ومثل هذه الخرافات تلمع علي السطح من وقت لآخر خاصة في ظل غياب المؤسسات الدينية عن المجتمع وتسطيح المفاهيم الإسلامية علي ألسن الجهلاء في الفضائيات المصرية في برامجها التي لا تهدف إلا إلي للربح. وهذه الأسباب جعلت شابا في الثلاثين من عمره من قرية الصبيحي الغربي بمركز يوسف الصديق بالفيوم حاصل علي دبلوم تجارة يدعي انه المهدي المنتظر وانه تعرف علي المسيح الدجال وان لديه جيشا من الملائكة ويعلم الكثير من الحقائق الخافية الغريب ان اسرته مقتنعة بأقواله. الشاب يدعي محمد عبدالتواب رمضان 33 سنة ويقول انه واسرته من ذرية الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وان جدهم الأكبر هو الإمام الحسن بن علي. حصل أحمد علي دبلوم التجارة وعمل في الفلاحة وفجأة توقف عن العمل وشعر بضيق وتعب منذ سنتين ويقول انه في ذلك الوقت رأي رؤيا ان ابواب السماء تفتح له ورأي نجوما وشموسا وبعدما استيقظ وجد ملاكاً يحدثه بأنه الشيخ "محمود" وانه جاء ليعاونه علي محاربة الفساد في الدنيا ويقول انه بشرني بأنني المهدي المنتظر وان الفساد سينتهي من الدنيا وسنحرر القدس والعراق وكانت البشري الكبري عندما كشفوا لي عن حقيقة المسيح الدجال وهو عمي. وأخبروني انه من نسل فرعون وانه ليس عمي وليس من ذرية الحسن.. وعن صحة انه المهدي المنتظر استشهد بخطبة لاحد الدعاة تنطبق عليه حول علامات الساعة وصفات المهدي المنتظر مؤكدا ان هذه الصفقات تخصه•محمد هو الأخ الأكبر بين اشقائه الثمانية فأسرته مكونة من الأب والأم و5 بنات و4 ذكور السمة الغالبة عليهم جميعا عندما تجلس معهم هي اهتزاز يدهم اليمني باستمرار دون انقطاع ولم يتزوج أي منهم واشار إلي أن هذا بفعل الجان الذي يسلطه عليهم المسيح الدجال ليؤذيهم ولا تتكاثر ذريتهم كما اكد ان منزله هو أفضل مكان في العالم يمكن ان تستريح فيه النفس البشرية وان تحته كنزا يكفي الدنيا كلها ويفيض ولكن لم يأت وقت فتحه.. محمد لم يخف جهله قائلا أنا أمي ولا احفظ شيئا من القرآن. تؤكد د. هدي الشناوي أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن انتشار الأفكار الشاذة والدعوات الغريبة في السنوات الأخيرة في المجتمع المصري يرجع إلي أسباب متعددة ومتنوعة منها الصعوبات والضغوط العصبية التي يعانيها الغالبية العظمي من المواطنين بسبب الظروف الاقتصادية وتدني مستوي المعيشة والغلاء الذي طال كل فئات المجتمع باستثناء الطبقة المرفهة التي تزايدت الفجوة بينها وبين الطبقات الأخري التي تلاشت تماماً وأصبحت تحت خط الفقر. وتضيف فليس من الغريب أن نفاجأ كل فترة بأحد الأشخاص يدعي النبوة ويكون مجموعة من المريدين يروجون لأفكاره ومعتقداته خاصة إذا كانت هذه المجموعة ستكون أول المستفيدين من وراء مدعي النبوة وإن كان البعض من هؤلاء المريدين يحاول الهروب من جحيم الحياة التي يعيشونها والظلم الاجتماعي الذي يرزخون تحت وطأته وبطش أصحاب السلطة والنفوذ بطموحاتهم وحقوقهم المشروعة في الحياة. وتذكر أن غياب دور المؤسسات الدينية الكبري وفي مقدمتها الأزهر الشريف كان وراء جهل الناس وسطحية فكرهم الديني والعقائدي وهيأ المناخ والأجواء لكثير من مدعي النبوة للظهور في المجتمع والطعن في أصول كثيرة في العقيدة بالإضافة إلي غياب الخطاب الديني المواكب لتطورات الحياة، واعتلاء المنابر من قبل خطباء غير مؤهلين علي الإطلاق واختزالهم لقضايا الدين في العبادات فقط والحديث عن الجنة والنار في الوقت الذي يعاني فيه المجتمع من الانحلال الأخلاقي وسوء المعاملات، مشيرة إلي أن وزارة الأوقاف تهاونت في النظر بجدية إلي إعادة هيكلة الخطباء والدعاة وتجاهلت أيضاً في إعداد الدعاة تكوين هيكل مستنير قادر علي التوعية وقيادة المجتمع إلي الوصول إلي الفكر الديني السليم المعتدل والمتزن. وتطالب د. هدي الشناوي القائمين علي شئون الأزهر الشريف - باعتباره أكبر مؤسسة دينية في مصر والشرق الأوسط وقبلة الدول الإسلامية في العلم والفكر. بينما يري د. قدري حفني أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة أن قضية ادعاء النبوة في العصر الحديث ليست جديدة والغالبية العظمي من هؤلاء الأشخاص الذين يدعون النبوة مصابون باضطراب عقلي وينبغي أن تكون هناك وقفة جادة من رجال القانون ومجلس الشعب لتجريم وتشديد العقوبة علي هؤلاء المدعين خاصة أن معرفة الجميع بالعقوبات الهزيلة التي تنتظر هؤلاء والذي أقرها القانون تجعل البعض يتجرأ ويستمرئ أن يشذ عن المجتمع ويظهر أنه درويش أو شيخ مكشوف عنه الحجاب أو أنه مبروك حتي تصل بهم الجلالة والأفكار الشيطانية لادعاء نزول الوحي عليهم بأفكار ومعتقدات جديدة يجب توصيلها للناس.. وللأسف الشديد هؤلاء الأشخاص يجدون من يتلقي ويسمع وينصاع لهم من أفراد المجتمع. ويرفض د. حفني أن تكون الأزمات والمشاكل التي يعيشها المجتمع وراء انتشار هذه الأفكار والبدع، مؤكداً أن هذه الظاهرة نسمع عنها في السويد والنرويج وكثير من الدول الأوروبية التي يظهر منها من يدعي أنه نبي جديد لهذا العصر رغم أن هذه الدول لا تعاني مشاكل وأزمات اقتصادية مثلما يعيشها المجتمع المصري لكنها أمور تعود لخلل في النفس وشخصية مدعي النبوة إما لولعه بال "شو" الإعلامي وشغفه بالظهور وأن يكون حديث الإعلام والقنوات الفضائية وتتصدر صوره صفحات الجرائد. أما د. السيد الجميلي المفكر الإسلامي فيؤكد أن الأسباب الحقيقية لتكرار ظاهرة مدعي النبوة مشكلة معقدة ومتعددة الأسباب في مقدمتها الجهل الفاحش الذي أصيب به غالبية المجتمع وغياب البعد الديني بصفة شبه تامة بدون أدني مخزون ديني بالإضافة إلي الفطرة الملوثة والمشكلات والأزمات الاقتصادية الضاغطة والأمراض النفسية التي انتشرت بين أعداد هائلة من المواطنين وحب الظهور ولو علي حساب الدين والاستخفاف بعقول الناس علي كل المستويات لأن الذي يدعي النبوة يطمع في أن يتبعه مريدون ومشايعون.. مشيراً إلي أن الجهل أصبح سمة سائدة في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق وانحصر أصحاب التخصصات في مجالاتهم فقط والحاصلون علي أعلي الدرجات العلمية لا يعلمون شيئاً عن أوجه الحياة وأجهل الناس بأمور الدين وهذا هو المدخل الخطير والنافذة المفتوحة علي الأفكار والتيارات المسمومة بكل أسبابها ومصادرها وتداعياتها وبذلك لا يندهش أحد من أن نجد المريدين لمدعي النبوة من أساتذة الجامعات والمدرسين والمحامين وأصحاب المناصب الاجتماعية رفيعة المستوي لأنهم لا يستطيعون التفريق بين الحقيقة والشذوذ. ويضيف أن غياب البعد الديني الذي يتصل بأصول الدين والعقيدة والحلال والحرام يعاون ويساعد المنحرفين علي الدخول في هذه الدائرة الشائكة بتسهيل مأموريتهم في اختراق العقول وغزو الأفكار والترويج لبضاعتهم خاصة أن الفطرة والتنشئة لدي أغلب أفراد المجتمع أصبحت ملوثة ولذلك نجد أن أدعياء النبوة ومريديهم علي مدار العصور التي ظهروا فيها يتصفون بأنماط وطبائع لديها الاستعداد لتلقي التيارات المسمومة والتفاعل معها والانحياز لها، أما أصحاب البعد الديني الحقيقي فهم في مأمن ومناعة وحرز من هذه الأفكار الشيطانية. ويشير د. الجميلي إلي أن المشاكل الاقتصادية والأزمات المادية التي تعاني منها شريحة كبيرة في المجتمع تؤدي إلي بواعث مشكلات نفسية تقف وراء ادعاء النبوة بالإضافة إلي بعض الدعاوي التي تدعو إلي التحرر من الضوابط والقيم والأخلاق والانفلات من الحدود التي وضعها الدين خاصة أن النفس المريضة تريحها المباحات المطلقة بإسقاط التكاليف. ويشير إلي أن مسئولية تكرار ظاهرة ادعاء النبوة وتزعم خلايا يقودها شخص قد يكون جاهلاً لا يقرأ ولا يكتب لتتفق صفاته مع صفات النبي الحقيقي ملقاة علي عاتق المسئولين عن المؤسسات الدينية وتقصيرها الواضح في التوصل إلي الأسباب الحقيقية ووضع أيديها علي الخلل الذي تعاني منه كثير من هذه المؤسسات لدرجة أن المجتمع ينتظر كل يوم مدعياً جديداً للنبوة دون أن تقوم هذه المؤسسات بدراسة الظاهرة واسباب تكرارها والتفاعل من أجل وأد أي أفكار متطرفة وشاذة في مهدها. وعن حكم الشرع في عقاب مدعي النبوة والافتراء علي الدين يؤكد د. الجميلي أن الشريعة الإسلامية نصت علي قتل المتنبئ الكاذب لأن فتنته أشد لجحد النبوة الحقيقية وخروجه عن الدين وفتنة الآخرين ويجب قتله فوراً لأنه يدعو إلي دين جديد بعيد عن الإسلام حتي لا يحدث زلزلة في عقيدة البعض الذين لا يعرفون الكثير عن أصول دينهم مؤكداً أن الشريعة الإسلامية لا تسقط العقوبة عن مدعي النبوة إلا إذا ثبت إصابته بمرض الفصام في الشخصية "الشيزوفرينيا" التي يحددها الخبراء من الأطباء المتخصصين وفي هذه الحالة يحجب المريض ويعزل عن أفراد المجتمع وسوي ذلك فأوجبت الشريعة الإسلامية قتله. أما المفكر والكاتب الصحفي فهمي هويدي فيري أن أدعياء النبوة انتهزوا فرصة ضعف الجانب المعرفي عند بعض الناس خاصة في الجوانب الدينية والعقيدة واستطاعوا أن يتواجدوا في المجتمع من خلال هذه الشريحة التي تروج لأفكارهم، مؤكداً أن ظاهرة ادعاء النبوة ليست مقصورة علي بلاد معينة دون أخري وإنما هي ظاهرة تتواجد في كثير من دول العالم ومنها الولاياتالمتحدةالأمريكية لذلك فالآراء التي ترجع ظاهرة انتشار ادعاء النبوة إلي الظروف الاجتماعية والضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها مجتمعنا ليست لها علاقة بهذه الظاهرة لذلك أنا أرفض أن نطلق عليها ظاهرة والدليل رفض غالبية أفراد وفئات المجتمع بمختلف طبقاته هذه الأفكار الشاذة ولذلك تتعرض للفشل. ويضيف هويدي أن أساس خروج هؤلاء الأدعياء للضعف الإنساني والانسياق وراء الشهوات سواء شهوات الظهور والتلميع أو شهوات مادية للحصول علي أكبر قدر من الأموال أو شهوات الزعامة والاصطفاء والتميز في المجتمع لكي يشار إليه بالبنان مشيراً إلي أن المسئولية تقع علي عاتق الدولة لمواجهة هؤلاء الأشخاص بالعقاب الرادع حتي لا تتكرر علي مدار الأيام وأن تتطرق العقوبة لتطال المروجين لهذه الدعاوي بالإضافة إلي ضرورة مناقشة هذه القضايا بأسلوب علمي وحضاري مقنع عبر وسائل الإعلام والفضائيات لكشف زيف هذه المخططات والمؤامرات التي يتزعمها البعض وتحذير أفراد المجتمع من الانسياق وراء دعاواهم. وعن رأي القانون والعقوبات التي نص عليها الدستور لمواجهة هؤلاء المنحرفين يقول المستشار مجدي شرف المحامي العام الأول الأسبق: إن قانون العقوبات يجرم مدعي النبوة وكل من تعدي بطرق النشر والإعلان أو طبع كتاباً محرفاً تحريفاً يغير من معناه أو تقليد احتفال ديني بقصد السخرية به أو ليتفرج عليه الحضور بالحبس ما لا يزيد علي 3 سنوات وغرامة لا تقل عن 200 جنيه ولا تزيد علي 500 جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين حيث نصت المادتان 160 و 161 من قانون العقوبات في الجنح المتعلقة بالأديان علي أن يتعرض للعقوبة السابقة كل من شوش علي إقامة شعائر ملة أو احتفال ديني أو عطلها بالتهديد أو كل من خرب مباني معدة لإقامة شعائر دينية أو رموزاً أو أشياء أخري لها حرمة لدي ملة معينة. ويؤكد شرف أن هذه العقوبة التي نص عليها الدستور هزيلة ولا تتناسب مع حجم هذا الجرم الذي يأتيه مدعي النبوة وكان المفروض علي المشرع القانوني أن يراعي خطورة الأمر علي المجتمع والأفراد والأديان وكان من المفروض أن ينص الدستور علي تشديد العقوبة لتتحول إلي عقوبة جنائية ولا يكتفي بالحبس الذي هو في القانون يعتبر جنحة وإن كانت المادة 146 من الدستور تنص علي ان تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة شعائرها وأن حرية الاعتقاد مكفولة بمقتضي الدستور إلا أن هذا لا يبيح لهؤلاء أن يجادلوا في أصول دين من الأديان وأن ينتهكوا حرماته أو يحطوا من قدره أو ازدرائه. ويشير إلي أن مدعي النبوة إذا كان مريضاً نفسياً فإن ذلك لا يعفيه من الوقوع تحت طائلة القانون الذي استثني المريض عقلياً والمجنون فقط وهذا يكون رادعاً لمن تسول له نفسه هذه الأباطيل بحجة أنه لن يتعرض للمساءلة القانونية علي أنه مريض نفسياً. إن ردع هؤلاء الأدعياء يعتبر الحل الوحيد لمعالجة تلك الظاهرة لكن في الوقت نفسه لابد أن نشير إلي أهمية علاج كامل للأمة عن طريق اصلاح حقيقي لحياة المطحونين الذين يرون أن مثل هؤلاء الأدعياء هم السبيل الوحيد لخلاصهم بعد أن تخلي عنهم الجميع!