المصريون في الخارج يتوافدون للإدلاء بأصواتهم في الدوائر الملغاة    ارتفاع أسعار الذهب في مصر بقيمة 15 جنيهًا    وزير الإسكان يتابع سير العمل بقطاع التخطيط والمشروعات بهيئة المجتمعات العمرانية    النيجر ومالي وبوركينا فاسو.. ثلاثية عسكرية تعيد رسم خرائط القوة في أفريقيا    هآرتس: واشنطن تضغط على إسرائيل لفتح معبر ألنبي أمام مساعدات غزة    رئيس البرلمان العربي يدين بشدة اقتحام قوات الاحتلال لمقر الأونروا بالقدس    خلال لقاء مع زيلينسكي.. البابا ليو يحث على مواصلة الحوار لتحقيق السلام    انخفاض جديد في قيمة محمد صلاح التسويقية بعد أزمة سلوت    رئيسة وزراء اليابان تدعو السكان للاستعداد لاحتمال وقوع زلزال جديد خلال الأيام المقبلة    وائل رياض يعلن قائمة منتخب مصر مواليد 2007    الزمالك: عدي الدباغ أرسل إنذارًا بفسخ تعاقده بسبب مستحقاته المتأخرة    مديرية الطب البيطري بالقاهرة: 2.5 مليون جنيه اعتماد مالي لمحافظة القاهرة لإقامة مركزا إيواء الكلاب جنوب العاصمة    بسبب إلقاء القمامة.. ضبط سيدة ونجلها بتهمة التعدي على جارتهما في المقطم    شيخ الصيادين بالشرقية: مستعد أرمى نفسى للتمساح عشان أنقذ البلد    آيات أباظة: حب الناس كان سر قوتي خلال أصعب 8 شهور في حياتي    إلهام شاهين تشيد بفيلم «القصص» بعد عرضه بمهرجان البحر الأحمر 2025    القائد العام للقوات المسلحة يشهد مناقشة البحث الرئيسي للأكاديمية العسكرية    اتفاقيات لتوسيع الشراكة العلمية والأكاديمية بين مصر وروسيا    بعد إحالته للجنة الشباب بالشيوخ، النص الكامل لتعديلات قانون المهن الرياضية    ضبط شخص بتهم التحريض وإطلاق ألفاظ خارجة على مواقع التواصل    حزب الاتحاد: لقاء الرئيس السيسي مع حفتر يؤكد حرص مصر على استقرار ليبيا    غزة تتصدر حصيلة قتلى الصحافة في 2025... ومراسلون بلا حدود تُدين إسرائيل    رئيس جامعة العاصمة: الدراسة بالفرع الجديد ستبدأ في 2027، و80% من طلاب حلوان يتعلمون مجانا    مدبولي يتفقد مشروع رفع كفاءة مركز تكنولوجيا دباغة الجلود بمدينة الروبيكي    رياضة النواب تهنئ وزير الشباب بفوزه برئاسة لجنة التربية البدنية باليونسكو    اتحاد الكرة يعلن عن اشتراطات الأمن والسلامة والأكواد الطبية في المباريات والتدريبات    صلاح وسلوت.. مدرب ليفربول: أنا مش ضعيف وقلتله أنت مش هتسافر معانا.. فيديو    منال عوض تبحث مع قيادات وزارة الاتصالات عددًا من الملفات    المجر: معدل التضخم يتراجع إلى 3.8% في نوفمبر الماضي في أدنى مستوى له خلال عام    وزارة الاستثمار تبحث فرض إجراءات وقائية على واردات البيليت    أمطار غزيرة وسيول، الأرصاد السعودية تحذر من طقس الساعات المقبلة    قرار عاجل لمواجهة أزمة الكلاب الضالة في القاهرة    تأجيل استئناف «سفاح المعمورة» على حكم إعدامه ل4 يناير    رنا سماحة تُحذر: «الجواز مش عبودية وإذلال.. والأهل لهم دور في حماية بناتهم»    البابا تواضروس الثاني يؤكد وحدة الكنيسة خلال لقائه طلاب مدرسة مارمرقس بسيدني    مراسلة قطاع الأخبار بالرياض: الأعداد تتزايد على لجان الانتخاب في السعودية    تطورات جديدة في الحالة الصحية للفنان تامر حسني.. اعرف التفاصيل    الرعاية الصحية: تقديم 1.3 مليون خدمة طبية وعلاجية بمستشفى الطوارئ بأبو خليفة    فحص 7.4 مليون تلميذ ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    فحص أكثر من 195 ألف طالب ضمن مبادرة "100 مليون صحة" بالمنيا    طريقة عمل بلح البحر بتتبيلة مميزة ولا تقاوم    احذر، هذه العادة كارثية بعد الطعام تدمر الصحة    رئيس اللجنة القضائية: تسجيل عمومية الزمالك يتم بتنظيم كامل    سحب 878 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    المشاط تتسلم جائزة «القيادة الدولية» من معهد «شوازيل» أحد أبرز مراكز الفكر والأبحاث عالميًا    غدا.. بدء عرض فيلم الست بسينما الشعب في 9 محافظات بأسعار مخفضة    قطر تحتفي بالأوبرا المصرية في افتتاح مهرجان الأوبرا العربية بالدوحة    رفع 50 طن قمامة ومخلفات صلبة وأتربة بقرى مركز سوهاج    موعد مباراة برشلونة وفرانكفورت في دوري أبطال أوروبا.. والقنوات الناقلة    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 9ديسمبر2025فى محافظة المنيا    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث التعاون بين البلدين    جعفر بناهي يترشح لجائزة أفضل مخرج في الجولدن جلوبز عن فيلم «كان مجرد حادث»    السكك الحديدية: تطبيق إجراءات السلامة الخاصة بسوء الأحوال الجوية على بعض الخطوط    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا تعمل ?!    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    المستشار القانوني للزمالك: سحب الأرض جاء قبل انتهاء موعد المدة الإضافية    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد أحمد العدوي : الإمام الغائب .. عن عاشور الناجي والحرافيش ( 1 – 3 )
نشر في البديل يوم 07 - 02 - 2012

منذ غاب “عاشور الناجي” في الحرافيش غيبته الكبرى، وتولى الفتونة بعده ابنه “شمس الدين” ثم سليمان بن شمس الدين، ولم أستطيع أن أمنع نفسي من استحضار ذكرى الإمام الغائب عند الشيعة وانتظارهم إياه ليبسط العدل، أو انتظار المهدي الذي سيملأ الدنيا عدلا كما ملئت ظلما عند السنة، وإن كان المهدي المنتظر عند أهل السنة لا يشهد انتظاره احتفاء واحتفالا كبيرين، كما هما لولي العصر وإمام الزمان عند الشيعة، لكنها على أي حال جزء أصيل في تكوين الثقافة الشعبية الإسلامية أيا كانت مدرستها.
زاد هذا الارتباط قوة اختيارُ نجيب محفوظ للمكان حارةً في “الحسين”، ثم أبياتا من ديوان حافظ جعلها أناشيد التكية، ووزعها على امتداد الملحمة الطويلة التي استغرقت عشر حكايات هي ما يقترب من عشرة أجيال كاملة.
عشرة أجيال !!
لا يصح العدد لو صح التوقع !!
ينبغي أن تكون الأجيال اثنا عشر جيلا .. هذا ما كنت سأفعله لو كتبت أنا الحرافيش ..
عدت أعدّ الأجيال التي مرت على سلالة عاشور، فكانت سبعة توقفت عند شمس الدين بن عزيز الذي توفي في الشهر الثامن من العمر، ثم تمت الأجيال الاثني عشر من ذرية زهيرة وزينات ونور الصباح حتى وصلت لعاشور الناجي الذي حمل الاسم والمعنى وجمع الحرافيش وفُتِح لهم باب التكية وخرج لهم منه نور وتوت وأناشيد.
الرقمين سبعة واثني عشر هم الأئمة عند الإسماعيليين الذين حكموا مصر من الشيعة، وعند الاثني عشرية الباقية إلى اليوم في إيران، وهما أكبر فرقتين شيعيتين وبينهما اختلاف يصل إلى العداوة أحيانا.
ما يهمني من هذه الفكرة دون الاستغراق في التأويل أمرين، الأول أن “نجيب محفوظ” بنى روايته على فكرة من خواص الثقافة الإسلامية الشعبية، وانتصر لها أيضا حين جعل العدل متحقق على يد عاشور الناجي الأخير، والثاني أنها جعلت زمان الرواية يتعدى القرون الثلاثة التي استغرقتها أحداثها، إلى قرون أبعد من ذلك بكثير.
وإذا كانت الملحمة قد اجتهدت في تجريد رحلة طويلة لفكرة ومعنى في عقل جماعة محدودة “متغيرة” هم أهل الحارة، فإنها بهذه الرمزية قد وسعت هذه الجماعة في الزمن “وخصصتها” في الحدود، ثم هي مع هذا التجريد تضع الإيمان مكونا راسخا في عقل هذه الجماعة، به تعرف الخير والشر وتقيس الأمور، حين تعتمد الوحي والإلهام والرؤيا (التي اختص بها الصالحون من آل الناجي) دليلا ومرشدا، وتعتمد أناشيد التكية ( التي هي أجزاء من ديوان حافظ شيرازي في العشق الإلهي) قبلة ومنارة تؤنس الساري من هذه السلالة.
بطريقة أخرى أقول إن بطل “الحرافيش” الذي سرنا نرصد تغيره وحركته مع الزمن لم يكن سوى “عقل الجماعة المؤمنة” ومعاني الأشياء فيه، وما يتأثر به هذا العقل من تفاصيل حياة الأشخاص الذين يملؤون فراغ الزمن بأعمارهم، وآمالهم، ورغباتهم.
* * *
كم مرة فنيت الحارة وتغير الناس فيها، كم جيل مر حتى خرج عاشور الأخير .. كم مرة فكر الناس فيما يفقدونه من أمان وعدل .. كم مرة ترحم الناس على عهد عاشور الناجي .. كم وكم .. الجواب كثير، بعدد الأجيال في الرواية على الحقيقة والرمز..
ثم ألم يكن بمقدور الناس اختصار هذا الزمن؟ ..
لعل هناك جوابا سهلا وجاهزا: “لو أنهم ثاروا مبكرين .. أو لو أنهم فعلوا وفعلوا” .. وأي جواب سهل وجاهز هو جواب ناقص بالضرورة .. لأن مثل هذا الجواب يسقط أهمية الزمن الذي هو أداة فاعلة في معادلات الحياة كلها.
الإنسان له عمر مقسوم بين حياته وحياة جماعته التي تحتويه، سواء تعمّد ذلك أو غفل عنه، رضي أو لم يرض فهو في النهاية موزع بين هذين، وبقدر ما يُفْرِغ من حياته “الصالحة” في عمر جماعته، يكون صلاح هذه الجماعة وفسادها.
عقل الجماعة في الرواية ليس هي عقل “العامة والحرافيش” وحدهم، ولا هو عقل “الفتوات” وحدهم، ولا “الخواص” أو “النبلاء” بل هي مجموع هؤلاء جميعا.
والقيمة التي تحركت إليها هذه الرحلة لم تكن الانتصار للعامة على الخاصة ولا للحرافيش على السادة، بل كانت الانتصار للعدل على كل هؤلاء: “إني أحب العدل أكثر مما أحب الحرافيش وأكثر مما أكره الأعيان”.
ثم “عقل هذه الجماعة” ليس سوى نتاج تتابع الأجيال بعضها فوق بعض. فالأجيال التي اكتوت بالظلم في الملحمة كثيرة، وكل جيل لم يخل من محاولة أو محاولات لاستعادة العدل المفقود بصورة ما، لكنها كانت تبوء بالفشل لأسباب كثيرة .. تتراكم الأسباب، سبباً تلو سبب، وتتراكم التجارب، تجربةً تلو تجربة .. وترحل تلك الأجيال التي جربت والتي تربت والتي نقلت – بطبيعة الحال في عالم الأحياء – علامات الحياة التي دُمغت بها إلى جيل جديد فتِيّ مفكر، فهم الرسالة وأحسن قراءة سيرة “آل الناجي” كاملة .. فلم يخطئ أخطاءهم .. حتى تم على يديه ما لم يتم على يدي جده الأول وانفتح لهم باب التكية لتختم الرواية بعبارتها البديعة: ” لا تحزن .. فقد ينفتح الباب يوماً للذين يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة.”
* * *
حين نعرف معنى الأبيات التي اختارها محفوظ ليبدأ بها أناشيده نضع أيدينا على أولى خطوط التجريد التي رسمها لنا .. تقول الأبيات:
اي فروغ ماه حسن از روي رخشان شما
ابروي خوبي از چاه رنخسدان شما
وترجمتها: يا ضوء القمر الجميل من نورك كانت سمعة البئر الطيبة ..
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.