أرقام من لحم ودم تلك التى جاءت لتصنف المصريين بين ميسور الحال متربعا فوق أعلى نقطة فى السقف الاجتماعى، وبين آخر يسعى متشبثا بالوقوف على حافة خط الستر، وبين من يقاتل للبقاء بالكاد على قيد الحياة. هذه الأرقام هى حصيلة ما أعلنه جهاز التعبئة والإحصاء منذ أيام قليلة لأحوال المصريين فى عام ساخن. تبدأ أيامه قبل ثورة يناير بستة أشهر، وتمتد لما بعدها بنفس عدد الشهور. ولأن مهمة بحث (الدخل والإنفاق) الذى يصدره جهاز الإحصاء لا يزيد على تحويل حياة البشر إلى أرقام وإحصاءات وجداول بيانية، فكان علينا أن نرسم ملامح لهؤلاء البشر. ونبحث فى يوميات 4.8% ممن يعيشون بيننا، وتضعهم الحكومة فى دفاترها فى خانة (تحت خط الفقر المدقع) كيف استطاعوا بأقل من 172 جنيها فى الشهر أن يبقوا على قيد الحياة؟. ونجرى وراء ربع من يتنفسون على أرض مصر بطولها وعرضها ولا تحمل جيوبهم طوال 30 يوما سوى 256 جنيها، وهم الحاصلون رسميا على لقب (فقير) لنرى كيف قضوا عام الثورة؟. ونحسب معهم كم مرة قرر فيها رب الأسرة أن يستغنى عن طبق على مائدة العائلة؟ ومتى اضطرت ربة المنزل أن تشطب من مطبخها نوعا جديدا كان يفضله طفلها الصغير من أجل أن تكمل ثمن فاتورة الغاز، او الكهرباء، أو مريلة المدرسة، أو ثمن درس الرياضة لمدرس السنتر على ناصية الشارع، أو تذكرة أتوبيس، أو كارنية المترو لذهاب الأخ الأكبر إلى الجامعة، أو دواء لزوم تخفيض السكر للأب؟. الميسورن، والمستورون، والمحرمون من نعمة الستر فى مصر كيف تجاوروا معا تحت سقف وطن واحد فى عام الثورة هو ما تجيب عنه هبة الليثى رئيس قسم الإحصاء بجامعة القاهرة وصاحبة العديد من الأبحاث المتخصصة فى بحوث الفقر فى مصر. مهمة البحث داخل ذاكرة كمبيوتر جهاز الإحصاء الذى يحفظ المواطنين كأرقام صماء وتحويلها إلى بشر يتنفسون، ويأكلون، ويتعلمون، ويسكنون، ويتقاتلون ويغضبون هى ليست بالمهمة السهلة. ولكن قد تبدو المهمة هذه المرة أكثر صعوبة من كل المرات الأخرى، لأن البحث هذا العام، فى نسخته العاشرة، والذى كانت الأولى منه فى منتصف الخمسينيات، يأتى متزامنا مع ثورة يناير. أى يمكن أن نقرأ منه بأى حال بات عليه المصريون عشية الثورة. وماذا فعل النظام السابق بالطبقة المتوسطة فى مصر؟. ومن يتحمل وزر الملايين التى أضيفت إلى طابور الفقراء؟. وكيف عاد الحديث مرة أخرى عن مصطلح «مجتمع النصف فى المائة» الذى كانت ثورة يوليو قد حذفته من قاموسنا اليومى؟
تقول د.هبة الليثى إن الحقيقة الرئيسية التى تكشفت من بحث الدخل والإنفاق الأخير لجهاز الإحصاء هى تراجع نسبة الفقر المدقع فى مصر إلى 4.8% العام الماضى، بعد أن كانت هذه النسبة 6.1% فى عام 2008/2009. ولكى نعرف حجم ما تحقق، علينا أن نعرف أن الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع هم الذى يصرف الواحد منهم أقل من 172 جنيها فى الشهر بأسعار 2010/2011. وهذا المبلغ هو الحد الأدنى لتكلفة شراء سلع غذائية تلائم سلوك الفقراء، وتوفر لهم السعرات الحرارية والبروتينيات التى تجعلهم قادرين على مجرد البقاء على قيد الحياة. دون أن يشمل ذلك تلبية أى احتياجات أخرى غير غذائية. وهذا يختلف عن فئة الفقراء ،كما حددها بحث الإحصاء بربع سكان مصر. وشريحة الفقراء هذه تضم فئة المواطن الذى ينفق أقل من 256 جنيها فى الشهر. وهذا المبلغ هو الذى يتمكن به المواطن من توفير الحد الأدنى من الإحتياجات الغذائية، والخدمات الأساسية مثل المسكن، والملبس، والتعليم، والصحة، والمواصلات. وهى بذلك تكون قد استغنت عن جانب كبير من احتياجاتها الغذائية الأساسية حتى يستطيع الفرد فيها أن يلبس ما يستر عورته، أو يركب الأتوبيس، أو يذهب إلى المستوصف، أو يوفر غرفة فى منطقة عشوائية.
ولذلك جاء فى البحث أن الحد الأدنى الذى تحتاجه الأسرة المكونة من خمسة أفراد لكى تستطيع مجرد الوفاء بالحد الأدنى للاحتياجات الأساسية هو 1270 جنيها فى الشهر.
ويجب أن نلتفت إلى حقيقة مهمة وهى أن نسبة الفقراء فى مصر زادت من 21.6% فى عام 2008 إلى 25.2% فى العام الماضى. أى أنه فى عامين فقط زادت نسبة الفقر بمقدار 3.2%. بينما لم تبلغ نسبة الزيادة خلال الأربع سنوات من( 2004 إلى 2008 ) على 2%. وهذا يدل أن الفقراء زادوا خلال العامين السابقين للثورة بنسبة 1.8% فى السنة. بينما كانت نسبة الزيادة السنوية لا تزيد على 0.5% فى الفترة (2004/2008). وربما يحمل ذلك تفسيرا لحدوث الثورة فى العام الماضى، بفعل تزايد ظاهرة الفقر بشكل متسارع. وهذا يدحض فى الوقت نفسه ما كان يحاول النظام السابق أن يروجه، وهو أن الاقتصاد كان ينمو بمعدل 7% سنويا. ويتفق فى نفس الوقت مع فريق الاقتصاديين الذين كانوا يشككون فى مصداقية هذا النمو. وبذلك يصبح من المؤكد أن معدل النمو كان يقل كثيرا عن هذه النسبة، إلى جانب أنه كان يوزع بشكل غير عادل. وصاحب كل ذلك ارتفاع فى اسعار السلع والخدمات يفوق نسبة الزيادة فى الدخول.
ولكن دعونا نقرأ كيف تحرك المصريون على درجات السلم الاجتماعى، من منهم ظل على حاله، ومن انزلقت قدماه للدرج الأقل، ومن صعد للدرج الأعلى؟ وعند أى الدرجات وقفت الطبقة المتوسطة؟
ترسم الليثى حدود درجات السلم فتقول أن حوالى 52% من أفقر 20% من المصريين ظلوا على حالهم منذ عام 2008/2009 وحتى العام الماضى. لم يتحركوا لا ارتفاعا، ولا انخفاضا. يعنى نصف المصريين الأكثر فقرا فى المجتمع لم تشهد أحوالهم أى تحسن على الإطلاق. بينما 44.7% الذين يقعون فى الشريحة التى (تمثل من60% إلى 80% إنفاقا) وهى الأسر التى يبلغ متوسط إنفاقها الشهرى حوالى 1833 جنيها وقعت إلى الشريحة الأدنى. بمعنى آخر أن الذين يمكن أن نعتبرهم تمثيل للشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة قد انخفض حجم إنفاقهم. وبالتالى ما يزيد على 44% من هذه الشريحة لم تستطع أن تحافظ على مستواها الاجتماعى، وتنازلت عن جانب كبير من إنفاقها. أما الشريحة الأعلى إنفاقا (والتى تمثل طبقا لبحث الجهاز ال20% الأكثر إنفاقا من المصريين) وهى التى يبلغ متوسط إنفاق الأسرة الشهرى لها حوالى 2580 جنيها، وتضم الأغنياء جدا، والشريحة العليا من الطبقة المتوسطة ظل 56% منها دون تغير يذكر فى حجم إنفاقها. بينما نسبة 43% منها انتقل إلى شريحة طبقية أدنى. والنتيجة التى يمكن الوصول إليها أن الأغنياء ظلوا على حالهم دون تغيير، وحوالى ما يقرب من نصف الطبقة المتوسطة تدهورت أحوالها وهو ما يتفق مع الواقع والشواهد التى نراها.
ازدهار البلطجة خفض الفقر المدقع
ولكن فى ظل كل هذا التدهور الذى لحق بالفقراء كيف انخفضت نسبة الفقر المدقع من 6.1% قبل أربع سنوات إلى 4.8 % العام الماضى. بمعنى كيف أصبح من ينفق 172جنيها فى الشهر عددهم أقل من ذى قبل؟
هناك عوامل أثرت بالفعل فى تخفيض عدد الفقراء الذين يعيشون فى فقر مدقع، وهم هؤلاء الذين يصرف الواحد منهم أقل من 172 جنيها فى الشهر. ويعود التراجع فى نسبة الفقر المدقع إلى اتساع شريحة من يعملون فى أعمال هامشية بدرجة أكثر من ذى قبل، مثل منادى السيارات، والعاملين فى خدمات توصيل للمنازل، وغيرها من الأعمال غير المنتظمة. وربما يمكن أيضا أن نضم لهؤلاء مهنة البلطجة التى زاد دورها فى الفترة الأخيرة. وربما وفرت هذه المهنة دخلا لبعض الفقراء، والمهمشين لم يكن متوفرا بهذه الدرجة من قبل.
ولكن هناك متغيرا لا يمكن التقليل من أهميته وهو اتساع شريحة قريبى الفقر، وهى الشريحة القريبة جدا من خط الفقر. وهى شريحة هشة، تتأثر بفعل أى عوامل اقتصادية تلم بالأسرة، مثل تعرض عائل الأسرة لخطر البطالة، بفعل الفصل من القطاع الخاص، أو التسريح من القطاع العام بسبب المعاش المبكر، فتتعرض الأسرة لخطر الوقوع فى براثن الفقر. وهذه الشريحة زادت نسبتها من 20% عام 2008 إلى 23% خلال العام الماضى. وهذا يعنى زيادة عدد من هم معرضون لأن يصبحوا فقراء أكثر من ذى قبل.
المساواة أهم من الفقر
إذا كان تزايد عدد الفقراء بشكل أسرع فى السنوات السابقة وتردى أوضاع الطبقة المتوسطة فى مصر كان كافيا لقيام ثورة يناير. فكيف نفسر قيام الثورة فى تونس التى يعيش مواطنيها فى ظروف معيشية من حيث التعليم والصحة أفضل كثيرا من المصريين؟.
بالرغم من تردى أوضاع الفقراء فى مصر، إلا أن المؤشر الذى يقيس عدم العدالة بين المصريين أفضل حالا من دول أخرى مثل المغرب وتونس. وهذا المؤشر يعكس نصيب ال20% الأكثر دخلا فى مصر من إجمالى الاستهلاك، وذات النصيب لأقل 20% انفاقا من المصريين. والمؤشر الأخير كشف أن أكثر الفئات غنى فى مصر (حضرا وريفا) تستهلك فى المتوسط اربعة أضعاف ما يستهلكه أفقر الفقراء. وهذا المعدل ليس بعيدا عن المعدلات المتوسطة للدول التى تتشابه ظروفها الاقتصادية مع مصر. أما فى تونس فما دفع التونسيين إلى الثورة كان الإحساس الحاد بعدم العدالة. لأن هذا المؤشر لديهم يعكس مزيدا من الظلم الاجتماعى بدرجة أعلى من مصر. وهذا يؤكد مرة أخرى أن العدل يظل هو العنصر الحاسم بدرجة أكبر من الفقر، لأن الثورة يلزمها إحساس قوى بالقهر الذى يتولد من الإحساس بالظلم. بمعنى لو شعر الجميع بأنهم فقراء فقط، دون النظر إلى وجود غنى فاحش لدى غيرهم، فإنهم يكونون أكثر احتمالا لظروفهم القاسية.
الفقر فى مصر يكسر القوانين
وكأنها تحاول أن تجد حلا لأمر محير تقول د.هبة الحقيقة أن طبيعة سلوك الفقراء فى مصر يبدو متناقضا مع قانون انجلز الذى تعلمناه، وهو الذى يشير إلى أنه كلما تدنى المستوى الإجتماعى والمعيشى للأسرة، كلما زادت نسبة الإنفاق على الغذاء من إجمالى انفاق تلك الأسر. ولكن ما أسفر عنه بحث الإنفاق الأخير هو أن إنفاق الأسرة على الطعام والشراب (فى الريف والحضر ) يمثل 35% من إجمالى إنفاق الأسرة سنويا فى العام الماضى. بعد أن كانت هذه النسبة قد وصلت إلى 44% فى عام 2008. ولكن ربما بالبحث عن مبرر لذلك نقول إن تردى أوضاع الفقراء جعلهم يتنازلون عن احتياجاتهم الغذائية الأساسية، بدرجة أكثر قسوة عن قبل ذلك. لأن الفقراء بطبيعتهم لا يأكلون إلا أقل القليل، ولكن هم تنازلوا عن هذه الاحتياجات الضرورية من أجل تلبية بعض الاحتياجات الأخرى غير الغذائية، التى رأوا أنهم لا يستطيعون الاستغناء عنها مثل الصحة، والسكن، والمياه، والكهرباء، والمواصلات، وربما التعليم فى بعض الأحيان. وهذا معناه ارتفاع تكلفة توفير هذه الاحتياجات، نظرا للزيادة الكبيرة فى أسعار الخدمات. والتى ارتفعت بالدرجة التى لم تستطع قطاعات كبيرة من الفقراء تلبيتها. وبالتالى اضطرت للتضحية بجانب من احتياجاتها الغذائية من أجل أن توفرها. وهذا معناه أن هذه الطبقات احتملت ضغوطا معيشية خلال العام الماضى، أكثر كثيرا مما تحملته من قبل. وهناك بعض الظواهر غير العادلة الأخرى التى كشف عنها البحث وهو أن الخمس الأفقر من السكان يصرف على المسكن 18.1% من إجمالى إنفاقه. وهى نفس النسبة التى ينفقها الخمس الأغنى. وهذا يعكس إلى أى مدى تخلت الدولة عن توفير مساكن منخفضة التكاليف فزادت العبء على محدودى الدخل.
محمول عز وثلاجة نظيف
كثيرا ما سمعنا من أحمد عز أحد أركان النظام السابق أن زيادة عدد المصريين الذين يحملون المحمول، أو الذين يمتلكون سيارات دليل كافٍ على تحسن أوضاع المصريين. ولم ننس حتى الآن البيانات التى كان يلقيها أحمد نظيف رئيس الوزراء أمام مجلس الشعب مستندا إلى زيادة عدد الثلاجات والغسالات والتليفزيونات والتكييف والدش كدليل على تعافى الطبقة المتوسطة. فإذا كان وصل عدد الأسر التى تمتلك ثلاجة 90% من إجمالى عدد الأسر فى العام الماضى، وبالنسبة للدش وصل إلى 78% والتكييف 6.5% فهل هذا يدل على أى مؤشرات متعلقة بتحسن أوضاع الرفاهية للمصريين؟
بشكل قاطع ترد د.هبة هذا غير صحيح على الإطلاق. فاقتناء الأجهزة يعود لعدة أسباب منها توصيل الكهرباء إلى معظم محافظات مصر، وحتى القرى والنجوع، وهذا سهل كثيرا من اقتناء السلع. إلى جانب أن انتشار نظام التقسيط ساعد كثيرا فى عمليات الشراء. ولكن العنصر الحاسم هو أن الطبقات الفقيرة تنظر إلى السلع المعمرة باعتبارها أصلا من الأصول، التى يمكن أن تلجأ الأسر إلى بيعه عند أى أزمة معيشية تلم بهذه الأسر. ويظهر هذا جليا فى فئة شغالات المنازل.
حضور الفقر وغياب العدل
ولكن إذا أردنا أن نرسم خريطة لتوزيع شرائح المجتمع فى الريف والحضر فأين نضع فقراءهم وأغنياءهم على سطح الخريطة؟ أين يحط الفقر؟ وفى أى بقعة يغيب العدل؟ وكيف يعيش أواسط الناس بين من هم على أقصى أطراف السلم الاجتماعى فقرا وغنى؟
إن من أهم ما كشف عنه بحث الدخل والإنفاق هو زيادة الفجوة بين معيشة أهل الريف والحضر. حيث تحسن متوسط نصيب إنفاق الفرد سنويا فى الحضر بمقدار 397 جنيها فى العام الماضى مقارنة بعام 2008. بينما انخفض هذا الإنفاق بالنسبة للفرد فى الريف بمقدار 706 جنيهات فى ذات الفترة. ولكن يجب أن نفهم أن التحسن الذى حدث فى متوسط إنفاق القاطنين فى الحضر، ليس عائدا إلى تحسن فى أحوال الفقراء، ولكنه يعكس تحسنا فى إنفاق الأغنياء. لأن المتوسط يشمل جموع المصريين، ولكن مجمل النتائج كان يشير إلى تردى أوضاع الفقراء، وهو ما يعنى أن هذا الارتفاع فى المتوسط العام للإنفاق يرجع إلى تحسن الأوضاع المعيشية للشريحة الأغنى.
وهناك ظاهرة أحسبها على قدر كبير من الأهمية وهى أنه بالرغم من أن الشرائح العليا من المصريين القاطنين فى الحضر يحصلون على نصيب أكبر من الإنفاق. بينما بالعكس تماما من هم أفقر فى الريف يحصلون على نصيب أكبر من نظرائهم فى الحضر. حيث يحصل أغنى 10% فى المجتمع على 29.6% فى الحضر، بينما نفس الشريحة فى الريف تحصل على 20.7% فى الريف. وتحصل الشريحة ممن هم أقل 10% إنفاقا فى المجتمع على 3.5% فى الحضر، وترتفع هذه النسبة فى الريف إلى 4.6%. وهذا أنتج فى النهاية ظاهرة تحسن أوضاع العدالة الإجتماعية فى الريف عن الحضر. مما يعكس مستويات للمعيشة أكثر تجانسا من الحضر. وهذه الحقيقة تنعكس فى أن نسبة انفاق أغنى 20% إلى افقر 20% تصل إلى 5.2% فى الحضر، وتنخفض فى الريف إلى 3.2%. وفى كل الأحوال نستطيع أن نقول إننا أصبحنا نعيش فى ظل النظام السابق مجتمع النصف فى المائة الذى تستأثر فيه طبقة النصف فى المائة الأكثر غنى على معظم ثروات البلد، والتى كانت موجودة قبل ثورة يوليو.
رصد بحث الدخل والإنفاق أن أكثر البيوت ازدحاما من بين كل المبحوثين كان ذلك البيت الذى يعيش فيه تسعة أفراد فى غرفة واحدة فى مركز طهطا بمحافظة سوهاج. وكانت أفقر أسرة تقطن فى مطوبس فى كفر الشيح، وهى تلك التى تنفق ثمانين جنيها فى الشهر. أما تلك التى تعد أكبر أسرة فوصل عددها إلى 22 فردا وكانت فى أبوقرقاص فى المنيا أيضا.
الفقراء زادوا فى القطاع الخاص و10% منهم فقط يتركزون فى القطاع العام
بالرغم من أن العاملين فى (خارج المنشآت) من الفقراء يشكلون النسبة الأكبر من حيث إجمالى الفقراء المشتغلين، بينما يأتى القطاع الخاص فى المرتبة الثانية، وتبقى النسبة فى الحكومة والقطاع العام هى الأقل على الإطلاق (10%) . إلا أن نسبة زيادة الفقراء فى القطاع الخاص تزايدت بدرجة أكبر من كل القطاعات الأخرى. حيث ارتفعت خلال العام الماضى بمعدل 6.1% بينما كانت الزيادة لا تتعدى 2.7% بالنسبة للفقراء العاملين خارج المنشآت، و1.9% بالنسبة لنظرائهم الذين يعملون فى الحكومة والقطاع العام. وهو ما يشير إلى تردى أوضاع العمل فى القطاع الخاص بدرجة تفوق كل القطاعات الأخرى. وربما يقدم ذلك تفسيرا لاستمرار تفضيل المصريين للعمل فى الحكومة والقطاع العام بشكل أكبر من القطاع الخاص.
الحصول على شهادة محو الأمية تكفى وحدها لتخفيض نسبة الفقر 12%
تبلغ نسبة الفقر فى شريحة الأميين 36.3% بينما تنخفض تلك النسبة بمقدار 12.1% فى الشريحة الحاصلة على شهادة محو الأمية. ويستمر الانخفاض فى نسب الفقر كلما زاد المستوى العلمى حتى تصل تلك النسبة إلى 6.5% بالنسبة للحاصلين على شهادة جامعية. وبشكل عام لم تحصل الغالبية العظمى من الفقراء سوى على تعليم ابتدائى على الأكثر. فى نفس الوقت الذى ترتفع فيه البطالة بين المتعلمين بدرجة تفوق الأميين ومن هم فى مراحل تعليمية أقل.
نسبة ما يصرفه الفقراء على المطاعم تفوق الأغنياء.. والسر فى الفول والطعمية والكشرى
تنفق الشريحة الأفقر من السكان على المطاعم والفنادق 4% بينما يصرف الأغنياء 3.2% من إنفاقهم الإجمالى العام الماضى. ويعود ذلك إلى أن غالبية الشرائح الفقيرة يمتهنون أعمالا غير منتظمة تقتضى منهم البقاء طول اليوم فى الخارج وهذا يجعلهم ينفقون جانبا ملموسا من إنفاقهم على المطاعم، التى غالبا ما تكون فولا وطعمية، أو كشرى أو وجبات شعبية مماثلة. وكذلك تفوق نسبة ما يصرفه الفقراء على كل من الدخان والملابس على تلك النسبة التى تصرفها الشريحة العليا من إجمالى إنفاق كل منهما. إلا أن نسبة ما ينفقه الأغنياء على التعليم، والأثاث، والرعاية الصحية، والانتقالات، والترفية، تبقى أعلى من نسبة إنفاق أقل الشرائح دخلا.