وصف السفير نبيل فهمى، سفير مصر السابق فى واشنطن، الرئيس الأمريكى باراك أوباما، بأنه شخصية استثنائية فى تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، مؤكدًا أن التعامل معه أصعب من التعامل مع سلفه جورج بوش، وأن جماعات الضغط واللوبى اليهودى، سعت إلى تخفيض المعونة الأمريكية لمصر، من خلال تأليب الكونجرس وسياسات الرئيس الأمركى السابق بأنها «مستفزة». وقال فهمى فى حواره مع «المصرى اليوم»: «إن الرئيس الأمريكى الجديد لم يقع فى أخطاء بوش، وقال إن أوباما جاء إلى القاهرة للدفاع عن مصالح الولاياتالمتحدة وحماية أمنها القومى، مستنكرًا الأصوات التى قالت إن إلقاء خطابه من القاهرة يزيد من مكانة مصر، موضحًا أن مكانة القاهرة ترتفع وتهبط بمواقفها، وأن استشهاد الرئيس الأمريكى بآيات القرآن الكريم، كان تمهيدًا للتطرق إلى القضايا محل الخلاف بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامى. * فجأة انقلب عداؤنا كعرب ومسلمين لأمريكا إلى حب وترحيب وتصفيق للرئيس الأمريكى.. ما سر ذلك، هل هو «أوباما» نفسه أم كلامه الإيجابى عن الحضارة الإسلامية؟ - أولاً، وقبل أى شىء يجب أن نتفق على أن «أوباما» شخصية استثنائية لم تحدث فى تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية من قبل، ولا شك أن نشأة هذا الرجل لعبت دورًا مهمًا فى صناعة المشهد المثير الذى رأيناه جميعًا يوم 4 يونيو، فى جامعة القاهرة، فوالدته أمريكية، بيضاء مسيحية، والأب كينى، أسود، ومسلم، وهذا فى أمريكا وضع غير مرحب به على الإطلاق، مثل هذا الزواج يكون منبوذًا، مثله مثل الأقلية السوداء، فضلاً عن ذلك فإن أوباما عاش بعد غياب والده فى إندونيسيا فى منزل زوج أمه. والشىء المهم أن «أوباما» درس فى أكبر الجامعات الأمريكية فى «كولومبيا» و«هارفارد»، والأخيرة هى أهم جامعة فى العالم يمكن أن تدرس فيها القانون، وبعد تخرجه لم ينضم إلى مكتب محاماة كبير، لكنه اتجه للعمل فى المجالس المحلية فى المناطق الفقيرة، فى شيكاغو، ولقد انتخب رئيسًا لتحرير مجلة القانون الدولى التى تُعد أهم وأرفع المجلات القانونية فى أمريكا بل فى العالم. وعندما ظهر أول مرة والتفتت إليه الأنظار، كان فى حفل اختيار الحزب الديمقراطى للمرشح «جون كيرى» ليكون منافسًا لجورج بوش الابن، والمنتهية ولايته الأولى، آنذاك. * هل لفت خطابه آنذاك الأنظار نحوه؟ - فى هذا الحفل ألقى «أوباما» كلمة غاية فى البراعة وجذب الأنظار له كشاب عمره لم يتجاوز 43 عامًا وأسود وصاحب شخصية مؤثرة وأنا شخصيًا كنت موجودًا فى هذا الحفل بولاية «بوسطن» وشاهدت الناس منذ اللحظة الأولى، عقب انتهاء كلمته تسأل عن شخصية هذا الرجل وسمعت بنفسى أعضاء الحزب يقولون عنه إن هذا الرجل هو المستقبل، وسيكون مرشحًا للحزب عام 2016 بعد أن تنتهى ولاية «جون كيرى» إذا نجح واستمر 8 سنوات وإذا لم ينجح يمكن أن تترشح «هيلارى كلينتون». لكن «أوباما» كسياسى «محنك» وبارع فى قراءة الأحداث السياسية، عرف أن الشعب الأمريكى، مع اقتراب نهاية ولاية بوش، أصبح يشتاق إلى التغيير بقوة. * كيف استثمر «أوباما» ذلك، وهناك شخصيات قوية فى الحزب، تنتظر الترشح لخلافة بوش؟ - «أوباما» رأى أنه الأنسب لهذه المرحلة، لذلك نشط كسياسى بشكل كبير، ورغم أنه جاء من العمل فى المحليات، ولم يكن قد مرت عليه دورة واحدة فى مجلس الشيوخ، فمع ذلك قدم اسمه فى الحزب الديمقراطى كمرشح للرئاسة، لأنه أدرك أن مناخ التغيير الآن وليس بعد أربع سنوات مقبلة، وفى هذا المناخ يمكن أن ينتخب الأمريكيون شابًا أسود، أمه بيضاء ووالده كينى، لكن فى مناخ عادى وطبيعى، فاختياره مسألة صعبة، بل تكاد تكون شبه مستحيلة. * ماذا عن أوباما على المستوى الشخصى؟ - لاشك أن «أوباما» على المستوى الشخصى جذاب ومتميز، ومتحدث لبق للغاية، ويعرض أموره وأفكاره بشكل منطقى ومنهجى، والأهم من ذلك أنه منفتح على الغير، لأن الغير بالنسبة له لا يمثل خطرًا، لأنه أساسًا كان جزءًا من هذا الغير، فهو ليس من الأغلبية الأمريكيةالبيضاء، إنما من الأقلية السوداء. وفى حفل تنصيبه وقف يقول للأمريكان: يجب أن تتوقفوا عن الإسراف والبذخ وعليكم أن تتحرروا من أسلوب معيشتكم، وتتفهموا العالم من حولكم، وأن علاقتنا بالآخرين تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وتحدث عن أهمية التواصل مع العالم الإسلامى، وبالتالى زيارته لمصر وخطابه للعالم الإسلامى لم يكن وليد صدفة بل هناك تصور منذ البداية فى ذهن الرئيس «أوباما» حول علاقته مع العالم الإسلامى. * عدد غير قليل من الخبراء اعتبروا خطاب «أوباما» لم يكن موجهًا للعالم الإسلامى بل إلى منطقة الشرق الأوسط، وأن هذا الخطاب لا يعنى المسلمين فى باكستان وإندونيسيا مثلاً، فما رأيك؟ - بغض النظر عن هذا الكلام، هناك أمور أساسية يجب أن ننتبه إليها ونسعى لتحليلها وفهمها، أنا مثلاً حضرت عشرات المناسبات والاحتفالات أثناء ولاية الرئيس بوش، والذى تحدث كثيرًا بشكل إيجابى عن الإسلام، وذكر أكثر من مرة أنه ليس ضد المسلمين، ولا يكن كراهية لهم أبدًا لكن حتى لو كان صادقًا فى ذلك، فإن هذا الكلام كان يتبخر فى اليوم التالى مباشرة، وما أكثر المرات التى حضرت فيها وسمعت هذا الكلام بنفسى من الرئيس بوش فى جميع المناسبات الإسلامية فى شهر رمضان وغيرها، وكان ممكنًا لأوباما أن يلقى كلمته للعالم الإسلامى من واشنطن لكنه أدرك أن مجيئه إلى السعودية والقاهرة حدث سياسى فى حد ذاته، و«أوباما» نجح فى تقييم الوضع السياسى فى أمريكا تمامًا والوقوف على أبعاد نظرة العالم لأمريكا الآن، خصوصًا العرب والمسلمين، لذلك قال وقبل أن يأتى للقاهرة إن مهمته الأولى هى الدفاع عن المصالح الأمريكية وحماية الأمن القومى الأمريكى. * المصالح الأمريكية فقط؟! - ليس كذلك بالضبط، والأمر ليس بهذه السهولة، ويجب أن نعرف أن «أوباما» مختلف تمامًا عن «جورج بوش»، ويجب أيضًا أن نبعد أذهاننا عن نظرية المؤامرة. ولاشك أن اختياره لمصر، اختيار موفق للغاية ومنطقى جدًا، لأنه يريد أن يوصل رسالة إلى أكبر عدد من المسلمين، كما أن القضايا سبب التوترات بينه وبين العالم الإسلامى، أغلبها قضايا عربية، أو تتعلق بالمنطقة، إذن من المنطقى أن يختار دولة عربية لها نشاط سياسى وفى وسط العالم الإسلامى، ولها تأثير فى العالمين العربى والإسلامى بشكل أو بآخر، وكان من الممكن أن يختار دولة بها عدد كبير من المسلمين مثل إندونيسيا، لكن لا توجد علاقة بينها وبين العرب. وأنا أرفض تمامًا الأصوات التى تقول إن مجيئه لمصر يزيد من مكانتها الآن، مكانة مصر ترتفع بما تفعله وتقل بما تفعله ولا شىء آخر غير ذلك. * ما رأيك فى استقبال «أوباما»؟ - الحقيقة أنه استقبل، بشكل جيد ومشرف، والصحافة المصرية استقبلته قبل أن يأتى بأسبوع على الأقل، واللافت للنظر فعلاً ما جرى عندما كان يستعد لإلقاء خطابه من جامعة القاهرة، فقبل أن يقول كلمة واحدة شاهدت تصفيقًا حارًا، وكنت موجودًا فى القاعة واندهشت، لكن هذا الموقف ماذا يعكس وعلام يدل؟ ببساطة شديدة يدل على أن الشعب المصرى مُسالم، ولا يعرف الكراهية وأهله يرحبون بالحوار مع أى أحد فما بالك إذا كان هذا هو رئيس أكبر دولة فى العالم وقادم وذراعاه مفتوحتان، ويده ممدوة لنا، كما يقول؟! لذا فجأة اختفى الكلام عن كراهية أمريكا وغاب مشهد العداء لها فجأة، بعد أن ظللنا نتحدث عنه على مدى سنوات طويلة. * ما رأيك فى الانتقادات التى وجهت لخطابه؟ - هو منذ البداية كان محددًا من قبل أن يأتى ويعرف ماذا يريد، وقال أكثر من مرة أنا أريد أن أفتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامى، والنصف الأول من الخطاب كان موجهًا لقلوب المسلمين ومخاطبة عواطفهم، فقد أظهر احترامه للدين الإسلامى وتقديره للمسلمين ولإسهاماتهم الحضارية، واعترف بدورهم فى بناء الحضارة الأمريكية الحديثة، وبعد أن انتهى من النصف الأول من الخطاب واستشهاده بآيات القرآن الكريم، كان قد حقق أهدافه ومهد لنفسه الطريق للحديث فى القضايا التى هى محل خلاف مع العالم الإسلامى. ولأنه يعرف أن العواطف تهدأ سريعًا مثلما تفور سريعًا فإنه فى النصف الثانى من الخطاب وعندما طرح النقاط السبع التى تحدث فيها كان يخاطب العقل، وبكل صراحة فإن النصف الأول من الخطاب كان رائعًا و«أوباما» كان بارعًا فى أدائه، لأنه لم يخطئ خطأ ولم يظهر عليه أنه يحاول أن يحقق توازنًا بين الآراء، وتحدث بصدق وإخلاص، لذلك وصل كلامه ومس قلوب المستمعين جميعًا. طبعًا هو قال كلامًا يحسب عليه فى أمريكا، وقد وجهت له بعض الصحف الأمريكية والغربية انتقادات شديدة بسبب اعترافه بأن بعض أسباب الإحباط فى العالم الإسلامى هى الظروف السياسية التى أفرزتها الحرب العالمية الثانية وتسبب فيها الغرب وأمريكا. * هل ما قاله «أوباما» فى النصف الأول من خطابه عن الدور الحضارى للمسلمين، يعكس قناعاته الشخصية أم مجرد كلمة أعدها عدد من المستشارين؟ - كل رئيس دولة مسؤول عن الكلام الذى يقوله، ومثلما نحاسبه على أخطائه، من حقه أن نقدر له إنجازاته ونعترف بها، ومنذ كان مرشحًا للانتخابات، فقد تحدث بصراحة عن نيته لإقامة علاقة جديدة مع العالم الإسلامى، وفى خطاب تنصيبه أعاد تكرار هذا الكلام، وفى الخطاب الأخير أكد مجددًا هذا الكلام. والأهم من ذلك أنه فى خطابه عندما شرح المشكلة بين بلاده والعالم الإسلامى شرحها بشكل سياسى، ولم يرجعها إلى صراع الحضارات أو الإرهاب أو لأسباب أيديولوجية ولا لتقدم هناك ولا تخلف هنا، فهو أرجع المشكلة برمتها إلى أسباب سياسية، وبالتالى تحدث عن مفاهيم وتحليل سياسى للمشكلة، وكل مشكلة سياسية يمكن أن نحلها أيضًا بشكل سياسى، ومن ثم فإن منهجه مختلف تمامًا عن سلفه.. هل هى مجرد قناعة أم براعة أداء أم حسن صياغة أم كل ذلك؟! أنا أعتقد أنه كل ذلك. * كيف يتم إعداد الخطابات للرؤساء فى مثل هذه المناسبات، خاصة فى أمريكا؟ - حسب معلوماتى ووفق ما هو متبع فإن أسلوب إعداد أى خطاب، يكون بأن المساعدين يستمعون للرئيس ويتناقشون معه فيما يريد أن يطرحه، ويقومون بإعداد مشروع للخطاب أو مسودة له. وليس معنى ذلك أن 40 مستشارًا يعملون فى كتابة الخطاب أو أن كل واحد منهم يقوم بإعداد خطاب ثم يعرضه على الرئيس.. فى أمريكا هذه مسألة لها ضوابط وأصول، والرئيس هو الأساس فى الموضوع وممكن له الأخذ برأى مساعديه ومستشاريه ومن حقه أن يرفضه، فلا أحد يفرض شيئًا على الرئيس إلا إذا اقتنع به. وكل الأفكار التى طرحها الرئيس الأمريكى فى خطابه تعكس قناعاته السياسية، ولا علاقة لها بقناعاته الدينية أو العقائدية. لكن ما أريد التأكيد عليه أن «أوباما» شخص مختلف، فهو لا يشبه السياسيين الموجودين حاليًا فى أمريكا، فهو مثلاً مختلف عن «باول» و«تشينى» و«رامسفيلد»، الذين عاشوا الحرب الباردة، فهو ليس من هؤلاء الذين يخضعون لأفكار ونظريات هذه الحرب، فهو شاب منفتح على العالم يستخدم الإنترنت والفيس بوك وجميع الوسائل الحديثة لمخاطبة الشباب فى كل أنحاء العالم، واستعان بهذه الوسائل فى حملته الانتخابية الرئاسية. وتقديرى أن «أوباما» يحل القضايا بطريقة مختلفة وهذه الطريقة تقوم على نظرية أو معادلة مزدوجة وهى «المثالية» و«الواقعية»، فهو عندما يتحدث عن قضية أو موضوع، يبدأ بطرح قيم ومبادئ ثم يطرح الحل الممكن الذى يتناسب مع الواقع، وهذه هى فلسفته كما هو واضح من كل خطاباته وتصريحاته. * هل هناك دلالة محددة لاستخدامه فى خطابه مصطلح التشدد دون كلمة الإرهاب أو الحرب على الإرهاب؟ - بالطبع، هناك دلالات قوية، وأود أن أضيف أنه عقب انتخابه مباشرة، صدرت تعليمات منه تمنع بشدة استخدام كلمة «الإرهاب» من قبل رجال الإدارة، ولا يتم استخدام مصطلح «الحرب على الإرهاب»، الذى أصبح شائعًا فى كل أنحاء العالم، رغم أن استخدام هذا المصطلح يكون له صدى واسع داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويدفع الرأى العام الأمريكى إلى تأييد قرارات الحكومة، لكن «أوباما» كان يدرك أن هذا المصطلح يتسبب فى خسارة الأمريكيين فى الخارج، خصوصًا فى العالم الإسلامى والمنطقة العربية وفى بعض المناطق من آسيا وأفريقيا. * ما رأيك فى طرح «أوباما» بشأن عملية السلام وحل القضية الفلسطينية؟ - بالنسبة لعملية السلام قال كلامًا مفيدًا جدًا، وإذا سألنا أنفسنا نحن كعرب ماذا نريد، لفلسطين تحدث أوباما عن دولة مستقلة ووقف الاستيطان، وشدد على أنه لا سلام دون وقف بناء المستوطنات، صحيح أنه تحدث عن المحرقة اليهودية وتحدث بنبرة أقل عن معاناة الفلسطينيين، فهذا ليس المهم بالنسبة لنا، المهم لنا كعرب، النتيجة أو المحصلة النهائية من خطابه وماذا علينا أن نفعل، لأنه بعد ذلك مطلوب أن يتوحد الفلسطينيون ويسيطروا على الوضع الأمنى، وقال من بين ما قال إن على العالم العربى أن يكون لديه يقين بأن مبادرة السلام العربية هى بداية الطريق وليس نهايته وهذا فى رأيى كلام مهم، لأن معناه أن العرب عليهم الاستمرار فى طرح قضيتهم والتأكيد على موقفهم من مبادرة السلام من خلال العمل الدائم والمستمر. ثم تحدث عن القدس، وقال كلامًا يغضب إسرائيل تمامًا، وقال إنها لجميع الأديان، وإذا أردت أن أحلل كلام أوباما فى هذا الشأن للخارجية المصرية، أسأل نفسى لماذا لم يتحدث «أوباما» عن حدود 67، ولماذا لم يتكلم عن إزالة المستوطنات ولماذا لم يقسم القدس؟ فإذا حللنا تحليلاً سياسيًا سنصل إلى نتيجة أكثر إيجابية، لأنه قال كلامًا لم يكن مُلزمًا أن يقوله، فعندما ذكر أن القدس لها مكانة عند جميع أبناء إبراهيم المسيحيين والمسلمين واليهود، فهذا معناه أنه يرفض أن يسيطر عليها أحد بشكل منفرد، وبالتالى أنا أرى أن الإدارة الأمريكيةالجديدة تتجه لحل قضية القدس وفيما يتعلق بقبة الصخرة انطلاقًا من مفاهيم دينية، ومن ثم لن تكون هناك سيادة لأحد على جميع المناطق، لكنه سيكون اتفاقًا على إدارة واحدة لهذه المناطق دون اتفاق على سيادة واحدة، وهذا تقديرى الشخصى وتحليلى، فهو لم يقل هذا الكلام. * ما رأيك فى تناوله القضايا المطروحة على الساحة، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرهما؟ - الحقيقة عندما تناول هذه القضايا، تناولها بطريقة إيجابية، فلم يقل إننا نريد كذا وكذا كما كان يفعل بوش، وإنما قال نتمنى أن نصل إلى كذا وكذا، وقال ذلك بنبرة هادئة ومعتدلة وفيها إيجابية وقال: أنا مستعد للتعامل مع أى حكومة منتخبة ديمقراطيًا، بشرط أن تكون حكومة سلمية وتتعامل بشكل شرعى مع الأقليات. والبعض يفسر هذا الكلام بأنه مستعد أن ينفتح مع التيارات الإسلامية السلمية، والبعض يفسره أنك حتى لو كنت منتخبًا ديمقراطيًا فإنه عليك أن تعترف بإسرائيل وتخضع للإملاءات الأمريكية حتى يعترف بك ويتعامل معك. الخلاصة التى أريد أن أقولها هى: إن وجود «أوباما» على رأس الإدارة الأمريكية، يفرض علينا تحديات صعبة، وأقول إن التعامل مع جورج بوش كان سهلا،ً لأنه كان يتخذ المواقف المتشددة، وعليك أن ترفضها أو تقبلها، ومن ثم كانت الخيارات سهلة. أما «أوباما» عندما يمد يده لك ويقول تعال نتحاور فإنه بذلك يمنحك فرصة وفى الوقت نفسه يعرض عليك تحديًا وفى هذا الوضع لا يكفى أن نتعامل معه كما كنا نتعامل مع سلفه، ونكتفى بالرفض أو القبول، الآن علينا أن نكون أكثر إيجابية، وهو سيتكلم مع إيران ومع كوريا ومع كوبا ومع كل من لديه القدرة على الحوار، و«إذا لم تلق له بالكرة فسوف يرميها إليك». وإذا نظرنا إلى السلوك الإسرائيلى فمثلاً، نجد «نتنياهو» رئيس الوزراء الإسرائيلى، قال إنه سيلقى خطابًا عن «عملية السلام»، ولم يتحدث هذه المرة مثلما كان يتحدث فى عهد بوش عن الإرهاب والخطر الإيرانى. * ما الفرق بين ما كان يطرحه بوش بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية فى مصر وما طرحه أوباما.. ولماذا نرفض ما قاله بوش ونقبل ما يقوله أوباما، رغم أن المضمون واحد؟ - هناك فرق شاسع بين الاثنين، فأوباما لم يدع أنه سيكون حكمًا على ما تم إنجازه من إصلاحات، وقال نصًا إنه ليس لديه قالب ديمقراطى ليفرضه على أحد، وكل ما قاله إنه يجب أن تكون لكل حكومة علاقة مع شعبها، ويكون لهذا الشعب حقه فى محاسبتها، وأنه سيتعامل مع الحكومات المنتخبة ديمقراطيًا وهو حر. ولو أخذنا مسألة الديمقراطية كمعيار نجد أنه لا خلاف بين ما يطرحه أوباما وبين قناعتنا نحن المصريين، حيث نرى أننا أنجزنا خطوات فى طريق الديمقراطية، ونسعى من أجل تحقيق المزيد. ولعلمك أول رئيس أمريكى طرح علينا موضوع الديمقرطية كان الرئيس «كارتر»، وليس بوش، ويجب أن نعرف أن خلافنا مع بوش كان على شيئين الأول الموقع الذى وضع فيه بوش نفسه كحكم يقرر ما الذى أنجز فى موضوعات الديمقراطية ويقول إذا كان راضيًا عنه أم لا والثانى، الأسلوب الذى تعامل به بوش مع الموضوع، فقد كان مستفزًا وغير مقبول. أوباما أيضًا تجاوز فكرة أن يتحدث عن أشخاص بأعينهم من المعارضين فى الساحة المصرية، مثلما كان يفعل بوش، وأعتقد أن هذا وعى من «أوباما» وفى عام 2005 قال بوش فى تصريحات إنه يأسف لأن الحكومة المصرية ترفض وجود مراقبين دوليين على الانتخابات، وكنت موجودًا وقتها فى واشنطن وشعرت بخيبة أمل من هذه التصريحات، لأن بوش لم يتحدث معنا فى هذا الموضوع أساسًا، ولم نناقشه ومن ثم اندهشت من أن تصدر منه هذه التصريحات.