شبه الجزيرة العربية.. الخليح العربي.. العراق بلاد الرافدين.. سورية وبلاد الشام.. الجنوب واليمن السعيد.. مصر.. وبلاد المغرب الكبير.. وخصوبة السودان.. هي بلاد وحكايات غارقة في حروب وفوضى وانقسامات.. هي بلاد يرتع فيها الإرهاب عن إصرار... هي بلاد اللغة الواحدة والإله الواحد.. هي بلاد الوحدة التي عصت عليها. الضالون كثيرون، لا يدركون ما يفعلون في تفتيت الكيان العربي. وتفليس هذه الجزيرة الثرية.. أشرار مناكيد التاريخ يفجون من كل ركن دني وقصي يلعبون نفس الحيل في التفتيت. ويحكى أن، في الركن الأقصى من القارة الآسيوية نشبت حرب مدمرة غاية في الإرهاب الفكري والعقائدي بين دولتين هما في الأصل كانتا دولة واحدة.. عم الخراب والانقسام في شبه الجزيرة التي كانت بالكاد تتعلق في اليابسة الصغيرة الموحدة المعروف ب «كوريو أو بلاد الصبح الهادئ».. وهى بلاد وصفها المقريزي الرحالة العربي الشهير، بقوله: «بلدة في غاية الطيب، لا يرى بها ذو عاهة من صحة هوائها وعذوبة مائها وطيب تربتها. أهلها أحسن الناس صورة وأقلها أمراضا.. وأن الماء إذا رش في بيوتها تفوح منه رائحة العنبر، وهي قليلة الآفات والعلل، قليلة الذباب والهوام. إذا اعتل إنسان في غيرها ثم نقل إليها زالت علله». وهو نفس ما كان عليه هوى الشام وطيب بلادنا العربية! هذا ما كان من تلك الجزيرة عندما كانت إمبراطورية موحدة وقوية وثرية، أما ما صار لها من انفصال وتجزئة وتقسيم وحدود نتيجة لسوء عسر فَهْم أولادها وانقسامهم الفكري والأيديولوجي ورغبة كل نفر منهم في السيطرة والاستحواذ على الآخر، بل إجباره على اعتناق منهجه الفكري العقائدي حد التضييق على الحريات وممارسة الديكتاتورية في أبشع صورها في نعت الآخر بالتطرف والتخوين بينما كان الهدف الأساسى سياسيا وصراعات القوى العظمى في حربها الباردة التى تقودها أمريكا في فرض نفوذها وتعجيز العالم وحصاره بقوتها.. وكان ما كان من تلوث بلاد الصبح الهادئ وتعكر هواها وتغلظ وتحجر تسامح وطيبة أهلها.. وفي فجر صباح مغبر من عام 1950م، شن شمال الجزيرة الشيوعي الاشتراكي الستاليني الحرب على جنوبها الديمقراطي اليميني الرأسمالي الليبرالى... حرب مصطلحات في بلد ما كانت تعرف إلا أخلاق الطريق الكونفوشيوسية الوادعة في مملكة الناسك! عُرِفت هذه الحرب عالميا بالحرب المنسية، ولكنها لم تكن نسيا منسيا بل خلفت جراحا عميقة في نفوس شعبها الذي يعاني حتى الآن من نار التقسيم. ليس تقسيم الوطن الواحد فحسب بل تقسيم الأسرة والأخ وأخيه وتشتيت العائلات الواحدة بين الشمال والجنوب، ويدفعهم الحنين برغم أنف الديكتاتور الشمالي إلى لم الشمل وزيارة أراضي وقبور الأجداد في الشمال! ومن سخرية القدر في سياق الحروب الضالة، دائما ما تكون أعداد الضحايا المدنيين ضعف ضحايا العسكريين، فقد بلغ عدد الخسائر البشرية في هذه الحرب ما بين قتيل ومفقود وجريح نحو 5 ملايين شخص، كما تجاوز عدد ضحايا المدنيين الكوريين مليون قتيل لا بهم ولا عليهم.. وعلى سبيل الربط، هل يعرف مَن يحرك المنطقة العربية نحو مصير الحرب الكورية، كم وصل عدد ضحايا اليمنيين والسوريين؟ ابحث عَن من يحرك الضالين من أبناء الوطن الواحد ستجد أمريكا.. تدخل وتفرش وتقتنص وتفتت ليس حقدا أو غيره بل من أجل مصالحها ونفوذها وفرض سيطرتها وحفظ مكتسباتها من المنطقة العربية.. مثلما كانت ترى في كوريا خصوصا بشطرها الجنوبي الجبل الأقوى الذي تتحكم منه في البوابة الجنوبية الآسيوية، وعليه يمكنها أن تقذف اليابان وروسيا والصين في وقت واحد وبعيدا عن أراضيها! ذهب ملوك العرب ورؤساؤهم خلف المملكة السعودية للترحيب بالرئيس الأمريكي «ترامب» في قلب شبه الجزيرة العربية، لعقد صفقات القمة الإسلامية الأمريكية (!)، وهو نفس الترحيب الذى وجده الرئيس الأمريكي «هاري ترومان» من الكوريين في الماضي ووضع القدم الأمريكية على شبه الجزيرة الكورية مقابل اتفاقية الدفاع المشترك عن كوريا الجنوبية بحجة مقاومة الإرهاب الشمالي، فلا أمريكا حجمت الديكتاتورية الشمالية ولا خرجت من الديمقراطية الجنوبية (!). وعلى موال الديني والمذهب العقائدي، ساندت أمريكاكوريا الجنوبية في حربها بمبدأ» إذا خذلنا كوريا، سيواصل السوفيت تقدمهم وسيبتلعون بلدا إثر الآخر وستنتصر الشيوعية الملحدة» كان الصراع في شبه الجزيرة الكورية بالنسبة للأمريكيين رمزا للصراع بين الشرق والغرب، وبين «الخير والشر ومقاومة الشيوعية»، وهي نفس النغمة التي صدحت في مؤتمر القمة الإسلامية الأمريكية في شبه الجزيرة العربية والتلميح بتهديد إيران وسوريا وسد الطريق على السوفيت الشيوعية وإيران الشيعية الإرهابية (!) وإطلاق اليد في اليمن والعبث في ليبيا، وكله تحت عنوان «مقاومة الإرهاب الإسلامي» موضة الحروب الجديدة! رحى التاريخ طحانة، وشبه الجزيرة الكورية لم تدرك الدرس وخاضت حربها المنسية وفتت وحدتها، والدرس الآن أمام شبه الجزيرة العربية في خلق ضرورة التعايش برغم الاختلاف المذهبي والعقائدي والأيديولوجي. لم تقدم لنا خطابات رؤساء أمريكا عن المنطقة العربية إلا الحروب الأهلية والخريف العربي والاستقواء على بعضنا بعضا، فلنجرب إذن خطاب الحكمة القرآنية التي ندين بها « واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»، ولم يقل اعتصموا بحبل أمريكا ولا حبل الوهابية ولا حبل السنة الجهادية ولا حبل الشيعة.. ولا بحبل الإرهاب لتشتيت الأمة العربية، وتقسيم الدول العربية، وتهجير وتجويع الشعوب العربية. مرة أخرى، نحن لغة واحدة ورب واحد ومصير مشترك.