تبدأ ملحمة الحرافيش لنجيب محفوظ بالفتوة العادل عاشور الناجي الذي حكم الحارة وكان مثالا للزهد والاستقامة وتمتع الحرافيش في عهده بحياة كريمة وآمنة. وذات يوم اختفي عاشور ولم يعثر له علي أثر. تولي الفتونة ابنه شمس الدين وسار علي نهجه العادل ثم حفيده سليمان, وبعد مرض سليمان انتقلت الفتونة الي خارج الأسرة وسرعان ما ارتدت الي سابق عهدها: فساد وبلطجة واذلال للحرافيش وفرض إتاوات ثقيلة علي الفقراء والمعدمين. مع مرور الزمان وتعاقب الأجيال, تحول عاشور الناجي الي شخصية اسطورية تحيطها هالة مقدسة وتنسج حولها العديد من المعجزات والقصص الخرافية, واعتقد بعضهم انه لا يزال حيا ومختفيا, وأضحي حلم الحرافيش الازلي هو عودة عاشور الناجي. تعاقب علي الحارة العديد من الفتوات وبعضهم من آل الناجي ولكن لا أحد منهم أحيا عهد عاشور. بل كان بعض آل الناجي من الفتوات أسوأ من غيرهم فكان منهم وحيد العربيد وجلال المجنون وسماحة السفاح. وفي عهد الفتوه سماحة قامت ثورة الجياع التي قادها فتح الباب, اخوه غير الشقيق. كان سماحة يمتلك محلا للغلال وافتعل أزمات غذائية لتعظيم أرباحه علي حساب الحرافيش, وكان يدعي كذبا أن المخازن خاوية علي عروشها. كان فتح الله يعمل كاتبا للمخازن ورق قلبه من معاناة الحرافيش فتمكن من الاستيلاء علي الطعام من المخازن ليلا ليطعم الحرافيش ويشجعهم علي التمرد. قامت الثورة وتم القضاء علي سماحة ونادي الحرافيش بفتح الباب ليكون الفتوة وحاول هو الاعتذار لادراكه أنه يفتقد مقومات الفتونة. لكن إزاء اصرار الحرافيش استجاب, وعين إثنين من عصابة سماحة مساعدين له. بالتدريج تمكن مساعدا سماحة من تبريد ثورة الحرافيش وحددا اقامة فتح الله ثم أطاح احدهما بزميله وقتل فتح الباب وأعلن نفسه فتوة. ورجعت الحارة الي نظامها القديم مع احتياطات مشددة من الفتوات الجدد لكيلا تتكرر هبة الحرافيش مرة أخري. وأخيرا بعد عشرة اجيال كاملة جاء عاشور الناجي الحفيد. مر عاشور بتجربة مريرة للغاية. اختفي فايز أخوه الأكبر من الحارة ذات يوم ثم رجع بعد فترة بثروة طائلة ادعي انه كسبها من التجارة والسمسرة وصدقته الأسرة وانتقلت بفضله من الفقر الي قمة الثراء والوجاهة, لكن بعد فترة انتحر فايز في ظروف غامضة وسرعان ما كشفت التحقيقات أنه كون ثروته من الدعارة وتجارات محرمة وكان يقامر بمبالغ خيالية وإذا خسر يقتل خصمه ويدفنه. وفي آخر مقامرة, قامر بكل ثروته وأملاكه وأملاك الأسرة وخسرها جميعا, ولم يتمكن من قتل خصمه الذي نجي بحياته. ولما أدرك فايز انه علي وشك الافلاس والفضيحة انتحر. هكذا فقدت الأسرة الثروة والكرامة واضطرت الي هجر الحارة والعيش في الضواحي. في الخلاء تأمل عاشور مأساة فايز وتعاسة الحارة وأسطورة الجد عاشور, وتساءل لماذا انتهي سعي عاشور النبيل ورجعت الحارة الي سابق تعاستها. لخص رأيه في حديثه لوالدته: اثنان يشكلان اضعف ما في الانسان: حب المال وحب السيطرة علي العباد. أجل أدرك الحفيد أن عهد جده لم يستمر لأنه لم يكن الا ديكتاتورا عادلا ولم يضع للحارة نظاما يضمن استمرارية الحكم الرشيد. وهكذا في الخلاء كون من الحرافيش قوة اجتاحت الحارة ذات يوم وتحدي الفتوة وهزمه وهكذا رجعت الفتونة الي الحفيد عاشور الناجي. عمل الحفيد علي تمكين الحرافيش ووضع نظام يضمن استمرارية الفتونة بين الحرافيش, وبدأ بنفسه فعاش حياة غاية في البساطة والتقشف وتحقق له أعظم انتصار في الوجود: انتصاره علي نفسه. ختاما: هل قصد نجيب محفوظ من تلك الرواية الرمزية والمتشابكة الأحداث أن يعظنا بأن: الديمقراطية هي الطريق الصحيح للحكم الرشيد؟.. أترك الإجابة للقارئ.