يرى البعض من معارضى السيسي ضرورة المشاركة فى الانتخابات الرئاسية وان قرار تحالف الشرعية بالمقاطعة بمثابة خطأ استراتيجي بل يعتبر أعظم هدية يمكن تقديمها للنظام الانقلابي حيث تمكنه بسهولة من تزوير الانتخابات وتزييفها بل تجعل نتيجتها النهائية تصب قطعا فى صالح السيسي وان المشاركة حتى لو كانت " بإبطال الصوت " تجعل التزوير والتلاعب فى الانتخابات مهمة صعبة بل ذهب البعض الى انه تجب المشاركة والتصويت لصالح " صباحي " باعتبار انه يمثل الثورة وان نجاحه هو إفشال لمخطط العسكر فى السيطرة والاستيلاء على الحكم . في البداية يمكنني القول انه بالرغم من عدم تشككي في ان اصحاب هذا الرأى ينطلقون من قاعدة المصلحة الوطنية وان رأيهم هو بمثابة " اجتهاد سياسي " في ضوء الأزمة الراهنة التى تعصف بالبلاد الا ان هذا الرأى والاجتهاد - حسب اعتقادى - لن يستطيع ان يصمد طويلا امام أية مناقشة موضوعية لقضية المشاركة في تلك الانتخابات الرئاسية .
فمن حيث المبدأ كيف تتم انتخابات رئاسية وما زال هناك رئيس شرعي للبلاد تم انتخابه بارادة شعبية حرة نزيهة ولم يعزل بطريقة شرعية انما عبر مؤامرة وتدبير عسكري محكم انقضت على تلك الارادة ولم تجعل لها ثمة وزن أو اعتبار .
ومن حيث القيمة كيف يمكن لعاقل ان يقف امام صندوق الاقتراع بعد ان داس العسكر ببيادتهم على أصوات الناخبين في عدة استحقاقات انتخابية سابقة واصبح القانون الحاكم هو قانون القوة فى ظل هذا الانقلاب العسكري الدموي الغاشم الذى قضى على أمل التغيير والإصلاح وتداول السلطة عبر تلك الصناديق .
ومن حيث الجدوى فان تلك الانتخابات بمثابة " مسرحية هزلية " لتنصيب العسكر وتمكينهم من حكم البلاد واستيلائهم على السلطة وان المشاركة فى تلك التمثيلية العبثية هى مساهمة واضحة فى جريمة اضفاء شرعية مزيفة على حكم باطل وسلطة مغتصبة .
ومن حيث ان المشاركة وسيلة يمكن من خلالها فضح الانقلاب وكشف التزوير والتزييف المحتمل لإرادة الناخبين فى تلك الانتخابات فان الواقع يثبت بما لا يدع مجالا للشك ان النظام الانقلابي لا يهتم كثيرا بسمعته او وجاهته ولا يعبأ نهائيا بكرامته او إنسانيته فالنظام الذى ارتكب العديد من المذابح وقتل وحرق اللآلاف من مواطنيه وسحل الفتيات وسجن الاطفال وارتكب ابشع انواع التعذيب فى السجون والأقسام هل سيعبآ ويهتم بقضية تزوير و تزييف الانتخابات ?!!!
ومن حيث ان المشاركة القوية والفعالة قد تؤدي الى نجاح " حمدين صباحي " فرغم انه لا يصح مناقشة هذا الاحتمال لانه أقرب الى الخيال فانه لا يصح ان ننسى ان حمدين ركن أساسي من أركان الانقلاب واحد أدواته التنفيذية ولذلك نجده فى حملاته الانتخابية يزايد على السيسي فى عداوته للتيار الاسلامى ولجماعة الاخوان المسلمين وانه ان فاز - جدلا - في تلك الانتخابات الرئاسية فانه سيكون ألعوبة ودمية في يد العسكر يحركونه كيف يشاؤؤن .
ثم نأتي للمفارقة الكبرى : كيف يقف الثوار الاسلاميون والوطنيون امام صناديق الاقتراع في تلك المسرحية ثم بعد ادلائهم باصواتهم يستكملون ثورتهم وانتفاضتهم لاقتلاع السيسي [ او حمدين ] باعتباره رئيساً غير شرعي قام باغتصاب السلطة من رئيس ما زالت شرعيته قائمة ومستمرة لم تسقط رغم تلك الإجراءات الباطلة وغير الشرعية .
[ والأهم ] من ذلك كله هو الحديث عن المشاركة فى تلك الانتخابات من منظور المشروعية الدينية حيث تثار فى هذا الصدد لدى العديد من شباب الاسلاميين بعض التساؤلات لعل اهمها : هل يصح شرعا ودينا المشاركة و المساهمة في تأسيس وتمكين نظام عسكري دموي غاشم ومستبد أو نظام علماني مخاصم للدين كلاهما يقوم بإقصاء الإسلاميين والحيلولة بين الشعب و تطبيق الشريعة الاسلامية الغراء ؟؟؟؟
ان قطاعا عريضا من الإسلاميين قبل ثورة يناير كان يذهب الى تحريم المشاركة السياسية فى ظل توحش وسيطرة الاستبداد والعلمانية لأسباب وآسانيد بعضها يتعلق بالنصوص والاصول الشرعية الثابتة وبعضها يتعلق بالجدوى والمصالح والمفاسد المترتبة على المشاركة واذا كانت ثورة يناير قد أنهت قضية التحريم لانتفاء أسبابه وأسانيده فان الانقلاب الدموى الغاشم قد أعاد الكثير من شباب الإسلاميين الى مربع التحريم بحيث اصبحت دعاوى المشاركة فى الانتخابات القادمة مهما كانت مبرراتها او نتائجها السياسية غير مجدية او مقنعة .