منذ السابع من أكتوبر 2023، يحذر الجنرال الإسرائيلي «الباكي» من خطورة الوضع العسكري داخل المؤسسة العسكرية لبلاده، ويكشف بين فينة وأخرى عن ثغرات تهدد مستقبل إسرائيل، ربما تفوق وتتخطى في قوتها عملية «طوفان الأقصى» الفلسطينية. يتنقل الجنرال إسحاق بريك بين وسائل الإعلام العبرية موجهًا انتقاداته الحادة لنتنياهو ومؤسسته العسكرية، بدعوى أن «إسرائيل تواجه أخطر أزمة بشرية فى تاريخها»، استفحلت خلال العامين الماضيين، حيث نشر «الباكي» مقالا في «معاريف» العبرية، الأحد (30 نوفمبر 2025) أظهر من خلاله أن آلاف الضباط وضباط الصف فى صفوف الجيش الإسرائيلي يتهربون من الخدمة العسكرية بحجج مختلفة، فيما يرفض آخرون تجديد خدمتهم، يوازيه رفض شريحة كبيرة من الإسرائيليين التجنيد فى جيش بلادهم. التخوف الذي يسود «بريك» يعود إلى كونه قائدًا سابقًا للجنة الشكاوى بالجيش، وعلى دراية واطلاع واسع بمجريات الأمور وكواليس ما يدور فى خُلد وغرف قيادات وضباط الجيش الإسرائيلي، خاصة مع هشاشة موقف نتنياهو تجاه الجيش نفسه، وتوجيه السهام له بشأن أحداث «طوفان الأقصى»، نافضًا يديه من نتائج السابع من أكتوبر 2023، يتوازى بدوره مع توجيه اتهامات مستمرة للجيش بإخفاء حصيلة قتلاه، بزعم الحفاظ على الروح المعنوية. يفتقر الجيش الصهيوني، فى هذه الآونة، لتلك الروح، فكثيرًا ما يناقش المعلقون العسكريون فى تل أبيب تراجع العقيدة العسكرية فى إسرائيل، واختلافها البيَّن خلال فترة رئاسة نتنياهو للحكومة، مقارنة بغيره من رؤساء الوزراء الأوُل للكيان الصهيونى، ف«بيبي» يعمل لحساب مصالحه ومصالح حزبه «الليكود» على حساب ما أسماه المعلقون ب«مصالح إسرائيل». تظل مصلحة نتنياهو الخاصة فى تحقيق الأمجاد الشخصية على رأس الاتهامات الموجهة إليه، فالجنرال «بريك» يكيل تلك الاتهامات، بعدما أفرغ الجيش من الكوادر المهنية، واعتمد على التكنولوجيا على حساب العامل البشرى، الذى يبدو أنه فى تراجع مستمر، فى ظل تقصير الخدمة العسكرية، وتقليص القوى البشرية، منوهًا إلى أن الانحفاض الحاد فى جودة تلك القوى لجيش بلاده يعيق تشغيل تلك المنظومات والتقنيات الحديثة وخاصة القتالية منها، ما ينذر بفقدان الجيش قدرته على العمل بشكل كامل. التحذيرات الواحد تلو الآخر، يكررها «الباكى» فى كتاباته، ويؤكدها الكُتّاب الإسرائيليون في تقارير متواصلة على وسائل الإعلام العبرية، التي أولت الاهتمام بذلك خلال العامين الماضيين، وإن نشرت على استحياء؛ فى وقت تتقلص الكوادر العسكرية المحترفة بين صفوف الجيش الصهيوني، وافتقد للرصيد البشرى الاستراتيجى الذي كان يمثله «قوات الاحتياط» بعد عزوف أغلبهم عن الالتحاق بالخدمة العسكرية. الثابت، أن هناك حالة من الاحتقان داخل الجيش على نتنياهو، الرافض لفكرة تجنيد «الحريديم»، والاعتماد فقط على العلمانيين من أبناء بلاده، ما يزيد من الهوة الموجودة فى الأساس بينهم، فلم ينجح «بيبى» فى استمرار «بوتقة الصهر» التى كانت موجودة لعقود منذ تأسيس الكيان فى 1948، متجاهلاً كل التوصيات المقدمة من كبار الجنرالات والعسكريين السابقين، الذين طلبوا منه تحقيق المساواة والالتفات، ولو قليلا نحو الجيش الإسرائيلى الذى تتراجع عقيدته العسكرية، رغم تحقيق بعض النجاحات على أكثر من ساحة وجبهة، ما بين غزة ولبنان وسوريا وإيران، فى وقت يعترف البعض من الإسرائيليين بأنها نجاحات «مؤقتة»، وفترة من الزمن يعود لتيار المقاومة قوته وعنفوانه وقدرته على دحر الاحتلال الإسرائيلي. ◄ اقرأ أيضًا | الاحتلال يستهدف خيمة نازحين في المواصي غرب خان يونس بجنوب قطاع غزة فى مقالات سابقة، كشف «بريك» أن المعدات العسكرية الإسرائيلية لم تكن على قدر المسئولية، وليست بحجم جيش يحارب من أجل البقاء، فأغلب دباباته تعود لحرب «الاستنزاف» ولا يمكن للطائرات والمقاتلات الكافية للحرب على أكثر من جبهة، وهى الجبهات التى لا يجيد التعاطى معها إذا ما اتحدت مع بعضها البعض، كما أن قدراته الاستخباراتية ليست كما كانت فى الماضى، حين اعتُبر «الموساد» من أفضل أجهزة المخابرات حول العالم؛ فحركة صغيرة ممثلة فى «حماس» لا يقارن حجمها العسكرى ولا قوتها البشرية بالجيش الإسرائيلى، تمكنت من خداع هذا الجيش فى عدة ساعات ونجحت فى اختراق دفاعاته الهشة وأجهزة استخباراته الأكثر حداثة. لم يكتفِ «الباكى» بذلك، بل يرسم صوة «قاتمة» للوضع القائم داخل الجيش الإسرائيلى، مشددًا على أن هناك غيابًا للصورة الدقيقة بشأن الوقت الراهن، فكثير من الفجوات والثغرات لم يتم إيجاد حلول ناجعة لها، حتى الآن، مع وجود حالة من التخبط وعدم تنسيق بين وحدات هذا الجيش، بل حذر من وجود «شلل تام» يمكن أن يجتاح المؤسسة العسكرية لبلاده إذا لم تعد عقيدتها القتالية مرة أخرى، وتحدد أهدافها، ويعمل كل قائد عسكرى وزعيم سياسى لصالح تل أبيب وليس من أجل مصالحه الشخصية.