مظاهرات متواصلة كل سبت كانت مفارقة غريبة.. فبينما كان الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز يدعو في كلمة له الجيش السوري للانضمام للثورة وتنحية بشار الأسد عن الحكم.. كانت المظاهرات وثورة الخيام تجتاح تل أبيب ثم تمتد كالنار في الهشيم ل 92 مدينة إسرائيلية أخري في طول البلاد وعرضها.. ثم تمتد أكثر لتشمل عدة مدن عربية داخل إسرائيل قررت الانضمام للثورة والتظاهر يوم السبت من كل أسبوع أسوة بجمعة الثورات العربية.. وكان الشعار واحدا: الشعب يريد العدالة الاجتماعية.. لا الإحسان! وما بين 08 إلي 021 ألفا.. كانوا وقود المظاهرات العارمة التي اجتاحت تل أبيب.. منذ أكثر من شهر لتبدأ معها سلسلة لن تنتهي من الاضطرابات والمطالبات في طول إسرائيل وعرضها لتشمل مدن: كريات شمونة في الشمال مرورا بالقدس بالقرب من البلدة القديمة وكفار سابا واللد وحيفا و.. بئر السبع. وفي البداية.. شارك فيها طلبة الجامعات وطلبة المدارس وأحزاب المعارضة واتحاد العمال »الهستدروت« وعدد من الفنانين الإسرائيليين ومن .. عرب إسرائيل، بالإضافة لأعضاء نقابة الأطباء خاصة الأطباء الشبان. وكانت المطالب تتركز في مطلب واحد: لا .. لارتفاع أسعار الشقق المبالغ فيه جدا.. حتي إن سعر الشقة في تل أبيب وصل إلي نحو 3 ملايين شيكل إسرائيلي دفعة واحدة وهو يفوق بكثير قدرة أي شاب في بداية حياته.. حتي الموسرين منهم. البعض رفع شعار آخر: لا للعيش في المستوطنات داخل وخارج الخط الأخضر أي داخل إسرائيل أو في الأراضي العربية المحتلة في الضفة والقطاع.. وهو ما تحاول الحكومة أن تدفع الشباب إليه كبديل للشقق المرتفعة الثمن في المدن وماحولها.. وهو ما يرفضه الشباب خاصة مع ارتفاع درجة فقدان الأمن داخل المستوطنات والحديث الذي بدأ فعليا في استئناف جهود السلام مع الفلسطينيين وعودة الأرض إن عاجلا أو آجلا لأصحابها بما فيها المستوطنات بالطبع. ثم مالبثت أن تطورت الشعارات لتؤكد علي : لا .. لسيطرة رأس المال وصفته من المليارديرات اليهود أغنياء الحرب ورجال الأعمال علي قطاعات عريضة من الاقتصاد الإسرائيلي وأبرزها: العقارات والسياحة وتكنولوجيا المعلومات. ولا .. للظلم الاجتماعي بكافة صوره.. وهو ماشجع عرب إسرائيل للانضمام لأول مرة التي وصفوها بأنها أكبر حركة اجتماعية في إسرائيل منذ 4 عقود.. وبرزت معهم مطالب لاتقل أهمية حول: تدهور مستوي التعليم خاصة في المدارس العربية داخل إسرائيل مقابل مدارس اليهود المتدينين ومدارس المستوطنات. وانهيار الخدمات الصحية التي أصبحت مبالغاً فيها جدا خاصة بالمستشفيات الخاصة وحتي في أنظمة تقترب كثيرا من أنظمة التأمين الصحي.. ولا تؤدي أغراضها بأي حال. وفي الشعارات أيضا.. رفعوا عبارات مثل: بيبي »أي نتنياهو«.. هكذا يكفي .. لقد قصمت ظهورنا وأسوة بالثورات العربية رفعوا شعارا يقول: الشعب يريد العدالة الاجتماعية لا .. الإحسان.. في إشارة هنا للمعونات التي تأتي من المنظمات اليهودية داخل وخارج إسرائيل من أقصي العالم وادناه.. ومن أمريكا.. والتي تقدر بنحو 5 مليارات دولار سنويا.. منها نحو ملياري دولار من يهود العالم.. والباقي من أمريكا والاتحاد الأوروبي الشريكين الرئيسيين لإسرائيل.. وتعد أمريكا هي الممول الرئيسي لإسرائيل بمنح بلغت نحو 03 مليار دولار خلال العشر سنوات الماضية فقط.. أي نحو 3 مليارات دولار سنويا مساعدات مباشرة في المجالات: الاقتصادية والعسكرية وتوطين المهاجرين.. بالإضافة لمساعدات أخري غير مباشرة ومنها: تمويل صناعة السلاح المتطور جدا في إسرائيل وأبحاث الصواريخ المضادة للصواريخ وحتي : تمويل الانسحاب الإسرائيلي من كل من جنوب لبنان والضفة الغربية وقطاع غزة. ولم يكن شعار المتظاهرين في ذلك.. من فراغ.. فمعظم هذه المعونات اليهودية أو الأمريكية تذهب لبناء المساكنالجديدة في المستوطنات بحجة أن ذلك أمن قومي وخط أحمر لايجوز المساس به . وهو ما دعا المتظاهرين للمطالبة وربما في مرة نادرة.. إلي الدعوة لتحويل بعض هذه الأموال لبناء مساكن جديدة للشباب ومحدودي الدخل.. وبأن يتبع نتنياهو خطي إسحاق رابين رئيس الوزراء الأسبق في أوائل تسعينات القرن الماضي.. حينما قرر هذه الخطوة في محاولة للحد من أزمة السكن وقتها.. وهو ما أدي لتعرضه لعاصفة من الهجوم خاصة من سكان المستوطنات ومن اليهودالمتدينين. ويزيد من تفاقم الأوضاع.. وترشيح الأمور للتصعيد بمزيد من المظاهرات مع صباح كل يوم سبت أسبوعيا.. تردي الأوضاع الاقتصادية الإسرائيلية.. فوفقا لصحيفة ها آراتس فان 45٪ من الإسرائيليين عبروا عن استيائهم من الأوضاع الآن وسياسات نتنياهو الاقتصادية وفي مقابل ذلك.. هناك 61٪ نسبة بطالة بين الشباب و7.1 مليون شخص تحت خط الفقر من بين 5.7 مليون شخص.. هم عدد سكان إسرائيل.. ورغم أن نصيب الفرد الإسرائيلي من الدخل القومي يبلغ نحو 82 ألف دولار سنويا.. وأن قيمة الودائع في البنك المركزي قد تضاعفت منذ عام 7002حتي الآن.. إلا أن المواطن العادي لايشعر بذلك والمؤشرات تؤكد أن هناك انخفاضا مستمرا في معدلات النمو والوظائف والبطالة.. وأن نسبة الخطورة في الاستثمار داخل إسرائيل في تزايد مستمر خاصة مع تصاعد الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وغياب الأمن وتباعد فرص التوصل للسلام مع العرب.. ويزيد الأوضاع تفاقما وحسب إحصائيات مجلة فوربس الشهيرة المتخصصة في الأعمال والمال حول العالم.. أن هناك نحو 005 مليادير إسرائيلي بثروة تبلغ نحو 18 مليار دولار أمريكي وهو مايزيد علي حجم الموازنة السنوية الإسرائيلية بنحو 01 مليارات دولار دفعة واحدة.. ويؤكد سيطرة حفنة من الأغنياء علي مقدرات الاقتصاد هناك.. ويرشح ثورة الخيام للتصعيد.. ويهدد نتنياهو نفسه.. ويضع مستقبله السياسي كله .. في اختبار صعب.