منذ عام 1986 وأنا أعمل في بلاط صاحبة الجلالة محررا للشئون الصحية.. لم أجد خلالها إعلاما طبيا مستنيرا له لمسات ايجابية علي سلوكيات المواطن ومشاركة في العمل الوقائي والتثقيف الصحي ومن ثم المردود الايجابي علي صحته.. خاصة إذا علمنا أن معظم أمراضنا بمسببات سلوكية من صنع الإنسان نفسه.. ولكنه يفتقد الثقافة الصحية والتوعية. شاهدت إعلاما طبيا ممزقا.. مشتتا.. مغرضا.. يتهم حينما يريد.. ويشيد حينما يرغب.. وجدت البعض يتهم بلا دليل.. فيبحث عن القصور ولو بسيطا وطبيعيا ويضعه تحت الميكروسكوب والمشرط بعيدا عن النقد البناء والتوجيه والمساعدة علي الإصلاح والتقويم فكان التأثير السلبي في ثقة المواطن في مؤسساته الصحية.. إلي جانب هروب جزء كبير من السياحة العلاجية. نحن في حاجة إلي اعلام طبي صحي متوازن.. مجدد في أسلوب التناول والمعالجة.. باحث عن الحقيقة وصولا لسلامة المريض والوقاية للصحيح.. مواكب لأساليب التطور في مجاله.. متمكنا من قواعد وأسس للتواصل والقيم تساعد علي تفاعل الجمهور معه.. خالق واع صحي وثقافة وقائية.. متحريا لصحة ودقة وسلامة ما ينشره مراع للموضوعية والمهنية والحيادية هادف إلي تنوير المجتمع وتثقيفه.. لا يسعي إلي السبق مضح بالدقة والنقد البناء.. مستهدفا مصلحة الوطن.. مؤمن ان المواطن السليم هو القادر علي المشاركة في تحقيق النهضة لمصر. لا نريد اعلاما مثيرا.. ينشر الفزع والرعب بين الناس مشتتا لافكارهم.. مبخسا لحقوق مقدمي الخدمة.. عاشقا للفوضي ومتجنبا الدقة.. ساعيا للمبالغة ليحقق مكاسب خاصة وشخصية.. أحلم باعلام طبي متخصص يخضع لضوابط أخلاقية ورقابة ذاتية.. لا يحرض ويتهم بلا دليل.. غير متعطش للاثارة وبث الذعر بهدف افقاد الثقة في الصروح الطبية التي تتمتع بها مصر. نعم.. هناك قصور واخفاقات.. وهناك أيضا أداء جيد وانجازات.. التركيز علي الجانب المعتم فقط يشتت المواطن وخاصة البسيط.. يجب التفرقة بين الاعلان والاعلام.. والبحث والتدقيق فيما يكتبه ويبثه ويذيعه تحت مسميات الطب والعلاج البديل متلاعبا بعقول الجمهور.. متاجرا بآلامهم الموجعة.. وآهات أوجاعهم.. وآمالهم في الوصول للشفاء. من المقبول ان يكون هناك علامات استفهام وخلافات ومصالح متباينة تحكم الشأن السياسي.. وصراعات واتجاهات تتعلق بالتوجه الثقافي.. الخ.. ولكن من غير المقبول ان يكون هناك تنازع مصالح في الاعلام الطبي خاصة وان هناك الكثيرين من المواطنين يثقون فيه وبعتبرونه مرجعا وسندا لهم.. نريد اعلاما طبيا يرصد.. يرشد.. ينصح.. يوجه.. يثقف.. يدقق.. وصحفيا متخصصا.. مثقفا.. متعمقا.. مطلعا.. متجردا.. فمن الطبيعي ان نخطيء.. ولكن التصميم علي تكرار الخطأ.. والاستمرار فيه فهو عين الخطيئة.