«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوباما: "التمثال الجميل" يتساقَط...
نشر في المصريون يوم 18 - 11 - 2009

يستطيع الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن ينتشِي بأول نصْر مُبين يحقِّقه منذ دخوله البيت الأبيض قبل نحو السنة، بعد أن أقرّ مجلس النواب يوم السبت 7 نوفمبر 2009، خُططه لإصلاح القطاع الصحي.
بيد أن هذه النشوة على مشروعيتها، يجب أن تكون محدودة ومتواضعة لسببيْن متلازميْن: الأول، أن هذه السنة شهِدت تآكل اندفاعة الرئيس الجديد في مجال السياسة الخارجية.
والثاني، أن انجازاته الداخلية قد تُثبِت بعد حين أنها أقرب إلى فقّاعات الصابون منها إلى مداميك إعادة البناء الصّلدة. لنقم معاً أولاً بجولة حول مُعطيات السبب الأول.
رئيس الحرب
حين حصل أوباما الشهر الماضي على جائزة نوبل للسلام، لا أحد تقريباً في أوروبا نفى الحقيقة بأنه كانت ثمّة اعتبارات سياسية وراء هذه الخطوة. فرئيس اللجنة الأوروبية، جوزيه مانويل باراسو على سبيل المثال، قال إن الخطوة "كانت تحية أوروبية إلى رئيس أمريكي، أعلى من شأن قِيم السلام وتقدّم الإنسانية".
و"فاينانشال تايمز" قالت، إن أوروبا (جائزة نوبل أوروبية من الألف إلى الياء)، أرادت مكافأة أوباما "فقط لأنه ليس جورج بوش الانفرادي". وحتى ثور بوغورن، رئيس لجنة نوبل نفسه، أكّد أن الهدف من القرار كان تشجيع أوباما على المُضي قُدماً في الدبلوماسية التعدّدية الدولية وحظر الأسلحة النووية ومتابعة سياسة اليَد الممدودة مع العالم الإسلامي.
الجائزة إذن، مُحت لِما يمكن (أو يجب) على الرئيس الأمريكي أن يفعل، لا على ما فعل، وهذا أمر شبّهه البعض بمكافأة الأطفال مُسبَقاً لتشجيعهم على الأداء أو بالتصفيق التشجيعي لرياضِي ما، حتى قبل بدء المباريات.
وهذا صحيح بالطبع. فأوباما موجود في البيت الأبيض منذ نحو 300 يوم، وحتى الآن، لم يُحقِّق أي سلام يُذكَر في السياسة الخارجية: لا في فلسطين ولا في إيران ومنطقة الخليج ولا حتى في سري لانكا. والأسوأ من ذلك، أن الرئيس الأمريكي الشاب، سيتّخذ خلال الأسبوعيْن المقبليْن على الأرجُح،قراراً بتوسيع نِطاق الحرب في أفغانستان (وإن ليس إلى الدرجة التي يطلبها الجمهوريون والعسكر)، الأمر الذي سيثير التساؤلات حول معنى سياسة اليَد الممدودة للعالم الإسلامي، فيما أمريكا غاطسة حتى أذُنيْها في حربيْن مع بلدين إسلاميين (العراق وأفغانستان).
على أي حال، كان الرئيس الأمريكي حريصاً حين تلقّى نبأ منحِه الجائزة، على التوضيح بأن تعيينه بطل سلام في أوسلو، لن يمنعه من أن يكون رئيس حرب في واشنطن، حيث قال: "حتى عندما نسعى إلى عالم تحل فيه النزاعات سِلمياً ويشارك فيه الناس بالازدهار، علينا أن نواجه العالم كما نعرفه اليوم. وأنا كقائد للقوات المسلحة في بلدي، مسؤول عن انهاء حرب (في العراق) وأعمل في مسرح آخر (أفغانستان) على مواجهة عدُو لا يعرف الرّحمة ويهدِّد مباشرة الشعب الأمريكي وحلفاءنا".
رئيس حرب ينال جائزة بطل السلام؟
ألا تُناقِض لجنة أوسلو هنا نفسها؟ وألا يُعيد ذلك إلى الأذهان منح هذه الجائزة نفسها إلى هنري كيسنجر عام 1973، والذي أقدَم بعد نيْله هذا التقدير الأخلاقي والإنساني الرفيع، على شنّ حملة قصْفٍ تدميري على كمبوديا ولاوس، لم تستفيقان من أهواله حتى الآن؟
التناقض موجود، لكن ليس في أذهان لجنة أوسلو وقادة الاتحاد الأوروبي، الذين يلعبون دوراً رئيسياً في التأثير على لجنة تتكوّن برمّتها من سياسيين نروجيِّين. وهؤلاء القادة جميعاً (عدا ربما الرئيس الفرنسي)، قرروا، على ما يبدو من وراء خطوتهم هذه، إلقاء كل ثقلهم إلى جانب أوباما في معركته الداخلية الطاحنة ضدّ الجمهوريين وقِوى اليمين الأمريكي.
"هل هو ضعيف؟"
لكن، هل ستُساهم هذه الجائزة حقاً في دعم مواقع أوباما الداخلية؟ حسناً، ربّما، لكن مؤقتاً فقط، إذ أن احتمال فشل أوباما في التحوّل من رئيس حرب إلى رئيس سلام، وبالتالي، عجْزه عن تحقيق أي إنجاز سِلمي قريباً، سيجعل هذه الجائزة تُهمة ومادّة للسُّخرية منه في يَد خصومه.
وربّما هذا بالتحديد، ما دفع الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى التساؤل مؤخراً في مجلس خاص: هل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضعيف؟ وهذا بالمناسبة، ليس مجرّد سؤال خاص فرنسي "لئِيم" على عادة الفرنسيين المُتّهمين ب "الغيرة" الشديدة من "القوة الطاغية" Hyperpower الأمريكية (كما يصف هوبير فيدرين أمريكا)، بل هو سؤال عام بات قيْد التداول في كل أنحاء العالم، بما في ذلك الداخل الأمريكي.
بيد أن الحقيقة تكمُن في مقلب آخر: أوباما ليس ضعيفاً، لكن الأزمات الأمريكية الداخلية والخارجية، قوية وعاتية إلى درجة قد لا يتحمّلها حتى رؤساء اشتهروا بقوة شكيمتهم وبأسهم، كجورج واشنطن وأبراهام لينكولن ودوايت أيزنهاور وجون كينيدي، أوضح دليل على عنف هذه الأزمات وخطورتها، تجلّى في التقرير الخطير الذي رفعه الأسبوع الماضي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، جوزف ستيغليتز، الاقتصادي الأمريكي البارز، الذي حاز على جائزة نوبل للاقتصاد ويترأس حالياً لجنة الخبراء لإصلاح النظام النقدي والمالي العالمي، التابعة للأمم المتحدة.
أبرز عناوين التقرير:
- الأزمة الاقتصادية العالمية الرّاهنة، ليست مجرّد مشكلة نجَمت عن خطإ في شبكة الصرف الصحي، بحيث يكفي أن ندعو السّباك إلى تنظيف الأنابيب، فيعود كل شيء إلى ما كان عليه. الأزمة تعكِس مشاكل نظامية أعمَق، ينبغي التصدي لها، يجب أن لا نعود إلى عالَم ما قبل الأزمة.
- يتعيّن إنشاء نظام احتياط عالمي جديد، لا يعتمد على عُملة واحدة مثل الدولار، وتأسيس منشأة ائتمانية عالمية جديدة، تتكامل مع صندوق النقد الدولي وإقامة مجلس تنسيق عالمي جديد، من شأنه أن يكون أكثر شمولاً من مجموعة ال 20، المؤلّفة من مجموعة الثمانِ للدول الصناعية الكبرى، إلى 12 من الدول الأخرى، الأكثر نمواً.
- في عالم العوْلمة، لا معنى لأن تكون لديْنا عُملة واحدة، عُملة بلد واحد كأساس لنظام اقتصادي عالمي، بل من المنطِقي التحرّك نحو إقامة نظام احتياط عالمي يكون من جهة، أكثر استقراراً وينعش، ومن جهة أخرى الطلب الكلي العالمي ويكون فعلاً أكثر عدالة من النظام الحالي.
- بموجب النظام الحالي، تقدّم البلدان المتقدِّمة، قروضاً قيمتها تريليونات من الدولارات إلى الولايات المتحدة بمعدّلات فائدة تُساوي صفراً، وهذا في الواقع بمثابة مساعدات خارجية للولايات المتحدة. قد يقول بعض الناس إن الولايات المتحدة تحتاج إلى بعض المساعدات الخارجية، لكن هذا لا يمكن أن نسمِّيه نظاماً دولياً منصفاً.
كما هو واضح، ما يدعو إليه ستيغليتز، لا يقل عن كونه نقل السلطة الاقتصادية العالمية من الحُضن الأمريكي ووضعها بين يدَيْ مجلس اقتصادي عالمي جديد، يكون بمثابة قيادة جماعية لنظام دولي جديد.
الأهمية القصوى لهذا الطرح، تنبع من شخصية ستيغليتز نفسه. فهو كان نائباً لرئيس البنك الدولي (والذي طُرد منه لاحقاً بسبب نقدِه له) ومستشاراً اقتصادياً بارزاً في إدارة كلينتون وأحد أبرز الشخصيات اليهودية الأمريكية التي كانت مُعادية بقوة للاشتراكية ولتدخّل الدولة في الشأن الاقتصادي، ثم عاد وغيّر رأيه، فرفض فكرة "اليد الخفيِة للسوق" وانتقد إدارة ظاهرة العوْلمة. ومؤخّراً، حمّل بعنف على خطة الانقاذ التي تبنّاها أوباما، متّهماً واضعِيها بأنهم "في جيب البنوك ويعملون في خِدمتهم".
ستيغليتز يُطلق الآن على أنصار الاقتصاد الحر المُنفلت من أي عِقال إسم" أصوليي السوق الحر"، الذين سيقودون العالم إلى الهاوية، كما يفعل الآن الأصوليون الدينيون، وهو لا يرى مِن مخرج من هذه الورْطة التاريخية، سوى في نظام عالمي جديد، كذلك الذي يدعو إليه الصِّينيون والرّوس والهنود والبرازيليون (مجموعة "البريك"). لكن، هل هذا المانيفستو الثوري الجريء له حظّ من النجاح؟
الجواب يعتمد برمّته على طبيعة ردّ الفعل الأمريكي على هذا الانقلاب التاريخي: هل ستقبل الولايات المتحدة بهدوء انحسار دورها العالمي (كما فعل قبلها الاتحاد السوفييتي)، فتتعامل معه ببرود وواقعية، وتقبل أن تكون الأولى بين متساوين، بدل أن تكون الثانية للا شيء، أم أنها ستلجأ إلى شنّ الحروب وإثارة النزاعات لتمديد عُمر إمبراطوريتها المأزومة؟
حدث زلزالي تاريخي
خلال عهد بوش، كان الخِيار الأمريكي في غاية الوضوح: إطلاق سلسة حروب لا نهاية لها، تحت شعار مكافحة الإرهاب العالمي بهدف السيطرة على الموارد الطبيعية والرساميل والسِّلع الاستهلاكية. وبالطبع، مَن يمسك بصنابير النفط ومفاتيح رؤوس الأموال، قادِر على إمساك العالم من خِناقه.
بيد أن ثمانِ سنوات من عهد بوش، أثبتت أن الولايات المتحدة لم تعُد قادرة على الحِفاظ على زعامتها العالمية المُنفردة، لأنها تفتقِد إلى أهم عناصر بناء الإمبراطوريات: القُدرات المالية والاقتصادية الكافية لتمويل التوسّع الإمبراطوري.
إدارة أوباما أوحت (حتى الآن على الأقل)، بأنها استَوْعبت هذا الدّرس، فانتقلت من وضعية إملاء الشروط إلى مرحلة الاستماع إلى آراء الآخرين ومطالبهم. فغازلت العالم الإسلامي ومعه إيران، وخطبت ودّ الصين ومعها الاتحاد الأوروبي، ورفعت توقَعات العرب والفلسطينيين بتسوية عادِلة، وأسقطت محرمات الرأسماليين الأمريكيين عن الحديث عن كارثة احترار كوكب الأرض.
بيْد أن هذه الخطوات على أهميتها، لم ترقَ إلى درجة إقناع العالم بأن أمريكا تغيّرت بالفعل، وبالتالي، باتت مستعدّة لتغيير النظام العالمي. فالحلول التي طرحتها إدارة أوباما للأزمة، لن تؤدّي في الواقع إلى حلّ الأزمة، بل ربما إلى تعقيدها، إذ هي رصدت تريليون دولار لدعم عمالِقة المصارف والمال، على حساب قطاعات الاقتصاد المُنتجة، ما أوحى بأنها تنوي مواصلة نهْج تبعيَة أمريكا لكلٍّ من الرساميل والسِّلع الاستهلاكية الأجنبية، وبالتالي، لمحاولة إيجاد حلول خارجية لمُعضلاتها الداخلية، عبْر متابعة امتِصاص ثروات الاقتصاد العالمي.
كيف؟ عبْر القتال الشَّرس للحفاظ على هيْمنتها، بصفتها قوة لا يمكن الاستِغناء عنها في العالم، وهذا لن يتم على الصُّعد العسكرية والسياسية وحسب، بل أيضاً على الصعيد النقدي، حيث ستُقاوم أمريكا حتى الرَّمق الأخير كل المحاولات، لإنزال الدولار الأمريكي عن عرشه.
أجل، إدارة أوباما واقعية وبراغماتية وترغَب حقاً في التوصُّل إلى مخارج واقعية وبراغماتية للأزمة الأمريكية، لكن النوايا شيء والوقائع شيء آخر مختلف تماماً، وهذه الأخيرة تَشي بأن الولايات المتحدة لم تعُد فقط معتمِدة على غيرها اقتصادياً، بل لم يعُد لها أيضاً فائدة سياسياً، لا بل أكثر: حلفاء أمريكا الأوروبيون يشكّون الآن بأن واشنطن تتعمد شنّ الحروب المحدودة، ولكن الدائمة والإبقاء على بؤر توتر في العالم وعرقلة أي تطوير لهيكلية النظام العالمي.
هل يعني ذلك أن مانيفستو ستيغليتز لن يرى النور؟ ليس بالضرورة، لكن ذلك لن يتمّ بهدوء وسكينة، بل على إيقاع هدير زلزالي يصُمّ الآذان، سواء داخل أمريكا (عبر كساد كبير جديد على نمط 1929) أو خارجها (عبر تحالُف مجموعة البريك مع الاتحاد الاوروبي ضدّها).
متى يمكن أن يحدُث ذلك؟ ربما هو يحدث هنا والآن. وفي خِضمّ هذا الحدث الزلزالي التاريخي، يبدو سؤال ساركوزي في محله، لكن لا لعِلّة ذاتية في شخصية أوباما، بل لدواعٍٍ موضوعية، وهذا أخطر!
تِمثال جميل.. ولكن!
حسناً. أوباما إلى أيْن الآن من هنا؟ الواقع، أن الرئيس الشاب يبدو هذه الأيام كتِمثال جميل تتساقط أجزاؤه قطعَة قطعة. التساقط الأول (الكبير)، كان مع تهاوي مبادرته الكبيرة حول فلسطين والعالم الإسلامي لدى أول مجابهة بيْنه وبين اللوبي اليهودي والإسرائيلي، وهذا حدث أذهل الكثيرين، لأن الرئيس الأسمر أمضى أول سنة له في البيت الأبيض السلطة، وهو يعطي الأولوية لإصلاح ذات البين بين أمريكا وبين خُمس البشرية (العالم الإسلامي)، فإذا به "يستسلِم" سريعاً أمام ضغط 1،000% منها (اليهود).
الآن، أوباما يقف عارياً في البَلاط الدولي ولا تجد وزيرة خارجيته بديلاً، سوى دعم المستوطنات والإحتلال اليهودي للضفة الغربية والقُدس، مع وضع غلالة توت رقيقة، تتمثّل في مواصلة الحديث اللُّغوي عن حقوق الفلسطييين.
بيْد أن هذا السقطة في الشرق العربي،على كِبرها، تهُون أمام شقيقتها في الشرق الإسلامي: أفغانستان، إذ هناك سفح الرئيس أوباما علَناً كل الإدِّعاءات الأخلاقية والمبدئية والديمقراطية، التي استخدم رياحينها لتسلّق السلّم المؤدي إلى السلطة، وانحاز علناً إلى الاستبداد والظلم والفساد، لا بل هو فعل ذلك بطريقة مُقززّة.
ففي الرسالة التي بعث بها الأسبوع الماضي إلى حامد قرضاي ل "تهنئته" بالفوز في الانتخابات، أكّدت كل هيئات الأمم المتحدة أنها مزوّرة من الألِف إلى الياء، طلب رئيس أكبر ديمقراطية في العالم من رئيس أكبر دولة فاسدة في العالم، أن "يتحرّك بسرعة وشجاعة لمكافحة الفساد".
كيف يمكن أن يحدُث هذا: أن نطلب من طرف مُتّهم بالفساد أن يكافِح الفساد، وبسرعة وشجاعة أيضاً؟ ألا يُشبه هذا الطلب من غانية أن تحاضر بالعفّة؟ أو أن نتوسّل أقطاب التطرّف الدِّيني واليميني الإسرائيلي أن يُبشِّروا بالحب والمحبّة بين البشر؟
الرئيس أوباما بفعلته هذه، نسَف بشطحة قلَم كل خُطبه الرنّانة عن الحق والعدالة وحقوق الإنسان والديمقراطية الحقّة، وعاد بشطحة قلَم أخرى إلى المنطق الأمريكي القديم، القائم على توظيف الإستبدايين والفاسدين والمُرتَشين في العالم الإسلامي، لخدمة المصالح الأمريكية، وهذا أمر ليس مُقزّزاً وحسب، بل هو غريب أيضاً، لأن قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، الجنرال ماكريستال كان قد بنى إستراتيجيته الجديدة على مبدأين مُتوازييْن: زيادة عديد القوات الأمريكية بنحو 40 ألف جندي إضافي وإيجاد "شريك" أفغاني يُعتدّ به في كابُل، يحظى بالشرعية الديمقراطية وبدعم الشعب الأفغاني.
القوات الجديدة آتية لا ريب فيها، وإن لم يكُن بالعدد نفسه الذي يطلبه الجنرال، لكن، ماذا عن "الشريك الذي يُعتد به"؟ لقد كان من المشكوك به كثيراً أن تربح أمريكا معركة القلوب والجيوب في أفغانستان، حتى ولو تربّع على عرش كابُل المصنوع من قوائم أطلسية عبد الله عبد الله، منافس قرضاي، الذي يحظى بالفعل بشعبية واضحة. فماذا الآن وقرضاي اللادستوري باقٍ في السلطة من دون شرعية ولا شعبية؟
إنها حقاً بِدايات تعيسة لرئيس بنَى عليه الكثيرون، داخل أمريكا وخارجها، كبير الآمال لتغيير صورة أمريكا في العالم، فإذا به يُعيد إنتاج صورة العالم القديمة عن أمريكا، وحتى بشكل أسوأ.
وغداً، حين يبدأ المؤرِّخون بكتابة تاريخ عهْد أوباما، سيقولون على الأرجح، إنه أكثر رئيس أمريكي بنى عليه الناس توقّعات كبيرة، فإذا بهم يُصابون بخيْبات أمل أكبر.
المصدر: سويس انفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.