تتمثل إحدى القواعد الأساسية البسيطة فى واشنطن فى أنه يمكن التكهن بمصير رئيس ما من خلال الطريقة التى تتعامل بها المؤسسات الصحفية معه. انظروا إلى جورج بوش، فحينما كان فى ذروة مجده عام 2003، تسابق الصحفيون على خدمته، وهو ما قابله بمنحهم أسماء للتدليل ومبادلتهم النكات. لكن مع انهيار سمعته كرئيس نتيجة حرب العراق وإعصار كاترينا، تنافس هؤلاء الصحفيون أنفسهم على إلحاق أكبر قدر من الإهانة به علنيا. وقد كان المؤتمر الصحفى الذى عقده باراك أوباما فى البيت الأبيض الأسبوع الماضى بمثابة نذير شؤم، حيث كان الأسوأ حتى الآن. ذلك أن الصحفيين الذين اعتادوا التعامل معه باحترام، بل وبإعجاب، عاملوه بطريقة تقترب من عدم الاحترام فى ذلك المؤتمر. فقد سأله أحد الصحفيين عما إذا كان رد فعله تجاه الأزمة الإيرانية يتسم بالجبن والضعف. وتندر صحفى آخر على الرئيس وسأله حول عادات التدخين السرية التى يتبعها. وقد جعلت هذه الطريقة فى المعاملة أوباما فى حالة غضب، حيث احتج قائلا: «لقد أدركت الأمر، إنك تحاول الترويج لشىء ما». الواقع أن أوباما كان يدرك أنه يتعرض لنقد شديد يأتيه من اليمين ومن اليسار ضد كل من أجندته الخارجية والداخلية. وبينما تقترب فترة رئاسة أوباما من ستة أشهر، أصبح عمله أقل إبهارا وأكثر إنهاكا. وبات حلفاؤه فى الكونجرس فى حالة اضطراب، وأصبحنا نشهد لأول مرة روح الفشل والإحباط تلوح فى الأفق. ويُعد ذلك مصدر النغمة الجديدة التى ترددها مؤسسات الصحافة التابعة للبيت الأبيض، وهى مؤسسات أصبحت تقوم بافتراس الضعيف، مثلها مثل الحيوانات فى البرية. لكن علينا ألا ننخدع بهذه اللحظة المظلمة. ذلك أن فرص أوباما فى الأجل الطويل لاتزال مشرقة. إذا بدأنا بالجبهة الداخلية، نجد أن أوباما يواجه تحديين هائلين، أولهما الاقتصاد، حيث أدى الإعلان المفاجئ عن تصاعد البطالة الأسبوع الماضى إلى إحباط الآمال باقتراب نهاية التباطؤ الاقتصادى. ففى ظل ارتفاع نسبة البطالة لتصل إلى 10%، وهى نسبة أعلى مما توقعته الإدارة الأمريكية، احتشد الجمهوريون حول مقولة إن خطة أوباما للإنعاش الاقتصادى وتكلفتها 787 مليار دولار وجرى إقرارها بقانون صدر فى فبراير الماضى فشلت وإنها تُعد من قبيل التبديد وتؤدى إلى تضخم فى عجز الموازنة. وقد تساءل جون بوهنر زعيم الأقلية الجمهورية فى مجلس النواب «بعد كل ما تم إنفاقه، أين الوظائف الجديدة»؟ ويتخيل البعض من زملاء بوهنر أنه يمكن عن طريق اللجوء إلى هذه المقولات استعادة السيطرة على مجلس النواب فى انتخابات التجديد النصفى المقرر إجراؤها فى 2010. وفى حقيقة الأمر، فإنه إذا لم يتعاف الاقتصاد خلال السنة المقبلة فلن يمكن لأى قدر من الأمل والتغيير إنقاذ أوباما. لكن انتخابات التجديد النصفى فى 2010، التى من المقرر أن تصبح الاستفتاء الأول الحقيقى على أدائه، مازال أمامها 16 شهرا، وهو ما يعطى وقتا طويلا للاقتصاد الأمريكى كى يتعافى. والأكثر من ذلك، تشير استطلاعات الرأى إلى أن معظم الأمريكيين لايزالون يحمّلون بوش المسئولية عن الركود الاقتصادى. وعلى الرغم من أن أموال الحوافز الاقتصادية لاتزال توزع ببطء، وهو ما يثير الإحباط، فإن هذا الوضع سوف يتغير قريبا، حيث إنه من المرجح أن يؤدى تأثير الحوافز الاقتصادية إلى نتائج جيدة قبل انتخابات التجديد النصفى، مما يقضى على آمال الكثير من المرشحين الجمهوريين. أما الرعاية الصحية فتعتبر التحدى الثانى لأوباما على الصعيد المحلى. ويفهم كل من يتذكر محاولات بيل وهيلارى كلينتون فى عام 1994 لتمديد مظلة التأمين الصحى، كى تشمل ال40 مليون أمريكى المحرومين منه، أن إساءة التعامل مع هذه القضية قد تصيب الرئيس بالشلل. وقد بدأ الكونجرس فى صياغة خطة للرعاية الصحية وفقا لإرشادات الرئيس. غير أن النتائج الأولية لم تكن جيدة. فقد تضمنت الخطة إنفاق مبالغ مرتفعة للغاية (تصل إلى 1.6 تريليون دولار وفقا لأحد التقديرات الأولية من جانب لجنة المالية بمجلس الشيوخ)، من أجل منح خدمة التأمين الصحى لعدد قليل نسبيا من الأمريكيين. كما أن الديمقراطيين لم يستقروا بعد على كيفية تمويل هذا التوسع فى الإنفاق على الرعاية الصحية. وعلى الرغم من قلق العديد من أعضاء الكونجرس الديمقراطيين إزاء ارتفاع تكلفتها المتوقعة، فإنها لاتزال تحظى بشعبية بين الناخبين الذين يتوجه إليهم هؤلاء الأعضاء. والأكثر من ذلك، كان التنسيق بين الجمهوريين وجماعات ضغط الأعمال بطيئا فى مواجهة خطة أوباما ووضع البدائل المعقولة لها. ويعتبر المخططون الإستراتيجيون فى اللجنة القومية للجمهوريين مثل هذا التنسيق أمرا حاسما إذا كان للنصر أن يتحقق. وقد قال رام إيمانويل كبير موظفى البيت الأبيض بشأن برنامج أوباما للرعاية الصحية: «إن النجاح هو الأمر الوحيد غير القابل للتفاوض». وتُعد الأغلبية الديمقراطية فى الكونجرس كبيرة بما فيه الكفاية كى تُمكن إيمانويل من الوفاء بكلمته. ويتحسس أوباما طريقة فوق حقول الألغام الأخرى فى مجال السياسة الداخلية. وتعد الخطة الضخمة التى أقرها مجلس النواب للحد من التغير المناخى أكثر ما يثير توتر حلفاء أوباما الديمقراطيين أكثر من خطة الإصلاح الصحى مرتفعة التكلفة. ذلك أنه أيا ما كانت أهمية مسألة التصدى للاحتباس الحرارى، فإن دعم الشعب الأمريكى لقضايا البيئة ينحسر بشكل كبير فى أوقات المحن الاقتصادية. لكن انتظروا من أوباما أن يستقر على خطة متواضعة تتضمن نصرا رمزيا بدلا من القبول بهزيمة سياسية قاسية. ويمكنه العودة إلى مسألة التغير المناخى لاحقا، إذا كانت هناك حاجة إلى ذلك. وقد يزعج ذلك الليبراليين، ممن يبدون غضبهم إزاء عزوف أوباما عن اتخاذ الإجراءات الكافية لدعم زواج المثليين أو محاكمة الذين أجازوا التعذيب فى أثناء حقبة بوش. ولكن عندما يحتدم الموقف، هل سيترك هؤلاء المنتقدون أوباما؟ كلا، ليس من المرجح ذلك. ويُعد التنبؤ بما ستئول إليه الأمور فى مجال السياسية الخارجية أمرا أكثر صعوبة. فلايزال أوباما فى مرحلة تعلم القيام بوظيفته. خذ على سبيل المثال الأحداث الأخيرة فى إيران. فى البداية لم يقل أوباما شيئا يُذكر لتشجيع المحتجين. وبعد ذلك شن هجوما عنيفا على النظام الإيرانى. ولا يمكن إنكار أن رد الفعل هذا غلب عليه التردد، وهو ما أدى إلى اتهام أوباما ب«الجبن والضعف». لكن الجانب المشرق من الأمر يتمثل فى أن العالم رأى الوجه القاسى للنظام الإيرانى، وهو ما سيجعل بإمكان أوباما كسب التأييد لفرض عقوبات دولية قاسية فى حالة فشل المساعى الدبلوماسية للحوار مع إيران كى توقف تصنيعها للقنبلة النووية وهو الأمر المرجح حدوثه. ثم تأتى أفغانستانوباكستان. وحتى هذه اللحظة، لايزال أوباما فى وضع من يقوم بإدارة الأزمات، حيث حاول حماية حكومة إسلام أباد من الانهيار، وأقال قائد القوات الأمريكية فى أفغانستان نتيجة سوء إدارته للحرب هناك. لكن من المحتمل أن تتحسن الأوضاع فى كلا البلدين. فأخيرا بدأ الجيش الباكستانى فى قمع الإسلاميين المتشددين. وفى الوقت نفسه، أمر أوباما بزيادة عدد القوات الأمريكية فى أفغانستان بمقدار 21 ألفا. ويعتقد العديد من المحللين أنه مثلما كان عليه الحال فى العراق، يمكن كسب الحرب فى أفغانستان إذا تم الدفع بعدد كاف من القوات وتبنى إستراتيجية صحيحة لمكافحة التمرد. وفى ضوء ذلك يمكن تخيل شكل العالم فى الأول من يونيو 2010 على النحو التالي. سيكون الاقتصاد قد تعافى، وسيُعزى الفضل فى ذلك لحزمة الإنعاش الاقتصادى التى أقرها أوباما. وسيكون قد تم إقرار قانون إصلاحات صحية ضخمة (وإن كانت ليست كاملة)، وهو ما يعطى أوباما الفضل فى تحقيق إنجاز تاريخى فى السنة الأولى لرئاسته. وسوف تكون إيران قد ظهرت على حقيقتها أمام المجتمع الدولى بقيادة أوباما، وهو ما قد يؤدى إلى اندلاع انتفاضة أخرى للإصلاحيين ضد رجال الدين. وسوف تكون طالبان قد هُزمت فى النهاية فى كل من باكستانوأفغانستان. وبالمناسبة، ستكون أمريكا قد سحبت معظم قواتها من العراق. وسوف يتطلب الأمر قدرا من الحظ وكثيرا من المهارة السياسة كى يحقق أوباما تلك النتائج الرائعة وهو الأمر الذى لا يثق فيه الكثير. لكن الأمر سيتطلب شيئا آخر، وهو الدعم الحاسم من جانب الديمقراطيين. وتوجد بعض الدلالات على أن بعض الأعضاء الديمقراطيين يدرسون استطلاعات الرأى والبيانات الاقتصادية ويتساءلون إذا كان ممكنا أن تتباعد مصلحتهم الذاتية عن مصالح الرئيس قريبا. لكن واقع الأمر هو أن مصير الديمقراطيين مرتبط لا محالة بنجاح أوباما. ذلك أنه بدون أوباما لا يحظى الحزب الديمقراطى بشعبية متميزة. ويجب على الديمقراطيين المضطربين أن يتذكروا أن المضى قدما فى أجندة ضخمة مثل أجندة أوباما لن يكون بالأمر السهل أبدا. لكنه حتى فى مثل هذه اللحظات الصعبة، تتواصل شعبيته وتظل آفاق النجاح بالنسبة إليه أوسع مما يبدو. وقد يكون عليه أن يرفع شعارا جديدا لحزبه هو: «نعلو باتحادنا، ونسقط بانقسامنا».