قامت الدنيا ولم تقعد بسبب مقال نشرته الكاتبة السعودية والمذيعة بقناة الحرة نادين البدير في جريدة المصري اليوم بعنوان " أنا وأزواجي الأربعة " طالبت فيه بتعدد الأزواج للمرأة الواحدة أسوة بتعدد الزوجات الذي يجيزه الإسلام للرجل، وقد وصفها عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع ب"الضالة المضلة" مشيراً إلي أن ما قالته حول مساواة المرأة بالرجل والزواج من أربع رجال لم تجمع عليه الأمة الإسلامية. ويعتبر موضوع تعدد الزوجات من الموضوعات التي تثار للتشكيك في الإسلام، وقد ورد في قوله تعالي: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيتَامَي فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَي وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَىْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَي أَلاَّ تَعُولُواْ) النساء3 ، وهو الموضع الوحيد الذي ورد فيه ذكر هذا الموضوع ونلاحظ أن السياق العام الذي ورد فيه تعدد الزوجات مرتبط بالأرامل ذوات الأيتام. الغرض من الآية والأصل" قسط " في اللسان العربي يدل علي معنيين متضادين ففي المعني الأول هو "العدل" كما في قوله تعالي: ( إِنَّ اللّهَ يحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) المائدة 42، والمعني الثاني " الظلم " كقوله تعالي: ( وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ) الجن 15، وكذلك الأصل"عدل" له معنيان متضادان الأول " استواء " والآخر "اعوجاج"، وهناك فرق بين القسط والعدل فالقسط يكون من طرف واحد لطرف آخر والعدل من طرف واحد بين طرفين. لقد بدأت سورة النساء بدعوة الناس إلي تقوي ربهم وبدعوتهم إلي صلة الأرحام من منطلق إنساني ثم ينتقل الحديث عن اليتامي والأمر بإيتائهم أموالهم في الآية الثانية، ثم الأمر بنكاح ما طاب من النساء مثني وثلاث ورباع في حالة واحدة فقط هي الخوف من عدم القسط في اليتامي في الآية الثالثة. واليتيم في اللسان العربي هو القاصر دون سن البلوغ الذي فقد أباه ومازالت أمه حية، كما في قوله تعالي: (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا ً) الكهف82 ، ونحن هنا أمام أيتام فقدوا آباءهم، يريدنا تعالي أن نقسط فيهم وننمي أموالهم وندفعها إليهم بعد أن يبلغوا أشدهم وفي هذه الحال جاءت الآية بالحل أي بالزواج من أمهاتهم الأرامل والخطاب موجه إلي المتزوجين من واحدة وعندهم أولاد، إذ لا محل في التعددية لعازب بدلالة أن الآية بدأت بالاثنتين وانتهت بالأربع (مَثْنَي وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)، وقد اشترط الله تعالي للتعددية أن تكون الزوجة بعد الأولي أرملة ذات أولاد، وأن يتحقق الخوف من عدم الإقساط إلي اليتامي، ويلغي الأمر بالتعددية في حال عدم تحقق أحد الشرطين. ونجد في قوله تعالي (مَا طَابَ لَكُم) اشارة خاصة بالنساء الأرامل ذوات الأولاد واللائي أصبحن مضطرات إلي القبول بأي خاطب يتقدم إليهن وكأن المقصود " ما طاب من خاطر النساء ومشاعرهن نحوكم " وهنا يشير سبحانه وتعالي إلي طيب النفس عندهن مراعاة وتقديراً لهن، كما نجد أن التوجه الإنساني في الآية لا يعني اضطرار من لايملك قوت أولاده وأسرته الأولي أن يضيف اليهم زوجة ثانية وأيتامها، فيقع في العول ويصبح موزع النفس بين أولاده وبين واجبه تجاه اليتامي الوافدين، مما قد يوقعه في عدم العدل بينهم، وقد قيل إن قوله تعالي(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً) يعني عدم العدل بين الزوجات في العلاقات الزوجية، ولكن السياق يشير الي التعددية بمفهومها الاجتماعي الإنساني وليس بمفهومها الجنسي، ويدور حول اليتامي والبر بهم والقسط فيهم والعدل بينهم. إن من الخطأ أن نفصل مسألة التعددية عن الهدف الأساسي في الأمر الإلهي بالتعددية وهو اليتامي، ونجعل منها مسألة تطلق يد الرجل بالزواج متي شاء مثني وثلاث ورباع في مجتمع يتوازن فيه تقريباً عدد الذكور والإناث، ومن الخطأ أيضاً ابتداع مبررات للرجل تسمح له بالتعددية مثل عدم إنجاب المرأة مع أن عدم الانجاب يصيب الرجل أيضاً، ومثل إن عجزت المرأة عن القيام بدورها كزوجة بسبب المرض الطويل، وماذا لو كان الرجل هو العاجز المريض؟ فهل يجوز للمرأة أن تتزوج عليه؟ ان ما يسري علي المرأة انسانيا يسري علي الرجل والحل لابد ان يكون عادلا وشاملا لهما لا أن ينحاز لأحدهما جائراً علي حق الأخر . إن التعددية الزوجية تاتي حلاً لمشكلة اجتماعية إنسانية قد تقع وقد لا تقع، بدلالة قوله تعالي (فَإِنْ خِفْتُمْ) فقد كانت التعددية منتشرة دون حدود أو شروط ثم جاء القرآن الكريم ليحددها بأربع وليضع لها شروطاً وليجعل منها حلاً يلجأ إليه المجتمع لا علاقة له بالحلال والحرام، وفي ذلك مراعاة للواقع يتيح للمجتمع أن يقرر متي يأخذ بهذا الحل ومتي يتركه. تشريع قرآني والموضوع لا يرجع الي اجماع الأمة من عدمه وانما يرجع الي تشريع الله تعالي في القرآن الكريم، والسؤال هو هل يباح تعدد الأزواج بالنسبة للمرأة مثل الرجل؟ أم حرم ذلك عليها؟، قال تعالي: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلاَّ عَلَي أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيرُ مَلُومِينَ) المؤمنون 5-6، ان حرف (أَوْ) في (إِلاَّ عَلَي أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُهُمْ) هو للتخيير لأن الرجل سمح له بالتعدد في الآية 3 من سورة النساء، أما الجمع بين الزوجة وملك اليمين فلا يجوز لأن نكاح ملك اليمين هو لتحقيق الإحصان وهو محصن بالزواج، وفي قوله تعالي: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيكُمْ فِيمَا تَرَاضَيتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء 24، وفي الآية السابقة لها يذكر محرمات النكاح علي الرجل من النساء بقوله تعالي (حُرِّمَتْ عَلَيكُمْ) وختمهم بذكر (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء) والإحصان للنساء في الخطاب القرآني اما أنه إحصان عفة وأخلاق كما في قوله تعالي: (والذين يرمون المحصنات) النور 4، أو إحصان زواج كما في قوله تعالي: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَينَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَي الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) من الآية 25 من سورة النساء، والمحصنات في محارم النكاح غير مقصود بهن إحصان العفة والأخلاق لأنهن عفيفات مباح نكاحهن، مما يدل علي أن المقصود بكلمة (وَالْمُحْصَنَاتُ) في آية تحريم النكاح هن النساء المتزوجات مما يؤكد حرمة تعدد نكاح الرجال بالنسبة للمرأة وذلك قياساً علي تحريم نكاح المتزوجة علي الرجال, أما جملة (إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيمَانُكُمْ) فالاستثناء عائد إلي بداية الآية (حُرِّمَتْ عَلَيكُمْ) وليس إلي (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء)، قال تعالي: (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) من الآية 25 من سورة النساء، ونجد الإحصان للنساء يعني عدم تعدد نكاح أكثر من رجل لها في وقت واحد وتحريم عملية الانتقال من رجل إلي آخر فالسفاح هو الانتقال وتعدد النكاح للمرأة من قبل الرجال لذلك يحرم علي النساء التعدد في نكاحهن للرجال. العدل وتوجد ملاحظة علي الرأي الذي يقول بعدم وجود حد أعلي لنكاح النساء وإنما هو أمر مرتبط بتحقيق العدل بينهن وهذا يختلف من رجل إلي آخر ، نقول لو كان هذا هو الهدف من الآية لانتهت عند (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء) ولا يوجد حاجة إلي ذكر (مَثْنَي وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) لأن الأولي أفادت الإطلاق فإذا قلنا بمفهوم الإطلاق صارت (مَثْنَي وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) حشواً ونستطيع أن نستغني عنها وهذا اللغو منزه عنه القرآن الكريم. ولعل أفضل مثال لنا هو النبي محمد الذي تزوج من زوجة واحدة، خديجة، طوال فترة حياته وحتي توفاها الله وأنجب كل أطفاله منها ما عدا طفل واحد، وهذا معناه أن النبي كان متزوجا من زوجة واحدة فقط من وقت شبابه في الخامسة والعشرين وحتي سن الخمسين وفي خلال الثلاثة عشرة المتبقية من حياته كان متزوجا من أرامل أمهات اليتامي كما أنه عليه الصلاة والسلام تزوج في أربع حالات أخري زواجا خاصا ففي المجتمع الذي عاش به النبي كان زواجه من السيدتين عائشة وحفصة بنات أصحابه أبو بكر وعمر زواجا سياسيا ليوطد العلاقات العائلية المتوارثة في هذا المجتمع بينما كان زواجه من السيدة ماريا القبطية والتي أرسلت إليه كهدية من حاكم مصر حينذاك فأعتقها من العبودية وتزوجها، وزواجه من السيدة جويرية بنت الحارث وكانت من جملة السبي يوم غزوة بني المصطلق وهي ابنة واحد من عظمائهم، وعلم الناس فقالوا أصهار رسول الله وأعتقوا ما بأيديهم نحو مائة من بني المصطلق من السبي. وفي النهاية اعتبر البعض أن القدرة المادية في الانفاق لدي الرجل- عند الكثيرين - هي المقياس للزواج والعدل لأكثر من زوجة وهي امتداد للفكرة القديمة الخاصة بالاستعباد والزواج من الاماء وهنا تنتفي العدالة مثلما ينتفي ما يخص المودة والرحمة بينهما عندما يتشتت تركيز ومجهود الزوج بين أكثر من امرأة، والله المستعان.