الفضائيات الدينية- ليست كلها خيرا, وليست كلها شرا, ولكنها في الغالب تضر أكثر مما تنفع. عدد كبير من علماء الإسلام ومفكريه وخبراء الاعلام يؤكدون هذه الحقيقة, ويحذرون من ان تلك الفضائيات وراء فوضي الفتاوي والمعرفة الدينية, وتشجع علي التشدد والتزمت, وتسعي لتسطيح الفكر الإسلامي الصحيح لمصلحة اهداف مذهبية, أو فكر معين. وعابوا علي كثير من الفضائيات الدينية استعانتها بغير المتخصصين في العلوم الإسلامية, الامر الذي يساعد علي ترويج افكار مثيرة للبلبة بين الناس. وطالب البعض بوضع تلك القنوات تحت اشراف الأزهر, لضمان نشر وسطية الإسلام, ومنع الأفكار الهدامة من المجتمع. ..في التحقيق التالي نتعرف علي المزيد من آرائهم. فتاوي خاطئة.. وبرامج هدامة يقول الدكتور مبروك عطية أستاذ ورئيس قسم اللغويات بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر: لاشك ان في الفضائيات الدينية الجيد والسييء, وفي بعضها ماينفع الناس وفي البعض الآخر مايسيء, ولاينبغي بالتالي ان نعمم. فهناك برامج تعتمد علي منهجية وهي هادفة, وبرامج ضررها أكثر من نفعها مثل تلك التي تأخذ المشاهد لوادي الأحلام والمنامات وقراءة الفنجان. ويضيف ان بناء شخصية المسلم غير موجودة فليس هناك حرص علي العبادة أوحسن معاملة الناس, فمعظمها اهتم بالنافلة ولم يهتم بالأركان, وحرصت علي امور لاتسمن ولاتغني من جوع واعتمدت علي الاقوال, ولم تلتفت للأهم, وارتكنت لبعض الآراء وكأنها صلب الموضوع. ويحذر من ان من يقدم هذه البرامج لايجيد قراءة القرآن ولاتفسيره والامثلة كثيرة منها قول الله تعالي: الخبيثات للخبيثين ربطوها بالازواج والزوحات, والمقصود بها الاعمال ويدل هذا علي الجهل بالاقوال وهذه فتنة وفي سورة الاسراء يقول الله تعالي: قل كل يعمل علي شاكلته أي ان الطيب يفعل طيبا, والدليل الاقوي علي كلامي ماجاء في سورة التحريم حيث قال تعالي:ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين. ويشير إلي انه في برامج هذه القنوات من يقول في الحج, من يبيت في مني ثلاثة أيام من المتقين, ولايوجد عالم يقول ذلك ولافرق بين ليلتين وثلاث, والامثلة كثيرة علي تضليل الناس, ناهيك عن المجددين والمفكرين الذين يعبثون ويقولون ان في القرآن اعجازا رقميا, هذه أمثلة لبرامج هدامة تجعل المشاهد ينسي البرامج الهادفة. وما اقل البرامج التي يقدمها عالم مستنير, واغلبية من البرامج تؤدي إلي هوة سحيقة مثل من ينظرون لغير المسلمين علي انهم قردة أو خنازير والعلماء يقولون ان الخنازير لم تنجب ولن تأت من بطونهم ذرية بني آدم, والعلم والموضوعية يقتضيان الانصاف. ولذلك عندما نجيب عن السؤال: هل أضافت هذه القنوات للمجتمع الإسلامي نقول: ان الإضافة من جنس الشيء, وقد تكون من خارج جنسه ونافعة, فالمجتمع الإسلامي اساسه الصلاح وإذا وجدنا ما فيه صلاح الناس كانت إضافة, وماوجدناه يهدم المعاني لايمثل اضافة بل معول هدم. ففي احد البرامج تتصل سيدة وتطلب من الشيخ ان يدعو لفلان زوجها او ابنها فيدعو, والنبي صلي الله عليه وسلم يعلم عائشة رضي الله عنها كما روي البخاري في صحيحهعليك بالكليات اسألك الخير كله والدعاء للجميع وليس لاسماء مثلما يحدث في تلك البرامج. وهناك أيضا فتاوي صعبة جدا, فقد افتيت امرأة بطلب الطلاق من زوجها لانه ينام بعد العشاء ولايقوم بالليل إذن فهو كافر في رأيه, ونسي من افتي بذلك ان نوم هذا الرجل المطحون في عمله طوال اليوم في رأي العلماء المستنيرين هو قيام الليل طالما يقيم فروضه. نشر التشدد.. وتسطيح الفكر ويري الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية ان بعض الفضائيات الدينية أسهمت في نشر التشدد والتزمت الديني وانها تعتمد في كثير من احاديثها وموادها علي الأحاديث الضعيفة والتفسيرات المتشددة التي تحول دون سماحة الإسلام ووسطيته بل تحول دون فهم حقيقة الإسلام, وتدعو عكس مايدعو الأزهر الشريف, فهي تدعو إلي التشدد والأزهر يدعو إلي الوسطية ويعمل علي فهم حقيقة الإسلام, بينما تختار هي الفكر المتطرف واخذ الظواهر علي نصوصها دون تفهم معانيها الحقيقية. ويقول: إذا كان الأزهر يعمل علي تعميق الفكر الإسلامي فهذه النوعية من القنوات تعمل علي تسطيحه وبالتالي ظهورها اثر بالسلب علي المجتمع, وبعضها او اغلبها يعمل علي توظيف القناة للدين لجلب الإعلانات.. شاشة تعرض شيخا ملتحيا بينما يوجد اشرطة تحت لحيته تحمل اعلانات سيارة أو شقة أو ثلاجة, والشيخ يتحدث عن الإسلام فيتوزع فكر المشاهدين بين صورة الشيخ وكلامه والاعلان المار من تحت لحيته.. فهل هذا يليق بدعوة إسلامية! مثل هذه القنوات الفضائية الدينية هدفها التربح فقط وتقدم صورة مغلوطة للإسلام, والمفروض ان تكون هذه القنوات تحت اشراف هيئات مثل المجلس الأعلي للشئون الإسلامية او مجمع البحوث الإسلامية بحيث تقدم الفكر الديني من خلال شخصيات مؤهلة لتعميق الفكر الديني. قلة ملتزمة.. وكثرة تبحث عن الشهرة ويقول الدكتور مصطفي ابو عمارة أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر لا اتعامل مع القنوات الفضائية الدينية ولااستريح لها فهي قنوات تجارية ثقافية وليست قنوات علمية وهي تقدم قضايا تشوش علي الناس افكارهم بعكس القنوات الأرضية فهي أفضل ولها مكانتها في كل ماتقدمه من مواد وبرامج دينية. وهناك قلة من الفضائيات الدينية ملتزمة والباقي بحث عن الشهرة وهي آفة الفضائيات فمن يظهر فيها بيحث عن المال والشهرة ومشكلة بعض القنوات الفضائية الدينية انها تستعين بشخصيات غير متخصصة- ومنهم من يطلق علي نفسه مفكرا إسلاميا او يعتبر نفسه من المجددين ويشوش افكار المشاهدين ويبحدث عن الحديث وهو لم يدرسه مطلقا. ويضيف انها ظاهرة في الفضائيات عامة والدينية خاصة ان هناك شريحتين: الراغبون في الظهور والأضواء والراغبون في المال. وثانيا: اعطاء ألقاب في غير محلها مثل المجدد والمفكر والداعية والخبير في السنة كلها ألقاب ليسوا بها بأهل وليس كل من قرأ كتابا عالما. ويشير إلي ان المادة المقدمة في بعض هذه البرامج بحاجة لشخصيات متخصصة عميقة الفكر ولديها معرفة تجعلها لاتقدم مفاهيم خاطئة للناس. قنوات وسطية.. لمواجهة المتشددة وتقول الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر بعض القنوات الفضائية الدينية تتسم بالتشدد والتطرف وتقديم الصورة السوداء للإسلام وليست الصورة التي تقوم عليبشروا ولاتنفروا وهذه القنوات تتبني فكرا واحدا هو الفكر السلفي الذي يكفر كل من يخالفه في فكره. وفي الوقت نفسه هناك قنوات وسطية, ونحن في حاجة للمزيد منها لأنها تقدم الوجه الأبيض للإسلام الذي يقوم علي السماحة ورفع الحرج. وتميزها بالوسطية والاعتدال يجعلنا نتمني وجود المزيد منها لتقاوم القنوات المتشددة. وتحذر من ان القنوات ذات الفكر المتشدد لها تأثير علي الشباب حيث تستخدم معهم اسلوب الترويع والتخويف فيتركون الدنيا من اجل العبادة علي اعتبار انها طريقهم لدخول الجنة. وتطالب بضرورة وجود رقابة علي هذه القنوات لان الربح المادي منها يقابله خسارة ملايين العقول والدليل ان فرنسا طالبت بإلغاء احدي هذه القنوات من النايل سات لانها تتصادم مع الجو النفسي والنظم الاجتماعية للدول الأوروبية ومنها فرنسا ولاتوجد ولاية علي نظم هذه البلاد والاحساس بخطورة هذه القناة دفعهم للمطالبة بإلغاء ترخيصها, واعتقد ان مدينة الإنتاج الاعلامي تبحث الغاء بثها من القمر الصناعي. وهذا يجعلني اؤكد ضرورة خضوع هذه القنوات لرقابة مشيخة الأزهر لتقييم هذه القنوات وبيان مدي خطورتها علي استقرار المجتمع, واوجه نداء عاجلا لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر ليجعل هذا الموضوع من أهم الملفات لخطورتها علي الشباب من الجنسين. اما بالنسبة لنظرتهم للمرأة فهي في نظرهم عورة وشيطان وفتنة ومثيرة للجنس, وانها يجب ان تغلف باغلفة سوداء حتي نضمن عدم الافتتان بها, وهذا لم يكن موجودا في عصر الرسول صلي الله عليه وسلم الذي حرر المرأة من قيود العبودية قبل الإسلام ويستندون في شأن هذا الموضوع إلي احاديث ضعيفة. ويجب علي الأزهر ايضا ان يضع علي عاتقه تنقية السنة من مثل هذه الاحاديث الضعيفة التي تسيء للإسلام وللرسول. تذبذب.. في السلوك الديني ويقول الدكتور صفوت العالم استاذ الإعلام بجامعة القاهرة: هذه القنوات لعبت دورا وظيفيا وقامت بأدوار مطلوبة وفي الوقت نفسه لم تقم بأدوار أخري. فالأهداف المطلوبة تقديم معلومات تدعم الثقافة الدينية للمشاهدين وبعض المضامين في بعض هذه الفضائيات قام بهذا الدور بشكل أو آخر, وكذلك الحديث عن العبادات والسلوكيات المطلوبة من المواطن في معاملاته الدينية والإنسانية, وبعض البرامج أوجد هذه الدرجة المعرفية وسد الفراغ الموجود في هذا الجانب. وعلي الجانب الآخر هناك مشاكل خاصة ببعض الفضائيات الدينية منها الفتاوي الدينية في جميع مجالات الحياة, وتفاوت هذه الفتاوي واختلافها والاعتماد علي الاتصال التليفوني فقط وسرعة الرد علي الفتوي دون معلومات كافية من القائم بالاتصال أو مقدم البرنامج, هذه الفتاوي اوجدت حالة تذبذب في السلوكيات الدينية السليمة صار الكل يستخدم هذه الفتوي لتدعيم سلوك معين رغم ان الفتاوي يتم الرد عليها بالتأييد أو المعارضة. ويضيف ان بعض ادارات هذه القنوات تقدم لنا قادة الرأي الدينية دون ان تدقق في اختيارهم رغم خطورة دورهم في مخاطبة الناس, وهم ليس لديهم الثقافة الدينية العميقة وتأهيلهم الأزهري غير موثوق وبعضهم يرغب في الشهرة والنجومية مما يوجد فوضي في الثقافة والمعرفة الدينية. ويحذر من ان بعض هؤلاء يعتمدون في خطابهم الديني علي كتب تراثية لاتصلح للعصر الحالي وبعضهم يخدم أحيانا توجيهات مذهبية أو طائفية بشكل أو بآخر خاصة مع البث الفضائي لقنوات غير مصرية أو لمذاهب أخري, هذا التفاوت أوجد حالة الاختلاف بدلا من الاتفاق. ويقول: ان الاخطر من ذلك ان بعض الفضائيات الدينية في الجانبين الإسلامي أو المسيحي خطابها الديني فيه نوع من الحدة وعدم معالجة المشكلات الخاصة بالوحدة الدينية معالجة غير متزنة وبعضهم ينشر الخطاب المتطرف الذي يتنافي مع قضايا المواطنة باستخدام وتوظيف الوازع الديني سواء إسلاميا أو مسيحيا, وبعضها يعتمد علي مايبث علي الإنترنت وتكون مجرد آراء لأفراد محدودي المعرفة والثقافة الدينية لايمكن الاعتماد علي آرائهم من ادلة وشواهد, وبالتالي تعتمد بعض هذه القنوات علي احداث فردية تقوم بتعميمها ونقلها للملايين عبر الفضائيات مما يوجد صورة ذهنية سلبية ويزيد من تعميق الفرقة والاختلافات بين أبناء الجيل الجديد من الطرفين وينتج عن ذلك مظاهرات وممارسات تستند لبعض مايبث في هذه القنوات. تعريف الغرب بصحيح الإسلام وتقول الدكتورة مني الحديدي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة تعدد القنوات الفضائية الدينية في السنوات الأخيرة يعكس توجه الاستثمار العربي في مجال صناعة التليفزيون بالتركيز علي هذه النوعية وهذا يدلل علي قوة رأس المال وسيطرته في منطقة الخليج وتحدد أيضا المسار الاعلامي, ولامانع من وجود الفضائيات بشرط ان تستند علي رؤية صحيحة وتخصص علمي. والملاحظ من واقع الدراسات ان بعض هذه القنوات تختبئ تحت ستار الدين لتقدم فكرا معينا, فليس كلها يقدم فكره تحت صحيح الدين, والبعض منها يروج لفكر متطرف أو سطحي أو لمفاهيم مغلوطة. وفي تصوري اننا لسنا بحاجة لفضائيات او قنوات دينية خاصة بل الأفضل ان نقدمها من خلال عمل درامي او في برامج او من خلال أي شكل برامجي في القناة العامة لان كثرة البرامج الدينية قد توقعنا في المحظور فبرنامج يقول مضمونا وآخر يقول عكسه مما يحدث بلبلة لدي المواطن البسيط. ولدينا علي سبيل المثال شبكة إذاعة القرآن الكريم فهي في رأيي شبكة نموذجية لأنها تعتمد علي تقديم الدين برؤية سليمة ففيها التلاوة والاحاديث والتفسير وبرامج للطفل وتبسيط المفاهيم, وفي التليفزيون الأرضي كانت هناك برامج دينية جيدة مثل نور علي نور وحديث الروح. ويمكن بث القيم الإنسانية والدينية للتأكيد علي الصدق والأمانة والالتزام بالعبادات من خلال جميع القوالب البرامجية وكما قلت لايمكن تعميم الحكم علي الفضائيات الدينية في تعاملها مع المرأة وعلاقتها بالمجتمع وتخصيص مساحات للطفل فهذا يتوقف علي فلسفة القناة والقائمين عليها, فالبعض يقدم المضمون الجيد الذي يهدف إلي تبصير الناس بالدين الصحيح الذي يقوم علي السلوكيات وليس العبادات فقط, وهناك قنوات أخري تروج لأفكار تخدم مصالح معينة, ونظرتهم للمرأة انها يجب ان تلزم بيتها ولاتخرج للمجتمع. دور القناة الدينية يجب ان يكون فيه ترسيخ للقيم الدينية ورغم الكم الكبير للقنوات الدينية علي الساحة لكن المعدود منها الذي يحقق الهدف النبيل. واتمني ان نجد مثل هذه القنوات الهادفة باللغات الأجنبية لكي يتعرف الغرب علي صحيح الإسلام, صحيح ان هناك قناة سعودية لكنها لاتكفي لابد من المزيد, فما احوجنا لكي يتعرف الآخر علي الصورة الصحيحة للدين الإسلامي.