إنشاء مركز تميز بجامعة بنها الأهلية لخدمة المناطق الصناعية بالعبور    انطلاق انتخابات صندوق الرعاية الاجتماعية للعاملين بشركات الكهرباء    ارتفاع اللحوم والزيت.. أسعار السلع الأساسية بالأسواق اليوم (موقع رسمي)    سعر الذهب اليوم السبت 21 يونيو 2025 فى الكويت.. عيار 24 ب33.050 دينار    وزير الري يبحث التعاون في مجال "تحلية المياه للإنتاج الكثيف للغذاء"    إنتاج 97161 متر مكعب يومي من مياه الشرب طور سيناء    انطلاق أعمال الدورة ال51 لوزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي بإسطنبول    سيطرة برازيلية على دور المجموعات بكأس العالم للأندية    "رقم سلبي للأهلي".. مكاسب وخسائر الأندية العربية بعد مرور 8 أيام من كأس العالم للأندية    داس على رأسه.. حادث مأساوي في إحدى مباريات كأس العالم للأندية    من مصر إلى العراق.. احتفال "السيجار" يشعل الموسم الرياضي    انهيار عقارات حدائق القبة | الحماية المدنية تواصل البحث عن مفقودين تحت الأنقاض    حملات تموينية مكثفة على المخابز والأسواق في القليوبية - صور    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    إنجاز طبي بالإسماعيلية.. زراعة قرنية معقدة لسيدة ستينية تحت مظلة التأمين الصحي الشامل    مواعيد مباريات السبت 21 يونيو - صنداونز ضد دورتموند.. وإنتر يواجه أوراوا ريدز    هنا الزاهد تُشعل مواقع التواصل بصورة جديدة مع كرارة وتامر حسني في عمل سينمائي مشترك    وزير الري يبحث "التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء" مع خبراء الجامعة الأمريكية| صور    أسعار النفط تقفز في أسبوع مضطرب مع استمرار التصعيد بين إسرائيل وإيران    نقابة المحامين تقرر الطعن على حكم وقف جمعيتها العمومية    مباريات اليوم.. صدام قوي لصنداونز.. ومواجهة أمريكية خالصة    السومة يدعم هجوم الوداد أمام العين ويوفنتوس    عاجل| سعر الريال السعودي اليوم 21/6/2025 مقابل الجنيه    مسئولة أممية: توسع الصراع الإيراني الإسرائيلي يقود العالم لكارثة    بالاسم ورقم الجلوس.. رابط نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة البحيرة التيرم الثاني    طلاب القسم العلمي بالشهادة الثانوية الأزهرية يؤدون امتحان «الكيمياء»    وزارة الصحة: عيادات البعثة الطبية المصرية استقبلت 56 ألف و700 زيارة من الحجاج المصريين    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 16 فلسطينيا من الخليل    الصحة الإيرانية: 430 قتيلا وأكثر من 3500 مصاب منذ بدء الهجوم الإسرائيلى    الملاجئ ترهق ميزانية إسرائيل..100 مليون شيكل للبناء والتجديد    وزير الخارجية والهجرة يلتقي بمجموعة من رجال الأعمال الأتراك خلال زيارته لإسطنبول    المعهد القومي للأورام يطلق فعالية للتوعية بأورام الدم    قافلة الأزهر الطبية تصل الحوراني بدمياط لعلاج المواطنين بالمجان    قبل فتح باب الترشح.. اعرف المستندات المطلوبة للترشح لانتخابات مجلس النواب    دفعة جديدة من أطباء المعاهد التعليمية تصل مستشفى الشيخ زويد المركزي    تعرف على مصروفات المدارس لجميع المراحل بالعام الدراسي الجديد 2025/2026    آسر ياسين.. سفاح السينما والدراما    «الكتاب الإلكتروني».. المتهم الأول في أزمة القراءة    محمد منير: «ملامحنا» تعبر عن كل إنسان| حوار    قواعد ذهبية للحفظ والتخزين| الغذاء والصيف.. كل لقمة بحساب!    رسميا.. بايرن ميونخ ثاني المتأهلين لدور ال16 من كأس العالم للأندية بعد فوزه على البوكا    سلاح ذو حدين| وراء كل فتنة.. «سوشيال ميديا»    ترامب عبر "تروث": سد النهضة الإثيوبي تم تمويله بغباء من الولايات المتحدة    إصابة ربة منزل وطفلتها على يد شقيق زوجها بسبب خلافات أسرية بسوهاج    روبي تتألق في إطلالة مبهرة قبل صعود حفل افتتاح موازين    كروفورد عن نزال القرن: "في 13 سبتمبر سأخرج منتصرا"    «الصدمة الأولى كانت كريم وابنه».. «أحمد» يروي ما حدث في شارع الموت بمنطقة حدائق القبة    غارة إسرائيلية تستهدف «الناقورة» وتسفر عن قتيل في جنوب لبنان    ترامب عن سد النهضة: بُني بتمويل غبي من الولايات المتحدة    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    تقدم ملموس في الوضع المادي والاجتماعي.. توقعات برج العقرب اليوم 21 يونيو    6 مصابين في تصادم 3 سيارات قبل مطار سفنكس    بالصور- خطوبة مينا أبو الدهب نجم "ولاد الشمس"    جيش الاحتلال: اعتراض طائرة مسيرة فى شمال إسرائيل تم إطلاقها من إيران    "أعملك إيه حيرتنى".. جمهور استوديو "معكم" يتفاعل مع نجل حسن الأسمر "فيديو"    خطيب الجامع الأزهر: الإيمان الصادق والوحدة سبيل عزة الأمة الإسلامية وريادتها    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجيب محفوظ يكتب.. فصلاً عن ثورة «الحرافيش»
نشر في المصري اليوم يوم 29 - 08 - 2014


“لو أن شيئاً يدوم على حال فلم تتعاقب الفصول؟"
جملة وحيدة أفرد لها نجيب محفوظ الجزء الخامس والأربعون من "الحب والقضبان"، القصة الثالثة من الملحمة الساحرة "الحرافيش". متمركزة بين أحداث خروج الفتونة من بيت الناجي واستسلام أحفاده لحياة الوجهاء الرغدة، وكأنه يطمئن القارئ بصوت الحكمة انه لا شئ يدوم على حال، لا القوة والمال ولا حتى الضعف والإفلاس. و كما بهذه الجملة من رقة وعذوبة تنبهنا كلمات الملحمة لتعاقب الفصول ومرور الزمن على ابطالها، فبينما اختفى عاشور الناجي "وفي الجو نسيم رطب"، تصارع شمس الدين عاشور الناجي على الفتونة "وأشعة الشمس تحرق بشرته"، وبينما أتى عزيز إلى الحياة "ونداءات الباعة تتردد بالملانة" فإن زهيرة عانت ولادة عسيرة "عندما وفدت الفلاحات يبشرن بالفيضان ويبعن البلح".
الحارة ثابتة في خلفية باهتة، الزاوية، السبيل، حوض شُرب الدواب والتكية ببابها المغلق دون أهل الحارة، يسكنها الدراويش وتنبعث منها الأناشيد الأعجمية ولا مفسر لمعانيها، لا ندرك التحول إلا بتغيير الفصول… وتتابع الفتوات.
يذهب شيخ الحارة ليحل محله شيخ حارة جديد، ويذهب شيخ الزاوية ليتبعه شيخ آخر لنفس الزاوية، حتى البوظة تتوالى على إدارتها الأسماء لكنها تظل على مر الأجيال بؤرة للشر، تختلف الأسماء مع أجساد اصحابها لكن تتشابه شخصياتهم وتتطابق ادوارهم في الحارة. ومع أن الرواية في الأصل تسرد سيرة سلسال عاشور الناجي وترصد علاقتهم بالفتنوة (تأثراً بها وتأثيراً عليها) إلا ان بطلها الحقيقي هم الحرافيش الذين حملت الراواية اسمهم.
الحرافيش، ملح الأرض الذين دائما ما يقدمون رغيف العيش على كرامتهم، يتبادلون الأماني الصامتة بعودة الفتوة العادل ليحقق حلمهم في لقمة العيش فيهتفون وراء اسمه "اسم الله عليه .. اسم الله عليه"، ثم ينقلبون عليه عندما ينقلب هو على حلم "الناجي" العظيم، فيتخلى عن الفتونة كرها لقوة أو لؤم فتوة آخر أو يتنكر لها طوعا، استسلاما لتقلبات النفوس الأمارة بالسوء، فيذكرون ويلوكون ما بتاريخ عائلته من عهر وفُجر وجنون.
بداية من عاشور الناجي، صاحب حلم النجاة وميثاق الفتونة النقية، التي تؤثر الفقر والبطولة وتشكم السادة والوجهاء. سمي الناجي لأنه لم يكتفِ بتعليمات الحكومة بالتزام البيوت وتجنب الزحام والحفاظ على النظافة عندما ضربت الشوطة حارتهم… بل تبع نداء الشيخ عفرة في حلمه وخرج الى الخلاء بامرأته وطفله فنجوا جميعا وسمي "الناجي". شارك الحرافيش ماتركه أموات الحارة من خير وساعدهم على كسب قوتهم بسواعدهم، وعندما سُجن لتبديده أموال الموتى حافظوا على سيرته معطره بعدله ونصبوه فتوتهم بلا منازع.
كان قلب عاشور نقيا كحلمه بالعدل، نقاءً ورثه لابنه "شمس الدين" فاستطاع ان يواجه وحيداً خوفه من الشيخوخة والضعف، متحصنا بنصرة الضعيف وعدم الاستسلام لأهواء النفس و الدعاء "أن يسبق الأجل خور الرجال".
أهواء النفس التي لم يصمد أمامها سليمان ابنه، فاقتطع من أنصبة الحرافيش ليحافظ على رضى زوجاته ورجاله، مكتفيا بترديد "ما تغيرت، ولن أتغير" لنفسه، ترك أولادة لتربية "بنت السمري" الرغدة المرفهة فخسر آل الناجي الفتونة ليحظى بها "عتريس”.
“عتريس" ومن بعده "الفللي"، واعتاد الحرافيش على الذل والمهانة، فلم يستطيعوا التصدي لمخطط "الفللي" عندما قرر الإطاحة ببارقة الأمل اللامعة من بيت الناجي… "سماحة بكر سليمان شمس الدين الناجي". لم يجد أحدهم في نفسه القوة ليشهد مع "سماحة" على براءته من جريمة القتل الملفقة، فقضى عمره مطارداً هاربا من حكم مؤبد ظالم.
آمن "وحيد" في ذراعه التي سحرها "عاشور" الجد في حلمه، فصرع بها "الفسخاني" وأقوى رجاله، خفقت قلوب الحرافيش بالأمل، لكن لأنه الأمل وحده فلم يمنعه من انتهاج السياسة مع وجهاء الحارة "حتى لا يفلت زمام الفتونة من يده"، فنعم بالثروة واستسلم لتيار الإغراء حتى ضعفت في نفسه أحلام البطولة وعهد عاشور الجد.
يأس الحرافيش وتساءلوا "لماذا لا نشك في الماضي ليرتاح بالنا؟!”
وعندما وثب "جلال عبد ربه" الى الفتونة كان قلبه قد خلى من أي شفقة بهم، مصرحاً لأبيه "انهم يموتون كل يوم وهم مع ذلك راضون"، وفي موقع آخر يكرر "لم لا يسلمون للجوع كما يسلمون للموت؟!”، وانطلق تحت تأثير قوة عمياء جوهرها القلق والخوف من الموت، تبع نصيحة "شاور" الدجال، فاعتزل الحارة سنة كاملة وبنى مئذنة تناطح الريح، بلا مسجد يمنح لوجودها معنى، طامحً في مؤاخاة الجن ليتحصن ضد الموت، والحرافيش لا يفهمون تصرفاته ولكنهم يصبرون عليها. ثم يعللون موته بين علف الدواب وروثهم عارياً بإنه "جزاء إلاهيا لصلفه وتعاليه".
حتى في ذروة قوتهم، بعد أن قضوا على رجال "سماحة"، الفتوة البلطجي والتاجر الجشع، كان هو وحيداً يحاول حماية مخازنه المليئة بالغلال وهم كثير وجوعى، لكنهم تسمروا أمام زجراته، خذلتهم شجاعتهم، كأنهم بحاجة لهتاف "فتح الباب" الشاحب مخلل القدمين : اقذفوه بالطوب. ليقضوا على تاجر الغلال الذي استغل جوعهم محتميا بعصابته.
وفي حين رحل عاشور الناجي الجد تاركا للحرافيش أسطورته تتعاظم وحلم عودته يسكن آلام جوعهم فإن عاشور الناجي الحفيد لم يرتكن الى اسطورة ولم يستسلم لحلم عودة الغائب، بل تساءل عن اسباب فشل سعي جده ولماذا انتكس حلمه النبيل بالعدل؟ فأدرك ان السر في الحرافيش، في قوتهم واتحادهم، في حرصهم على كرامتهم، وأن العدل خير دواء.
فرض على الحرافيش ان يدربوا أبناءهم على الفتونة، وأن يتعيش كل منهم من حرفة أو عمل، انشأ كُتاباً أكبر ليسع أولادهم جميعا، هدم مأذنة "جلال" وأقام العدل.
وفي ساحة التكية رأى بابها الضخم يفتح، ويظهر منه شبح درويش يهمس في أذنه "استعدوا بالمزامير والطبول، غدا سيخرج الشيخ من خلوته، ويشق الحارة بنوره، وسيهب كل فتى نبوتا من الخيرزان وثمرة من التوت"
دوش وقت سحر از غصه نجاتم دارند
واند آن ظلمت شب آب حياتم دارند
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.