جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تتصدر تصنيف التايمز العالمى للجامعات الناشئة لعام 2024    غرفة السياحة تكشف الأسعار الجديدة لبرنامج حج فئة ال 5 نجوم    مراحل توطين صناعة الإلكترونيات في مصر (إنفوجراف)    الطوارئ الإيرانية: لا إمكانية للإنقاذ الجوي لطائرة الرئيس بسبب الضباب    مشجع ليبي يدعم الزمالك من الاستاد: أعشق القلعة البيضاء من صغري (فيديو)    مانشستر يونايتد يسعى لضم لاعب يوفنتوس بعد نهاية عقده    القبض على تاجر سلاح فى أسيوط غسل 47 مليون جنيه    ترقب وفرحة: قدوم موعد عيد الأضحى 2024    نوال الزغبي تطرح أغنيتها الجديدة "من باريس" (فيديو)    «مراسم دندرة للرسم والتصوير» في معرض فني لقصور الثقافة بالهناجر الأربعاء    الإعلان عن مبادرة للحصول على حقوق الأداء العلني للآثار المصرية المعروضة في الخارج    برنامج تدريبى لصيادلة مستشفيات التأمين الصحى بالشرقية    «الصحة»: الإرادة السياسية القوية حققت حلم المصريين في التأمين الصحي الشامل    القومي لحقوق الإنسان يبحث مع السفير الفرنسي بالقاهرة سبل التعاون المشترك    وزير الإسكان: مبادرة "سكن لكل المصريين" تسعى لتوفير المسكن الملائم لمختلف الشرائح    بالصور.. رئيس جامعة المنصورة يتفقد أعمال تجديد مدرجات كلية الحقوق    ميسرة صلاح الدين: الشعر كائن عنيد ومتمرد    "المنظمات الأهلية الفلسطينية" تؤكد أهمية دور مصر الرائد والمستمر في دعم الشعب الفلسطيني    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    الدفاع الروسية: مقتل نحو 1900 عسكري أوكراني خلال الساعات ال24 الماضية    الأربعاء.. عرض فيلمي «فن القلة» و«فن العرايس» بمركز الثقافة السينمائية    أزمة الدولار لا تتوقف بزمن السفيه .. مليارات عيال زايد والسعودية وصندوق النقد تتبخر على صخرة السيسي    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    إنجاز قياسي| مصر تحصد 26 ميدالية في بطولة البحر المتوسط للكيك بوكسينج    محافظ قنا: تمويل 2144 مشروعا صغيرا ومتناهي الصغر ب102 مليون جنيه    باحثة سياسية: نزوح 80 ألف شخص من رفح الفلسطينية إلى خان يونس ودير البلح    ما هو الحكم في إدخار لحوم الأضاحي وتوزيعها على مدار العام؟    «الإفتاء» توضح حكم حج وعمرة من يساعد غيره في أداء المناسك بالكرسي المتحرك    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    نصائح وزارة الصحة لمواجهة موجة الطقس الحار    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية مجانا في قرية أبو سيدهم بمركز سمالوط    محافظ الدقهلية يتابع الموقف التنفيذي لأعمال ممشى السنبلاوين الجديد    مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية يوضح أنواع صدقة التطوع    أسرة طالبة دهس سباق الجرارات بالمنوفية: أبوها "شقيان ومتغرب علشانها"    هالة السعيد: 4 مليارات جنيه استثمارات لمحافظة قنا بخطة عام 23/2024    إعلام إسرائيلي: اغتيال عزمى أبو دقة أحد عناصر حماس خلال عملية عسكرية في غزة    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    رئيس هيئة الدواء يشارك في احتفالية إنجازات المرحلة الأولى من التأمين الصحي الشامل    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    مساعدون لبايدن يقللون من تأثير احتجاجات الجامعات على الانتخابات    وزيرة الهجرة: مصر أول دولة في العالم تطلق استراتيجية لتمكين المرأة    إيرادات فيلم السرب تتخطى 30 مليون جنيه و«شقو» يقترب من ال71 مليون جنيه    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    تقدم 28 جامعة مصرية في تصنيف التايمز العالمي للجامعات الناشئة لعام 2024    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    أسعار الدولار اليوم الأحد 19 مايو 2024    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: كولر أدار المباراة بشكل متميز.. وغربال كان متوترًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحلام الفقير حقيقة ولنا عبرة في"نفيسة" ؟؟
نشر في المصريون يوم 17 - 10 - 2016


أحلام الفقير دائما ما تكون أوهام
للإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نطرح هذه الأسئلة !!
أليس من حقه أن يتخلص من هذا المتكبر ولا يكون مثله في البخل وعدم العطاء
أليس من حقه أن يتساوى الجميع ويتخلص من هذا المنظر المزعج ؟
أليس من حق أبنائه أن يتوفر لهم رغيف الخبز الكريم دون أن يمن عليهم احد من فتات ما يأكله ؟
أليس من حقه أن يتمتع بحياة كريمة وفي سكن يليق به كإنسان في هذه الحياة ؟
أم كتب عليه أن يشاهد النعيم من بعد أو من خلال صورة أو في أحلامه المنهارة وهو محروم
... أحلام يراها الفقير مستحيلة، ويراها الأغنياء كوابيس تقلق لها المضاجع فيكون الخوف
ويزداد البخل والتقطير خوفا من زوال المال ولكنه غافل ... لآن زوال النعمة من الحرص علي كنز الذهب والفضة ومنعها عن المحتاج فما بنا جميعا من نعمة فهي من الله وللفقراء والمساكين والأيتام وأبناء السبيل نصيبا منها...
في أحلام الفقير يري انه صاحب حياة كريمة .. صاحب حياة ترحمه من النوم في الطرقات
تمنعه من الالتحام بالحيوانات الضارية التي تتخذ من سكون الليل هدفا لها لنشر الفساد والجريمة
الفقير الصغير يحلم بمقعد للدراسة لعله يصبح شيء هام في مجتمعه
الفقير الكبير يحلم بالسعادة لأبنائه ودخل يكفيه السؤال والتسول
كل هذا في الأحلام ... ولكن هل تحقيق الحلم لهؤلاء أمرا صعب ؟
لا ... و لو نظر أولي الأمر من بيدهم مقاليد الأمور وجعلهم الله والياء علي الناس بعين الرعاية
والخوف من الله لنصلح حال الجميع ويختفي الفقر ويقتل الجوع
لو توفرت فرص عمل شريفة ودخل معتبر لتم القضاء علي التسول ومد اليد واختفت الجريمة
لو اهتم الغني بأخيه الفقير لتم القضاء علي الحسد وزالت الفوارق وأصبح الجميع سواسية
لو كانت الأحلام والأمنيات بيد الأباطرة والسلاطين لسن لها القوانين الرادعة والمقننة ومنها حق الملكية للوالي أو الحاكم أي ليحق للإنسان ممارسة حقه الذي منحه الله إياه إلا بعد الرجوع إلى فخامته مشفوع بطلب استرحام متى وأين وكيف وبماذا تحلم وتتمنى …
سنين والإنسان يحلم سرا بالأمن والاستقرار واحترام إنسانيته وحفظ كرامته وتأمين مستقبله ومستقبل أبنائه لان الحلم تهمه يحاسب عليها القانون فعندما تحلم بالسر يؤشر هناك ظلم من النظام وبما انه كذلك فبحلمك تدعو إلى تنظيم سري لإسقاط النظام والمساس بهيبة الدولة وإياك أن تنقل أحلامك وأمانيك على الورق هذا يؤدي بك إلى حبل المشنقة باعتبار ما تكتبه هي منشورات تحريضية ضد السلطة..
العصافير عندما تقف على غصن شجرة تحلم بالاستقرار والتزاوج وبناء عش الزوجية وتكوين أسرة فاعلة في المجتمع العصافيري فبمجرد هبوب ريح قوية أو خطر قريب محدق تذهب أحلامها أدراج الرياح فتجتر أحلامها من جديد عند وقوفها على غصن آخر وهكذا دواليك .. أما نحن البشر فأحلامنا تعني الحرية والعتق وبناء دولة مؤمنة بالديمقراطية وكافلة لحقوق الإنسان ومهمتها العمل على استقرار الإنسان وحمايته وتقديم أفضل الخدمات له
لماذا لا نعمل علي تحويل أحلام الفقير إلي حقيقة ؟
الذي جعلني أقول هذا الكلام عن أحلام الفقراء ما وقع تحت أيدي تقرير صادر من مركز حكومي وهو مركز البحوث الاجتماعية
يقول التقرير وأنا هنا ناقل ولذا دعونا نقرأ يقول التقرير أن شيوع نماذج الفساد مع ضآلة حجم المساءلة وسيطرة الاحتكار على السوق الاقتصادية، تلك عوامل يراها البعض من الأسباب الرئيسية لزيادة معدلات الفقر في مصر، وبالتالي الجرائم التي ترتكب بسببه، بعد أن أكدت تقارير التنمية البشرية أن 2% فقط من المجتمع يستحوذون على 43% من عائد التنمية. لكن معاناة الفقراء تتزايد مع غول الغلاء خاصة في الأسواق الغذائية، ويتركز الفقراء في المناطق العشوائية حيث أشار تقرير حكومي صدر في الفترة الأخيرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية أن 11 مليون مواطن يعيشون في 961 منطقة عشوائية، منها 81 منطقة يجب إزالتها لتردي الأوضاع المعيشية لسكانها وتفريخ المجرمين والخارجين على القانون منها، وتشير الدراسة إلى أن 80% من مساكن العاصمة المصرية يعيشون بمناطق عشوائية تمثل 36% من إجمالي سكان القاهرة. لحقيقة الفقر في مصر مرتبط طبعا بانتشار الجريمة زيها زي أي مجتمع آخر، ولكن يمكن في مصر في مشكلة أخرى وهي أنه في فئتين، فئة من الفقراء وهم كثيرون والفئة الأخرى من الأغنياء يعني في صراع طبقي أو فروق طبقية كبيرة، ودي بتؤدي إلى أضرار أكبر للفقراء ومن مظاهر الفقر خصوصا بالنسبة للجريمة، فزادت نسب الجريمة واختلفت أشكالها فعندما يزداد الفقر نجد أن الجريمة ترتبط بالعنف خصوصا في المجتمع اللي فيه فروق طبقية عنف شديد جدا..
: ما في شك في هذا، زادت نسبة الجريمة مش فقط زادت نسبة الجريمة وظهرت أشكال جديدة من الجرائم دخلت فيها الطبقة المتوسطة، وهذه هي الخطورة الكبرى. لأننا كنا دائما بنقول إن الفقراء فقط هم الناس الغير متعلمين وينتشر بينهم الجهل والمرض إلخ، ولكن للأسف دخلت الطبقة المتوسطة لأن الفقر أصبح نسبي بالنسبة لها ومن هنا دخلنا إلى جرائم المهنية بشكل شديد جدا، جرائم الفساد جرائم الاغتصاب جرائم الإتجار بالبشر الإتجار بالأطفال. أيضا أصبحت كل جريمة ترتبط بالعنف يعني كانت في الماضي السرقة مجرد سرقة دلوقت أصبح نتيجة للفقر أصبح مرتكبي الجرائم لا يهتمون إلا بالوصول إلى مآربهم ودون النظر إلى المخاطر..
طبعا ما فيش شك أن الفقر بيؤثر تأثير سيء جدا على أخلاقيات الإنسان منها الوازع الديني لأن الفقر يعني الاحباط يعني المعاناة يعني قتل أحلام الإنسان، يشعر الإنسان أن ليس له قيمة ولا كيان داخل المجتمع وبالتالي بتختل كل قيمه الأخلاقية، يعني حتى اللي سمعناه في التقرير ليسوا هم كل الفقراء قوي، ولكن من كل الطبقات المتوسطة والطبقة الفقيرة وكلهم في حالة معاناة شديدة جدا، للأسف أن دائما المعاناة بتجلب الإحساس بالإحباط والعنف والتمرد وعدم الانتماء وهذا السلوك الحقيقة هو السائد الآن بشكل كبير جدا ولذلك نقول إن جرائم الفقر
وهنا لابد أن اتوقف عند رواية وفيلم "بدايو ونهاية "التى تتحدث عن احلام الفقراء
فقدکتب نجيب محفوظ هذة الرواية بين عامي (1942 و1943) ودارت أحداثها منذ عام (1936) ألي ما قبيل قيام الحرب العالمية الثانية، وهي فترة عاصرت الأزمة الاقتصادية العالمية، وکان المجتمع المصري وقتها حافلاً بقضايا الطبقات وخاصة الطبقتين الشعبية والمتوسطة، ومحاولات کل منهما في الصعود الي الطبقة الأرقي
(رواية (بداية ونهاية) تتناول العلاقة بين الطبقات الأجتماعية الثلاث، الأستقراطية والمتوسطة والفقيرة، لمجتمع القاهرة في منتصف الثلاثينات. الخط الدرامي في الرواية يقوم علي صراع الأسرة «کامل علي» مع الفقر بعد موت عائلها تارکا زوجتة ونجلتة الشابة وولدين في سن الدراسة وولد ثالث معطل عن العمل بعد فشلة في التعليم. للأسرة معاش محدود لايتجاوز خمسة جنيهات مصرية في الشهر. وتدور أحداث الرواية حول کفاح الأم وأبنائها في سبيل الحياة في وقت لاتتعدي فية ميزانية الأسرة کلها شهريا مبلغ الجنيهات الخمسة هذة. وفي غيبة التأمينات الاجتماعية وبسبب انتشار الفساد والاستغلال تتعقد الأمور أمام هذة الأسرة ويعاني أفرادها الکثير تحت وطأة الحرمان واوضاع المجتمع القاسية.
السينما المصرية تلفقت هذة الرواية وقدمتها فى عام 1960 فى فيلم يحمل نفس الرواية يعتبر (بداية ونهاية)، والمأخوذ عن رواية بنفس الاسم للروائي الكبير نجيب محفوظ، من أهم ما قدم للسينما من أدب نجيب محفوظ، حيث أن عدداً ليس بالقليل من المخرجين قدموا روايات وقصص لمحفوظ، إلا أن ارتباط اسم محفوظ (الروائي الواقعي) باسم أبو سيف (السينمائي الواقعي) يعتبر مثالاً لذلك التجانس الأدبي والفني المتميز، والذي أثمر أعمالاً سينمائية جيدة وقوية في المضمون الفني والتقني. وفيلم (بداية ونهاية) يعتبر من أهم ثمرات هذا التجانس قد اشترك أبو سيف في كتابة سيناريو الفيلم مع السيناريست صلاح عز الدين، وكانت مهمة صعبة وشاقة، حيث كانت الرواية حافلة بالأحداث والشخصيات. ومن الطبيعي في أن قاريء الرواية سيكتشف بعد مشاهدته للفيلم، بان ما يعرفه عن الأحداث كان أكثر مما شاهده، حيث إن أقصى ما يستطيع أن يحققه كاتب السيناريو من نجاح عند تحويله هذه الرواية بالذات إلى السينما هو التوفيق في الاحتفاظ بالجو العام والمضمون الذي تحمله الرواية. وهذا بالضبط ما وفق فيه كاتب السيناريو، حيث لجأ إلى الحذف الكامل لبعض الفصول من الرواية، والدمج بين أحداث فصلين أو أكثر، وذلك بعمليات وتصرفات فنية مشروعة ثم أن رواية "بداية ونهاية" نفسها تعتبر من أكثر روايات محفوظ قابلية للترجمة السينمائية، فقد احتوت على العديد من المميزات التي تساهم في ذلك. فبالإضافة إلى البناء المعماري للرواية، والذي يتشكل في خطوط درامية تلتقي في نقطة واحدة، وذلك النمو الطولي للأحداث.. كل هذا ساعد كثيراً على خلق وحدة درامية مناسبة للفيلم. ثم أن ترتيب الفصول والأحداث داخل الرواية قد أوحى بإمكانية عمل صياغة بين تطور العلاقة بين شخصيتي (نفيسة، سلمان) من جانب، وبين شخصيتي (حسنين، بهية) من جانب آخر.
لقد نشرت رواية بداية ونهاية عام 1949، وتعتبر من أنضج روايات تلك المرحلة التاريخية. فقد اهتم نجيب محفوظ فيها بتصوير تفاعل العلاقات الاجتماعية من جانب، وتصوير الواقع الحضاري للمجتمع من جانب آخر.. هذا إضافة هذا هو الفيلم الذي أبدعه مخرجنا صلاح أبو سيف، مستخدماً كافة أدواته الفنية ليصنع بها قصيدة سينمائية واقعية. ثم إذا كان السيناريو قد وصل إلى ذلك النضج الفني والاقتراب من مفهوم الرواية، فان أبو سيف قد استفاد كثيراً من التقارب في المزاج والأسلوب الفني بينه وبين نجيب محفوظ، بل وسخر كامل خبرته السينمائية في الوصول إلى مستوى فني جيد في ترجمته للرواية.. فقد تعددت إمكانيات الصورة السينمائية لديه، من خلال الممثل والكادر السينمائي وزوايا الكاميرا وحركتها والديكور والملابس والإضاءة والمونتاج، هذا إضافة إلى عنصر الصوت من موسيقى ومؤثرات سمعية. ثم التكوين العام الذي يجمع بين عناصر الصورة المتنوعة.
لقد نجح صلاح أبو سيف في توظيف جميع هذه العناصر الفنية والتقنية توظيفاً متناسباً ومنسجماً مع أحداث الرواية وشخصياتها، معطياً للمتفرج لوحات بصرية تميزت بالأصالة والصدق العميق.
ولكن اسمحوا لى أن اتوقف عند نهاية فيلم "بداية ونهاية" هى أحد أعظم نهايات الأفلام العربية على مر العصور، تستطيع القول إنك أمام نهاية فى تراجيديا إغريقية أو شيكسبيرية تم تصميمها بإتقان لتكون حصاد كل خيوط الدراما وصراعاتها وشخوصها، سقوط نفيسة ودفعها للإنتحار ثم انتحار حسنين هو التجسيد البصرى للمعنى المجازى وهو سقوط أسرة بأكملها انهارت بعد موت عائلها، لا استطاعت أن تصعد الى أعلى، ولا نجحت فى الحفاظ على القيم والأخلاقيات التى تسترها عندما تفشل النقود فى أن تحميها، ورغم كفاح الأم البطولى، إلا أن مأساة هذه الأسرة أكبر من الفقر، إنها التجسيد الحى لكل فضائل الطبقة الوسطى ورزائلها معا، وقد انسحقت سحقا نتيجة هذا الصراع وسط مناخ محلى مضطرب).
أنلاحظ براعة صلاح أبو سيف أستاذ المونتاج، وأستاذ خلق الجو كما وصفه يوسف شاهين، فى بناء مشهد النهاية على النحو التالى:
يبدأ المشهد بتراجع الكاميرا الى الوراء ليظهر حسنين (عمر الشريف) وخلفه ضابط الشرطة (محمد حمدى) حتى يصلا الى باب الغرفة التى ألقيت فيها نفيسة مع العاهرات، نرى جزءا منها، ثم يقطع فورا الى لقطة متوسطة لها لتملآ الكادر مندهشة من ظهور أخيها، نعود الى حسنين مستفزا، وضابط الشرطة يسيطر على حركته.
يقوم صلاح ابو سيف بإعادة حركة الكاميرا بشكل معاكس، لتبدأ هذه المرة من نفيسة تخرج وسط أغنية العاهرات "يا بلحة يا حلوة يا مقمعة ...." حتى تخرج من الباب، تتبعها الكاميرا الى الأمام، يستقبلها حسنين وتذهب خلفه، المعنى البصرى البديع فى تكرار حركة الكاميرا معكوسة أن صلاح بو سيف لا يرى أى فارق بين عهر نفيسة وعهر حسنين، رغم أن حسنين يرتدى فى المشهد قناع الفضيلة القادم من موروث طبقة باعها بكل قيمها .
فى لقطة طويلة ممتدة تتراجع الكاميرا أمام حسنين وخلفة نفيسة، وخلفهما قسم بوليس السكاكينى، يتصاعد التوتر وصولا الى صفعة حسنين الشهيرة، ثم التكوين الشهير الذى يوحى بسيطرته المطلقة (نفيسة بين ساقيه ذليلة ومعفرة بالتراب)، ولكن المخرج الخبيث العبقرى يستخدم الكادر المائل للاثنين معا فى المشهد الطويل، كما يستخدم العدسة الزووم فى لقطات مقربة للإثنين معا، مازال يعاملهما بصريا على نفس الدرجة من السقوط (الكادر المائل هو المعادل البصرى للتعبير الشائع الحال المايل، وهو حيلة تعبيرية تجسد معنى السقوط، ويستدعى استخدامه فى لقطات النهاية استخدامه الأول فى مشهد انتهاك البقال لجسد نفيسة فى منزله، وهو بداية سقوطها الكامل)، هناك إذن سيطرة بصرية ظاهرة من الضابط على العاهرة، لأنه سيدفعها الى الموت، ولكن المخرج يراهما ايضا على نفس المستوى من السقوط ، وطبعا يقال ذلك بالصورة بحركة وحجم اللقطة بل وبإضاءة الوجهين حيث تشطرهما بين النور والظلام فى مشهد السيارة، وحولهما ظلام دامس.
داخل السيارة نسمع المونولوج الداخلى الذى يشكل فى رواية "بداية ونهاية" المكتوبة ما يمكن أن تعتبره رواية موازية من أول الفصول الى آخرها، يلاحظ ايضا ذلك الزوم أوت الذكى الذى يخرج حسنين من لقطته المنفصله لتنضم إليه من جديد نفيسة، مرة أخرى يراهما المخرج فى حزمة واحدة سواء من حيث السقوط أو النهاية، وهو ما سيتحقق فعلا .
يتواصل استخدام الكادر المائل بغزارة غير مسبوقة، ويمارس صلاح أبو سيف لمساته وتفاصيله الصغيرة: لفتة بمؤخرة عين نفيسة لعلها نظرة أمل أن يكون حسين قد رجع فى قراره، صوت بعض العابرين يؤجل قفزة نفيسة، شجرة بلا أوراق أو ثمر فى الخلفية ، عودة الى الماضى من خلال الصوت فقط وكأنه لايريد إضافة ما يخدش جو اللحظة بصورة من مشهد سابق، صوت حسنين الداخلى فقط هو الى يهتف باسم أخته بينما تتحرك شفتاه فى الهواء، عندما تقفز نفيسة الى الماء، يقطع المخرج القدير فى لمحة سريعة جدا الى الشجرة غير المورقة، ثم الى رد فعل حسنين، هذه هى النهاية البائسة لشجرة عقيم .
معنا طوال المشهد موسيقى فؤاد الظاهرى التى يولول الكورال فى نهايتها مثلما كان يفعل منشدو الكورس فى الدراما الإغريقية، كما يستخدم الطبول لزيادة إحساس المتفرج بالتوتر الذى ينتهى بصعود حسنين الى سور الكوبرى وإلقاء نفسه فى الماء بنفس الطريقة ومن نفس زاوية مشهد نفيسة طبق الأصل (للمرة الثالثة يضعهما المخرج بصريا فى نفس السلة)، فى الرواية لا نعرف إذا ما كان حسنين قد ألقى بنفسه أم لا، نهاية الرواية أذكى لأن حسنين شخصية هروبية وأنانية، وعلى الأرجح لن يقتل نفسه، ربما يهرب مثلا، يعترف صلاح ابو سيف أنه افترض موت حسنين لأسباب لا علاقة لها بالرواية أو بناء الشخصية الدرامى، ولكن لأن فكرة الموت كانت مسيطرة تماما عليه إثر وفاة شقيقته فى الواقع ، والتى كان يحبها ويشفق على مصيرها .
يعتبر الفيلم وهذا المشهد من الكلاسيكيات الكبرى فى تاريخ الفيلم المصرى، ومن أكبر الشواهد على قدرة صلاح ابو سيف واستاذيته وفهمه لأدوات السينما صوتا وصورة، وليس صورة فقط كما يعتقد البعض، وقد قدم المخرج سمير سيف فى أول أفلامه "دائرة الإنتقام" تحية خاصة لمشهد نفيسة وحسنين، بمشهد مماثل عندما يقتاد نور الشريف أخته حياة قنديل من بيت الدعارة، وبدلا من ان يصفعها أو يقودها للإنتحار، يتعاطف مع مأساتها وتموت بين يديه، ربما كان المعنى أن حسنين الذى تعلم بفلوس المخدرات، وبقروش شقيقته من بيع جسدها، هو آخر من يجب أن يدين أخته العاهرة، ويدفعها الى الموت، لقد كانت نفيسة ضحية للجميع، وكانت قربان الأسرة الأخير لألهة الفشل والسقوط
هناك ملحوظة هامة الفنانة فاتن حمامة هى التى كانت من المفترض أن تقوم بهذا الدور الأ انها رفضت القيام بهذا الدور رغم الضغوطات التى وقعت عليها من قبل نجيب محفوظ وصلاح ابوسيف والمنتج رمسيس نجيب الا انها رفضت والسبب فى الرفض راجع الى لأن الشخصية كتبها نجيب محفوظ على أنها لفتاة دميمة وذهب الدور الى سناء جميل مع أن سناء نجحت فى الدور الا أن ابوسيف قال أنة مازال عند رائية أنة كان يتمنى فاتن ان تقوم بهذا الدور مع احترامة لسناء جميل الذى تعاون معها فى فيلم الزوجة الثانية عام 67
ملحوظة هامة اخرى ليس هذة المرة الاولى التى ترفض فى نفس هذا العام ادوار سينمائية فقد أعتذرت عن فيلم "رابعة " وقيل في الصحف إنها اعتبرت الفيلم مغامرة كبيرة أن تمثل شخصية ستؤدي أغاني "كوكب الشرق" حتى ولو عن طريق تعبيرات الوجه والحركة فقط ونالت الدور الفنانة نبيلة عبيد،
اختار صلاح أبو سيف مجموعة كبيرة من الممثلين النجوم: فريد شوقي، عمر الشريف، أمينة رزق، سناء جميل وغيرهم. واشتهر الفيلم حينها، شهرة كبيرة، ورشّح عام 1961 لجائزة مهرجان موسكو السينمائي الدّولي، بينما فازت سناء جميل بالمركز الثالث لجائزة أفضل ممثلة، وبحسب موسوعة «الويكيبيديا» فقد صنف الفيلم في المركز السابع ضمن أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية
. الفنانة سناء جميل اشارت إلى أنها عانت ، من ضعف حاسة السمع ، وذلك بسبب “القلم” الذي أعطاه لها الفنان عمر الشريف في فيلم “بداية ونهاية”، حيث اندمج عمر الشريف أثناء تصويره للمشهد، وصفع جميل قلما حقيقيا أصيبت على إثره بفقدان حساسة السمع لإحدى الأذنين.
لا شك أن بداية ونهاية هو أحد أفضل أفلام السينما المصرية ، الفيلم يمتلك طاقات و عناصر تؤهله ليكون فيلماً مهماً لكنه صار فيلماً عظيماً ، قصة أديب مثل نجيب محفوظ و سيناريو مجتهد جداً لصلاح عز الدين ، موسيقى فؤاد الظاهري التي كانت أصيلة جداً وهي ترافق كاميرا كمال كريم في تعاون جديد بعد إنجاز تحفة آخرى هي شباب امرأة ، مخرج مجرِّب مثل أبو سيف يمتلك طاقم تمثيلي به سناء جميل – أمينة رزق– فريد شوقي – صلاح منصور – عمر الشريف
: فيلم بداية ونهاية هذا هو أول الأفلام التي أنتجت في السينما مأخوذة عن رواية لنجيب محفوظ، فبعد مشاركات نجيب محفوظ في كتابة السيناريو لبعض أفلام أبو سيف ومن قبله كفيلم جعلوني مجرمًا، أتى فيلم بداية ونهاية كنتيجة طبيعية لهذا التعاون المثمر، فبعد إتجاه نجيب محفوظ للواقعية بداية من “خان الخليلي” منتصف الأربعينات وبالمقابل تأثر صلاح أبو سيف بالواقعية الجديدة في إيطاليا، كان ولابد أن تلتقي روايات محفوظ بسينما أبو سيف، وكانت البداية قوية فعلاً بما أغرى العديد من المخرجين بإخراج أعمال مأخوذة من أفلام محفوظ فيما بعد
كانت الرواية قد قُدمت عدة مرات للمسرح، مرة من بطولة توفيق الدقن وأمينة رزق وأخرجها عبد الرحيم الزرقاني، ومرة أخرى من بطولة حسين فهمي وأبو بكر عزت ويسرا وأخرجها يحيى العلمي.
كما أن هناك فيلمًا مكسيكيًا يحمل نفس الإسم مأخوذ عن الرواية ذاتها قدمه المخرج المكسيكي أرتورو ريبستين في العام 1993.
عد أن حققت دورًا مذهلًا في فيلم «بداية ونهاية» ذاع صيت الفنانة سناء جميل وكان الزواج منها أمرًا مثيرًا للقلق ولكنالصحفى لويس جريس لم يتردد كثيرًا، ولكنه أحس بعد ذلك أن الزواج كان «جريمة كبيرة»؛ لأنه لم يكن بنفس شهرتها، كما أن مقتضيات التمثيل وضعتهما في موقف محرج.
سناء قدمت مشهد مع أحد الشبان الصغار في فيلم «فجر يوم جديد»، فجاء أحد الواشين إلى زوجها وقال له: «إيه إحساسك ومراتك نايمة في السرير مع شخص تاني!»، ولكنه أوقفه بشدة مؤكدًا: «خليك في حالك.. هي عملت ده في السر ولا في فيلم كل الناس شافته».
عشق الفنانة القديرة للتمثيل هو من جعل زوجها يدرك حجم موهبتها وتقديرها للعمل، لذلك لم يعترض على عملها على الإطلاق، وفي المقابل أعطته هي الحب والاهتمام وكانت زوجة رائعة تنتبه لأدق التفاصيل بينهما، بحسب قول جريس.
الكاتب الصحفي تلقى نصيحتين واحدة قبل زواجه من سناء، وكانت من الأديب احسان عبد القدوس ، الذي قال له: «لا تتعامل مع سناء جميل علي أنها «واحدة ست» لكن يجب أن تتعامل معها بصفتها فنانة ومبدعة وصاحبة موهبة يجب أن تساعدها علي الازدهار».
والنصيحة الثانية كانت من صلاح جاهين في بداية زواجه؛ حيث لاحظ تدهور صحته ومزاجه السيئ فنصحه بأن يتحلى بالقوة «شد حيلك أنت متزوج سيدة عظيمة، وابذل كل ما في وسعك لتحقيق اسم كبير يتحدث عنه الناس».
رُشح الفيلم لنيل جائزة مهرجان موسكو السينمائى الدولى عام 1961، وحصدت الممثلة سناء جميل المركز الثالث فى جائزة أفضل ممثلة بين ممثلات العالم، والتي تُعد أول مرة تحصل فيها ممثلة عربية على إحدى المراتب الأولى فى المهرجانات الدولية.
وبالرغم من حصول الفيلم على نجاح كاسح على المستوى الفني، إلا أن الوضع كان العكس تماماً على المستوى الجماهيري في مصر.
الخلاصة فى الكلام

احلامنا واحلام العصافير واحدة …عاشت العصافير كونها تواجه الموت بصدور عامرة بالثقة والحياة ورغبتها في الحياة صغرت امامها كل امنياتنا واحلامنا
أحلام الفقير حقيقة، مهما يبلغ الفقر بالناس، ومهما يثقل عليهم البؤس، ومهما يسيء اليهم الضيق، فإن في فطرتهم شيئاً من كرامة تحملهم على أن يجدوا حين يأكلون مما كسبت أيديهم لذة لا يجدونها حين يأكلون مما يساق إليهم دون أن يكسبوه أو يحتالوا فيه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.