ازدادت في الآونة الأخيرة انتشار الأمراض النفسية حتى تحولت إلي ظاهرة يعاني منها المجتمع في مصر، ولا شك أنه هذه المشكلة لابد أن توضع في مقدمة الأولويات حتي تناقش و تحدد جوانبها جيداً حتي نتمكن م مواجهتها لأنها أصبحت تمثل تهديداً خطير للأفراد و للمجتمع عموما و لكن لا أحد يعرف من المسئول علي انتشار هذه الأمراض بكثرة " مصر الجديدة " التقت بخبراء الطب النفسي للتعرف علي أسباب المرض النفسي.. الدكتور محمد أحمد عويضة أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة الأزهر يفسر ذلك بأن الإنسان في حياته يعاني من العديد من المشاكل ومن آثارها انتشار الأمراض النفسية والتي يمكن تقسيمها إلى مرض عصبي أو ذهني أو نفسي أو عقلي وهناك فروق كبيرة بينهما حيث إن الأمراض العصبية تتصف بأن المريض يشكو من أعراض مثل الأرق والتوتر والانفعال والعصبية وسرعة الاستثارة والإحساس باليأس وفقدان الأمل وغيرها من أحاسيس تعتريه، وهنا المريض يشكو من هذه الأعراض ويعرف أنها أعراض لمرض نفسي وبالتالي يذهب للطبيب طلباً للعلاج، هذا بخلاف المريض العقلي الذي لا يعرف أنه مريض، وإنما يعتقد اعتقادًا جازماً بصحة ما يعانيه من أمراض مثل الهلاوس السمعية والبصرية حيث يسمع أو يرى أشخاصاً غير موجودين أو يرى أحداً يتهامس عليه ويصاب بنوبات هياج أو بنوبات إنزواء، فالمريض يعتقد بصحة هذه الأعراض ولكن يعتقد أنها ناتجة من أعمال الجن وبالتالي يرفض العلاج ويعتقد أن من حوله هم المرضي. ويضيف د. عويضة : في السنوات الأخيرة ازدادت نسبة أعداد المرضي النفسيين وهذه الزيادة زيادة غير حقيقية بمعنى أن نسبة المرض مازالت كما هي ولكن الوعي بالمرض النفسي ازداد في المجتمع وأصبح الأطباء يشخصون أكثر من ذي قبل، ومع هذا فهناك قلة موجودون مازالوا ينظرون للأمراض النفسية على أنها ليست أمراضاً وإنما "مس" من الجان، وقد تكون زيادة حقيقة ويرجع هذا إلي التغيرات الناتجة في نمط الحياة والمعيشة في أنحاء متعددة بشكل عام وفي مصر بشكل خاص. وأكد أن هذا أمر طبيعي يحدث أثناء التحولات الكبري في المجتمع، وللأسف ونحن في الألفية الثالثة مازال المريض ينظر إليه نظرة سيئة وهو ما يطلق عليه بالصحة الاجتماعية للمرضي النفسيين بل والدواء النفسي حيث يوجد الكثير من الأوهام والشائعات حول هؤلاء، موضحاً أن أسباب هذه النظرة ليست حديثاً و إنما ترجع إلي العصور الوسطي عندما كان المريض النفسي لا يعالج و إنما يحرق أو يضرب بالسياط بدعوي تخليص روح من الأرواح الشريرة التي سكنت جسده كما يرجع ذلك أيضاً إلي الصورة الكاريكاتيرية للمريض النفسي في السينما المصرية قديماً مثل أفلام إسماعيل يسن بجملته الشهيرة " ساعة تروح و ساعة تيجي " و التي ما زالت عالقة بأذهان الكثيرين. واستكمل: إن كان يحدث هذا في الحضر لكن الريف المصري يساند المريض النفسي أكبر مساندة اجتماعية من أهل القرية حيث يعتبره الكثير من القرية " رجل بركة " و يفتح له كل الأبواب ليأكل و يشرب، و من أجل هذا أكد أن المريض النفسي يحتاج إلي شبكة متكاملة من الخدمات منها طبية علاجية وخدمات دعم اجتماعي ونفسي يقوم بها الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين من أجل دعمه ومساندته وتأهيله للمجتمع بكل فئاته و أطرافه وإيجاد فرصة عمل مناسبة لحالته النفسية وللأسف نحن نفتقد مثل هذه الشبكات رغم أنها موجودة في الدول المتقدمة.. ويضيف د. نبيل السمالوطي- أستاذ علم الاجتماع: إن الأمراض النفسية انتشرت وسوف يزيد انتشارها نتيجة الظروف الاقتصادية وتفسخ العلاقات الاجتماعية وانهيار نسبة كبيرة من الأسر وتخلي الأسرة عن الترابط الأسري وشعور الأبناء بالأمن داخل الأسرة الذي يعد أهم عوامل الوقاية من هذه الأمراض و كذلك تخلي أجهزة الإعلام عن دورها، علاوة علي ذلك انتشار الفردية والأنانية والنفعية كمعايير تحكم العلاقات بين الناس و كل هذا نتيجة الابتعاد عن المنهج الإلهي أو المنهج الديني في التعامل بين البشر الذي يقوم علي الرحمة والمودة والتكافل والعدالة هذه أمور تزيد من الأعباء والضغوط التي تؤدي إلي انتشار الأمراض النفسية، و أضاف إلي ذلك عاملاً رئيسياً من عوامل انتشار المرض النفسي كالقلق والصراعات النفسية والعصبية وازدواجية الشخصية والتوتر المستمر وهو يؤدي بدوره إلى العنف بكل أشكاله وينتج عنه انتشار الجرائم مثل الإدمان، والمخدرات. ويشير إلى أن هناك نظرة قاسية مازال المجتمع ينظرها لهؤلاء المرضي ولا شك أنها نظرة غير متوازنة وغير علمية فكثير من قطاعات المجتمع تعتبر أن المرض النفسي معادل للجنون أو فقدان العقل، وإذا كان هناك أمراض عضوية هناك أيضا أمراض نفسية لها متخصصون منبهاً يجب علي أي إنسان يشعر بأي عرض من أعراض الأمراض النفسية كالقلق و التوتر والصراع أو المخاوف الشاذة عليه أن يذهب للطبيب للعلاج لأن هذه أمراض لها أسبابها ولها علاجها عند المتخصصين وهم المعرفون بأطباء الأمراض النفسية، ولابد أن يتعاون فيه فريق عمل لا يقتصر علي الطبيب فقط ولكن يجب يكون مع الطبيب أخصائيين اجتماعيين و نفسيين إضافة إلي مؤسسات المجتمع كافة حيث أناشدها بضرورة العمل علي حل مشكلات أفراد المجتمع و خاصة فيما يتعلق بموضوع الدخل العام للفرد الذي أصبح عاملاً من عوامل الإحباط التي يتعرض لها الشباب ، و تسبب له هذه الأمراض كما أكد علي ضرورة الأهتمام بالشيء و الشباب و نشر الثقافة و حثهم علي ممارسة الهوايات التي تحصنهم و تقيهم من الوقوع في مشاكل الأمراض.. ويقول د. هشام كمال - أستاذ الصحة النفسية بجامعة الأزهر أن عدد المرضي النفسيين في مصر وصل إلي نسبة مرتفعة وأعدادهم في تزايد مستمر حتى بلغ عددهم نسبياً حوالي 15% من السكان ، ومقابل هذا لا يوجد عدد أطباء كافي يتبني علاج هؤلاء المرضي لأنه يوجد بالنسبة للأطباء النفسيين في مصر حوالي 800 أو 900 طبيب فقط و منهم حوالي ما يقرب من 450 في الدول العربية أي أنه يوجد في مصر حوالي 400 طبيب نفسي يخدم 80 مليون و هذا غير كافي و بالتالي و من الطبيعي أن تتزايد هذه الأمراض النفسية و يكثر انتشارها لكنه في الوقت نفسه يري أنه قد حدثت طفرة هائلة و ظهرت أدوية حديثة بالنسبة للعلاج النفسي و أنه إلي حد ما و نسبة كبيرة تغيرت نظرة المجتمع لهذا المرض وأصبح علاجه أمرا ميسوراً وأصبح المريض لديه وعي كافٍ وعلي دراية بمرضه. وطالب بأن يكون هناك اهتمام متزايد بعلاج هذه الأمراض المنتشرة للأسف في مجتمعنا ، وطالب بضرورة وجود مراكز رعاية بالقرى حيث تنعدم الخدمة الحكومية للمرضي النفسيين بالقري و المحافظات، مؤكداً أن الدولة عليها مسئولية كبيرة جداً تتمثل في مساعدة المرضي النفسيين بالعلاج وتقديم المساعدات المالية والغذائية لأسرهم وعليها أن تنشئ المزيد والمزيد من المدارس الفكرية التي تحتضن المعاقين علي اختلاف أنواعهم وأن تنشر التوعية الصحية والتربوية من خلال برامج التليفزيون. وأشار إلى أن أهم من ذلك ضرورة عقد مؤتمر يناقش مشكلة المرض النفسي وأسباب انتشاره وكيفية القضاء عليه وأفضل طريقة لرعاية المرضى النفسيين وكيفية التعامل معهم من جميع أفراد المجتمع وأن يحضر المؤتمر رجال الإعلام الذين لهم دور بالغ و رجال الدين أيضاً و كل من يهمه الأمر. واختتم حديثه قائلا: أعتقد أنه إذا حدث ذلك فسوف يكون هناك تغير كلي بالنسبة لهذه الظاهرة.