الاحتجاجات الشعبية و " ثورة الخيام " في إسرائيل تجتاح عشر مدن واقتراحات بحجب الثقة عن حكومة نتنياهو الاحتجاجات الشعبية في إسرائيل تفتح ملف المستوطنات باعتباره من أهم أسباب هدر موارد إسرائيل المالية دراسات تؤكد أن الاقتصاد الإسرائيلي متخلف بالنسبة لاقتصادات مجموعة العشرين وأن ربع سكان إسرائيل يعانون فقرا مدقعا سوء الأحوال السياسية والاجتماعية والأمنية يزيد أعداد الراغبين للهجرة خارج إسرائيل إلي الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة الحكومة الإسرائيلية تواجه الخيار الصعب بين المطالب الاجتماعية والاستمرار في الإنفاق العسكري ودعم المستوطنات علي الطريقة العربية، انطلقت الدعوة للإسرائيليين للاحتجاج علي غلاء الأسعار علي موقع الفيس بوك، ليستجيب لها الآلاف، ويقوم عشرات المحتجين باحتلال سطح مبني البورصة في تل أبيب للتعبير عن رفضهم لارتفاع أسعار شقق السكن، ويعلن اتحاد العمال الإسرائيليين دعمه الكامل للمظاهرات الشعبية التي اجتاحت أنحاء إسرائيل، ثم تتسع الحركة الاحتجاجية ضد غلاء أسعار الشقق لتشمل مدن وقري الأراضي العربية المحتلة لعرب 1948، ويردد المحتجون " الشعب يريد إسقاط الظلم " . وفي التحاق بالحركة الاحتجاجية، تصاعد تنظيم اتحاد الأطباء الإسرائيليين لمسيرات احتجاجية بسبب سوء قطاع الرعاية الصحية، لتصل المسيرة إلي مقر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدسالمحتلة، وينصب المحتجون خيما احتجاجية تمهيدا للاعتصام والضغط علي الحكومة الإسرائيلية لتحسين أجورهم، وزيادة الاهتمام بقطاع الرعاية الصحية . إزاء هذه الاحتجاجات الشعبية الواسعة، اهتزت شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووجد نتنياهو نفسه في موقف الدفاع عن النفس علي نحو مفاجئ، خاصة أن قطاعا واسعا من الإسرائيليين يلقي باللوم عليه علي أساس أنه لا يقوم بدور إيجابي لمعالجة الفجوة الاجتماعية بين فئة الأثرياء، والطبقة المتوسطة التي تزداد معاناتها، كما يتهم المحتجون رئيس الحكومة بأنه لا يلقي بالا لمعاناة الناس ( وأنه ليس لديه إحساس كاف بالنبض الاجتماعي) . يأتي التطور الأبرز ممثلا في انضمام زعيمة المعارضة الإسرائيلية تسيبي ليفني لمسيرة اتحاد الأطباء، دعما لمطالبهم، مؤكدة أن الظروف الحالية في قطاع الرعاية الصحية في إسرائيل يجب ألا تظل كما هي، ويتعين أن يكون للبلاد برنامجها الاقتصادي والاجتماعي المختلف، وذلك في إطار حركة شعبية تطالب بالإصلاحات الشاملة . ضد الحكومة جاءت شعارات المعتصمين في إسرائيل من نوعية " الحكومة ضد الشعب، والشعب ضد الحكومة "، و " الشعب يريد العدالة الاجتماعية "، و " الشعب يريد إسقاط نتنياهو "،و " دولة إسرائيل للبيع "، تعبيرا عن ضائقة شديدة تعتري حياة الإسرائيليين، مما ساهم في اتساع الاحتجاجات في تل أبيب والقدس وحيفا وصولا إلي بئر سبع جنوبا، حيث يطالب المحتجون باستعادة إسرائيل لنظام " الدولة الحامية " كما كان الحال في السنوات الأولي لإنشاء دولة إسرائيل . وبالرغم من أنه علي عادة كل السلطات الغاشمة، انطلقت الاتهامات من جانب الحكومة بأن الاحتجاجات يقوم بتنظيمها " اليسار المتطرف " الذي يقبض الدعم من جهات أجنبية، فإن زيادة أعداد المحتجين ووصولهم إلي عدة آلاف (60 ألفا 120 ألفا) في عدة مظاهرات، معظمهم من الشباب الغاضبين الذين رعوا دعوة الاعتصام والتظاهر علي الفيس بوك، دفعت الحكومة للاستجابة، واعترف نتنياهو بأن الشباب في إسرائيل يواجهون " مشكلة حقيقية "، وحذر مسئول إسرائيلي سابق بأن " الشعب الإسرائيلي اكتشف قوته الشعبية " متأثرا بالثورة المصرية، وثورات العالم العربي، وهو ما دفع لإطلاق اسم " ثورة الخيام " علي الاحتجاجات الإسرائيلية . وفي أول رد فعل رسمي علي الأحداث، شكل نتنياهو " مائدة مستديرة " من الوزراء والخبراء لبحث المطالب الاجتماعية وبلورة حلول سريعة للمشاكل التي تطرحها الحركة الاحتجاجية، غير أن الأمور اكتنفتها عدة صعوبات وخلافات أدت إلي استقالة مدير عام وزارة المالية بسبب خلافات مع وزير المالية، غير أن الجميع اضطروا للاعتراف بعجز الحكومة عن الاستجابة لمشكلات الشباب، بينما تزايد التأييد المجتمعي لحركة المعتصمين سواء من جانب الهستدروت الإسرائيلي أو اتحادات الطلبة الجامعيين والجمعيات الاجتماعية، وأحزاب المعارضة والفنانين، كما نظمت معظم المجالس المحلية إضرابا عاما للتعبير عن تضامنها مع المتظاهرين في المدن الإسرائيلية، و دعما للحركة التي يطلق عليها المتظاهرون اسم " الربيع الإسرائيلي " استلهاما من " الربيع العربي " الذي يجري مجراه حاليا في الدول العربية، كما يسميها البعض " ثورة الخيام " بينما تسميها الصحف الإسرائيلية " انتفاضة الطبقة المتوسطة في إسرائيل " . وتقول صحيفة هاآرتس إن ما يجري في إسرائيل هو " ثورة اجتماعية " علي غرار ثورة البوعزيزي في تونس، وميدان التحرير في مصر، معلنة ما أطلقت عليه " التغيير الجديد في إسرائيل " في إشارة إلي تأثير شباب الفيس بوك والتويتر، ومؤكدة أن يوم 23 يوليو 2011 هو يوم مفصلي في حركة شباب إسرائيل، وأن ما بعده ليس كأي شئ قبله . ويبدو أن الاحتجاجات في إسرائيل أيضا فاجأت الدوائر الأمريكية تجاه إسرائيل التي عدت واحة مستقرة في محيط عربي مضطرب، فعادت تردد مجددا أن روح المظاهرات في الشرق الأوسط انتقلت إلي إسرائيل، ليس لأسباب تتعلق بالديمقراطية ولكن بسبب معاناة الطبقة المتوسطة . وقال المحلل الاقتصادي الإسرائيلي موشيه جانت " إنه كان من المعتقد في الماضي أن إسرائيل هي التي تلهم جيرانها، ولكن اليوم، تتعلم إسرائيل من جيرانها الثوريين أن قوة الشعب تحقق المطالب المصيرية " . تركز الحركة الاحتجاجية في إسرائيل علي التنديد بارتفاع الأسعار، وتردي مستوي الخدمات العامة، خاصة في قطاعي الرعاية الصحية والتعليم، والتفاوت الاجتماعي الطبقي المتصاعد، وانحياز الحكومة لأقطاب المال والاحتكارات الكبري، وقد طالب المحتجون بتحقيق مطلبين رئيسيين : الأول إلغاء قانون لجنة الإسكان، والثاني عقد مناقشات تتسم بالشفافية حول مسألة الإسكان في إسرائيل، ثم ارتفع سقف المطالب الشعبية لضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية شاملة، خاصة في مجال التعليم والإسكان والصحة . وطبعا انضمت الأقلية العربية للحركة الاحتجاجية خاصة أنها تعاني أصلا التمييز الاجتماعي ضدها في جميع الخدمات الصحية والتعليمية والحقوق العامة . وفي استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا في إسرائيل قال 54 % من المستطلعين آراؤهم أنهم غير راضين عن أداء الحكومة، بينما عبر 87 % عن تأييدهم لمطالب المحتجين والمعتصمين . وتثور توقعات بأن الاحتجاجات في إسرائيل قد تؤدي إلي خسارة " الليكود " الحاكم في الانتخابات العامة نتيجة تراجع شعبية نتنياهو، وقد بدأت مؤشرات سلبية تلوح في الأفق بهذا الصدد، ويوجه الشارع الإسرائيلي انتقادات لاذعة لأسلوب نتنياهو في التعامل مع الأزمة، ويطالبونه بإجراء خطوات تجنب إسرائيل الانهيار الاقتصادي، كما طرحت في الكنيست الإسرائيلي مقترحات بحجب الثقة عن حكومة نتنياهو، وقال عضو الكنيست عامير بيرتز إن الإسرائيليين ضاقوا ذرعا بالفساد الاجتماعي المتفشي في إسرائيل . أزمة سياسات بلغت نسبة ارتفاع أسعار السكن في إسرائيل 64 % منذ عام 2008، وقد زادت في تل أبيب 32 %، وفي القدس 17 %، بينما لا تزال الأجور علي حالها منذ سنوات . فيما ذكرت مصادر الحكومة الإسرائيلية أن رئيس الوزراء يعكف علي بلورة سلسلة خطوات وسياسات جديدة من شأنها تخفيف العبء الذي يثقل كاهل الطبقة المتوسطة خاصة في مجال الضرائب غير المباشرة، فإن الحركة الاحتجاجية في إسرائيل كانت تتسع، لتصل إلي عشر مدن إسرائيلية، احتجاجا علي أسعار السكن والغذاء، وللمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية، خاصة وقد تنوعت فئات المحتجين لتشمل الفنانين وجماعات أخري من المستاءين بسبب ارتفاع الأسعار . علي عكس ما كان يسود الأجواء الإسرائيلية سابقا من شعور بالزهو نظرا لمستويات النمو الاقتصادي العالية التي حققتها إسرائيل في سنوات سابقة، فإن ثمة مشكلات بدأت تشيع حالة من الاستياء الشديد بسبب " الفجوات الاجتماعية " الكبيرة في توزيع الدخول، واتساع نطاق الفقر ليصل إلي نحو مليون ونصف المليون، في ظل غياب حلول سريعة، الأمر الذي انعكس علي الاستقرار العام في إسرائيل، والتي يثقل كاهلها نوعان من العبء : أولهما ما يتعلق بمشكلة الأمن بالمعني الشامل، وثانيهما المديونية العامة في ضوء حالة الاقتصاد الإسرائيلي الراهنة . وبشأن نوعية هذه المشكلات، تقول دراسة حديثة عن الاقتصاد الإسرائيلي إن هذا الاقتصاد يعد " متخلفا " بالمقارنة مع اقتصادات الدول العشرين الأكثر تطورا في العالم، وذلك من ناحية مؤشرات مهمة منها نسبة المشاركة في قوة العمل، ونسبة الذين يعيلهم كل عامل، ونسبة البطالة، وناتج العامل الواحد، وهو ما ينعكس علي وجود ناتج منخفض نسبيا للفرد . وتفصل الدراسة ذلك قائلة إن إسرائيل تعيش نوعين من الواقع الاقتصادي : فهناك اقتصاد متطور وغني ونام وتصديري، ويتمتع بنسبة عالية من التشغيل ومستوي معيشة غربي تماما، وثمة اقتصاد إسرائيلي آخر يعتمد علي الصناعات التقليدية التي لا تستطيع دفع أجور عالية، ويفتقر القائمون عليها للمهارات الرفيعة التي يحتاجها سوق العمل العصري، وبالتالي تنخفض نسبة المشاركة في قوة العمل . وبالنسبة إلي استحواذ القطاعات علي قوة العمل عموما فإن المجموعات الإحصائية تشير إلي أن 3 % من قوة العمل تعمل في قطاع الزراعة، و 78 % في قطاع الخدمات الذي يضم كل القطاعات الأخري دون الزراعة والصناعة، في حين يستحوذ قطاع الصناعة علي 19 % من إجمالي قوة العمل . في السياق العام يمكن ملاحظة عدة ظواهر تؤثر بعمق علي كفاءة الاقتصاد الإسرائيلي : أولا: إنه في مجال السياسات، فإن القرار السياسي عموما له الأولوية علي القرار الاقتصادي . ثانيا: إن القضية الرئيسية لدي سلطات الدولة هي ما يتعلق بالإنفاق العسكري، وبناء عليه فإن عملية تخصيص الموارد تتجه في المقام الأول إلي تفضيل مطالب الميزانية العسكرية والأمنية علي ما عداها . ثانيا: إن بعض الخبراء في إسرائيل يؤكدون أن الاستثمارات الأجنبية التي تتجه لإسرائيل غالبا ما تنحصر في السوق المالية أو امتلاك شركات إسرائيلية، وليس كما تتجه الاستثمارات العالمية في دول أخري إلي إنشاء المصانع الجديدة. وبالنظر إلي الإحصاءات الدالة علي نوعية الآداء الاقتصادي فإنها تشير إلي ناتج محلي إجمالي وصل إلي 132 مليار دولار في 2005، وارتفع إلي 142 في 2007، ليصل إلي 150 في 2009 . ووصل دخل الفرد في إسرائيل في 2009 إلي 21 ألف دولار سنويا . ولكن محللين اقتصاديين يحذرون من حاجة إسرائيل الماسة إلي مزيد من الاهتمام بالفئات الضعيفة اقتصاديا واجتماعيا من السكان العرب والإسرائيليين اليهود، وتحسين ظروف الأجور، ومستويات التعليم والتأهيل في المجالات المختلفة، وتحسين أماكن العمل، والشروط التنافسية لجذب الشركات الأجنبية إلي السوق الإسرائيلية، ورفع نسبة الشغيلة من عموم السكان من 37 % إلي 47 % . ومن المفارقات أن هذه التحذيرات جاءت علي خلفية توقعات من جانب نسبة كبيرة من المحللين الذين يرون أن إسرائيل مقبلة علي حالة من " الانفجار الاجتماعي " بسبب الأوضاع السياسية والاجتماعية، بل يصل هذا النوع من التحليل إلي الاعتراف بأن عدم انهيار إسرائيل من الداخل يعود إلي عامل التوتر الأمني، والخطر الوجودي، حيث تعيش الطبقة المزدهرة في إسرائيل حياة مشوبة بالتوتر ولكنها مستقرة، بينما يعاني ربع سكان إسرائيل من " فقر مدقع " . أزمات البنية توصف الاحتجاجات الشعبية في إسرائيل بأن جوهرها يستهدف إسقاط النظام الاجتماعي، وليس النظام السياسي . وبما أن العنوان الرئيسي للأزمة يدور حول "أزمة السكن" فإنه وثيق الصلة بموضوع " المستوطنات" وكلاهما يترادف في صلته بقضية " الأرض "، ناهيك عما يتصل بطبيعة التكوين الاجتماعي المركب في إسرائيل بين يهود شرقيين، ويهود غربيين، وطبقات وشرائح متفاوتة وفقا لمعايير اقتصادية وثقافية وعرقية . من المعروف أن الحكومات الإسرائيلية تمنح تسهيلات كبيرة لمن يقومون بالسكني في المستوطنات، وترصد مليارات الدولارات لتشجيع وتوسيع المستوطنات، والتي تتميز برخص أسعار البيوت فيها بالمقارنة مع المساكن في مناطق أخري داخل الخط الأخضر . ويقول المحلل السياسي الإسرائيلي في صحيفة معاريف بن كسبيت إن الحكومة تشجع وترصد المليارات لبناء مستوطنات لن يبقي فيها السكان الإسرائيليون إلي الأبد . ويضيف كسبيت " لو أن هذه الأموال أنفقت لتعزيز البنية التحتية في الضواحي والنقب والجليل لأمكن حل مشكلة السكن في إسرائيل " . غير أن مسألة الاستيطان في الأراضي العربية، وبناء المزيد من المستوطنات عليها، هي إشكالية مركبة في السياسات الإسرائيلية بنيويا، فهي من ناحية، سرقة واستيلاء علي مزيد من الأراضي العربية لضمها إلي مساحة القاعدة الاستعمارية الإسرائيلية، وهي ثانيا نوع من الاستثمار المربح الذي يؤدي إلي جذب الاستثمارات، ومشاريع البنوك، فضلا عن أن عددا كبيرا من يهود الولاياتالمتحدة وأوروبا، يرسلون أبناءهم للسكني في المستوطنات الإسرائيلية، ليس بدوافع قومية أو دينية، ولكن للاستفادة من المزايا المادية التي توفرها حكومات إسرائيل لساكني المستوطنات . يلاحظ أن اندلاع الاحتجاجات الشعبية فتح مجددا ملف المستوطنات في إسرائيل، ويقول الأديب الإسرائيلي يورام كانيوك " إن الاحتلال والاستيطان هما سبب البلاء في إسرائيل، فقد أنفقت الدولة علي الاستيطان ما يفوق 18 مليار دولار في 40 عاما، ولو أنها أنفقت هذه الأموال داخل إسرائيل لما كان هذا حالها اليوم " . وفي عام 1992، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحاق رابين بتجميد البناء في المناطق الفلسطينية المحتلة، ونقل ميزانية مقدارها مليار شيكل من المستوطنات إلي داخل البلاد للتركيز علي البنية التحتية . في الوقت نفسه، فإن طبيعة الفكر والبنية الاقتصادية في إسرائيل تميل إلي " الطبيعة العسكرية " بامتياز، وهناك شريحة اجتماعية تقوم علي رعاية الاستثمارات العسكرية الكبيرة، ويمثلها سياسيا بدرجة ما صعود الليكود للحكم، وبالتالي يجري التركيز علي الاسثمار في الصناعات العسكرية نظرا لمركزية الاقتصاد الحربي في الكيان الإسرائيلي . وتؤكد الشواهد أن الإنفاق العسكري في إسرائيل ليس كأي أمة اخري، فنسبة الإنفاق العسكري الإسرائيلي من مجمل الناتج المحلي كانت 13 % في منتصف الخمسينات، و22 % في نهاية الستينيات، و32 % في السبعينات، و42 % في الثمانينات، ومنذ نهاية الثمانينات حتي 2008، فإن نسبة الإنفاق العسكري الإسرائيلي من مجمل الناتج المحلي تتراوح تقريبا بين 8 % 15 % متجاوزة معدل الإنفاق العالمي ( 65 . 3 % عام 1990، 43 . 2 % عام 2008) . ويرتبط ذلك بما يطلق عليه في إسرائيل " الإنفاق الأمني "، ووفقا للمحلل في الشئون العسكرية أليكس فيشما وثيق الصلة بالمؤسسة الأمنية فإن وزارة الأمن عملت مؤخرا علي شراء أسلحة لتفريق المتظاهرين تصل قيمتها إلي 75 مليون شيكل وذلك في إطار الاستعدادات لمواجهة تداعيات اعتراف الأممالمتحدة المرتقب بالدولة الفلسطينية في سبتمبر القادم . بالإضافة إلي ما سبق، فإنه من أزمات البنية في إسرائيل ما يتعلق بالتركيبة الاجتماعية للسكان، ووفقا لتقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الفجوة بين عموم السكان في إسرائيل آخذه في الاتساع، وتتمثل المشكلة في طريقة التعامل مع الأقليتين الآخذتين في النمو بسرعة وهما عرب 48، واليهود المتزمتين الذين يعرفون باسم " الحريديم "، فالأقليتان تعيشان في مجتمعات منفصلة، وتنتشر بينهما مشكلات التمييز، وعدم توافر الوظائف، ويقل الإنفاق علي التعليم لكل طفل عربي بنحو الثلث عن نظيره في المناطق التي يمثل فيها اليهود أغلبية، وهذه الظواهر تجعل إسرائيل تخرج عن نطاق الدول المتقدمة، ويقول دانيال ديفيد من جامعة تل أبيب " إن هذا التهديد الذي يواجه إسرائيل لا صلة له بالتهديد العربي، لأنه مشكلة اضجتماعية بحتة، وما لم تتغير ظروف عرب إسرائيل والحريديم، وجعلهم جزءا من المجتمع، ففي غضون 20 سنة سينفجر الموقف " . وكان الحديث عن هذه المخاطر هو جوهر التحذيرات التي أثيرت بشأن مستقبل إسرائيل منذ عدة عقود، لما له من تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية، وهاهو يتحقق حاليا، فالحريديم ( المتزمتون) يمثلون 20 % من سكان إسرائيل، ويعيشون حياة منغلقة، ولا يطبقون القوانين المدنية لأنهم يفضلون عليها الشرائع التوراتية القديمة، ولا يخدمون في الجيش، وهم أكثر من يمارس العنف ضد الفلسطينيين لدرجة أن جنرالات إسرائيليين يحذرون من تطرف الحريديم ومخاطرهم علي وجود إسرائيل نفسها، ويتوقعون أنه في غضون 20 سنة ستقوم حرب أهلية في إسرائيل بين الحريديم والعلمانيين . أما بالنسبة لسياسات التمييز ضد العرب في إسرائيل، فقد أثبتتها دراسة حديثة في عدة مجالات، مؤكدة أن التمييز يصل حتي إلي القضاء الإسرائيلي، وأن هناك فجوة في فرض العقوبات في المحاكم الإسرائيلية بين المتهمين العرب والمتهمين اليهود، في حالة ارتكاب نفس الجرائم . مرحلة الخيارات الصعبة تمثل اللحظة الراهنة مرحلة فارقة في تاريخ إسرائيل، حيث تواجه قياداتها السياسية الخيار الصعب بين إعطاء الأولوية لبناء اقتصاد قوي وتلبية الاحتياجات الاجتماعية للإسرائيليين، أو تخصيص الجزء الأكبر من الموارد لبناء المستوطنات والاستمرار في الإنفاق العسكري بالغ الضخامة . وتبدو صعوبة الموقف الذي يواجه دولة إسرائيل في ضوء تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وارتفاع سقف مطالب المحتجين، حيث لم يجد نتنياهو بدا من التحذير بأن اتخاذ خطوات (وصفها بأنها غير مسئولة وشعبية ومتهورة)، في إشارة إلي مطالب المحتجين، يمكن أن تعرض إسرائيل إلي وضع مشابه لبعض دول أوروبا التي تقف علي شفا الإفلاس وزيادة معدلات البطالة . فضلا عن ذلك، تصاعدت في الأجواء الإسرائيلية مطالبات بضرورة تجميد الاستيطان في الضفة الغربية كسبيل وحيد يمكن أن يساعد في حل أزمة السكن والاستجابة للمطالب الاجتماعية للمحتجين. وبكلمات قوية وصريحة أكد وزير البنية التحتية الإسرائيلي السابق بنيامين بن إليعازر أن بناء المزيد من المستوطنات يعني انفاق الموارد علي حساب مصالح شباب إسرائيل، وأنه ما لم يوافق نتنياهو علي حل مشكلة السكن وتجميد الاستيطان، فإن إسرائيل قد تواجه كارثة كبيرة .وهناك اعتقاد بأن إسرائيل تعيش حاليا حالة طوارئ، هي الأكثر تعقيدا منذ عام 1948 لاسيما أمام المعضلة الاجتماعية، الأمر الذي يتوقع معه أن تشهد البلاد أزمة سياسية، تزداد خطورة إذا ما تم الاعتراف في الشهر القادم بالدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة، وربما يقود ذلك لاندلاع الفوضي في إسرائيل . ربما تكون اللحظة الراهنة فارقة أيضا فيما يتعلق بالجدل الدائر حول جدوي الإنفاق العسكري الكبير، والحاجة إلي إعادة تخصيص الموارد لمصلحة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية . وبينما دعا بن إليعازر إلي تقليص ميزانية الأمن والدفاع، فإن رئيس الأركان الإسرائيلي جنرال بيني جاتنز يحذر من تخفيض ميزانية الجيش استجابة للمطالب الاجتماعية، مؤكدا أن ذلك يمكن أن يعيق قدرة الجيش الإسرائيلي عن مواجهة بعض التهديدات في المستقبل، لأنه سيعني التخلي عن بعض الأنظمة الدفاعية الجديدة، حتي وإن كان لن يمس قدرات وتدريبات الجنود . وفي المجمل، يمكن القول إن السيناريو المتوقع في إسرائيل ليس هو السيناريو الأفضل بكل المقاييس . فبعد أن كان نتنياهو يتعامل بدبلوماسية مع الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة فقد غير مسلكه، وشرع في مهاجمة القائمين عليها، وتأليب قيادات الجيش ضدهم، وتضامن معه في ذلك قيادات من الليكود، ووصفوا شباب المخيمات بأنهم " أولاد النراجيل والسوشي "، ويتبلور تيار رسمي وعسكري عموما في إسرائيل يعتبر ألهبة الشعبية في إسرائيل " مؤامرة أجنبية " تنفذها " قلة مندسة " . وفي تحد واضح للمحتجين، تبني الكنيست قانونا جديدا للإسكان في 4 / 8 يتضمن خطوات اعتبرها المحتجون استمرارا للسياسات السابقة، وتشجيعا علي بناء الإسكان الفاخر ولا تحل المشكلة جذريا . في السياق العام، تتعرض الحكومة الإسرائيلية لانتقادات في طريقة تعاملها مع المجتمع والأزمة الراهنة تحديدا، ويقول الكاتب مائير شليف " إن حكومة نتنياهو أهملت الطبقة المتوسطة التي تعتبر أحد أهم أركان المجتمع الحضاري، وينتقد رئيس الهستدروت عوفر عيني السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة، مشيرا إلي أن جباية الضرائب هذا العام تحقق فائضا يصل إلي 10 مليارات شيكل ( 9 . 2 مليار دولار)، وليس هناك مؤشرات علي أن الحكومة ستقوم بجهد للإنفاق علي خدمات اقتصادية واجتماعية للمواطنين . تؤكد دوائر إسرائيلية أن اندلاع حالة الغضب بين الإسرائيليين علي هذا النحو يمثل خطرا علي حاضر إسرائيل ومستقبلها، وليس خافيا أن الظروف الاقتصادية كانت من أهم الأسباب في زيادة الهجرة أو الخروج من إسرائيل، بالإضافة إلي التوتر السياسي والحالة الأمنية وانتشار التطرف . وتشير الإحصاءات إلي أن ما يتراوح بين 800 ألف ومليون شخص يمثلون 13 % من السكان الإسرائليين يعيشون في الخارج، وبعد أن كان حلم كل يهودي الحصول علي جواز سفر إلي إسرائيل، أصبح حلم كل إسرائيلي الحصول علي جواز سفر أوروبي أو أمريكي . أما أخطر التحذيرات فقد جاءت علي لسان المسئول السابق بنيامين بن إليعازر والتي يقول فيها إن موجة الاحتجاجات الشعبية في إسرائيل، وهي الأولي علي هذا النحو منذ 63 عاما، لاتزال في بدايتها، و يمكن أن تتحول إلي استخدام العنف، طالما أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يسير علي طريقة بشار الأسد في تعامله مع الاحتجاجات بطريقة خاطئة، ويتجاهل حقوق دافعي الضرائب وهي النخبة التي تقوم بالخدمة العسكرية في إسرائيل، ويحدد بن إليعازر ملامح السيناريو " الأسوأ " وهو تصعيد الاحتجاجات الشعبية الغاضبة التي قد تستخدم العنف، وانطلاق انتفاضات فلسطينية بعد إعلان الدولة الفلسطينية، واحتمال أن ينضم إليهم عرب آخرون من الدول العربية .