من المؤكد أن تعويم الجنيه له آثار فادحة على مستوى معيشة المواطنين، بل إنه أصاب فئات واسعة بأضرار بالغة حتى أصبح القلق والعبوس سمة عامة، فمع كل قرار اقتصادى مثل هذا تزداد موجة الغلاء المعيشية وتظهر الحكومة وتعلن أن الفقراء لن يتأثروا كثيرًا بها لأنها تعمل على حماية هذه الطبقة من ارتفاع الأسعار. هذا الاتجاه الذى يدمج البعد الاجتماعى مع القرار الاقتصادى، وأصبح مستقرًا فى سياسات الحكومة أيضًا هو عدم تبنى أى طبقات أعلى من الفقيرة. فماذا عن الطبقة المتوسطة التى تمثل 36٪ من إجمالى المصريين؟ -حسب المركز العربى للبحوث والدراسات-. ووفقًا لتقرير صدر نهاية العام الماضى عن وزارة التخطيط وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائى فإن 3.6 مليون مصرى غير قادرين على توفير احتياجاتهم الغذائية الأساسية حتى لو خصص كل منهم كامل إنفاقه للغذاء فقط. وشهدت نسبة الفقر قفزة كبيرة منذ 2011 وارتفعت إلى 25.2% خلال عام 2010-2011 وزادت تلك الفجوة فى العام التالى له إلى 26.3%، ما يعنى وجود نحو 21.7 مليون مواطن غير قادرين على تدبير احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية. يدفعنا هذا إلى أهم سؤال: وهو ما الطبقة المتوسطة؟ هى الطبقة ذات ثلاث شعب منها البسيط والمتوسط والعالى وهى التى ينبثق منها إحداثيات ثقافة المجتمع. فهى تحرص على التعلم ونيل الشهادات والتى تدفع بمدخراتها المتواضعة لإتاحة أحسن تعليم لأولادها. هى القوى الشرائية التى تحرك الاقتصاد اليومى للبلاد. هى الطبقة التى تحافظ على وسطية عادات وتقاليد المجتمع والتى تقاوم التطرّف المدمر الآتى من الغرب والشرق. هى القلب النابض الذى يتابع ويشارك بالحياة السياسية فيصد من يخرج عن الحس الوطنى ويحتضن من يصدق فى خدمة البلد. هى الطبقة التى تمثل الرأى العام فى مصر الذى يحرص الإعلام المحلى على استمالته والذى لا يطيق إغضابه. هى الطبقة التى تعطف على الفقراء وتملأ مؤسسات الخير بالصدقات. هى الطبقة التى يسترشد بها الفقراء للنهوض بحياتهم ويستشعر منها الأمل فى حياة أفضل الطبقة المتوسطة هى بمثابة صمام الأمان لأى مجتمع، لكونها عاملًا مهمًا فى حفظ الاعتدال الطبقي، بل إن البعض يرى أن أهميتها تكمن فى زيادة حجمها، مما يجعلها مركزًا رئيسًا وسطيًا فى الحراك المجتمعى، بين طبقة من الأثرياء المتفرجين، وطبقة من المعدومين المطحونين. كيف لا يلتفت إليها القائمون على البلد وهى أكثر الطبقات تضررًا من تعويم الجنيه وارتفاع الأسعار، الأسرة التى تنتمى إلى الطبقة المتوسطة قليلة الادخار كثيرة الإنفاق فى اتجاهات كثيرة، لأنها تتطلع بشغف لتحسين صورتها المعيشية ونتيجة لذلك فهى دائمًا فى شد وجذب مع مواردها المحدودة لتغطية مصاريف حياتها المتنامية فتنجح تارة وتخفق تارة أخرى. إذا ارتفعت الأسعار نتيجة تعويم الجنيه بشكل ملحوظ تخفق الأسرة كثيرًا فى إيجاد توازن بين ما تكسبه من عملها المهنى وما تصرفه. ينتج عن ذلك الإحساس بخيبة الأمل واليأس، لأنها ذاقت طعم الحياة المستورة والتى بها القليل من الاستمتاع والآن سلبت منها. ماذا نتوقع من هذه الأسرة التى بدأت تدخل حزام الفقر شيئًا فشيئًا. فإذا كنت تريد منها دفع عجلة الإنتاج بحماس فلن يحدث وإذا كنت تريدها أن تثرى المناخ السياسى والثقافى فلن يحدث. وإذا كنت تتمناها أن تلهم الأسر الفقيرة فلن يحدث. لا أدرى كيف تنهض الدول فى ظل هذا المناخ؟ هذه الأسرة مثلها كمثل القوارير يسهل كسرها إذا تركتها تقع. لابد أن تنتبه الحكومة لذلك ولكن كيف؟ وهذا ما سوف أناقشه فى المقالة المقبلة...انتظرونى الباحثة فى علم الاجتماع