«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف الأمن شائك..فلا تقربوه!
د. سعد الزنط يكتب:
نشر في صوت الأمة يوم 07 - 11 - 2009

· هناك مساحة ضبابية وخطيرة تفصل ما بين أداء رسالة المؤسسة الأمنية والمسئولية الأخلاقية المتوقعة من جانب المجتمع المدني
· أداء المؤسسة الأمنية «الرسالة» يقابله بالضرورة التزامات من جانب المجتمع المدني «المسئولية الأخلاقية»
بداية دعوني ألخص لكم ما قرأته بجريدتكم تحت عنوان" قضية شائكة" يوم 24/10/2009م والذي يمكن لأي قارئ أن يستنتج أو يتصور خطأً خلاصة محددة مما عرض بالمقال وهي: أن جهاز الشرطة علي وشك الانهيار من هول ما يعانيه ضباطه وأفراده من جوع وسوء تشغيل وجزاءات قاسية وانعدام العدالة فيه وعدم القدرة علي الرفض لهذه الظروف القاسية أو حتي إمكانية تنظيم احتجاج أو تظاهر، بل وصل الأمر إلي حد القهر من جانب القيادات العليا بالوزارة لمرؤوسيهم المساكين مكممي الأفواه في حال الشكوي وقد تم تصويرهم في النهاية بالشياطين، وهم -أي القيادات- مجرد ناقلين لتعليمات السيد الوزير التي تحمل في طياتها التهديد والوعيد، وقد نعت كاتب المقال هذه القيادات بذوي القصور الفكري والثقافي والعلمي الحريصين علي الاستحواذ علي ملايين الجنيهات في نفس الوقت الذي يبلغ متوسط ما يتقاضاه الضابط 500 جنيه شهرياً، الأمر الذي أمسي معه جائعاً وعرضة للانحراف والسقوط والانحطاط الأخلاقي والمسلكي وانتهاءً لشعور الكاتب بالهزيمة الشخصية وتأكده من أن انهيار الأمن قادم لا محالة،ذكر أيضاً بأنه كان هناك أيام الزمن الجميل للشرطة ضباط حرامية ومحتقرون ولكنهم كانوا حرامية جمال عملاً بالمثل:"إن سرقت اسرق جمل"وهي إشارة خاطئة وخطيرة في حق جيل القادة القدوة، كما تكلم عن عدم وجود أمل أو حل،وقد وصف ما يحدث بالانفجار الخلفي للشرطة وصوره باختلاط الزيت بالمياه نتيجة خراب موتورها الذي يحتاج إلي عمرة.
..إلي هنا انتهي الكلام وفهم القصد..ودعني عزيزي القارئ لأن أوضح لك الأمر بشكل علمي بعيدا عن الاسترسال والغوغائية..
أولاً: التعليق علي المقال: واضح أن صاحب القضية مهموم بها ومن حقه كمواطن مصري ولكونه كان يحمل شرف الانتساب لجهاز الشرطة أن يبدي وجهة نظره تجاه مؤسسة لها رسالة سامية ودور مهم، بل وخطير في الحفاظ علي أمن الوطن وأمان المواطن وعلي الدولة ككيان، ولكن للحقيقة فقد استخدم مفردات ولغة خطاب صعبة لا تليق لا مكاناً ولا زماناً ولا به شخصياً ولا بالجهاز الذي انتسب إليه حتي وصل إلي رتبة عميد، فعندما نتكلم عن الأمن في أي وطن فنحن نتعرض لرمز ولهيبة دولة يجب أن تحترم ولا يجب أن نسمح بتناول هذه القضية بهذا الشكل، فهناك أساليب وأدوات وأماكن وقنوات خاصة يمكننا إثارتها ومناقشتها من خلالها نظراً لحساسية وخطورة الأمر خاصة في ظل ظروف ومعطيات أمنية معقدة وشائكة نكابدها حسبما سيرد لاحقاً، هذا فضلاً عن المفردات واللغة المستخدمتين بمستوي لا يليق مطلقا بأصحاب رسالة ولا بمن شارك في حملها، لأن في ذلك قمة التخلي عن المسئولية الأخلاقية التي هي في الحقيقة جوهر العلاقة التي نعرضها للتصدع والانهيار بقصد أو عن غير قصد.
ثانياً: أثر المقالات والبرامج الحوارية المشابهة في توسيع الفجوة التي تفصل بين المؤسسة الأمنية والمجتمع المدني والمسئولية الأخلاقية تجاهها:
(1) تحليل العلاقة: فلا شك أن مثل هذا المقال وما يسببه من إثارة اللغط لدي المواطن العادي وما يترتب عليه من خلق صورة ذهنية قاتمة وظالمة عن المؤسسة الأمنية قد أسهم في تعميق الفجوة التي تفصل بين الشعب والمؤسسة الأمنية، بل إنها زادت من حالة الاحتقان والاستنفار لدي البعض ممن لديهم جهل بحقيقة رسالة جهاز الشرطة.. ونعتقد أنها فرصة لتناول هذه العلاقة التي أصيبت بمقتل خلال السنوات القليلة الماضية بشيء من التحليل لتشخيص الحالة والمتوقع أن تصل إليه من نتائج خطيرة علي المجتمع المدني أولاً وعلي المؤسسة الأمنية.
1- علاقة المجتمع المدني والمؤسسة الأمنية:.. كنا قد تطرقنا في مقالات سابقة قدمناها إلي موضوع جديد وهام وهو ضرورة إعادة هندسة الرؤي الاستراتيجية للقيادات الأمنية علي أساس أن ذلك قد أصبح موضوعاً ملحاً قد نتمكن من خلاله من تقديم مداخل وآليات وأدوات جديدة تساعد ضابط الشرطة علي مقابلة متطلبات المرحلة الصعبة التي يعاني من مفرداتها سواء المهنية أو الإنسانية دون الاستدراج إلي منطقة الخطأ.
وقدمنا لهذا الطرح،بأن فلسفة رؤيتنا الشخصية باختصار تكمن في أن هناك منظومة للأداء الأمني جديدة تتكون من رسالة يقابلها مسئولية أخلاقية، بمعني أوسع فإن أداء المؤسسة الأمنية "الرسالة" يقابلها بالضرورة التزامات من جانب المجتمع المدني "المسئولية الأخلاقية" هذه الرسالة تستهدف تحقيق أمن وطن وأمان مواطن وهيبة دولة، أما المسئولية الأخلاقية فهي تفرض التزاماً أخلاقياً من جانب عناصر المجتمع المدني المتمثلة في هيئاته ومنظماته والمؤسسات والهيئات الحكومية وأفراد المجتمع "الشعب".. وقد توصلنا إلي أن هناك مساحة ضبابية وخطيرة تفصل ما بين أداء رسالة المؤسسة الأمنية والمسئولية الأخلاقية المتوقعة من جانب المجتمع المدني، يسهم في صنعها أربعة أسباب رئيسية، ثلاثة منها تقع مسبباتها خارج المؤسسة وتتمثل في الإعلام السلبي ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية وبيئة ومناخ العمل الأمني الجديد أما السبب الرابع فيتمثل في تعليمات وزارة الداخلية وقراراتها ذات الأطر الإنسانية الضيقة وغير المرنة المضطرة لها.
وقد أوضحنا أن الأسباب الثلاثة الأولي يترتب عليها ثلاثة أهداف تتمثل في استدراج رجال الأمن لدائرة الخطأ والمساءلة - استعداء الشعب علي مؤسسته الأمنية بكل قطاعاتها - كسر هيبة الشرطة كآخر أهم الدوائر التي لم تخترق للآن في الوطن. بينما استهدف السبب الأخير المتعلق بالمؤسسة الأمنية تحقيق استمرارية التمسك بالدور والرسالة للمؤسسة - الحفاظ علي كيان المؤسسة ذاتها ومن ثم كرامتها وكرامة منسوبيها - الحفاظ علي هيبة الدولة.
وقد تلاحظ لنا أن النتيجة الحتمية لما اُستهدف من الأسباب الثلاثة الأولي هو أن الضابط قد يتحول بمسلكه الوظيفي إلي مجرد بشكاتب أو محولجي ويصاب بالخوف والإحباط والتردد ويميل إلي سياسة التصعيد وعدم الرغبة أو القدرة علي اتخاذ القرار أما النتيجة الحتمية المتوقعة للسبب الرابع فهي المزيد من الضغط علي الضابط في الوقت الذي يحتاج فيه وبشدة إلي التمكين في نفسه وأسرته وبيئة عمله ومجتمعه.. وأمام هذه النتائج المعقدة والمجهضة تكون الحاجة ماسة للبحث عن أدوات وآليات جديدة ومقبولة فنياً وأخلاقياً نطور بها الأداء.. أي إعادة هندسة وصياغة الدور للضابط عن طريق ثلاثة محاور رئيسية،نقترحها علي المؤسسة الأمنية وهي:
* توافر رؤية استراتيجية ووعي بالمستجدات التي طرأت علي المناخ العام للوطن وأثر ذلك علي المناخ الأمني بالضرورة خاصة شقيه السياسي والجنائي "الوعي الاستراتيجي للضابط ".
* تقديم مجموعة من المهارات والقدرات الجديدة والآليات والأدوات المستحدثة التي توضع في إطار أخلاقي أي "مقومات صناعة القادة الملائمين للمرحلة ".
* تنشيط دور الإعلام الأمني تجاه تنبيه المجتمع لخطورة ما يحدث وتفعيل التواصل الإيجابي معه. أي " تحديث وتنشيط الإعلام الأمني ".
هذه المحاور الثلاثة نتوقع أن تؤدي إلي شيوع ثقافة أداء جديدة تحت مسمي أو مفهوم "دبلوماسية العمل الأمني" والتي نحاول من خلالها المواءمة ما بين أمانة الرسالة ومهارة الأداء. والإجابة المبدئية علي سؤال هام ذي صلة بالموضوع وهو: كيف تسهم في إعادة ضبط أطر منظومة الأداء الأمني من منظور إداري؟:
ونري انه وقبل الخوض في تقديم أي مساهمة علينا أن نتفهم حقيقة العلاقة بين المؤسسة الأمنية والمجتمع المدني والمستوي الذي وصل إليه وإدراك الفجوة التي تفصل بينهما وتزداد مع الأيام وذلك من خلال استيعاب السطور السابقة،ونكمله بتحليل آخر أكثر تطورا يلقي الضوء علي مساحة أكبر وأخطر في خريطة توصيف وتشخيص ما نحن فيه،حتي نتمكن من فهم هذا الملف الشائك - ملف الأمن -هذا التحليل يغطي العلاقة بين تطور المجتمع وتطور الجريمة وهو واقع غاب كثيرا عن معظم من يتناول هذه القضية رغم أهميته.
(ب)تحليل العلاقة بين تطور المجتمع وتطور الجريمة.
أ- تطور الجريمة المعاصرة:
لقد تطورت الجريمة تماشياً مع الإفرازات الجديدة لحياة السرعة وما تحمل في طياتها من اختلاف البيئة والظروف والانعكاسات الخطيرة لهذا التطور الجنوني والهائل من خلال ازدياد مساحة الاتصال ونقاطه بين الأفراد والمجتمعات والقوميات علي اختلاف أشكالها ومعتقداتها.
إن أحد أسباب تطور ظاهرة الجريمة هي ظاهرة العولمة بما تحمله من تجاوز الحدود الجغرافية للدول والتي تجعل من النشاط - أياً كان - سريع الانتشار وسهل التحقيق وخاصة بفكر إجرامي يؤدي إلي اقتراف الجريمة في ظل التقدم والتطور التقني الهائل وعولمة النظم المصرفية والمالية وظهور الجرائم المعلوماتية وقرصنة الأموال.
هذا التطور للجريمة يستتبع بالضرورة تطور أساليب البحث الجنائي في التحقيق والإثبات والدراسة النفسية الواعية للوصول إلي تشكيل صورة كاملة عن الجريمة وأركانها وإظهار القصد الجرمي ووصف الجريمة للوصول إلي الحقيقة كمطلب عام والارتقاء بأساليب البحث الجنائي المتطور إلي التطبيق الأمثل كمطلب خاص وذلك للحد من الجريمة كإحدي أدوات معالجة ومكافحة الجريمة قبل وقوعها تماشياً مع سرعة تطور فكر الجريمة.
أيضا هناك مجموعة من الملاحظات منها أن هناك ظاهرة إجرامية أصبحت ذات امتداد عالمي، وأن هناك علاقة سبب وأثر بين العولمة وهذا التطور، ومنها أن هذا الوضع يرتبط بوجود أزمة قانونية، تتعلق بمصداقية القانون وبفعاليته.
أضف إلي ذلك أن هناك عجزا عن إقرار قواعد قانونية وتوفير ضمانات مؤسسية تكافئ التحديات التي تفرضها العولمة.
وقد تسببت هذه الأزمة في تراجع الوظيفة الأصلية التي تمثل أساس القانون الجنائي ومبرر وجوده، وهي الحد من العنف سواء كان ناتجا عن الجرائم نفسها أو ناشئا من ردود الأفعال عليها، وهو ما يعني الوقاية من الجريمة، من جهة، وتجنب العقوبات المفرطة وغير القانونية من جهة أخري.
ب- خصوصية الإجرام المعاصر:
في عالم الجريمة التقليدي يأتي الاعتداء علي الحقوق والممتلكات عادة من أفراد علي هامش المجتمع أو عصابات معزولة، ولتحقيق الكفاية غالبا.أما اليوم فإن الإجرام الذي يمثل التهديد الأكبر لاستتباب أمن المجتمعات والأمم والتحدي الأبرز لتشريعاتها ومؤسساتها هو ما يسميه فيراجولي "إجرام السلطة"، وهو صنف من الجريمة غير هامشي ولا استثنائي لأنه، خلافا للجريمة التقليدية، متجذر في مركز المجتمعات المعاصرة ويتحكم في مفاصلها.
وتنتمي إلي عالم الجريمة المنظمة التي تمارس من موقع السلطة، أو بالقرب منها، ثلاث فئات متميزة من حيث طبيعتها رغم أنها تكرس، في حالات كثيرة، تداخل المصالح وتواطؤ المواقف بين سلطان الجريمة المنظمة ونفوذها وبين انحرافات وجرائم السلطة سياسية كانت أو اقتصادية.
الأولي: قوي الجريمة المنظمة:هذه المنظمات وجدت دائما، لكنها اليوم حققت تطورا مذهلا علي مستوي الانتشار والتأثير كما أصبح لها وزن مالي هائل جعل أنشطتها ضمن طليعة قطاعات الاقتصاد العالمي الأكثر مردودية.
ولا ينطوي هذا التأكيد علي أي مبالغة، فقد قدر الباحث الفرنسي جان دو مايار قبل سنوات أن حجم الأعمال المرتبطة بغسيل الأموال يبلغ سنويا ما بين 800 إلي 2000 بليون دولار.
إنما المفارقة أن هذه الأرباح الضخمة تتحقق نتيجة لاستغلال أكثر الأوضاع بؤسا، وهو ما يتجلي في سيطرة عصابات المافيا علي سوق المخدرات واستخدامها البشع لجيوش من صغار الموزعين، فضلا عن استغلالها للبؤس المعنوي للمدمنين.
والشيء نفسه يمكن أن يقال عن متاجرة مافيا الهجرة السرية بأحلام العاطلين، وتلاعب جماعات الإرهاب العابر للأوطان بعواطف الشباب المتمرد.والملاحظ في أغلب هذه الحالات أن هناك فرزا طبقيا تستغل "النخب" الإجرامية بمقتضاه بؤس وخصاصة وهامشية عالم الجريمة الصغيرة وتقوم بتوظيفه لتعظيم أرباحها.
الثانية: النفوذ الاقتصادي العابر للحدود:ويتجسد هذا النوع من الجريمة -الذي يمثل بامتياز أثرا مباشرا لظاهرة العولمة بما تعنيه من فراغ في القانون العام- عبر صيغ مختلفة من الفساد والعدوان علي الحقوق الاجتماعية واغتصاب الموارد الطبيعية وتدمير البيئة.
الثالثة: إجرام السلطات العمومية:وهو أكثر هذه الفئات تعقيدا وتنوعا فهناك الارتباط الوثيق بين هذه السلطات وقوي الجريمة الاقتصادية السابق ذكرها، وللجماعات الإرهابية دائما تحالفاتها المعروفة أو الخفية مع الأنظمة السياسية وأجهزة الاستخبارات.
بل إن أنشطتها تخدم في حالات كثيرة الأجندة السياسية للأنظمة التي تدعي مواجهتها، وهناك الظهور المتواتر لأشكال قديمة متجددة من الفساد واستغلال السلطة.ويعني ذلك حصول تحول في الخلفية الاجتماعية للظاهرة الإجرامية، علي الأقل في مستوياتها "العليا"، حيث لم تعد "الطبقات الخطيرة" هي تلك الأكثر فقرا وهامشية، وإنما "النخب" المتحكمة سياسيا واقتصاديا، وغدت الأولي خاضعة للثانية التي ترعي كل نزوع إجرامي وتستغله لحسابها.
كما أن الصيغ الجديدة للجريمة أضحت تمثل عدوانا جديا علي مصالح أساسية فردية وجماعية لأن الأمر تحول من انحراف أفراد معزولين وعاجزين إلي إجرام واسع النفوذ يتمتع بمستوي غير مسبوق من الحصانة ضد العقوبة وقدرة فائقة علي الابتزاز تتناسب مع تزايد قوة المنظمات الإجرامية وتوثق صلاتها بالسلطات العمومية.
ج - ملامح أزمة السياسة الجنائية لم يكن تطور الجريمة وتمكن تأثيرها في المجتمعات المعاصرة والعجز عن التصدي لها ليكون علي النحو الذي هو عليه الآن لولا الخلل في أدوات حماية المجتمع من الجريمة، وفي مقدمتها القانون الجنائي الذي بات يعاني من التضخم التشريعي وترهل الأجهزة القضائية وشيوع الحلول الظرفية ذات المنحي الديماغوجي.
ولا شك أن مثل هذه الحلول حرفت مفهوم الأمن واختزلته في مطلب الحفاظ علي النظام العام اعتمادا علي مقاربات أمنية وجنائية طبقية وقاصرة، مما أدي إلي استنزاف طاقات الجهاز القضائي في ملاحقة الجريمة الصغيرة والهامشية وصرفه عن الاهتمام بتعقب الإجرام الأكثر خطورة والذي يتصرف من مواقع السلطة والسطوة والنفوذ.
وهذا بدوره مثل إخلالا مكشوفا بالترتيب المنطقي للأولويات وتجاهلا غير مقبول لحقيقة أن مقاربة الجريمة الصغيرة من المنظور الجنائي حصرا إنما تؤدي إلي تغذية الأوهام حول الفاعلية المطلقة للردع العقابي، في الوقت الذي تعفي فيه الدولة وسلطاتها والمجتمع ومؤسساته من أعباء البحث عن حلول بنيوية للأزمات الاجتماعية التي تنتج هذا الصنف من الجريمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.