آباء «قتلة» وأبناء غير «بررة» وأمهات «منزوعات» الرحمة خبراء: حالة عجز عام تقود المواطنين للجريمة آباء يقتلون أبناءهم، وأبناء يقتلون أمهاتهم بسبب الفقر وتردى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ومصروف المنزل أصبح عنواناً لقتل الأزواج وذبح الزوجات.. جرائم بشعة وجديدة على المجتمع المصرى بعد الانفلات الضخم الذى حدث للسوق المصرية فى زيادة الأسعار، والذى بات يمثل خطراً على الواقع الاجتماعى على مستوى الفرد والأسرة.. فى ظل غياب تام للحكومة عن المواجهة أو العلاج الاجتماعى، تاركة المواطن المقهور بعجزه والجائع والمتألم لمرض لا يقوى على دفع ثمن دوائه والفاشل فى تلبية أبسط طلبات أسرته وأبنائه.. حالة عامة من العجز يصعب معها الصبر أو التربية أو السلطة المعنوية أو القانون.. فيندفع هذا المواطن إلى تلك الحالات من الجنون والقتل لأقرب الناس إليه بل وتجاه المجتمع ككل.. والسبب هذا الغلاء الفاحش.. بعد حالة تجويع المصريين على مدار الأشهر الماضية، ومنذ تبعات الأزمة الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية وكان التصدع الكامل فى بيان ميزانيات الأسر المصرية بعد قرار تحرير سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، وما شهده المجتمع بجميع فئات أسوأ موجة غلاء وجعل الخبراء يؤكدون أن فقراء مصر والطبقة المتوسطة لم يعد يجوز عليهم إلا الرحمة.. بعدما أصبح مصروف البيت غير كاف لشراء «العيش الحاف»، وأصبح حقا الواقع فى مصر يحزن ومن الغلاء ما قتل. «مفيش فلوس» عنوان لصرخات هستيرية وتشاحن أسرى بين الرجل وزوجته أو بين الأبناء والآباء والأمهات ونتيجة طلبات واحتياجات إنسانية وأساسية يومية.. وفى النهاية ذبح وقتل متبادل بين أفراد الأسرة الواحدة.. وجرائم أخرى متعددة باتت ظواهر يومية زادت من معدلات الخطف والاغتصاب والسرقات للمنازل والسيارات وجميع أشكال السرقات التى يشهدها الشارع المصرى والسبب الفقر وتزايد عدد الفقراء بسبب جنون الأسعار وفقاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء والتى تؤكد انضمام نحو 1. 27 مليون مصرى إلى شريحة ما تحت خط الفقر وأصبح أكثر من 28٪ من المصريين يعيشون تحت هذا الخط ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، وبحسب البنك الدولى تم رفع حاجز خط الفقر العالمى فى توازٍ مع ارتفاع التكلفة المعيشية حول العالم ليصل لحاجز ال 1.90 دولار يومياً للشخص الواحد ب 17 جنيها، يصبح دخل المصريين لدى مستوى خط الفقر العالمى 969 للفرد شهرياً، وفى مصر وطبقاً للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء هناك المليون مواطن ينفقون أقل من 333 جنيها شهرياً وبمعدل إنفاق سنوى 36 ألف جنيه فى المتوسط، فضلاً عن 38٪ من أصحاب الأسر عاطلون عن العمل و17٪ من الأسر تعولهم نساء، وحدد الجهاز خط الفقر المدقع للفرد بمبلغ 333 جنيها خلال 2016، وهو ما كان يعادل خلال 2015 حوالى 36.2 دولار. وبعد انخفاض قيمة الجنيه إلى النصف تقريباً والذى كان سبباً فى زيادة نسب الفقر والفقراء فى مصر وسقوط 50 مليون مواطن تحت خط الجوع، إضافة إلى 30 مليوناً آخرين، فيصبح الإجمالى 80 مليونا يعانون أشد المعاناة بحسب إحصاءات وبيانات غير رسمية، معاناة بالأخص للطبقة المتوسطة مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية بسبب الأزمة الاقتصادية بحسب ما رصدته صحيفة «تايم البريطانية» أيضاً. ولأن الفقر هو أكبر آفة.. وأكبر خطر يمكن أن يؤدى إلى مظاهر سيئة وشاذة لأى مجتمع من المجتمعات.. وهناك ارتباط قوى بين الفقر وكل تدهور فى المجتمع ويعوق التحضر وليس ارتباطاً بين الفقر والجريمة فقط.. وهى التى انتشرت وبشكل غير مسبوق، فالفقر فى مصر مرتبط بالفقر إلا أنه أيضاً فى فئتين، فئة من الفقر وهم كثيرون والفئة الأخرى من الأغنياء بما يعنى ويؤكد الصراع الطبقى أو الفروق الطبقية الكبرى والتى تؤدى دائماً وحتماً إلى أضرار أكبر.. فالإحصاءات تشير إلى أن أغنى 20٪ من السكان بمصر يحصلون على 44٪ من الدخل القومى، وأن أفقر 40٪ منهم يحصلون على أقل من 9٪ فقط وبما تعنيه تلك الفجوة من بطالة تعدت ال 12٪ بحسب إحصاءات مستقلة، والتى تشير أيضاً إلى وجود نحو 12 مليون مواطن يعيشون فى المقابر والعشش مع انتشار حوالى 1000 منطقة عشوائية.. وفى تقارير التنمية البشرية تأكيد على أن 2٪ من المجتمع المصرى يستحوذون على 43٪ من عائد التنمية، وأن معاناة الفقراء تتزايد مع غول الغلاء وخاصة فى الأسواق الغذائية، وأن الفقراء يتركزون بالفعل فى العشوائيات، وأن 81 منطقة عشوائية على وجه الخصوص يجب إزالتها لتردى الأوضاع المعيشية لسكانها، وأنها صارت معملاً لتفريخ المجرمين، حيث تشير دراسة أن 80٪ من مساكن القاهرة يعيشون فى مناطق عشوائية.. ولأن الفقر يعنى مرضاً يعنى جهلاً ويعنى أمية ويعنى جريمة، أى يعنى كل ما هو فاسد بحسب خبراء علم النفس والاجتماع.. يجب الانتباه والتحرك بسرعة خاصة وأن المدقق فى حوادث القتل بسبب الغلاء يتبين أنها ردود أفعال لم تعد مقصورة على سكان العشوائيات والفقراء من الأميين والجهلاء بل أيضاً بين المتعلمين والمثقفين من فئات الطبقة المتوسطة.. لدرجة تنذر بمستقبل كارثى، وفى منتهى الخطورة على كيان المجتمع المصرى وبما يتطلب من الحكومة بل الدولة بأكملها التخلى عن «سياسة» النوم فى العسل ودفن الرؤوس فى الرمال.. وبعدما أصبحت كل جريمة ترتبط بالعنف.. فالفقر يؤثر سلبياً على أخلاقيات الإنسان.. لأنه يعنى الإحباط ومن ثم المعاناة وبالتالى يعنى قتل أحلام الإنسان فيشعر بأنه دون قيمة، ومن ثم زادت نسب الجرائم واختلفت أشكالها بحسب رؤية الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، مؤكدة أن الخطورة فى دخول الطبقة المتوسطة لعالم الجريمة الأسرية وهى الطبقة المتعلمة عماد المجتمع المصرى من قديم الأزل، إلا أنها وبسبب الفقر ضاعت أو تاهت على الأقل، لأن الفقر فى مصر أصبح نسبياً بالنسبة لها ومن هنا دخلنا إلى الجرائم المهينة بشكل خطير جداً، فكانت جرائم الفساد والاغتصاب والاتجار بالبشر وصولاً للقتل رحمة للقتلى من الجوع والفقر المتزايد بعد الانفلات الضخم والجنوني فى الأسعار لكافة السلع والخدمات ودون تبرير لهذا الجنون.. فأصبحت الجريمة ترتبط بالعنف غير المسبوق شكلاً وموضوعاً.. وأصبحنا نرى الطعن المتبادل بالسكاكين بين الأزواج أو إطلاق الرصاص من صاحب مقهى على الزبون أثر مشادة كلامية على ثمن المشروبات أو قتل عامل على يد تاجر لارتفاع أسعار الدواجن، وأب يلقى بأولاده فى البحر من أعلى الجسر أو يذبح أطفاله الثلاثة أو يخنقهم لمروره بضائقة مالية وآخرون يطلقون الأعيرة النارية على زوجاتهم لعدم استطاعتهم زيادة مصروف البيت أو على ابنته لإسكاتها عن الصراخ من شدة الجوع.. وجميعا بحسب هاشم بحرى أستاذ علم النفس ويشاركه الرأى بعض علماء الاجتماع جرائم تتم دون وعى وبسبب تعرض هؤلاء لضغوط اقتصادية ومعيشية صعبة ومستمرة بل ومتفاقمة مما يصيب الآباء بضغوط نفسية تصل بهم إلى حد الإصابة بأمراض نفسية عديدة، وبشكل عام فهو «سلوك» يعد غير طبيعى ويتطلب توعية وتأهيلاً للآباء المقبلين على الزواج وتكوين أسر من الشباب للتعامل مع الأبناء، وكيف يكون تخطى المشكلات المتوقعة وهى جرائم أيضاً قد تكون المخدرات السبب المباشر وغير المباشر فيها.. عندما تتحول هى ذاتها وسيلة للهروب من تلك الضغوط وهذه المسئوليات، ثم تؤدى بهم أيضاً لتلك الجرائم تحت تثير هذه المخدرات، فى الحالتين الضغوط والظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة والغلاء وراء كل هذه الجرائم الجديدة شكلاً ونوعاً على المجتمع المصرى.