د. خالد قنديل: مستقبل الوفد يتوقف على شجاعة مراجعة الذات قبل مطالبة الناس بالثقة د. خالد قنديل: أراهن على أن تجديد القيادة في حزب الوفد هو بوابة تجديد الفكرة لا تدوير الأسماء د. خالد قنديل: أؤمن أن الدواء في مصر قضية أمن قومي لا مجرد سلعة في السوق د. خالد قنديل: أعمل من داخل مجلس الشيوخ لأربط بين التشريع وحق المواطن في دواء آمن ومتاح محمد سعيد - أحمد ممدوح هذا الحوار لم يكن مجرد أسئلة وأجوبة عابرة، بل محاولة جادة لقراءة لحظة مصرية معقدة من داخل تجربتين متداخلتين: تجربة حزب تاريخي يبحث عن تجديد دوره ومعناه في ظل رؤية مصر 2030، الكاتب والمفكر الدكتور خالد قنديل نائب رئيس حزب الوفد وأمين سر لجنة الصحة بمجلس الشيوخ يتحدث عن كل هذا بالإضافة إلي حديثه عن تجربته كخبير دوائي يجلس تحت قبة مجلس الشيوخ، ويحمل هم الأمن الصحي للمواطن بوصفه جزءًا من الأمن القومي. بين سطور الحديث، يتحدث قنديل عن أزمة الحياة الحزبية، وتحديات العمل البرلماني، وتعقيدات ملف الدواء، لا بوصفها ملفات منفصلة، بل كدوائر تلتقي عند سؤال واحد: كيف يمكن أن تخدم السياسة، والحزب، والتشريع، والاختصاص، المواطن العادي في حياته اليومية، لا في الشعارات فقط؟ في هذا السياق، لم يتوقف الحوار مع أمين سر لجنة الصحة بمجلس الشيوخ عند توصيف ما جرى لحزب الوفد أو سوق الدواء، بل حاول أن يذهب إلى ما هو أعمق: معنى أن يحمل حزب عريق لقب حزب الأمة في زمن تغيرت فيه خرائط المجتمع وهمومه، ومعنى أن يتعامل مشرع وخبير مع الدواء باعتباره قضية عدالة وأمن واستقلال وطني، لا بندًا في ميزانية أو جدول تسعير. هكذا تداخل الحديث بين الهُوية الحزبية وتجديد القيادة، وبين دور غرفتي البرلمان في ضبط العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين ضرورة إعادة هندسة المنظومة التشريعية للدواء؛ لنجد أنفسنا في النهاية أمام خيط ناظم واحد: لا مستقبل لحزب، ولا لبرلمان، ولا لسياسة صحية، إن لم يبق الإنسان المصري وكرامته وحقه في دواء آمن وحياة مستقرة هو نقطة البدء والختام في أي حوار جاد عن الإصلاح. من يكون حزب الوفد اليوم.. ولأي مصريين يمكنه أن يقول بثبات: أنا حزبكم؟ حزب الوفد يتحدث عن نفسه بوصفه حزب الأمة؛ حزب الدستور والليبرالية الوطنية والاستقلال، وعلى مستوى التحليل، هناك ثلاث دوائر اجتماعية يقترب منها الخطاب التاريخي للوفد: أولا: الطبقة الوسطى الباحثة عن استقرار معقول ومعنى أخلاقي للسياسة، الموظفون، المهنيون، أصحاب الأعمال الصغيرة، الذين يريدون دولة منظمة لا جائرة، وسوقًا منضبطًا لا متوحشًا، وقانونًا يحمي لا يقصي. ثانياً: الشباب المتعلم الذي ضاق بالشعارات الكبرى وفقد الثقة في الوعود السريعة، شباب يعرف لغة الدستور والحقوق، لكنه في الوقت نفسه يعيش ضغوط العمل والسكن والأجر، ويريد من السياسة أدوات تنظيم وحماية لا مجرد خطابات. ثالثاً: المواطن الذي لا يزال يراهن على فكرة المؤسسات: من يرى أن مستقبل مصر 2030 لا يبنى فقط بالطرق والكباري والمشروعات، بل أيضًا بتماسك البنية المؤسسية: أحزاب، نقابات، برلمان، مجتمع مدني. لو استطاع الوفد أن يعرف نفسه، فسيقول لهؤلاء شيئًا من قبيل: أنا حزبكم، إن كنتم تبحثون عن صيغة تربط بين الدولة القوية والمواطن المكرم، بين الاستقرار والتنظيم من جهة، وبين المشاركة والمعنى من جهة أخرى. ما القضايا التي يمكن أن يحاسب عليها؟ في سياق رؤية مصر 2030، حيث تطرح التنمية غالبًا في شكل أرقام ومؤشرات، يمكن لحزب وفدي الهوية إذا أراد أن يكون واضحًا أن يعرف نفسه من خلال عدد من القضايا المحورية، لا كشعارات بل كمعايير يحاسب عليها ومنها الدفاع عن وجود قنوات شرعية ومنضبطة للتعبير والمشاركة (أحزاب، نقابات، استشارات مجتمعية)، لا بوصفها ترفًا ديمقراطيًا، بل كشرط لاستقرار طويل المدى يمنع تراكم الاحتقان. أيضا أن يرى نفسه ليس في موقع الخصومة المطلقة ولا التماهي الكامل، بل كوسيط يترجم لغة الدولة إلى لغة الناس، وينقل هموم الناس إلى جداول عمل الدولة، عبر أدوات تشريعية ورقابية واقتراحية. بالإضافة إلى أن يكون معيار نجاحه ليس عدد التصريحات أو الظهور الإعلامي، بل عدد الكوادر المحلية القادرة على حل مشكلات ملموسة في حي وقرية ومؤسسة.. وغيرها من المحاور التي يستطيع تقدمها وفي هذه القراءة، يصبح السؤال المركزي ليس: ما الذي كان يمثله الوفد؟ بل: ما الذي يتعهد به الآن؟، إن أي حزب تاريخي لا يستمد شرعيته من التاريخ إلا بقدر ما يستطيع أن يحول هذا التاريخ إلى التزام جديد محدد: فئة اجتماعية يعرف ملامحها، وقضايا قليلة واضحة، وحد أدنى من الصدق بين ما يقول وما يفعل. عند هذه النقطة فقط يمكن لحزب مثل الوفد أن يقترب من إجابة مختلفة عن سؤالك: لا يعود مجرد اسم كبير في ذاكرة السياسة المصرية، بل عنوانًا اجتماعيًا سياسيًا يمكن لمصريين بعينهم أن يقفوا أمامه ويقولوا: هذا حزب يشبه ما نحتاجه، لا ما كنا نقرأ عنه فقط . هل ستكون انتخابات رئاسة حزب الوفد في يناير مجرد تنافس على القيادة بين أشخاص، أم لحظة مراجعة شاملة لمسار الحزب: هويته، تمثيله الحقيقي للفئات الاجتماعية، موقعه من رؤية مصر 2030 ومن الانتخابات الرئاسية، وقدرته على إطلاق مسار إصلاح داخلي يشارك فيه الشباب والكوادر لا أن يُفرض عليهم من أعلى؟ حزب الوفد كأي حزب تاريخي حين يدخل في انتخابات لاختيار قائد جديد، يبدو أننا أمام تنافس طبيعي على منصب: صندوق، أوراق، مرشحون، فرز، إعلان نتيجة. لكن السؤال الأعمق ليس: من يتولى القيادة؟، بل: ماذا يمثل هذا القيادي؟، إذا كان المنصب مجرد موقع فردي يعاد إنتاجه داخل بنية قديمة كما هي، فالانتخابات مهما بدت ساخنة لا تغير المسار؛ هي أشبه بتغيير ممثل في مسرحية لم يتغير نصها ولا جمهورها. أما إذا استخدمت اللحظة لتفكيك أسئلة أعمق عن هوية الحزب ودوره وموقعه من المجتمع ومن الدولة، فنحن هنا لا ننتخب شخصًا فحسب، بل نعيد تعريف وظيفة القيادة ذاتها: هل هي إدارة وضع قائم، أم الشروع في مسار إصلاح طويل؟، وحزب الوفد بتاريخه يعيش بين مستويين: مستوى الذاكرة: فيها تستدعى الأسماء الكبرى، اللحظات الملهمة، والمعارك القديمة، والمبادئ التي ارتبطت في الوعي الجمعي بكلمات مثل الحرية والدستور والاستقلال ، ومستوى الواقع الحي: حيث يسأل الحزب بأسئلة مختلفة تمامًا: كيف يتعامل مع البطالة؟ مع تحولات الطبقة الوسطى؟ مع تغير لغة الشباب وأدواتهم؟، الانتخابات الداخلية تصبح ذات معنى حين تستخدم لردم الهوة بين هذين المستويين: فلا يعود الحزب مجرد رمز جميل من الماضي، ولا يتحول إلى كيان بلا جذور، بل يحاول أن يجيب: كيف يمكن لذاكرتنا أن تتحول من نص محفوظ إلى طاقة حية تترجم في مواقف وسياسات وتنظيم جديد؟. قد تعطي الانتخابات انطباعًا مخادعًا بأن المعركة الأساسية هي: من الأقدر على حشد الأنصار؟ أو من الأكثر قبولًا إعلاميًا؟، لكن الاختبار العميق لأي حزب لا يكمن هنا، بل في أسئلة مثل: هل تستطيع المؤسسة أن تدير خلافًا حادًا دون أن تنقسم؟،، هل تحتمل النقد الداخلي دون أن تتحول إلى معسكرات تخوين؟، هل تدار العملية بمعايير واضحة (لوائح، إجراءات، شفافية)، أم بمنطق الولاءات والشبكات الخفية؟، في هذه الزاوية، الانتخابات ليست استفتاءً على الأشخاص بقدر ما هي استفتاء على البنية ، هل نحن أمام حزب قادر على تجديد نفسه من الداخل، أم أمام كيان تستخدم فيه الانتخابات لتأكيد ما هو قائم، مع تغيير في الوجوه لا في القواعد الناظمة؟. اللحظة الانتخابية مغرية بطبيعتها؛ ضوء إعلامي، حشد، بيانات، انتصارات وهزائم. لكن القراءة الأعمق تسأل: ماذا سيحدث اليوم التالي لإعلان النتيجة؟، هل هناك التزام بفتح ملفات الإصلاح التي جرى الحديث عنها: تمثيل الشباب تمثيلًا حقيقيًا لا رمزيًا. مراجعة اللوائح التي ترسخ الشخصنة وتمنع التداول. إعادة وصل الحزب بقواعده في القرى والمناطق المهمشة. أم أن حرارة اللحظة ستنطفئ بانتهاء فرز الصناديق، ليعود كل شيء إلى ما كان عليه؟، من هذه الزاوية، الانتخابات لا تقاس فقط بسلامة إجراءاتها، بل بقدرتها على أن تكون عتبة لمسار طويل من إعادة البناء: بناء الثقة، وبناء الإنسان الحزبي، وبناء العلاقة مع المجتمع. بهذا المعنى، لا نسأل فقط: من سيأتي؟ بل نسأل: أي نوع من الكيانات سنكون بعد هذه اللحظة؟، هل سنبقى أسرى صورة في الذاكرة، أم نحاول بهدوء وصبر أن نصنع دورًا جديدًا في زمن جديد. كيف يمكن لحزب تاريخي أن يمارس شجاعة الاعتراف بأزمته الداخلية دون أن يهدم شرعيته المتراكمة عبر عقود، بل يحول هذا الاعتراف نفسه إلى مصدر جديد للقوة والمصداقية أمام أعضائه والرأي العام؟ اللحظة التي يختار فيها حزب تاريخي أن يعترف بأزمته ليست لحظة انتحار رمزي، بل لحظة ميلاد ثانية، المعادلة الدقيقة هنا تقوم على ثلاث ركائز: 1- الفصل بين التاريخ بوصفه رصيدًا، والتاريخ بوصفه حصانة مطلقة، فالحزب لا يقدم تاريخه ك شهادة براءة من الحاضر، بل ك التزام إضافي تجاهه؛ فيقول ضمنًا: لأننا حملنا في الماضي أدوارًا كبرى، فإن مسؤوليتنا اليوم أن نواجه تقصيرنا لا أن نخفيه خلف تلك الأدوار. بهذه الصياغة، يصبح التاريخ محركًا للنقد الذاتي لا سلاحًا للدفاع الأعمى. 2 توزيع المسؤولية بعدل، لا بتجاهلها ولا بتهويلها، فالخطاب المتوازن لا يحمل الظروف كل شيء، ولا يحمل الأشخاص كل شيء، بل يعترف بأن: هناك عوامل خارجية موضوعية أثرت في الأحزاب جميعًا. وهناك اختيارات داخلية، ولوائح وممارسات، ساهمت في إضعاف الفاعلية والنفوذ. والاعتراف يكون من قبيل: نحن جزء من أزمة أوسع في المجال، العام، لكننا لا نعفي أنفسنا من نصيبنا فيما وصلنا إليه، ولذلك نبدأ بأنفسنا. 3- تحويل النقد إلى برنامج عمل لا إلى جلد ذات فالاعتراف لا يترك معلقًا في الهواء، بل يربط بخطوات إصلاح محددة: مراجعة لائحة، آليات جديدة لاختيار القيادات، تمكين أجيال جديدة، إعادة ترابط الحزب بقواعده في المجتمع. حين يرى الأعضاء والرأي العام أن النقد الذاتي تبعته قرارات ملموسة، يتحول الاعتراف من لحظة إضعاف للهيبة إلى لحظة تعميق للثقة: هذا حزب لا يدعي العصمة، بل يملك شجاعة التصحيح من الداخل. بهذا الأسلوب، لا ينظر للاعتراف بالأزمة كتهديد للشرعية التاريخية، بل كدليل على أن هذه الشرعية ما زالت حية وقادرة على التجدد، وليست مجرد صورة معلقة على الجدار. ما المواصفات البنيوية والوظيفية للجنة إصلاح حقيقية داخل حزب تاريخي، بحيث تكون أداة لإعادة البناء المؤسسي وتجديد الثقة، لا غطاءً شكليًا أو ساحةً جديدةً لتصفية الحسابات الداخلية؟ لكي تكون لجنة الإصلاح ذات معنى حقيقي، لا بد أن تُبنى بحيث تجمع في تكوينها، وصلاحياتها، ومخرجاتها ما يجعلها أداة لإعادة البناء لا واجهة شكلية. من حيث التكوين، ينبغي أن تضم رموزًا تاريخية محترمة تمتلك رصيدًا من المصداقية وغير غارقة في الصراعات الحالية، لتمنح اللجنة وزنًا معنويًا، إلى جانب شباب فاعلين عاشوا التجربة من موقع القواعد واللجان، فيكون صوت الأجيال الجديدة حاضرًا في التشخيص وفي الحلول، مع الاستعانة بخبرات من خارج الحزب تضخ رؤية مستقلة وتمنع انغلاق النقاش داخل منطق "نحن" الداخلي. بهذا التوازن تبدو اللجنة في أعين الأعضاء أقرب ما تكون إلى ضمير مؤسسي، لا إلى امتداد لفريق بعينه. ومن حيث الصلاحيات، تحتاج اللجنة إلى قدر من الاستقلال وحدود زمنية واضحة؛ تمنح حق الاطلاع على الوثائق والقرارات التنظيمية السابقة، وحق الاستماع للقيادات الحالية والسابقة، وللقواعد في المحافظات، مع تحديد إطار زمني لعملها حتى لا تتحول إلى كيان أبدي بلا حصيلة، وتعريف واضح لمجالات عملها مثل مراجعة اللائحة، وتقييم آليات اختيار القيادات والمرشحين، ودراسة موقع الشباب والنساء في البنية الحزبية. الاستقلال النسبي هنا يعني ألا تدار اللجنة من مكتب شخص واحد، ولا تستخدم لتبرير قرارات جاهزة سلفًا. أما من حيث المخرجات، فالقيمة تقاس بنتائج قابلة للتنفيذ لا بعدد الاجتماعات. لجنة الإصلاح الجادة تخرج بوثيقة تشخيص مكتوبة توضح مواطن الخلل البنيوي بدل الاكتفاء بعبارات عامة عن بعض الأخطاء ، وتقدم حزمة مقترحات ملزِمة تعرض على الهيئات المختصة للتصويت، تشمل تعديل اللوائح، واستحداث هياكل، وتحديد نسب تمثيل للشباب والنساء، مع وضع آلية متابعة واضحة وجدول زمني لما نفذ وما تعثر ومن المسؤول عنه، حتى لا تتحول الوثيقة إلى أرشيف محترم بلا أثر. الأهم أن يعلن الحزب، ولو في حدود داخلية، التزامه من حيث المبدأ بتنفيذ ما يتفق عليه داخل هذه اللجنة ما لم يظهر مانع جوهري؛ عندها فقط يدرك الجميع أن اللجنة ليست ديكورًا، بل تبدأ من الاعتراف وتنتهي إلى تغيير حقيقي ولو كان تدريجيًا. ما معنى أن يخرج حزب الوفد من قاعات العاصمة إلى حياة الناس في المحافظات والقرى؟ أليس في ذلك نوع من الحنين الرومانسي؟ الخروج إلى الناس هنا لا يعني استعادة صورة قديمة لحشود وخطب، بل يعني إعادة تعريف معنى الوجود السياسي نفسه. الحزب الذي يبقى في العاصمة يتحول تدريجيًا إلى ما يشبه مركز أبحاث بلا مجتمع، ينتج خطابًا لا يجد له تربة يزرع فيها. الوجود في المحافظات والقرى ليس انتشارًا جغرافيًا فحسب، بل ترجمة عملية لفكرة أن السياسة ليست حديث النخب فقط، بل هي أيضًا: استشارة قانونية لمواطن لا يستطيع دفع أتعاب المحامي، دورة تدريب لمجموعة من الشباب يبحثون عن مهارة تفتح لهم بابًا، دائرة نقاش حول مدرسة متهالكة أو وحدة صحية غير قادرة على أداء دورها. حين يتحول المقر إلى فضاء خدمة، لا يعود مجرد عنوان إداري، بل يصبح نقطة تماس بين الحزب والهم اليومي للناس. ومع الوقت، إذا سألنا بعد عامين أو ثلاثة: هل تغير شيء؟ لن ننظر إلى عدد اللافتات، بل إلى عدد المواقف التي يمكن أن تروى عن عضوٍ من أعضاء الحزب ساعد في حل مشكلة في قرية، أو وقف مع أسرة في معركة قانونية عادلة، أو ساهم في مبادرة تعليمية بسيطة. عند هذه اللحظة، يكون الحزب قد تحرك من خانة الخبر إلى خانة التجربة المعيشة . الجميع يتحدث عن تمكين الشباب، لكن كثيرًا ما ينتهي الأمر بصورة جماعية وهاشتاج عاطفي. ما المعنى الحقيقي لهذا التمكين داخل حزب عريق، إذا أردنا أن نستخدم الكلمة بواقعية لا بدعاية؟ التمكين الحقيقي يبدأ من لحظة نعترف فيها أن الجيل الجديد ليس مجرد ورقة قوة في الخطاب، بل جزء من معادلة اتخاذ القرار. الشاب الذي يستدعى إلى منصة ليصفق أو يقرأ بيانًا معد سلفًا لن يشعر بأن الحزب بيته، بل مسرح يستعير صوته ثم يعيده إلى مقعد المتفرج. المعنى العميق للتمكين هو أن نربط وجود الشباب بثلاثة عناصر: موقع، وصلاحية، ومساحة تجربة. الموقع يعني أن يكون لهم وجود واضح في الهيئات القيادية، لا في الهامش الرمزي. الصلاحية تعني أن تكون الكلمة التي يدلون بها مؤثرة في صياغة القرار، لا مجرد ملاحظة عابرة يمكن تجاهلها. ومساحة التجربة تعني أن تفتح أمامهم دوائر انتخابية ومهمات تنظيمية يمكن أن ينجحوا فيها بالفعل، لا ساحات مستحيلة، الهدف منها تجميل الصورة . حين يدرك الشاب أن رأيه غير صيغة، أو أن قراره تبنته مؤسسة الحزب، أو أن جهده في دائرة ما أثمر نتيجة ملموسة، يتكون نوع مختلف من الانتماء: انتماء من يعرف أنه ليس عابرًا، بل شريكًا في صناعة المسار. كيف يمكن لحزب الوفد أن يعيد بناء خطابه الإعلامي بحيث يخاطب المواطن كعاقل، لا كرقم في معادلة انتخابية تستدعى عند الحاجة ثم تنسى؟ الخطاب الإعلامي لا يبدأ من الميكروفون، بل من السؤال: كيف نرى المواطن؟ إذا كان يرى ك صوت يجمع في موسم ثم يهمل، فسيخرج الخطاب مشحونًا بالشعارات، فقيرًا في التفاصيل، ثريًا في الوعود، عاجزًا عن تفسير أبسط قرار. أما إذا عاملنا المواطن كإنسان يحاول أن يفهم ويوازن ويشك ويخاف ويرجو، فإن طبيعة الخطاب تتغير. عندها يصبح المطلوب أن نشرح قانونًا يمس معاشه بلغة مفهومة، أن نقول له بوضوح ما نستطيع فعله وما لا نستطيع، وأن نترك في كلامنا مساحة للاعتراف بالقصور، لا أن نغطيه بطلاء لغوي لامع. في الفضاء الرقمي، تتأكد هذه القاعدة أكثر. النص القصير، والصورة، والفيديو، ليست أدوات للترويج فقط، بل يمكن أن تتحول إلى وسيلة تعليم سياسي بسيط: ما معنى هذا القرار الاقتصادي؟ كيف ينعكس على الأسعار؟ ماذا يمكن أن يقترح الحزب لتخفيف أثره؟ إلى جانب ذلك، هناك قصص صغيرة عن خدمة حقيقية، عن مبادرة محلية، عن موقف تضامن مع فئة مهمشة. وإذا فتح الباب أمام الأسئلة والاعتراضات بلا تخوين ولا سخرية من المتوجس سيتكون ببطء فضاء مختلف: فضاء حوار، لا فضاء إعلان فقط. وحين ينسجم ما يقال في العلن مع ما يقال داخل الغرف المغلقة، تنشأ الثقة من جديد؛ لأن المواطن يدرك بفطرته متى يخاطب كعقل، ومتى يتعامل معه كرقم. إذا افترضنا أن حزبًا ما قرر أن يدخل في مسار إصلاحي يمتد لسنوات، فبأي معيار يمكن أن يقيس نجاحه، بعيدًا عن إغراء تجميل الأرقام؟ القياس الصادق يبدأ من الداخل قبل الخارج. السؤال الأول: هل تغيرت طريقة إدارة الخلاف؟ إذا كان كل اختلاف في الرأي يفضي إلى انشقاق أو تجميد أو خروج، فالمسار سيظل حبيس منطق الشخصنة حتى لو تغيرت الوجوه. أما إذا أصبح الخلاف قابلًا للإدارة عبر آليات معروفة، فلا يعود تهديدًا للبنية بل علامة صحة. السؤال الثاني: هل تحول حضور الشباب والنساء من عنوان إلى بنية ؟ أي هل يمكن، عند النظر إلى أي هيئة قيادية، أن نرى أمامنا فعلًا تنوعًا في الأجيال والخبرات، أم أن الأمر لا يزال يدور في الحلقة نفسها بأسماء أقل سنًا فقط؟، ثم يأتي سؤال الشارع: هل هناك وقائع ملموسة عن تأثير الحزب في حياة الناس، مهما كانت محدودة، أم أن الحضور لا يزال مشدودًا إلى المنصات والشاشات؟ التمثيل البرلماني نفسه ينبغي قراءته من هذه الزاوية: ليس مجرد عدد من المقاعد، بل نوعية الدور الذي يمارسه النواب: هل يضيفون شيئًا لرقابة أو لتشريع أو لصوت من لا صوت له، أم يتحول المقعد إلى نهاية الرحلة لا بدايتها؟ وأخيرًا، ثمة سؤال أخلاقي لا مفر منه: إذا اكتشف الحزب أن جانبًا من خطته لم يتحقق، ماذا يفعل؟ يمكنه أن يختار الطريق السهل فيعيد صياغة خطاب يبرر ما حدث ويحمل الظروف كل شيء، ويمكنه أن يختار طريقًا أصعب: أن يقول لأعضائه وللمجتمع، بهدوء ووضوح، هنا أخطأنا، وهنا بالغنا في التقدير، وهنا نحتاج أن نعيد الحسابات . وفي الخيار الثاني، يبدو عاجزًا عن بعض الأهداف، لكنه يحتفظ بما هو أثمن على المدى البعيد: القدرة على أن يرى نفسه، وأن يدرك أن السياسة ليست فن إدارة الصورة فقط، بل هي أيضًا فن مواجهة الحقيقة دون أن يفقد إيمانه بجدوى الفعل. كيف تتصور العلاقة الصحية بين العمل الحزبي وأداء نوابكم في مجلسي الشيوخ والنواب؟ أرى أن العلاقة الصحية بين العمل الحزبي وبين أداء النواب في غرفتي البرلمان الشيوخ والنواب، تقوم أولًا على النظر إلى الكتلة البرلمانية بوصفها امتدادًا طبيعيًا لعقل الحزب وضميره، لا مسارًا منفصلًا يتحرك بمنطق مختلف عما يناقش في المقرات والهيئات. بمعنى أن يتجسد البرنامج والرؤية في شكل مواقف تشريعية ورقابية واضحة، وأن ما يواجهه النواب من قضايا وتحديات في اللجان والجلسات يعود مرة أخرى إلى مؤسسات الحزب ليتحول إلى مراجعة للبرامج والأولويات. حين تعمل هذه الحركة في الاتجاهين، يصبح الحزب حاضرًا في البرلمان، ويصبح البرلمان بدوره مرآة لما يدور في المجتمع وقواعده الحزبية، لا مجرد ساحة فردية للأداء الشخصي. وفي هذه الدورة بالذات، حيث تشارك مجموعة كبيرة من الأحزاب والشخصيات الوطنية تحت قبة الشيوخ والنواب، تبدو الفرصة واعدة لأن تكون دورة مختلفة ومميزة؛ فتنوع الخلفيات والرؤى يفتح الباب أمام قدر أكبر من الحوار والتكامل في تناول قضايا الوطن، ويجعل من التنسيق بين العمل الحزبي والعمل البرلماني مساحة لبناء توافقات وطنية حقيقية حول الملفات الكبرى، بدل أن يبقى كل حزب أو شخصية في جزيرته المنعزلة. إذا أحسنت الأحزاب استثمار هذا التنوع، يمكن أن تتحول هذه الدورة إلى نموذج يبرهِن أن الحياة الحزبية والبرلمانية في مصر قادرة على أن تتطور في اتجاه أكثر نضجًا ومسؤولية، يخدم مشروع الدولة ويعطي للمواطن في الوقت نفسه إحساسًا بأن صوته وتمثيله داخل المؤسستين ليس مجرد إجراء شكلي، بل جزء من معادلة حقيقية في صنع القرار. كيف ترى من موقعك كخبير دوائي يجلس اليوم تحت قبة مجلس الشيوخ وداخل لجنة الصحة، ومنخرط في عمل حزبي منظم، الطريقة التي يمكن أن تتحول بها خبرتك الفنية في ملف الدواء وسوقه وتعقيداته إلى رؤية تشريعية وحزبية أوسع، لا تدير فقط أزمات التوافر والتسعير في المدى القصير، بل تساهم في بناء سياسة صحية دوائية طويلة المدى تحفظ حق المواطن في دواء آمن ومتاح، وتخدم في الوقت نفسه مشروع الدولة في توطين الصناعة وتعزيز الأمن الصحي؟ اسمح لي أولًا أن أؤكد أنني لا أرى نفسي في أدوار منفصلة كخبير دوائي وعضو في مجلس الشيوخ وعضو بحزب سياسي؛ بل في دوائر متداخلة تلتقي عند هدف واحد هو المصلحة الصحية للمواطن المصري في إطار دولة تسعى لبناء أمن صحي حقيقي، لا مجرد إدارة أزمات. ومن واقع خبرتي أرى أن مشكلة الدواء في مصر ليست مجرد نواقص، بل خلل تشريعي واقتصادي وتنظيمي؛ لذلك أتعامل مع خبرتي الفنية كأداة لصياغة رؤية وسياسات تعترف بأن الدواء جزء من الأمن القومي الصحي، لا سلعة عادية. هذا الفهم، مدعومًا بالاحتكاك اليومي بالمرضى عبر العمل الحزبي والمجتمعي، يجعلني أحرص في مداخلاتي التشريعية والرقابية على معادلة دقيقة: حماية حق المواطن في دواء آمن ومتاح بسعر عادل، وفي الوقت نفسه الحفاظ على قدرة الصناعة على الاستمرار. الإطار الحالي يفترض اقتصادًا مستقرًا: الدولة تسجل وتسعّر وتراقب، بينما تتحمل الشركات وحدها مخاطر تقلب سعر الصرف والطاقة والخامات، وهو ما يجعل التسعير مع غياب مفهوم الأمن الدوائي سببًا مباشرًا لتوقف الإنتاج وظهور النواقص. لذلك أدفع في لجنة الصحة ومع الحكومة وزملائي نحو تشريع واضح للأمن الدوائي يعامل الدواء كسلعة استراتيجية، يحدد قائمة وطنية للأدوية الأساسية، ويربط تسعيرها بآلية مرنة وعادلة تقوم على التكلفة الفعلية مع مراجعة دورية مرتبطة بسعر الصرف لضمان استمرارية الإنتاج. وفي ظل اعتمادنا على استيراد أغلب الخامات الفعالة، أرى أن واجبي كخبير ومشرّع هو الدفع نحو سياسة جادة لتوطين صناعة الخامات من خلال حوافز وضمانات حقيقية، إلى جانب إطار خاص لتشجيع التصدير الدوائي ودعم التسجيل الخارجي والصادرات، بما يعزز استقلالنا الدوائي ويدخل عملة صعبة. في كل ذلك أحرص أن أعمل بروح الشريك لا الخصم؛ فالدولة تبذل جهدًا في ملف الصحة، لكننا نحتاج إلى بعد تشريعي يعترف صراحة بأن الدواء أمن قومي. من خلال عملي الحزبي أربط هذه الرؤية بقضية العدالة الاجتماعية، ومن خلال عملي البرلماني أحاول تحويلها إلى نصوص وآليات رقابية وحوار دائم مع الحكومة والقطاع والمهنيين، بحيث تبقى مصلحة المريض المصري هي البوصلة الحقيقية لكل ما نقترحه من سياسات وتشريعات.