رغم قربها من المدن فإنها مهملة، لقّبوها ب«عاصمة الإنتاج الداجنى فى مصر»، ولم يشفع لها ذلك عند الحكومة لرفع المعاناة عن أهلها، آلاف الأسر مهددة بالتشرد بعد انهيار تربية الدواجن إثر انتشار مرض إنفلونزا الطيور.. إنها قرية «برما»، إحدى قرى محافظة الغربية، تبعد عن العاصمة «طنطا» بنحو 15 كيلومتراً مربعاً، يربطها بالمدينة طريق ضيق تحيطه الأراضى الزراعية ولا يتعدى 4 أمتار. بمجرد نزولك من السيارة فى مدخل القرية تستقبلك رائحة نفايات الطيور، عُرف عن أهلها تربية الدواجن، حتى أصبحت مملكة الثروة الداجنة، ومعقل معامل التفريخ، وقلعة البروتين الأبيض فى مصر، تنتج 40% من الثروة الداجنة، ويفد إليها التجار والمربون من كافة المحافظات، ذكرها على باشا مبارك فى كتابه «الخطط التوفيقية» بأنها قرية كبيرة، ومن أعلامها الشيخ إبراهيم البرماوى، ثانى شيوخ الجامع الأزهر، الذى تولى المشيخة بين عامى 1690م - 1694م، والشيخ راغب مصطفى غلوش القارئ بالإذاعة المصرية. «الوطن» التقت بالأهالى للتعرف على مأساتهم بعد انتشار فيروس إنفلونزا الطيور، حيث أكد محمد حمودى، صاحب مزرعة دواجن بالقرية، أن أهالى القرية توارثوا مهنة تربية الدواجن عن آبائهم وأجدادهم، وتابع: «يبلغ عدد المزارع بالقرية نحو 11 ألف مزرعة، نقدم من خلالها بديل اللحوم بسعر أقل، والقرية تنتج 40% من الثروة الداجنة فى مصر، ولم نعرف معنى كلمة «البطالة» بالقرية لسنوات طويلة حتى جاء مرض إنفلونزا الطيور فى عام 2006، لتبدأ فترة الانهيار لمملكة تربية الدواجن، وساعد على ذلك تجاهل حكومة مبارك لنا، ما أدى إلى تدهور الثروة الداجنة بالقرية». وأضاف أن مرض إنفلونزا الطيور الموسمى الذى يأتى مع فصل الشتاء فى كل عام، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف والتطعيمات الذى يتسبب فى غلق عشرات المزارع ومعامل التفريخ، ترتب عليهما انتشار البطالة بالقرية التى يبلع عدد سكانها نحو 120 ألف نسمة، بالإضافة إلى تهديد أصحاب المزارع بالسجن بعد تراكم أقساط القروض المستحقة للبنوك وأصحاب محال الأدوية وتجار الأعلاف. وأشار إبراهيم المرشدى، صاحب مزرعة، إلى أن تربية الدواجن تعرضت للتدهور بعد أن كانت صناعة مربحة، وذلك بسبب قلة من رجال الأعمال المحسوبين على النظام الأسبق، حيث كانوا يتحكمون فى عملية تجارة وتربية الدواجن، خاصة فى أسعار الأعلاف التى شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، حيث وصل سعر الطن إلى 3500 جنيه، وطن الذرة ارتفع سعره إلى 1900 جنيه بعد أن كان سعره 1400 جنيه، وبلغ سعر طن المركزات 5 آلاف جنيه، وأرجع ذلك إلى عدم وجود رقابة من الدولة. وعن الفترة الزمنية التى تستغرقها تربية الطيور، أوضح «المرشدى» أن «فترة وجود الدواجن داخل المزرعة تسمى «دورة» وتختلف وفقاً لنوع الدواجن التى يتم تربيتها، فالبط والإوز يحتاجان من 20 إلى 25 يوماً، بدءاً من عملية التفريخ حتى يصبح كتكوتاً صغيراً، وبالنسبة للفرخ يحتاج لفترة لا تقل عن 45 يوماً، وكل 1000 من البط أو الإوز أو الفراخ يستهلك فى اليوم الواحد طناً و200 كيلوجرام من الأعلاف، وتحصينات ب400 جنيه فى الدورة الواحدة»، لافتاً إلى تعرضهم لخسائر فادحة فى فصل الشتاء، كونهم يضطرون لبيع الكيلو ب10 جنيهات بدلاً من 17 جنيهاً بسبب برودة الجو. وبيّن أن تربية الطيور من قبَل التجار الصغار أصبحت تضايق أصحاب المزارع الكبرى، اعتقاداً منهم بأن التجار الصغار ينافسونهم فى السوق، ما جعلهم يحاولون، من خلال التحكم فى أسعار الأعلاف والتحصينات ورفع ثمنها بشكل كبير، تكبيد أصحاب المزارع الصغيرة خسائر كبيرة، وإجبارهم على التخلى عن تربية الطيور واللجوء إلى تربية البط والإوز الذى تتضاعف تكلفة تربيته بالرغم من قلة الطلب. وأكد أن بعض أصحاب المزارع بالقرية لجأ لتربية البط والإوز هرباً من محاربة التجار الكبار، كون البط يأكل أى علف، بالإضافة إلى قوة تحمله فى حالة الإصابة بأى مرض، فلا تتسبب الأمراض فى حالات نفوق كثيرة مثلما يحدث فى الدجاج، راضين بالربح القليل، مطبقين مقولة «ما لم تخسر فأنت فى مأمن». علاء عكر، من أبناء القرية، أشار إلى أن قرية برما تنتج 40% من الثروة الداجنة فى مصر، ما جعلها حتى وقت قريب قرية نموذجية لا يعرف أهلها البطالة التى تعانى منها غالبية محافظات مصر، لكن ذلك لم يشفع لها عند المسئولين، فلم تحظ بأى اهتمام من قبَل الدولة، لافتاً إلى أن استحواذ بعض رجال الأعمال على سوق الأعلاف وغياب الرقابة على التحصينات والخوف والقلق الدائمين من مرض إنفلونزا الطيور جعلت ربات البيوت تنأى عن شراء الدواجن واستبدالها باللحوم، فقلّ الإنتاج وبدأ ظهور طابور البطالة بين شباب القرية، خاصة بعد أن اضطر عدد من المربين لغلق مزارعهم بعد أن تراكمت عليهم الديون وأصبحوا ملاحقين قضائياً. ويضيف «عكر» أن معاناة أصحاب المزارع فى «برما» لا تتوقف عند توفير الأعلاف والتحصينات الجيدة، بل تمثل صعوبة الحصول على أسطوانات الغاز التى يستخدمونها فى عملية التدفئة للطيور داخل المزارع فى فصل الشتاء مشكلة أخرى، حيث وصل سعر الأسطوانة لنحو 60 جنيهاً فى هذا الوقت من كل عام، وتحدث مشادات كلامية ومشاجرات بين أصحاب المزارع من أجل الحصول على تلك الأسطوانات، وتستهلك المزرعة الواحدة ما لا يقل عن 4 أسطوانات فى اليوم. وأكد محمد عمار، عامل بإحدى المزارع، أن هناك تحصينات يتم صرفها من قبَل وحدة الطب البيطرى بالقرية لكنها فاسدة، موضحاً أن أصحاب المزارع يتكبدون خسائر فادحة بعد نفوق الدواجن بسبب انتهاء صلاحية التحصينات، ما دعا بعض المربين إلى عدم تحصين الطيور خوفاً من نفوقها جميعها، راضين بنفوق بعضها، وخسارة الجزء أفضل من خسارة الكل، وهذا يرجع إلى عدم وجود رقابة على التحصينات من قبَل مسئولى الطب البيطرى. وأكد سعيد مؤمن، عامل بإحدى المزارع، أنه يعمل بتلك المهنة منذ 10 سنوات ولم يحدث أن تعرض للإصابة بالمرض أو سجلت القرية أى حالة إصابة بشرية أو وفاة منذ ظهور مرض الإنفلونزا بمصر عام 2006، وأن الأطفال صغار السن دائماً يرافقون الكبار داخل المزارع وأحياناً يلعبون مع الطيور ويلهون وراءها ولم يحدث لهم شىء، قائلاً: «ليس هناك سبب أذكره لعدم وجود أى إصابة بينا، فلا نأخذ أى تطعيمات أو لقاحات من شأنها الوقاية من مرض الإنفلونزا، فالوقاية ربانية، ومن كثرة تعاملنا مع الطيور جسمنا بقى عنده مناعة». وطالب أصحاب المزارع بضرورة عناية الدولة بمربى الدواجن، والاهتمام بإنشاء جهة رقابية تشرف على الأعلاف المستوردة، وتحدد أسعارها بما يتناسب مع ظروف المربين وتعوضهم عن الخسائر التى تعرضوا لها خلال الفترة السابقة بسبب التحصينات الفاسدة التى أدت إلى زيادة حالات النفوق بالمزارع وارتفاع أسعار الأعلاف، مؤكدين أن سعرها انخفض من 4 آلاف جنيه للطن إلى 3500 عقب استقرار الأمور بالدولة وتولى المشير عبدالفتاح السيسى منصب رئاسة الجمهورية. من جانبه، أكد الدكتور محمد شرشر، وكيل وزارة الصحة بالغربية، أن مستشفيات المحافظة استقبلت حتى الآن 10 حالات اشتباه بمرض إنفلونزا الطيور، وأن جميع العينات جاءت سلبية، مبيناً أن المديرية رفعت حالة الطوارئ القصوى بجميع مستشفيات مدن ومراكز المحافظة، وتم توفير جميع الأمصال والأدوية الخاصة بالمرض، وهناك تنسيق كامل بين مديرية الصحة ومديرية الطب البيطرى بالغربية لمواجهة البؤر المصابة بالإنفلونزا، أو ظهور أى حالات اشتباه بشرية جديدة. فيما أعلن الدكتور عزمى هشام، مدير عام مديرية الطب البيطرى بالمحافظة، أن المديرية تتعامل مع حالات الاشتباه بجدية، حيث يتم على الفور عمل مسح كلى للمناطق التى تُكتشف فيها حالات اشتباه إصابة بمرض إنفلونزا الطيور وذلك على نطاق نحو 9 كيلومترات مربعة، مشيراً إلى أن المديرية اكتشفت 11 حالة منزلية مصابة بالمرض، وتم التعامل الفورى مع الطيور بتلك المناطق، وإعطاؤها اللقاحات المناسبة، كما تم عمل حجر صحى لها وإطار تحصينى حلقى بطول 9 كيلومترات مربعة، مبيناً أن هناك حملات مكثفة على مزارع الدواجن، وحتى الآن لم تكشف الحملات عن بؤر مصابة أو مشتبه فى إصابتها. وأوضح أن «حالات نفوق الطيور التى يتحدث عنها أصحاب المزارع بقرية برما تأتى بسبب استخدامهم تحصينات خارجية للأسف، رغم الإرشادات دائمة بعدم استخدام أى تطعيمات خارجية، وتتخذ الإجراءات القانونية تجاه من يتم ضبطه»، مشيراً إلى أن المديرية تعطى اهتماماً كبيراً إلى قرية برما، كونها مملكة الثروة الداجنة فى مصر، فيومياً تخرج لجنة من المديرية لمتابعة المزارع وعمل مسح كلى للقرية بحثاً عن ظهور أى أعراض لمرض الإنفلونزا، رغم أن غالبية تلك المزارع مخالفة، لكن المديرية تقوم بدورها على أكمل وجه من أجل حماية الثروة الداجنة.