام والشراب، ذات الوزن النسبي الكبير في سلة التضخم، الارتفاع نتيجة زيادات في أسعار مجموعات الخضروات والجبن والبيض واللحوم والدواجن والخبز والحبوب بين 3.5% إلى 7.6% شهريًا. وشهدت مجموعة الصحف والكتب والأدوات المكتبية أعلى زيادة شهرية ب30%. هذه الأرقام تتضارب وتتناقض مع الدراسة الأخيرة التي أصدرها الجهاز خلال هذا الأسبوع حول تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الوضع الاجتماعي في مصر؛ وذكرت فيه أن 75% من الأسر المصرية تضررت دخولها ما اضطرها إلى تقليل الإنفاق على الطعام عبر استبعاد الأصناف ذات الأسعار الأعلى والقيم الغذائية المرتفعة، مثل اللحوم والدواجن والأسماك، وحتى الأرز الذي جاء كثاني مكون قررت غالبية الأسر التقليل في الاعتماد عليه. ليس ذلك فقط بل إن الدراسة تؤكد أن نصف الأسر المصرية ترى أن أسعار السلع الغذائية وغيرها، زادت بمقدار 100% أو أكثر؛ فكيف تكون نسبة التضخم 16.3% فقط؟!! الملاحظة الثانية، أن تقرير المركزي للإحصاء عن نسبة التضخم خلال شهر أكتوبر الماضي لم ترصد آثار تداعيات التعويم الذي جرى الإعلان عنه في 27 من ذات الشهر؛ خسر الجنيه قرابة ربع قيمته أمام الدولار خلال أسبوعين، وأكثر من نصف قيمته منذ بداية العام الجاري، ليصل سعر الدولار إلى 24.45 جنيه. معنى ذلك أن معدلات التضخم الحقيقية أكبر من ذلك بكثير وسوف تظاهر ذروة التضخم خلال شهري نوفمبر وديسمبر حيث ستظهر آثار تحرير سعر الصرف للمرة الثانية خلال سنة واحدة. الملاحظة الثالثة، أن هذه الأرقام حول نسبة التضخم ملعوب فيها؛ وعلى الأرجح فإن الجهاز يتلقى توجيهات من أجهزة أمنية رفيعة بتستيف الأرقام وضبها على نحو يقلل من حجم الكارثة؛ وذلك لعدة أسباب منها أن الجهاز وهو الجهة الرسمية الوحيدة المسموح لها بقياس التضخم، يستخدم منهجية مضللة في حساب نسب التضخم؛ حيث يستبعد من مجموعات السلع التي يتم قياس التضخم على أساسها السلع الأكثر تقلبا وهي السلع الأساسية والتموينية التي يستكهلكها عموم المصريين وبكميات كبيرة. فالجهاز يقيس التغير في أسعار سلع وخدمات مثل المشروبات الكحولية والثقافة والترفيه والمطاعم والفنادق وإيجارات المساكن وأكثر من 1000 سلعة وخدمة يظل التغير في سعرها قريبا من الصفر، لينخفض، تبعا لهذه المنهجية، رقم التضخم العام، بالرغم من تضاعف أسعار السلع الأساسية في الواقع، وهي المنهجية التي ينتقدها خبراء الاقتصاد في مصر والعالم ويعتبرونها منهجية مضللة. وبسبب فساد منهجية جهاز الإحصاء المصري كما جرى سنة 2017م حيث أعلن الجهاز عن نسبة تضخم بنسبة 34.2%، فإن كثيرا من الخبراء والمحللين يشككون في هذه الأرقام مؤكدين أن نسب التضخم الحقيقية أكبر من ذلك بكثير وأن أجهزة الدولة تتلاعب بالأرقام الرسمية على نحو يقلل من خطورة الأزمة للحد من الغضب الشعبي ضد سياسات النظام. واتهم خبير الاقتصاد الأميركي ستيف هانك، أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة "جونز هوبكينز" ومدير مشروع العملات المضطربة بمعهد كاتو الأميركي، الأجهزة الرسمية بالكذب بشأن معدلات التضخم في مصر، مؤكدا أن معدل التضخم الحقيقي في مصر في منتصف 2017م يساوي 146.6% وليس 32% كما أعلنت الحكومة؛ مشككا في صحة الإحصاءات الحكومية الرسمية، علما أن المعهد الذي يعمل به هانك يحتل الترتيب 16 بين أفضل معاهد دراسات السياسات في العالم. وحسب خبراء ومحللين فإنه مع ارتفاع الأسعار على هذا النحو؛ فإن ذلك قد يدفع الحكومة نحو إعادة التفكير في توجهاتها السياسية التي أعلنت عنها مرارا بخفض مخصصات الدعم ورفع أسعار الخبز المدعوم؛ خشية أن يؤدي ذلك إلى احتجاجات شعبية لا يتمكن النظام من احتوائها، وإن كان ذلك سوف يكون على حساب زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة، وزيادة تكلفة الاقتراض؛ نظرا لأن البلاد تعتمد على استيراد أكثر من 65% من غذائها؛ وهو ما يفاقم من الأزمة ويجعل الأمن الغذائي المصري مهددا على نحو غير مسبوق. أما إذا أصر السيسي على عناده فإن زيادة معدلات التضخم باستمرار على النحو الذي يحدث حاليا كفيل بتفجير احتجاجات اجتماعية ومشاكل جراء انزلاق عشرات الملايين تحت خط الفقر والفقر المدقع؛ وما لم تراع الحكومة هذه الأبعاد فإن الوضع في مصر قابل للانفجار في أي وقت ودون مقدمات بعيدا بروباجندا 11/11 التي ضخم النظام منه كثيرا وكشفت مدى ضعه وهشاشته؛ وقد رفعت بالفعل أجهزة سيادية تقديرات موقف بذلك لتحذر من عواقب عدم مواجهة انفلات الأسعار وارتفاع معدلات التضخم؛ لكن السيسي قد وقع بالفعل في الدائرة الجهنمية للقروض والغلاء ولن يفلت منها؛ وقد فشل نموذج نظام السيسي فعليا لكن إعلان سقوطه الرسمي قد يحتاج بعض الوقت، بينما تبقى مصر تنزف ما بقي السيسي ونظامه يحكومون البلاد بالحديد والنار وانعدام الكفاءة.